محتويات المقال
المبحث الأول : نفقة الحضانة والرضاع
تعد نفقة الحضانة من واجبات الأبوین ما دامت علاقة الزوجیة قائمة ( المادة 164 ) وفي حالة انفصامها بطلاق فإن أم المحضون تستحق أجرة عن حضانتها ذلك أن الحضانة هي نوع من الخدمة وعلیه یمكن للحاضنة أو الحاضن أن یطلب أجرة مقابل العنایة المادیة والمعنویة التي تبدل لمصلحة المحضون
لذا جعل المشرع المغربي أجرة الحضانة ومصاریفها على المكلف بنفقة المحضون (المطلب الأول ) وهي غیر أجرة الرضاعة ( المطلب الثاني ) أو النفقة.
المطلب الأول : نفقة الحضانة
نفقة الحضانة یؤدیها المكلف بنفقة المحضون وذلك وفقا لتقدیر المحكمة الذي یأخذ بعین الاعتبار الظروف المادیة والاجتماعیة لكل حالة على حدة وحتى أتمكن من الإحاطة بجل جوانب أجرة الحضانة كمستحق أساسي لطفل الطلاق لابد من التطرق لمجال أو نطاق استحقاق هذه الأجرة في ( الفقرة الأولى) على أن أعالج في ( الفقرة الثانیة) مسقطات الحق في أجرة الحضانة .
الفقرة الأولى : نطاق استحقاق أجرة الحضانة
لقد أجمع الفقه الإسلامي على عدم استحقاق الأم لأجرة الحضانة في حالة قیام رابطة الزوجیة وكذا في حالة العدة من طلاق رجعي لقیام الزواج حكما ذلك أن الزوج ملزم بالإنفاق على زوجته في الحالتین.
والمشرع المغربي سار على نفس النهج، وقرر في المادة 167 بأن الأم لا تستحق أجرة الحضانة في حالة قیام العلاقة الزوجیة أو في عدة من طلاق رجعي.
وإذا انفصل الزوجان وانتقلت الحضانة إلى الأم وهي مطلقة طلاقا بائنا ولكن عدتها لم تنته بعد، فقد أ رى بعض الفقه أنها لا تستحق الأجرة لأن لها على والد المحضون نفقة العدة، فلا تجمع بینها وبین أجرة الحضانة، بینما رأي البعض الآخر أنها تستحق الأجرة ، لأن الرابطة الزوجیة قد انقطعت ، وللمرأة في هذه الحالة أن تأخذ نفقة العدة وأجرة الرضاع و نفقة الحضانة.
ویبدو أن هذا الرأي الأخیر هو الأقرب للترجیح عملا بالمفهوم المخالف لمقتضیات الفصل 104 من المدونة السابقة والذي لا یعطیها الحق في أجرة الحضانة أثناء عدة الطلاق الرجعي
أما إذا انتهت العدة أو كان الطلاق بائنا ، فإن المطلقة تستحق أجرة الحضانة من یوم ابتدائها فعلا بخلاف الحاضنة غیر الأم حیث لا تستحق تلك الأجرة، إلا من تاریخ الحكم لها بها أو الاتفاق علیها دون احتساب المدة السالفة عن ذلك
بید أن المشرع المغربي جعل الحضانة مأجورة في حالة انفصام الزوجیة سواء كانت الحاضنة أما أو سواها ، دون توضیحه لأسس تقدیر هذه الأجرة، مما یعني أن أسس تقدیر النفقة الواردة في المادة 189 تبقى هي الأصل ، وینسحب تطبیقها على أجرة الحضانة كذلك .
ونظرا لخصوصیة هذا المستحق فقد نادى البعض بضرورة إضافة سن المحضونین وعددهم وطبیعة الخدمات التي تقدمها لهم الحاضنة إلى بقیة المعاییر الأخرى ، وإن كان الأمر یتطلب في هذه الحالة الاستعانة بمساعدة اجتماعیة على اعتبار أنها الكفیلة بتحدید نوعیة الخدمات المقدمة للمحضون على الوجه الحقیقي والواقعي .
