محتويات المقال
نهاية أو زوال القرار الإداري
نهاية القرار الإداري يقصد بها زواله من النظام القانوني ووضع حد لآثارها. وقد تكون هذه النهاية طبيعية دون أن يتدخل أي طرف فيها، كما هو الأمر في حالة تنفيذ القرار وزوال کل آثاره أو انتهاء المدة التي صدر في شأنها القرار، أو زوال الحالة التي اتخذ من أجلها.
وقد يكون هذا الإلغاء على يد السلطة الإدارية ذاتها التي أصدرت القرار (المطلب الأول)، أو على يد القضاء (المطلب الثاني).
المطلب الأول : نهاية القرار الإداري عن طريق السلطة الإدارية
تتحقق غاية القرار عن طريق السلطة الإدارية من خلال أسلوبين اثنين ، وهما الإلغاء (الفرع الأول)، وأسلوب السحب (الفرع الثاني).
الفرع الأول: أسلوب الإلغاء
يقصد بالإلغاء إنهاء الآثار القانونية للقرار الإداري بالنسبة للمستقبل وذلك اعتبارا من تاريخ إقدام الإدارة على هذا الإجراءا وهذا تظل الآثار القانونية للقرار سارية المفعول بالنسبة للفترة السابقة .
وقد يكون الإلغاء شاملا للقرار بأكمله، وقد يكون جزئيا ينصب على بعض آثاره.
ونظرا لأن القرارات الإدارية تنقسم بالنظر إلى مداها وعمومیتها إلى قرارات غير تنظيمية (فردية أو جماعية)، وأخرى تظيمية، لذا فإنا نوضح سلطة الإدارة في إلغاء تلك القرارات بنوعيها.
إن الإدارة تستطيع في أي وقت أن تلغي قراراتها التنظيمية لأن هذه القرارات تنشئ مراكز قانونية عامة تخضع دائما القاعدة التعديل والتغيير وفقا لما تمليه اعتبارات الصالح العام. بحيث يسري عليها القرار التنظيمي الجديد، دون أن يكون لأحد التمسك بوجود حق مكتسب له في استمرار العمل بها.
وهو ما أكده مجلس الدولة الفرنسي في قرار له جاء فيه مايلي “فمن حق كل ذي مصلحة ، في حال زوال الظروف التي كانت السند القانوني والمبرر لإصدار قرار تنظيمي جماعي ، أن يطلب في أي وقت من رئيس السلطة التنفيذية في الجماعة تعديل هذا القرار أو إلغائه، وأن يطعن عند الاقتضاء بقرار الرفض أو بالسكوت الذي يقابل به”
بخلاف القرارات غير التنظيمية حيث لا يمكن تعديلها أو إلغائها من صدرت سليمة، إلا بالشروط التي يقررها القانون، لأن سلطة الإدارة إزاء القرارات الإدارية الفردية تكون مقيدة. وهو ما قضت به الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في إحدى قراراها مؤكدة على مايلي “لكن حيث أن صيانة الحقوق المكتسبة من المبادئ العامة التي لا تسمح للسلطات الإدارية بالتراجع عن مقررات اتخذهما في نطاق القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل وقت صدورها ، وخولت المستفيد منها وضعية معينة إلا في حالات خاصة حسب الظروف والملابسات ، على ألا يسري مفعول هذا التراجع إلا بالنسبة للمستقبل”
فاحترام الحقوق المكتسبة المتولدة من القرار الإداري الفردي يقف عقبة أمام الإدارة في سبيل تعديل أو إلغاء قرارها الإداري المشروع.
وبناء عليه، فاذا أصدرت الإدارة قرارا إداريا فرديا وكان سليما ولكنه لم يتمخض عنه حق مكتسب لأحد الأفراد، فإن الادارة تستطيع أن تعدل هذا تدل هذا القرار أو تلغيه في أي وقت.
اذا كان القرار الإداري معيبا وقابلا للطعن فيه بالإلغاء فإنه يجوز للإدارة إلغاءه خلال المدة المحددة للطعن فيه بالإلغاء، دون التسمك بفكرة الحقوق لا تتولد عن قرارات غير مشروعة، فإذا انتهت مدة الطعن في القرار دون إلغائه قضائيا أو إداريا، فإنه يتحصن ويغدو سليما ولا يستطيع الأفراد الطعن فيه بالإلغاء، وتتقيد سلطة الإدارة بضرورة احترام الحقوق المكتسبة .
