fbpx

القائمة الرئيسية

تعريف الطلاق وحكمة مشروعيته

تعريف الطلاق وحكمة مشروعيته

تعريف الطلاق وحكمة مشروعيته

الطلاق لغة هو رفع القيد مطلقا سواء كان حسيا أم معنويا، يقال أطلق الأسير إذا رفع القيد عنه، كما يقال طلق الزوج زوجته إذا رفع عنها قيد النكاح وفي اصطلاح الفقهاء، يعني الطلاق حل رباط الزوحية الصحيحة في الحال أو المآل، ورفع القيد الثابت شرعا بالزواج سواء أوقع الزوج الطلاق بنفسه أو بواسطة نائبه، وعلى غرار هذا التعريف، كانت تسير مدونة الأحوال الشخصية (الملغاة) حيث كانت تعرف الطلاق بأنه: “حل عقد النكاح بإيقاع الزوج أو وكيله أو من فرض له في ذلك، ويتضح من خلال هذا التعريف أنه لا يكاد يوجد فرق جوهري يذكر بين تعريف القانون وتعريف الفقهاء للطلاق، اللهم إلا اختلاف يسير في الألفاظ مع اتحاد المعنى في التعريفين

غير أن مدونة الأسرة، نهجت نهجا أخر عندما عرفته بأنه: “حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة، كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة”، كما أنها أكدت على أنه : “لاينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق إلا استثناء، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين، لما في ذلك من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال

ففي بعض الأحيان، يمكن أن تكون العلاقة الزوجية مصدرا للشقاء والتشاحن بين الزوجين وبالتالي تصبح الحياة بينهما مصدرا للجحيم والنقمة. فإن احتدم الخلاف بين الزوج وزوجته و اتضح أن الحياة أصبحت بينهما مستحيلة، أباحت لهما الشريعة الإسلامية حق ممارسة الطلاق ليتخلصا من هذه الحياة التعيسة

مما طرح التساؤل حول مالك الطلاق، خاصة وأن المرأة تكون طرفا في عقد الزواج (المطلب الأول)، كما أن انحلال الزواج بالطلاق لا يقع إلا إذا توفرت شروطه ليكون صحيحا ومنتجا لآثاره بين الزوجين المطلقين (المطلب الثاني).

مالك الطلاق:

 اعتمادا على النصوص الشرعية، اتفق أغلب الفقهاء على أن الطلاق حق خالص للزوج وحده ولا دخل للزوجة أو القضاء في ذلك، غير أن هذه المسألة اتخذت أبعادا في نهاية القرن العشرين عندما أصبح هذا الحق منتقدا في عدة دول عربية من طرف بعض الفقه والحركات النسائية وكذلك من قبل بعض الفعاليات في المجتمع المدني، الأمر الذي دفع ببعض التشريعات العربية إلى إسناد الطلاق إلى القاضي أو المحكمة

أولا: الطلاق بيد الزوج

 إذا تفحصنا النصوص الواردة في الكتاب والسنة التي تعالج مسألة الطلاق، فلا نجد نصا واحدا أسند الطلاق إلى المرأة، بل جعلت العديد من هذه النصوص حق توقيع الطلاق بيد الزوج وحده، منها قول المولى عز وجل: ” يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن”

كذلك جاء في السنة النبوية: “تزوجوا ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات”, فكل هذه النصوص وغيرها تدل على أن مالك الطلاق هو الزوج بدون منازع، له الحق في إنهاء الرابطة الزوجية بإرادته المنفردة بناء على نصوص شرعية صريحة، مع تقييده ببعض الشروط في استعماله ولكن لماذا لا تطلق الزوجة زوجها، أو بعبارة أخرى لماذا لا يكون الطلاق كذلك حقا خالصا للزوجة؟

يرى الفقهاء أن الطلاق حق للزوج ولو أن الزوجة طرف في عقد الزواج لأن إنهاء ميثاق الزوجية أمر خطير تترتب عليه آثار بعيدة المدى في حياة الأسرة والمجتمع، ولذا ينبغي – في نظر هؤلاء الفقهاء- ألا يوضع الطلاق إلا في يد تقدر العواقب حق قدرها، وتزن الأمور بميزان العقل المحض غير متأثرة برغبة عارضة أو غاضبة ثائرة، والثابت الذي لا شك فيه أن الرجل أكثر إدراكا وتقديرا للعواقب هذا الأمر،