فإذا كانت مدونة الأسرة في مادتها 172 قررت الاستعانة بمساعدة اجتماعیة في مجال سكن الحاضن وما یوفره للمحضون من الحاجیات المادیة والمعنویة ، فهذا یدفعني للتطلع إلى تمدید اختصاص المساعدة الاجتماعیة إلى أن تلعب دورا في تقدیر أجرة الحضانة كذلك.
فإذا كان الأصل هو استحقاق الحاضن أو الحاضنة لأجرة الحضانة ، فإن هذا الحق یعرف حالات سقوط.
الفقرة الثانیة : حالات سقوط الحق في نفقة الحضانة
یحق للحاضنة التنازل عن حقها في أجرة الحضانة عن المدة السالفة دون اللاحقة لأنه لا یمكن التنازل إلا عن دین ثابت وحال وموجود ، كما یجوز الإبراء من الأجرة في مقابل الطلاق إذا كانت المطلقة أما للمحضون ، إذ أجاز المالكیة مبدئیا الخلع مقابل إسقاط الحضانة ، ولكن إذا لم یسبب ضررا للمحضون سواء كان مادیا أو معنویا ، بینما مدونة الأسرة ركزت على الضرر المادي فقط ، وذلك بإجازتها بمفهوم المخالفة للخلع بحق من حقوق الأطفال في حالة ما إذا كانت المرأة موسرة .
وعموما فحق الحضانة یثیر نقاشا من حیث هل هو مرتبط بالحاضن أم بالمحضون؟ ذلك أن اعتباره حقا للحاضن یعطي الفرصة للمعاوضة والبیع والشراء به في الخلع ، الشيء الذي یؤثر على مصلحة المحضون التي هي أولى بالاعتبار
كما أن زواج الأم الحاضنة هو الآخر یعفي الأب من تكالیف سكن المحضون وأجرة (الحضانة ( المادة 175 أما في حالة غیاب أحد شروط الحضانة عن الحاضنة ، فإن استحقاق الأجرة یبقى قائما ، إلا إذا أثبت ولي المحضون إخلال الحاضنة بالتزامها ، هذه الأخیرة تؤجر على قیامها بإرضاع المحضون أیضا.
المطلب الثاني : أجرة الرضاع
نظرا للفوائد الجمة لحلیب الأم على صحة الرضیع ، فقد ألزم الله عز وجل الأم بإرضاع ولدها مصداقا لقوله تعالى : ” والوالدات یرضعن أولادهن حولین كاملین لمن أراد أن یتم الرضاعة”
مما یتضح معه أن الرضاع مفروض في الأم بالطبیعة ، وواجب في نفس الوقت في حالة الارتباط أو الافتراق ، لأنها مسؤولة أمام الله عن ولدها وتأثم إن فرطت في واجبها هذا، غیر أنه في حالة انفصام عرى الزوجیة بالطلاق ، فإن الأم تستحق آنئذ أجرة عن قیامها بالرضاع على اعتبار أنها تؤدي خدمة للمحضون ، لكن الفقهاء اختلفوا في وجوبه علیها من الناحیة القضائیة.
وللإحاطة بحق الطفل في أجرة الرضاع سأحاول معالجته من خلال معرفة حالات استحقاق أجرة الرضاع ( الفقرة الأولى) ومقدار هذه الأجرة) الفقرة الثانیة (
الفقرة الأولى : حالات استحقاق أجرة الرضاع
تنص المادة 54 من مدونة الأسرة على أن من الحقوق الواجبة على الأم، إرضاعها لأطفالها عند الاستطاعة ، مما یفید ضمنیا أن ذلك الحق یسقط بعدم الاستطاعة إذ القاعدة أنه لا تكلیف بما فوق الطاقة
والأم تستحق أجرة الرضاع بعد انتهاء الزوجیة والعدة أو في عدة الوفاة لقوله تعالى:” فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ” ولا تستحقها في حالة الزوجیة والعدة من طلاق رجعي.
وبالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 167 من مدونة الأسرة أجد أن أجرة الحضانة ومصاریفها على المكلف بنفقة المحضون وهي غیر أجرة الرضاعة والنفقة “وهذا ما أكده المشرع المغربي في المادة 201 من نفس المدونة
وحتى تستحق الأم هذه الأجرة یجب أن یتم الإرضاع داخل الحولین الأولین من عمر الرضیع فإن أرضعت المرأة الطفل بعد ذلك فإنها لا تستحق الأجرة ویبقى للزوجة عندئذ الحق في أجرة النفقة والحضانة في حالة استحقاقهما وذلك مصداقا لقوله تعالى: ” والوالدات یرضعن أولادهن حولین كاملین لمن أراد أن یتم الرضاعة “
أخلص من كل ما سبق إلى القول بأن الزوجة تستحق أجرة الرضاع بمجرد حصول الوفاة أو الطلاق البائن أو انتهاء العدة من الطلاق الرجعي، إن هي أرضعت طفلها داخل الحولین أما إذا كانت المرضعة غیر الأم فإنها تستحق أجرة الرضاع كلما أرضعت طفلا داخل الحولین وثبت ذلك
وقیاسا على أجرة الحضانة فإن أجرة الرضاع یمكن التبرع بها، ویمكنها أن تكون في مقابل الخلع، ما دام أن كل ما صح الت ا زمه ش رعا صلح أن یكون بدلا للخلع.
الفقرة الثانیة : مقدار أجرة الرضاع
لقد ألزم المشرع المغربي أب المحضون بأداء أجرة الرضاع، دون توضیحه لكیفیة تقدیر هذه الأجرة ، مما یبرر استخدام القاضي أو المحكمة لسلطتها التقدیریة ، ما لم یتفق الطرفان على مقدارها ، فالقاضي حال رفع النزاع إلیه، وعدم وجود أجر متعارف إلیه، یعمد إلى تفعیل سلطته التقدیریة مراعیا في ذلك كون الأجرة ، إنما هي مقابل للالتزام بعمل خلافا لما هو علیه الأمر بالنسبة لتقدیر مبلغ النفقة ،إذ أن معاییر تقدیر النفقة لا تصلح دائما لتقدیر أجرة الرضاع، فلا یمكن مثلا اعتبار حال الزوجین كأساس، لأن المرضع قد لا تكون
هي الزوجة , كأن تكون متبرعة وفي هذه الحالة تطرح مسألة أحقیة الأم بأجرة الرضاع، إذا كانت هناك متبرعة ، فالمدونة السابقة تعرضت لهذه المسألة واعتبرت أن المتبرعة أحق بالإرضاع من الأم الطالبة للأجرة إذا كان الأب ضعیفا مما یعني أن تفضیل المتبرعة مشروط بفقر الأب أما إذا كان عنیا فالأجرة تبقى من حق الأم ولو مع وجود المتبرعة.
في حین التزمت مدونة الأسرة الصمت في هذا الموضوع ولم توضح أحكام التبرع بالرضاع.
وعموما ، تبقى قضایا طلب أجرة الرضاع قلیلة إن لم نقل منعدمة في الواقع العملي. لكن مع ذلك ینبغي الاحتیاط للأمر ، خاصة وأن الرضاعة الیوم أصبحت عبئا ثقیلا، أمام تراجع الرضاعة الطبیعیة وخضوع الحلیب الاصطناعي للضریبة .
لكن أهمیة أجرة الرضاع لن تكتمل إلا إذا توفر المحضون على سكن یأویه .
المبحث الثاني : سكنى المحضون
لقد فصلت مدونة الأسرة سكنى المحضون عن باقي مشتملات النفقة وجعلته التزاما مستقلا (المطلب الأول) كما أقرت آلیات قانونیة تضمن للمحضون الحق في السكنى (المطلب الثاني)
المطلب الأول : الالتزام بالسكنى
لقد كانت السكنى حسب المدونة الملغاة جزءا لا یتجأ ز من عناصر النفقة، لكن الفقرة الأولى من المادة 189 من مدونة الأسرة نصت على أن ” النفقة تشمل الغذاء والكسوة والعلاج وما یعتبر من الضروریات والتعلیم للأولاد مع مراعاة أحكام المادة 168 الذي یوضح أن المشرع المغربي لم یعد یعتبر السكنى عنصرا من عناصر النفقة، إنما هو التزام مستقل بذاته على ما أكده في القسم الخاص بالحضانة ، حیث یستفاد ضمنا من المادة 189 من المدونة
وفي نفس السیاق تنص المادة 168 من مدونة الأسرة على أنه تعتبر تكالیف سكنى المحضون مستقلة في تقدیرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغیرهما.
یجب على الأب أن یهیئ لأولاده محلا لسكناهم ، أو أن یؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه، مراعیة في ذلك أحكام المادة 191 بعده … ” .
ولعل موقف المشرع هذا جاء كرد على الاختلاف الذي شاب الاجتهاد القضائي فیما یتعلق بإشكالیة إدخال أجرة السكن في تقدیر النفقة، خاصة أمام هزالة المبالغ المالیة المحكوم بها والتي لا تكفي لسد الرمق ولو لمدة وجیزة.
وهكذا فیجب على محكمة الأسرة ألا تخلط بین الالت ا زم بالنفقة والالتزام بالسكنى إنما علیها أن تحدد في حكمها كلا منهما باستقلال عن الآخر
وبهذا یكون المشرع المغربي، قد حذا حذو بعض التشریعات العربیة، كالتشریع التونسي
وبالرجوع إلى الفقرة الثانیة من المادة 168 نجد أن المشرع أوجب على الأب تهییئ محل لسكن أولاده ، هذا المسكن قد یكون هو بیت الزوجیة ، وقد یكون مسكن آخر، كما منحه المشرع إمكانیة أداء مبلغ مالي لتغطیة مصاریف السكن، والذي یتم تقدیره من طرف المحكمة بناء على قناعتها وسلطتها التقدیریة.
وبالتالي ، فالالتزام بالسكنى یلزم عند تقدیره مراعاة ظروف الطرفین خاصة الزوج المطلق على اعتبار تحمله لأعباء مالیة جدیدة ، إضافة إلى المستحقات المالیة لمطلقته وأبنائه وفي سبیل التأسیس لهذا الحق أحاطه المشرع بجملة من الضمانات القانونیة.
المطلب الثاني : الآلیات القانونیة المقررة لضمان سكنى المحضون
لقد فصل المشرع تكالیف سكن المحضون من حیث تقدیرها عن بقیة التكالیف ، وفي سبیل تفعیل هذا الحق وضمانه ألزم المشرع في الفقرة الثالثة بعدم إفراغ المحضون من بیت الزوجیة إلا بعد تنفیذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون المادة 168
فهذه الفقرة لا تثیر أي إشكال إذا كان الأب هو المالك لبیت الزوجیة ، لكن إذا تعلق الأمر بطرف ثالث كمالك العقار الذي به بیت الزوجیة ، فإن الإشكال یثور ، إذا لم ینفذ الأب الحكم الخاص بسكنى المحضون ویكون قد أفرغ بیت الزوجیة وسلم المفاتیح لمالك العقار ، هنا سنواجه باحتلال بدون سند من طرف المحضون وحاضنته.
والقضاء المغربي لم یحسم في هذا الموضوع، بل ظلت قراراته متضاربة على اعتبار أن الموضوع تتداخل فیه مصالح طرفین.
المراجع :
أحمد الخملیشي : التعلیق على قانون الأحوال الشخصیة
أحمد اجویید : شرح القانون الجنائي الخاص ، الجزء الثاني
أحمد السنهوري : الوسیط في شرح القانون المدني
إدریس الفاخوري : الزواج والطلاق في مدونة الأحوال الشخصیة وفق أخر التعدیلات
خالد بنیس : مدونة الأحوال الشخصیة الولادة ونتائجها مع قضاء الحالة المدنیة
سعید أزكیك : إهمال الأسرة في التشریع المغربي ، رسالة لنیل دبلوم الدراسات العلیا في القانون الخاص
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات