fbpx

القائمة الرئيسية

مبادئ سير المرافق العمومية

مبادئ سير المرافق العمومية

محتويات المقال

مبادئ سير المرافق العمومية

مبادئ سير المرافق العمومية التي نص عليها الدستور في الفصل 154 كالتالي:”يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطن والاستمرارية في أداء الخدمات. وتخضع المرافق العمومية المعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية وتخضع في تسييرها لمبادئ وقيم الديمقراطية الدستور .

كما نصت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية على هذه المبادئ في إطار قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر.

المطلب الأول : مبدأ المساواة أمام المرافق العمومية

بالإضافة إلى ما جاء في الفصل 154 من الدستور، هناك مقتضيات دستورية أخرى تنص على مبدأ المساواة كمبدأ من مبادئ سير المرافق العمومية ، من ذلك ماجاء في الفصل 19 الذي ينص على أنه:”يتمتع الرجل والمرأة على قدم والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور, وفي مقتضيات الأخرى,  وكذا في الاتفاقيات و المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب”

ومن أهم مظاهر تطبيق مبدأ المساواة أمام المرافق العمومية هناك المساواة بين المواطنين في الانتفاع من خدمات المرافق العمومية (الفرع الأول)، والمساواة بين المواطنين في ولوج الوظيفة العمومية الفرع الثاني، والمساواة في تحمل الأعباء المترتبة عنه (الفرع الثالث)، ومبدأ حياد المرافق العمومية (الفرع الرابع) ، والإنصاف في تغطية التراب الوطني (الفرع الخامس).

الفرع الأول: المساواة في الانتفاع من خدمات المرافق العمومية

تقتضي هذه القاعدة استفادة الأفراد الذين يوجدون في نفس الوضعية، وتتوفر فيهم الشروط التي يحددها المشرع، من الخدمات التي تقدمها المرافق العمومية على قدم المساواة دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو الانتماء السياسي أو الجغرافي. مما يعني أن هذه المساواة في الاستفادة من خدمات المرافق العمومية ليست مطلقة بل مقيدة ببعض الشروط والضوابط التي يحددها المشرع، كأن يشترط مثلا لولوج المعاهد العليا في مجال التربية والتكوين شهادة معينة.

وفي حالة خرق المرفق العمومي لمبدأ المساواة – باعتباره من مبادئ سير المرافق العمومية – بين المواطنين الذين يتواجدون في نفس المراكز القانوني من حيث شروط الاستفادة من خدماته, فإنه يخرج عن مبذأ الشرعية.

وهو ما قضت المحكمة الإدارية بأكادير في هذا الإطار، وهي تحمل المكتب الوطني للكهرباء المسؤولية عن حرمان المدعي من الاستفادة من مشروع كهربة القرية التي يقع داخلها مسكنه، بأنه تطبيقا لمبدأ المساواة في الاستفادة من خدمات المرافق العمومية باعتباره مبدأ دستوريا من مبادئ سير المرافق العمومية، فإن المدعي من حقه ربط مسكنه بالتيار الكهربائي في إطار مشروع كهربة القرية المعنية

الفرع الثاني: المساواة في الولوج إلى وظائف المرفق

اذا كان الدستور قد نص في الفصل 31 على استفادة المواطنات و المواطنين على قدم المساواة لحق في الولوج للوظيفة العمومية حسب الاستحقاق ، فإن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية نص على الشروط العامة لولوج هذه الوظائف والتي تتجلى  حسب فصله 21 فيما يلي:

– التوفر على الجنسية المغربية ؛

– التمتع بالحقوق الوطنية والمروءة؛

– استيفاء شروط القدرة البدنية التي يتطلبها القيام بالوظيفة العمومية.

يتم التوظيف ، طبقا للفصل 22 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية السالف الذكر، وفق مساطر تضمن المساواة بينجميع المترشحين لولوج نفس المنصب، ولاسيما مسطرة المبادرة. وإذا تعذر ذلك، خاصة إذا كان عدد المناصب المراد شغلها طبقا لقانون المالية أو خصوصية المواصفات المطلوب توفرها في المترشح، لا يبرران تنظيم مباراة، أمكن للإدارة أن تلجأ إلى مساطر أخرى، شريطة أن يبلغ إلى العموم عدد المناصب المراد شغلها، والشروط الواجب توفرها في المترشحين ومسطرة التوظيف المعتمدة، و كذا قائمة المترشحين المقبولين.