الفرع الثاني: أسلوب السحب
يقصد بسحب القرار الإداري زوال كافة آثاره سواء في الماضي أو المستقبل، وبذلك يعتبر القرار المسحوب کأن لم يكن من تاريخ إصداره. وهو كذلك إعدام القرار الإداري من طرف مصدره او من طرف السلطة التي تعلوه، وذلك بمحو آثاره بالنسبة للماضي والمستقبل، فيصبح كأن لم يكن ويزول بأثر رجعي كليا أو جزئيا، في إطار الشروط المنظمة لعملية السحب والمتمثلة في عدم شرعية القرار واحترام أجل ستين يوما من صدوره
ولا تستطيع الإدارة أن تسحب قرارا إداريا مشروعا تمخضت عنه حقوق مکتسبة للغير، احتراما لقاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية، وهذا ما أكدته أحكام المحاكم الإدارية “أنه من الأمور المسلمة أن القرارات الصحيحة لا يجوز س حبها أو تعديلها” فإذا كانت الإدارة لا تستطيع أن تلغي قرارا إداريا سليما ولد حقا للغير، فإنه لا يجوز لها أيضا أن تسحبه.
ففي قرار المحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 39 بتاريخ 9-1-2008، في قضية أحمد عراقي ضد الوكيل القضائي للمملكة قضى ما يلي: “أن القرار الإداري المشروع و الحصن ، بمرور أجل 60 يوما 60 يوما على تاريخ إصداره، لا يمكن للادارة سحبه ولا التراجع عنه لأنه يكون قد ولد مركزا قانونيا قارا وحقا مكتسبا لصاحبه تحت طائلة اعتبار قرار السحب خارجاعن إطار المشروعية.
غير أنه يجوز – خلافا للأصل العام للإدارة أن تسحب القرارات الخاصة بتوقيع الجزاءات على الموظفين. حتى إذا كانت مشروعة، على ألا يؤدي السحب إلى التأثير فيما يكون قد اكتسب من حقوق، فإذا أصدرت الإدارة قرارا سلیما بفصل موظف ثم رجعت لاعتبارات إلى سحب القرار، فإن تصرفها يغدو سليما، إلا إذا كانت وظيفة المفصول قد شغلت بآخر، حيث لا تحرز الإدارة هنا على سحب قرار الفصل الاصطدامه بقاعدة الحقوق المكتسبة، ويترتب على ذلك أن القرارات الإدارية الفردية التي لم تكتسب الغير حقا أو مركزا ذاتيا يجوز سحبها حين إذا كانت مشروعة، ويجوز للادارة أيضا أن تسحب القرارات التنظيمية حتى إذا كان سليمة لأن هذه القرارات لا تنشئ مراكز ذاتية وإنما مراکز عامة، ليس لأحد التمسك بحق مكتسب في ظلها.
أما بالنسبة لسحب القرارات الإدارية الفردية غير المشروعة، فإن الأمر يقتضي أولا التفرقة بين القرارات المنعدمة والقرارات الباطلة بطلان نسبيا.
فالقرارات الفردية المعيبة يجوز للإدارة أن تسحبها خلال المدة المقررة للطعن فيها بالإلغاء، فقد قضى حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 9 بتاريخ 12-01-1995 في قضية برقشیش محمد ضد وزير الصحة ” من بين شروط السحب أن يكون القرار داخل أجل الطعن بالإلغاء”، وهي ستون يوما من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، فإذا انتهت مدة الطعن في القرار دون أن تسحبه الإدارة، فإنه يعد قرارا سليما غير معرض للسحب أو الإلغاء، وذلك بدافع الرغبة في حتمية استقرار الأوضاع الإدارية. أما القرارات غير المعيبة أو المعدومة فقضی حکم للمحكمة الادارية بالدار البيضاء: “القرار القاضي بسحب قرار تمتيع الطاعن استفادة من المغادرة الطوعية دون أن يكون القرار المسحوب دوما أو صدر نتيجة غش أو تدليس من المستفيد منه وتحصن بمرور أجل الستين يوما المقيدة للسحب … قرار غير مشروع”.
ولابد من الإشارة كذلك أنه من المبادئ التي كرسها القضاء والفقه هو مبدأ عدم رجعية القرارات ، أي عدم المساس بالحقوق المكتسبة أو بالمراكز القانونية التي تحققت من قبل لصالح الأفراد، وتطبيقا لهذا المبدأ يمنع على الإدارة إصدار مقرر بمفعول رجعي أو إصدار مقرر تسحب بمقتضاه مقررا آخر أنشأ حقا لصالح المستفيد منه. وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية في العديد من قراراتها نذكر منها القرار عدد 1009 بتاريخ 29-6-2000، وكذا ما أكدته العديد من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية نذكر منها حكم المحكمة الإدارية بمراكش الصادر بتاريخ 10-5-2005 تحت عدد 64 جاء ، فيه: “إن الطعن في القرار المعدوم غير مقيد بأجل الطعن المنصوص عليه في قانون المحاكم الإدارية، وأن إعادة ترتيب الموظفة بعد مرور عدة سنوات عن صدور القرار القاضي بتعيينها بالسلم الثامن يشكل خرقا لمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية و مبدأ الحقوق المكتسبة”
أما القرارات المنعدمة التي لا تتولد عنها قانونية يجوز للإدارة أن تسحبها في أي وقت مهما طال عليه الأمد.
المطلب الثاني : نهاية القرار الإداري عن طريق القضاء
يعرف نهاية القرار الإداري على يد القضاء ، وذلك من خلال طريقتين ، الطريقة الأولى تتعلق بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة (الفرع الأول)، ثم هناك طريقة ثانية تتعلق بالدفع بعدم المشروعية ( الفرع الثاني).
الفرع الأول : نهاية القرار الإداري عن طريق دعوى الإلغاء :
من المعلوم أن كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة ، أو العيب في الشكل ، أو لانحراف في السلطة ، أو لانعدام التعليل ، أو المخالفة القانون ، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة.
وطبقا لمقتضيات المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية رقم 41-90 ، يجب أن تقدم طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة داخل أجل ستين يوما يبتدئ من تاريخ نشر ،أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر.
الفرع الثاني : نهاية القرار الإداري عن طريق الدفع بعدم الشرعية
إذا كان الهدف من وراء رفع دعوى الإلغاء هو إلغاء القرار الإداري غير الشرعي، فإن الدفع بعدم الشرعية يرمي إلى عدم تطبيقه فقط في النزاع المرفوع إلى القاضي، بحيث يبقى هذا القرار مستمرا وقائما.
وإذا كانت دعوى الإلغاء لايمكن رفعها إلا إلى القضاءالإداري وداخل أجل الطعن المقرر والمحدد في ستين يوما، فإن الدفع بعدم الشرعية يمكن أن يقام أمام القضاء الإداري ولو ينقضي أجل ستين يوما . كما يمكن أن يقام أمام المحاكم العادية الزجرية، وهو ماتنص عليه المادة 44 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية” إذا كان الحكم في قضية معروضة على محكمة عادية غير زجرية يتوقف على تقدیر شرعية قرار إداري، و كان التراع في شرعية القرار جديا ، يجب على المحكمة المثار ذلك أمامها أن تؤجل الحكم في القضية ، وتحيل شرعية القرار الإداري محل النزاع إلى المحكمة الإدارية أو محكمة النقض بحسب اختصاص كل من هاتين الجهتين القضائيتين كما هو محدد في المادة 8 والمادة 9 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية. ويترتب على الإحالة رفع المسألة العارضة بقوة القانون إلى الجهة القضائية المحال إليها البت فيها.
للجهات القضائية الزجرية كامل الولاية لتقدير شرعية أي قرار إداري وقع التمسك به أمامها ، سواء باعتبارها أساسا للمتابعة أو باعتباره وسيلة من وسائل الدفاع”
المراجع والمصادر:
د. صبيح بشير مسكوني –القانون الإداري
د. عثمان خليل – القانون الإداري
د. سليمان محمد الطماوي – الأخير في القانون الأداري
محمد مرغني، مبادئ العامة للقانون الإداري المغرب، مطبعة الساحل الرباط
مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
تحميل المقال: