fbpx

القائمة الرئيسية

نزاعات أراضي الجموع

دور القضاء في فض نزاعات أراضي الجموع

دور القضاء في فض نزاعات أراضي الجموع

للتعرف على دور القضاء ومدى مساهمته في حماية الملكية الجماعية وتفعيله للنصوص القانونية بهذا الخصوص، سوف نعمل على طرح القواعد المسطرية لفض نزاعات أراضي الجموع وأثرها على دور القضاء (الفقرة الأولى)، قبل التطرق لنطاق هذا الأخير في فض النزاعات (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: القواعد المسطرية لفض نزاعات أراضي الجموع وأثرها على دور القضاء

إلى جانب النظام القانوني الخاص الذي أخضعت له أراضي الجموع من خلال ظهير 1919 والظهائر التالية له، يبدو ومن خلال تصفح المنشور الوزاري المشترك الصادر بتاريخ 1962 أنه وبعدما كانت هذه الأراضي بدون إطار قانوني منظم ومحدد للجهة المختصة في النزاعات التي تثور بشأنها، صدر هذا الأخير يعالج هذه النزاعات بعيدا عن القواعد العامة عندما منح مجلس الوصاية الدور المهم في فض نزاعات هذه الأملاك،

أو بعبارة أخرى عندما جعل اختصاص القضاء استثنائيا إذ حدد أهم النزاعات التي يمكن أن تثار بشأن هذه الأملاك ووضعها في يد مجلس الوصاية، وهو ما يعني استمرار سياسة معينة تريد أن تعالج أوضاع هذه الأراضي بعيدا عن يد القضاء الذي يطمح كل صاحب حق أن ينصفه بل وجعل قرارات مجلس الوصاية غير معللة وغير قابلة لأي طعن.

ومع أننا نشكك في مدى قانونية هذا المنشور أصلا باعتباره أسس لقواعد قانونية مخالفة للقواعد الإجرائية المعمول بها أمام القضاء وبالخصوص ق م م  الذي يعتبر المحكمة الابتدائية صاحبة الولاية العامة، ولا يمكن لأي جهاز كيفما كان أن يمنعها من البت في النزاعات التي تثار أمامها ما دامت تدخل ضمن اختصاصها،

فكيف لمنشور وزاري أن يؤسس لقواعد اختصاص يتدخل المجلس الأعلى على أساسها فيمنع المحاكم من البت في الاختصاصات الواردة ضمنه، ضدا على القانون فكيف إذن يمكن لمنشور وزاري أن ينسخ أو على الأقل يعرقل تطبيق القانون.

والمؤسف أن عدد من قرارات المجلس الأعلى بنيت على هذا المنشور كأساس لمنع المحاكم من البت في عدد من النزاعات المرتبطة بأراضي الجموع، بل أكثر من ذلك إن المجلس الأعلى لا يكتفي بنقض قرارات المحاكم ودعوتها للتصريح بعدم اختصاصها وإنما يتجاوز ذلك ويعتبر أن على المحاكم في حالة إذا ما عرض عليها نزاع من هذا النوع إضافة إلى تصريحها بعدم الاختصاص أن تحيل الملف على من له حق البت فيه، أو بعبارة أخرى أن تحيله على مجلس الوصاية

وهو ما رفضه بعض الفقه معتبرين أن إلزام المحاكم بالتصريح بعدم الاختصاص وإحالة الملف إلى الجهة المختصة في نظر المجلس الأعلى، يتناقض مع الفصل 16 من ق م م بالخصوص، حيث أن هذا الفصل من جهة لا يلزم المحكمة بالنطق بعدم اختصاصها وأن من له مصلحة أن يثير هذا الدفع قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر بل إن الفقرة الأخيرة من الفصل المذكور تمنع محكمة الاستئناف بمفهوم المخالفة من إثارة عدم الاختصاص تلقائيا، ومن ثم فكيف يمكن إلزام المحكمة بالتصريح بعدم الاختصاص خصوصا وأنها صاحبة الولاية العامة، وأن الاختصاص النوعي للمحاكم العادية ليس من النظام العام.