أما فيما يرجع للشروط الخاصة بكل وظيفة من الوظائف العمومية، فإن الأنظمة الأساسية الخاصة بمختلف فئات الموظفين هي الي تبينها.

 يتفرع عن هذا المظهر من مظاهر مبدأ المساواة في الولوج إلى وظائف المرفق العمومي، حقوق أخرى ينبغي أن يستفيد منها جميع الموظفين والأعوان على قدم المساواة تتجلى في الترقية، وفي تقلد مناصب المسؤولية، والمشاركة في دورات التكوين المستمر، وفي الحصول على العلاوات، وذلك طبقا للشروط والضوابط المقررة في النصوص التشريعية والتنظيمية والجاري بها العمل.

الفرع الثالث : المساواة في عمل أعباء المرفق العموم

نص الدستور على هذا المظهر من مظاهر مبدأ المساواة في الفصلين 39 و 40. فعلى الجميع أن يتحمل، کل على قدر استطاعته ، التكاليف العمومية التي ، للقانون وحده، إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور.

كما أن على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها ، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، و كذا تلك الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.

تعتبر المساواة في تحمل الأعباء العامة، كمقابل ونتيجة لمبدأ مساواة المواطنين في الانتفاع بخدمات المرفق العمومي. فمساواة المواطنين في أداء الضرائب والرسوم تقابلها مساواتهم في الانتفاع بالخدمات العامة التي تقدمها مختلف مرافق الدولة.

الفرع الرابع : حياد المرفق العمومي

يعد حياد المرفق العمومي أحد تطبيقات ومظاهر مبدأ المساواة أمام المرافق العمومية، ويهدف إلى عدم ربط خدمة المرفق باعتبارات متصلة بالجنس أو الدين أو العرق أو الانتماء السياسي أو الموقع الجغرافي.

وهذا ما أكده مجلس الدولة الفرنسي في رأيه الاستشاري الصادر بتاريخ 29 نوفمبر 1989 عندما اعتبر بشأن الحجاب الإسلامي أن النصوص الدستورية والتشريعية والالتزامات الدولية الفرنسا تؤكد على مبدأ علمانية التعليم الفرنسي الرسمي الذي يعد أحد عناصر علمانية الدولة الفرنسية وحياد المرافق العامة. كما ألغى في قرار آخر له صدر بتاريخ 4 نوفمبر 1996 استمارة الولوج إلى المعهد الجامعي لتدريب المدرسين التي تتضمن الحصول على معلومات تتعلق بالتوجه السياسي والمهني والعرقي.

الفرع الخامس: الإنصاف الجغرافي

ينبغي أن تغطي المرافق العمومية ، لاسيما تلك التي تنشئها الدولة ، بمجموع تراب المملكة حتى لا تبقى الاستفادة من خدماتها حكرا على منطقة أو مناطق جغرافية معينة، لذلك يجب على السلطات العمومية أن تعمل على تعميم الاستفادة من خدماتها علی كل المناطق.

المطلب الثاني : مبدأ استمرارية المرفق العمومي في أداء خدماته

يقضي هذا المبدأ باعتباره من مبادئ سير المرافق العمومية, استمرارية ومواصلة المرافق العمومية في أداء المهام التي من أجلها أنشئت بدون توقف. لأن من شأن هذا التوقف حادث اضطرابا وانزعاجا لدى المواطنين الذين لا يستطيعون الاستغناء عن خدماتها ، كما هو الشأن بالنسبة لمرفق الأمن الذي يحفظ الأمن والسلام والسكينة داخل الدولة بشكل منتظم و مطرد.

يعد مبدأ استمرارية المرفق العمومي في أداء خدماته من أهم المبادئ التي أقرها المشرع الدستوري والعادي و كرسها الاجتهاد القضائي، لذلك تم تنظيم استقالة الموظف (الفرع الأول)، وزجر تغيبات الموظفين غير المشروعة عن العمل (الفرع الثاني)، ووضع ضوابط و شروطا لممارسة حق الإضراب بل وتحريمه في بعض المرافق العمومية الحيوية (الفرع الثالث).

وابتدع القضاء ، من أجل تأمين وضمان استمرارية المرافق العمومية في أداء خدماتها ، بعض النظريات كنظرية الموظف الفعلي (الفرع الرابع)، و نظرية الظروف الطارئة (الفرع الخامس).

الفرع الأول: تنظيم استقالة الموظفين

بالنظر إلى ما يترتب عن استقالة الموظفين من المس باستمرارية المرفق العمومي، وعرقلة وتعطيل السير العادي والمطرد له، فإن المشرع نظمها بمقتضى النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في الفصل من 77 إلى 79.

ولا تنتج هذه الاستقالة إلا عن طريق طلب كتابي يعرب فيه المعني بالأمر بكل وضوح عن رغبته في مغادرة أسلاك إدارته أو مصلحته. ولا تكون هذه الاستقالة نهائية إلا بعد قبول من السلطة الإدارية المختصة التي يجب أن تصدر مقررها داخل شهر واحد ابتداء من تاريخ تسلم طلب الاستقالة. ويجري العمل للاستقالة ابتداء من التاريخ الذي تحدده الإدارة وقبولها يجعلها غير مستدركة. يستمر الموظف في أداء مهامه إلى حين قبول استقالته من قبل السلطة المعنية، ويتعرض ، في حالة توقفه عن ممارسة مهام وظيفته قبل التاريخ المحدد من قبل السلطة التي يرجع لها النظر في قبول الاستقالة للعقوبات التأديبية المقررة في القانون.

الفرع الثاني: زجر التغيبات غير المشروعة عن العمل

يعتبر كل تغيب عن العمل ، خارج إطار الرخص المسموح بها طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تغيبا غير مشروع يترتب عنه تعطيل مصالح المرتفقين وإعاقة السير العادي والمطرد للإدارة وإضرارا بالمصلحة العامة. وهو ما تطلب من المشرع التدخل لزجر كل تغيب غير مشروع من خلال إصدار القانون رقم 81 . 12 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1 . 83 . 230 بتاريخ 5 أكتوبر 1984، وكذا إصدار المرسوم رقم 2 . 99 . 1216 بتاریخ 10 مايو 2000 المحدد لشروط وكيفيات تطبيقه. كما أصدر الحكومة في هذا الموضوع المنشور رقم 2012 / 26 بتاريخ 15 نونبر 2012

 وعليه ، يعتبر كل تغيب عن العمل خارج الحالات المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، إخلالا بالالتزامات الوظيفية، ولا تتردد معه الإدارة المعنية في تطبيق المقتضیات والمساطر القانونية،

الفرع الثالث: تنظيم الإضراب في المرافق العمومية

بعد حق الإضراب من أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأهم الوسائل التي تعتمد عليها النقابات للضغط على الإدارة للاستجابة للمطالب المهنية للموظفين والأعوان والمستخدمين.

يقصد بالإضراب في اللغة الكف والإعراض ، فنقول أضربنا عن الشيء أي كففنا وأعرضنا عنه. أما من حيث المعنى الاصطلاحي فيقصد به كل توقف عن العمل بصفة مدبرة لمدة من الزمن قصد الضغط على المشغل للاستجابة للمطالب النقابة الشغيلة دون أن تنصرف إلى التخلي عن وظائفهم نهائيا”. وعرفه مشروع القانون التنظيمي رقم 15-97 المتعلق بالإضراب بأنه “توقف جماعي ومدبر عن الشغل من أجل الدفاع عن مطالب مهنية”.

ورغم أن الإضراب عن العمل لا يكون إلا لفترة مؤقتة وقصيرة، فإنه يصطدم مع مبدأ استمرارية المرفق العمومي في أداء خدماته. لذلك اعتبر حق الإضراب استثناء على هذا المبدأ, ما هي الضمانات القانونية لممارسة حق الإضراب في المغرب (الفقرة الأولى)؟ وما هو موقف القضاء الإداري المغربي من هذا الحق (الفقرة الثانية)؟

الفقرة الأولى : الضمانات القانونية لممارسة حق الإضراب

“حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظیمي شروط و کیفیات ممارسته”. هذا ما نص عليه الفصل 29 من الدستور الحالي . وردت هذه العبارة في جميع الدساتير التي عرفها المغرب منذ سنة 1962 ، غير أن هذا القانون التنظيمي الذي أحالت إليه هذه الدساتير لم يصدر بعد.