كما أن من محاسن جعل الطلاق ملكا للزوج دائما حسب الفقهاء – تتجلى في ما يلي: “إن جعل ملك الطلاق إلى الزوج دون المرأة إما باعتبار أن الزوج هو المالك والمرأة مملوكة له فكان إزالة الملك إلى من له الملك لا إلى من عليه الملك كما في اليمين، أو باعتبار أن المرأة ناقصة العقل، ضعيفة الرأي، سريعة الاغترار، لاروية لها في أمورها، فلو جعل الطلاق بيدها لبادرت إلى التطليق عند كل قليل وكثير .. فالمشرع جعل الطلاق إلى الزوج ليتأمل ويتفكر ويستعمل عقله في هذا أن الصلاح في المقام معها أو في مفارقتها، فهذه حكمة بالغة ورحمة من الله تعالی سابغة”

يتجلى من خلال هذه الآراء الفقهية وغيرها” أن الزوج أكثر حرصا من الزوجة على استمرار الرابطة الزوجية نظرا لما يتحلى به من ضبط لمشاعره وانفعالاته، فضلا عما يتحمله من مصاريف عند الزواج والطلاق (صداق، نفقة متعة…)، فإعطاء الزوج وحده حق الطلاق في نظر الفقه الإسلامي – أمر طبيعي ومنطقي وبالتالي منسجم مع قاعدة الغرم بالغنم، غير أن هذه الأفكار لم يقتنع بها بعض الفقه المغربي الذي طالب في مطلع السبعينيات من القرن العشرين بتدخل المشرع الإسناد الطلاق إلى القاضي ولو أن المشرع لم يهمل جانب المرأة حيث مكنها من طلاق نفسها بنفسها عندما يملكها الزوج ذلك، أو عندما يفرض لها في الطلاق، و عندما تطلب في التطليق إذا كانت هناك أسباب تدعو إليه.

فأغلبية الفقهاء وكذا مشرع العديد من الدول العربية ما زالوا يرفضون هذا الحل ويترددون في قبوله حيث لا يمكن تقييد الطلاق بإذن القاضي لأن هذا التقييد – حسب رأيهم يتصادم مع النصوص الشرعية التي جعلت صراحة الطلاق بيد الزوج والتي وردت مطلقة غير مفيدة بإذن من القاضي أو من غيره، كما أن هذه النصوص أتت – دائما في نظرهم صريحة في كون الزوج مالكا للطلاق لأنه لو قيد الطلاق بإذن القاضي الأصبح هذا الأخير هو الأصل فيه والزوج تابعا وهذا قلب للأوضاع الشرعية، الشيء الذي لا يمكن جوازه، فالطلاق حق خالص للزوج وحده ولا يحل للمشرع المدني أن يمسه.

ثانيا: الطلاق أمام المحكمة

من بين الدول العربية التي أسندت الطلاق إلى القضاء الجمهورية التونسية منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956. فقبل ظهور هذه المجلة، كان الطلاق بيد الزوج التونسي على غرار ما يجري به العمل في باقي الدول الإسلامية، وكما هو الشان بالنسبة للتعدد، تطرق الطاهر الحداد في كتابه الشهير (1931): “امرأتنا في الشريعة و المجتمع إلى مسألة الطلاق وبين عيوبه وآثاره على وضعية المرأة والأطفال معا، كما طالب وقتذاك بإسناده إلى المحكمة”، الأمر الذي أحدث ضجة في الأوساط الإجتماعية والدينية في تونس وتعرض الحداد آنذاك لحملة شنها عليه رجال الدين وشيوخ الزيتونة.

إن ما دعا إليه الطاهر الحداد في الثلاثينيات من القرن العشرين لم يتحقق فعلا إلا بعد صدور مجلة الأحوال الشخصية (سنة 1956) التي ألغت امتياز الرجل في حل عصية الزوجية وأصبح الطلاق لا يقع إلا أمام المحكمة، سواء بتراضي الزوجين معا، أو بناء على طلب أحدهما بسبب ما حصل له من ضرر، أو عند رغبة الزوج إنشاء الطلاق أو عند مطالبة الزوجة به.

يتضح مما سبق، أن مجلة الأحوال الشخصية التونسية أدخلت تغييرا جوهريا على أحكام الطلاق، بالمقارنة مع الشرع الإسلامي حيث لا يمكن إنهاء العلاقة الزوجية إلا بموجب حكم قضائي، كما أن هذه المجلة حددت الصور التي يمكن على أساسها الحكم بالطلاق وما يمكن أن يترتب عليه من تعويضات، سواء بالنسبة للزوج أو الزوجة.

أما فيما يخص مدونة الأسرة المغربية، فإنها خصصت لأحكام الطلاق 16 مادة (المواد من 78 إلى 93)، ونصت في مادتها 70 على أنه لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو التطليق إلا استثناء وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررین نظرا لما يترتب عن انحلال الزواج من آثار سلبية على الأسرة وعلى الأطفال، بل حتى على المجتمع. فالطلاق كان يمارسه الزوج على إطلاقه وحتى في غيبة الزوجة، لأنه في بعض الأحيان كانت المرأة مطلقة و هي لا تعلم بذلك، أي أن الطلاق كان يقع في سياق إجراءات مسطرية لا تكفل التوازن في حقوق الدفاع ولا ضمان حقوق المرأة والأطفال.

غير أن مدونة الأسرة لم تلغ الطلاق، بل أبقت هذا الطريق لإنحلال الزواج ولكن أصبح يمارسه الزوج والزوجة كل حسب شروطه تحت مراقبة القضايا فالطلاق لم يعد مقتصرا على الزوج وحده وإنما أصبحت الزوجة بدورها تمارسه في بعض الحالات مع التطليق لأسباب معينة، فجعل الطلاق تحت مراقبة القضاء هو استجابة للحركات النسائية التي كانت دائما تعتبر الطلاق الذي يوقعه الزوج في ظل مدونة الأحوال الشخصية سابقا إجحاف في حق المرأة وإضرار بالأسرة،

 كما أن وضع الطلاق تحت رقابة القضاء يرجع أيضا إلى مواقف العديد من المحاكم في أوروبا التي تعتبر الطلاق الذي يوقعه الزوج المغربي بالإعتماد على إرادته المنفردة ولو كان صادرا بصورته الشرعية مخالفة للنظام العام في هذه القارة، مما أدى إلى حدوث اضطراب في فرنسا على صعيد الإجتهاد القضائي، سواء لدى المحاكم الدنيا أو على مستوى محكمة النقض عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بالطلاق الذي كان يوقعه الزوج في المغرب ويطب تذييله بالصيغة التنفيذية بفرنسا.

وإذا كانت مدونة الأسرة قد أبقت على الطلاق الذي يوقعه الزوج، فإن إرادة هذا الأخير اصبحت رهيئة الإذن القضائي، وفي غيابه لا يمكن الإشهاد علی الطلاق من طرف عدلين منتصبين لذلك، كما أن التعبير عن هذه الإرادة في إنهاء ميثاق الزوجية أصبح معلقا على إيداع مبلغ معين يمثل مستحقات الزوجة والأطفال – إن وجدوا في صندوق المحكمة تحت طائلة اعتبار الزوج متراجعا عن رغبته في الطلاق إذا لم يقم بهذا الإيداع داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ تحديد المستحقات من طرف المحكمة. وأخيرا، أن إرادة الزوج لم تبق أيضا مطلقة في الرجعة من طلاق رجعي أثناء العدة لأنها أصبحت متوقفة على قبول الزوجة بالرجوع إليه، فإذا رفضت الرجوع بعد إخبارها من طرف القاضي، يمكنها اللجوء في هذه الحالة إلى مسطرة الشقاق كما هو منصوص عليها في المادة 94 من مدونة الأسرة.

وطبقا لنصوص مدونة الأسرة (خاصة المواد من 80 إلى 88)، أصبح طلاق تحت رقابة القضاء منذ بدايتها (طلب الإذن به) إلى نهايتها (صدور قرار الطلاق). فأبت في دعاوى الطلاق يتم من طرف القضاء الجماعي: ثلاثة قضاة وكاتب الضبط، بالإضافة إلى ممثل النيابة العامة عند الاقتضاء، فهذه الأخيرة أصبحت طرفا أصليا في قضايا الأسرة

 تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net

لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا


موقع يعني بشعبة القانون, محاضرات, ندوات, كتب جامعية, مقالات و كل ما له علاقة بالقانون من منظور أكاديمي

آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف
تصنيفات
منوعات
آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
Open

error: Content is protected !!