رغم التكريس الدستوري لحق الإضراب إلا أن هناك فئات عديدة من الموظفين لا تستفيد من هذا الحق بموجب أنظمتها الأساسية الخاصة. وهكذا يمنع على رجال السلطة ممارسة حق الإضراب بموجب المادة 11 من الظهير الشريف رقم 1 . 08 . 67 الصادر بتاريخ 31 يوليو 2008 في شأن هيئة رجال السلطة 2008. كما يمنع على القضاء ممارسة هذا الحق بموجب الفصل 14 من النظام الأساسي لرجال القضاء الصادر في شأنه الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1 . 74 . 467 بتاريخ 11 نونبر 1974 كما وقع تغييره وتتميمه . ونفس الأمر نص عليه القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بالقضاء. ويمنع حق الإضراب كذلك على الأفراد القوات المسلحة الملكية، وعلى أفراد الدرك الملكي، وأفراد القوات المساعدة، وموظفي الإدارة العامة للأمن الوطن وموظفي إدارة السجون .

هذا، ولم يتضمن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية أي مقتضی صريح في شأن حق الإضراب، واكتفى بالنص في الفصل 14 على ما يلي: “يمارس الموظف الحق النقابي وفق الشروط المنصوص، ولا تنتج عن الانتماء أو عدم الانتماء إلى نقابة ما أية تبعية فيما رجع لتوظيف المستخدمين الخاضعين لهذا القانون وترقيتهم وتعيينهم أو فيما يخص وضعيتهم الإدارية بصفة عامة”.

يمكن القول بأن المشرع في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بالنص على الحق النقابي للموظف، يكون قد اعترف ضمنيا بالحق في الإضراب لوجود ترابط قوي بين الحق النقابي والحق في الإضراب.

وقد صادق المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تؤكد الحق في الإضراب. منها العهد الدولي للحقوق الاقتصادية المادة الثامنة على تعهد الدول الأطراف الاجتماعية الذي نص في هذا العهد بكفالة ما يلي:

أ- حق كل  كل شخص في تكوين نقابات بالاشتراك مع آخرين، وفي الانضمام إلى النقابة الى يختارها قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها ،ولايجوز ممارسة هذا الحق لأية قيود غير تلك الى ينص عليها القانون

ب- حق الإضراب شريطة ممارسته وفقا لقوانين البلد المعنی، ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة أو رجال الشرطة أو موظفي الإدارات الحكومية إلى قيود قانونية على ممارسة هذه الحقوق”.

الفقرة الثانية : موقف القضاء الإداري من حق الإضراب في الوظيفة العمومية

مر موقف القضاء الإداري من الحق في الإضراب بمرحلتين أساسيتين : في مرحلة أولى كان القاضي يمنع ممارسة الإضراب في القطاع العام ( أولا )، وفي مرحلة ثانية أخد يقرر بممارسة هذا الحق لكن مع مراعاة بعض الضوابط والشروط ( ثانيا).

أولا: منع ممارسة حق الإضراب

قبل إحداث المحاكم الإدارية كانت النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين بما في ذلك النزاعات المتعلقة بالإضراب ترفع أمام المجلس الأعلى.

ومن النزاعات التي بت فيها هذا المجلس ، والمشهورة في الاجتهاد القضائي المغربي ، نذکر اجتهاده في قضية الحيحي محمد، وكذلك في قضية إدریس نداء. فبالنسبة للقضية الأولى التي تتلخص وقائعها في أن السيد الحيحي محمد الذي كان يشغل وظيفة معلم في أحد المدارس بمدينة أزرو، رفع دعوى إلى المجلس الأعلی علی إثر صدور قرار من وزير التربية والشبيبة والرياضة، والقاضي بتوقيفه عن عمله، وبفسخ العقد الذي كان يربطه بالوزارة، وبحدف اسمه من أطر قسم الشبيبة والرياضة بعد غيابه عن العمل ليوم واحد.

 وبنى الوزير قراره هذا على مقتضيات الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 الذي ينص على أنه “كل توقف عن العمل بصفة مدبرة ، و كل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينة يمكن المعاقبة عليه بدون مراعاة الضمانات التأديبية …” .وقد قضى المجلس الأعلى برفض الطلب الذي تقدم به السيد محمد الحيحي معتبرا أن قرار وزير التربية الوطنية بتوقيفه وطرده قرار مشروع لأنه ارتكز على الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 ،ولأن الطاعن وباعتباره عونا متعاقدا لا يمكن أن يستفيد من الضمانات التأديبية المنصوص عليها في الظهير المتعلق بالوظيفة العمومية التي لا تطبق إلا على الموظفين المرسمين في وظيفة قارة من أطر إدارة الدولة ،

كما استند المجلس  الأعلى في ما قضى به إلى ما يقرره أيضا الفصل السابع من عقد توظيفه الذي نص على أنه في حالة خطأ شنیع يفسخ الوزير العقد بدون إعلام.

وهكذا يكون المجلس الأعلى قد تمسك بتطبيق الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 المتعلق بتحريم الإضراب على الموظفين و مساندا في ذلك موقف الإدارة الرافض لممارسة حق الإضراب، وذلك دون مراعاة المقتضيات الدستورية التي تسمح بممارسته .

ثانيا : إقرار الحق في الإضراب

على خلاف موقف الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى القاضي منع الحق في الإضراب، أقرت المحاكم الإدارية هذا الحق مع وجوب احترام مجموعة من الشروط والضوابط التي استقاها من الاجتهاد القضائي الفرنسي .

وحيث أنه من التسليم ، من حيث المبدأ ، يكون الإضراب حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة. إلا أن الدستور نص على أن تكون ممارسة هذا الحق طبقا للقوانين التي تصدر بتنظيمه، وأن عدم صدور تشریع تنظيمي بهذا الخصوص لا يعني إطلاق هذا الحق بلا حدود ولا قيود بل لابد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع إساءة استعماله، وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية.

وحيث أنه إذا كانت المادة الخامسة من مرسوم 5 فبراير1958 المتعلق بممارسة العمل النقابي من طرف الموظفين تنص علی أنه “كل توقف مدبر عن العمل ، بالنسبة لكل الموظفين يؤدي إلى عدم الانقياد بكيفية بينة ، يمكن المعاقبة عليه خارج الضمانات التأديبية ” فإن مقتضيات هذا المرسوم والتي تتضمن منعا مطلقا لحق الإضراب، تعتبر غير منسجمة مع المقتضی الدستوري الوارد لاحقا، والذي أكدته الدساتير المغربية المتعاقبة لذلك فإن هذا المنع يسقط لعدم انسجامه مع مقتضيات الدستور .

كما اعتبرت المحكمة الإدارية بأكادير في حكمها عدد 259 بتاریخ 2005 / 12 / 22 بأنه ” وحيث أنه تطبيقا للفصل 14 من الدستور، فإن ممارسة حق الإضراب يجب توفيقه مع ضرورة الحفاظ على النظام العام وحسن سير المرافق العمومية، وبما أن القانون التنظيمي المشار إليه في هذا الفصل لم يصدر بعد لضمان ذلك التوفيق فإن للإدارة حق تنظيم ممارسة هذا الإضراب تحت رقابة قاضي المشروعية.

و حيث لئن كان الإضراب حقا مضمونا دستوريا، فإنه يجب أن يمارس بالقدر الذي يمكن من ضمان حسن سير المرافق العمومية الأساسية للحفاظ على النظام العام والأمن الضروريين للبلاد، وفي غياب وجود نصوص تشريعية منظمة له ، فإن هذا الحق يرجع تنظيمه للسلطة المختصة وفق ما سار عليه اجتهاد المجلس الأعلى في قضية الحيحي محمد ضد وزير التربية الوطنية إذ ورد فيه “بأن سلطة رئيس الحكومة في إصدار ذلك المرسوم مستمدة من سلطته التنظيمية في اتخاذ التدابير اللازمة الضرورية لسير مجموع المرافق العامة ….”

يستنتج مما سبق أن القاضي الإداري أكد وأقر الحق في الإضراب ، لكنه في الوقت ذاته وضع بعض الضوابط والشروط حتى يضمن استمرارية المرفق في أداء خدماته بانتظام و اطراد، ويمكن إجمال هذه الضوابط والشروط في ما يلي:

– وجوب إخطار السلطات الإدارية بالإضراب:

 يعد هذا الإخطار شكلية أساسية ينبغي على الموظفين العموميين التقيد بها لممارسة حق الاضراب ، لتعمل الإدارة على اتخاذ ما تراه مناسبا لضمان استمرارية المرفق العمومي. وهكذا ينبغي على الجهة الراغبة في خوض الإضراب إخبار الإدارة المعنية بمكان ممارسة الإضراب وتاريخه ومدته و أسبابه، ويكون هذا الإخطار داخل أجل معقول حتى يكون إضرابا مشروعا وفق ما انتهى إليه القضاء .

وعن هذا الضابط تقول المحكمة الإدارية بمكناس في أحد أحكامها “إن الاجتهاد القضائي المقارن مستقر على تقييد ممارسة حق الإضراب باحترام ضوابط معينة من جملة ذلك وجوب إخبار السلطات المعنية بالإضراب المراد القيام به وتوقيته، وذلك حتي تتحسب الإدارة لما يمكن أن يحدثه هذا التوقف من تأثير على سلامة المرفق، وعليه فإن الإضراب المباغت أو الطارئ يعتبر غير مشروع

 سلكت المحكمة الإدارية بالرباط نفس المسلك في حكمها الصادر بتاريخ 2006 / 2 / 7 الذي صرحت فيه أنه “لاعتبارات النظام العام وحسن سير المرفق ، فإن ممارسة تستوجب التقيد بنظام الإخطار ،أي أن على الجهة الراغبة في خوض إضراب ما لأسباب مهنية أن تخطر الإدارة بذلك حتى تتمكن هذه الأخيرة من اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وأن يتم الإعلان المسبق عن الإضراب لتوضيح أسبابه ومدته ، ويتم تبليغه للجهات المعنية داخل أجل كان ومعقول.

– ممارسة حق الإضراب للدفاع عن المصالح المهنية للمعنيين بالأمر

هذا ما أكدته المحكمة الإدارية بمكناس ، في أحد احكامها بقولها بأن الإضراب يمارس لأسباب مهنية ، و بالتالي فإن الإضراب الذي تخوضه الجهة المعنية لأسباب سياسية يفقد شرعيته.

– منع احتلال الأماكن الإدارية من قبل المضربين

لأن هذه الأماكن تعتبر فضاء للعمل ولأداء الخدمات للمرتفقين ، ولا ينبغي أن تشغل من قبل المضربين .

– تأطير الإضراب من قبل نقابة ذات تمثيلية ومشكلة تشکیلا قانونيا

 عن هذا الضابط تقول المحكمة الإدارية بمكناس في أحد أحكامها أن ممارسة الإضراب يجب أن يكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمثيلية ومشكلة تشكيلا قانونيا .

– التحديد الزمني للإضراب

ينبغي أن يكون الإضراب محددا في الزمن ولمدة قصيرة ومعقولة. لأن الإضراب المفتوح لا يكتسب طابعا شرعيا لماله من تأثير خطير للسير العادي للمرفق العمومي ، وهكذا اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس القرار المتضمن لعقوبة الإنذار موسوما بعدم الشرعية لأن “الإضراب كان ليوم واحد، و لم یکتس طابعا سياسيا ولم تدل الجهة المدعى عليها بما يناقض ذلك. لذلك تكون واقعة الإضراب المعتمدة من طرف الإدارة للقول بتقصير الطاعن في ممارسة واجباته المهنية غير صالحة لبناء عقوبة الإنذار”

هكذا يظهر أن القضاء الإداري المغربي وضع مجموعة من الضوابط التي من شأنها التوفيق بين استمرارية المرفق العمومي و الحق في ممارسته. وبالتالي فإن كل إضراب لا يحترم هذه الضوابط يؤدي إلى تدخل الإدارة لإنزال العقوبة التأديبية على الموظف الذي مارس قصر في واجبه المهني.

المطلب الثالث: مبدأ قابلية نظام المرافق العامة للتغيير

يعتبر من مبادئ سير المرافق العمومية بحيث يجوز للإدارة – كقاعدة عامة أن تتدخل في أي وقت لتعديل أو تغيير القواعد التي تحكم المرفق حتى تكون مسايرة للظروف الاجتماعية والاقتصادية المتطورة، لما في ذلك من تحقيق المصلحة العامة.

كلما تغيرت هذه الظروف أو ظهرت للإدارة طريقة أفضل لزيادة كفاءة المرفق سعيا لتحقيق المصلحة العامة وتريسخ مبادئ سير المرافق العمومية، صار من حقها إجراء ما تراه من تعديل في تنظيمه كأن تجعل إدارة المرفق عن طريق المؤسسة العمومية بدل من طريقة الاستغلال المباشر، أو أن تختار نظام شركة الاقتصاد المختلط. ولها أن تفرض رسوما على الانتفاع أو أن ترفع من قيمتها أو أن تشدد في الشروط المتطلبة في الالتحاق بالعمل في المرفق العمومي. إذ للإدارة في هذا المجال السلطة التقديرية، وحقها في ذلك غير مقيد إلا بشرط مراعاة المصلحة العامة.

ولا يجوز لأحد الاعتراض على ذلك سواء من المنتفعين بالمرفق أو العاملين فيه على أساس اكتساب الحق، فهذا الحق ثابت للإدارة دون حاجة إلى النص عليه صراحة. وأن لا يقتصر استعماله على المرافق التي تدار بطريقة الإدارة المباشرة، وإنما يمتد فيشمل جميع أنواع المرافق العامة أيا كانت وسيلة إدارتها، لا سيما المرافق الي تدار بطريقة الامتياز رغم أن الإدارة فيه تكون للملتزم .

المطلب الرابع : معيار الجودة

يعتبر معيار الجودة و الذي يحكم سير وإدارة المرافق العمومية، من المعايير التي نص عليه دستور المملكة لسنة 2011 ويفيد هذا المعيار أن على المرفق العمومي أن يؤدي خدماته لعموم الأفراد بجودة عالية.

الأمر الذي يتطلب من السلطات العمومية المسيرة لهذه المرافق أن تسهر على توفير جميع إمكانيات ووسائل الاشتغال، كما يتطلب هذا المعيار من السلطات العمومية تبني طريقة مثلى في إدارة هذه المرافق .

المطلب الخامس : معيار الشفافية كمبدأ من مبادئ سير المرافق العمومية

يفيد معيار الشفافية باعتباره من مبادئ سير المرافق العمومية، الذي نص عليه الدستور المراجع في سنة 2011 في كل من الفصلين 154و 155 ، أن تقوم المرافق العمومية بالاشتغال في جو تطبعه الشفافية القصوى معي أن قواعد تسيير و تدبيرهذه المرافق يجب أن تكون معلومة للجميع بشكل علن وفي منآی عن أية سرية أو تحفظ.

وبالتالي فهذا المعيار أو المبدأ يرتبط بالحق في الحصول على المعلومة الذي نص عليه الدستور في فصله 27، كما يوجب هذا المعيار على المرافق العمومية الانفتاح على المرتفقين في إطار ماینص عليه الفصل 156 ،وتلقي ملاحظاتهم واقتراحاتم وتظلماتهم ،والسهر على تتبعها.

والجدير بالذكر أن المشرع المغربي حرص على تضمين عقود التدبير المفوض ، وعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص بعض المقتضيات التي من شأنها أن تضمن شفافية المرفق، وذلك من خلال إقراره لنظام الإعلام ونشر المعلومات المالية والتدقيق.

المطلب السادس : معيار المحاسبة والمسؤولية كمبدأ من مبادئ سير المرافق العمومية

يفيد هذا المبدأ أو المعيار خضوع المرافق العمومية لمبدأ المحاس والمسؤولية، ويعني ذلك أن المرافق العمومية ملزمة بتقديم الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية طبقا للقوانين الجاري بها العمل ، لذلك فهی تخضع للمراقبة والتقييم والتدقيق وفقا لما ينص عليه الفصل 156من دستور المملكة.

المطلب السابع : مبادئ وقيم الديمقراطية

هناك العديد من المبادئ والقيم التي أرساها دستور 2011، والي يجب أن تخضع لها المرافق العمومية في تسييرها وتدبيرها، وهي مبدأ احترام القانون ، النزاهة ، التشارك، والفعالية، و مبدأ المصلحة العامة وسيادة القانون.

 تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net

لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا


موقع يعني بشعبة القانون, محاضرات, ندوات, كتب جامعية, مقالات و كل ما له علاقة بالقانون من منظور أكاديمي

آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف
تصنيفات
منوعات
آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
Open

error: Content is protected !!