ومن جهة ثانية فقرارات المجلس الأعلى بشأن ضرورة إحالة القضية على مجلس الوصاية، تفتقر إلى الدقة ذلك أن الإحالة طبقا للقوانين الإجرائية لا تكون إلا بين محكمة وأخرى، ويكون الغرض منها بالخصوص تفادي تحميل المتقاضي مصاريف قضائية جديدة، فكيف يمكن القبول بضرورة إحالة القضية على لجنة إدارية أصبغ عليها طابع قضائي مع العلم أن رفع النزاعات أمام هذا المجلس لا يقتضي أصلا أي مصاريف قضائية طبقا للفصل الثاني عشر من ظهير 27 أبريل 1919

فمسطرة الطعن أمام مجلس الوصاية مجانية وتعفى المقالات والمذكرات التي يرفعها الأطراف المتنازعة من أي تسجيل أو تنبر  ونرى إلى جانب هذا الاتجاه الفقهي أن الاتجاه القضائي الحالي للمجلس الأعلى لابد أن يعاد فيه النظر ذلك أنه لا يمكن السماح بانهيار نظام قانوني بأكمله بسبب منشور غير قانوني أصلا.

وإلا فهل يمكن أن نلزم مجلس الوصاية نفسه بالإحالة على المحكمة في حالة عدم اختصاصه، خصوصا وأن قراراته غير قابلة لأي طعن ولو كانت غير معللة، فكيف نخاف تدخل القضاء وبته في نزاعات أراضي الجموع ولا نخاف بت جهاز إداري ونحن نطمح لبناء دولة الحق والقانون؟

وكيفما كان الحال نرى أن هذا التوجه القضائي ليس إلا وليد قوانين وضعت في عهد الاستعمار أو قوانين وضعت بعد الاستقلال مباشرة متأثرة بالحساسية الأمنية التي جعلت المستعمر لم يخرج أصلا قانون يحدد الجهات المختصة بفض نزاعات هذه الأراضي مساهمة منه في تفكيك التماسك القبلي الذي تعد الأرض أحد دعائمه.

إضافة إلى ذلك فإن من مظاهر تقزيم دور القضاء في فض نزاعات أراضي الجموع ومحاولة عزله، ما نص عليه الفصل الخامس من ظهير 1919 ، حيث ألزم الجماعات بضرورة الحصول على الإذن من سلطة الوصاية متى أرادت حماية مصالحها، وهو ما يعني أن على القضاء ألا يبت في الدعوى المرفوعة من الجماعة إلا إذا تضمن الملف إذنا مسبقا من قبل سلطة الوصاية وأنه في حالة العكس عليها أن تصرح بعدم قبول الدعوى، وفي هذا السياق اعتبر المجلس الأعلى أن الفصل الخامس من ظهير 6 فبراير 1963 يمنع الجماعات من إقامة دعوى في الميدان

العقاري قصد المحافظة على مصالحها الجماعية إلا بإذن من الوصي، وهو ما يعني منع عدد من الدعاوى من الوصول إلى القضاء، ذلك أن السلطة الإدارية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في منح الإذن من عدمه، وبمفهوم المخالفة منع القضاء من أداء مهمته بما هي إحقاق الحق وإنصاف الناس.

وهكذا يمكن أن نخلص إلى أن أهم القوانين والمناشير المنظمة لكيفية فض نزاعات أراضي الجموع تنحوا نحو تقزيم دور القضاء، لكن ومع ذلك فإنه يتمتع باختصاصات وإن كانت محدودة، بل إنه كثيرا ما يتجرأ ويقتحم مجال اختصاص مجلس الوصاية وينظر في قراراته ومدى مشروعيتها، فما هو نطاق اختصاص القضاء في نزاعات أراضي الجموع؟

الفقرة الثانية: نطاق اختصاص القضاء في فض نزاعات أراضي الجموع

يختلف نطاق اختصاص القضاء في حل نزاعات الأملاك الجماعية باختلاف طبيعة المنازعة نفسها، أي ما إذا كانت من اختصاص القضاء العادي(أولا) أم الإداري(ثانيا).

أولا: اختصاص القضاء العادي

سوف نتطرق لاختصاص القضاء المدني(أ) قبل أن نعرض لاختصاص القضاء الجنائي(ب)

أاختصاص القضاء المدني

يختص القضاء المدني بالبت فيما يلي:

-دعاوى الاستحقاق: حيث يدعي أحد الأفراد أن قطعة أرضية من أملاكه وتحت تصرفه، وتدعي الجماعة العكس ، فيشكل ذلك دعوى استحقاق أو استرداد الحيازة ، على أن يكون مدعي هذا الحق أجنبيا عن الجماعة ، وأن تكون العقارات المتنازع حولها لم تتم تصفيتها بعد، أي لم يتم تحفيظها أو تحديدها إداريا، فلا يمكن إطلاقا أن تسمع دعاوى الاستحقاق في العقارات الجماعية التي تمت تصفيتها قانونيا عن طريق التحديد الإداري أو التحفيظ العقاري ،

لذلك فغالبا ما تثار مثل هذه النزاعات أثناء مسطرة التحفيظ أو التحديد الإداري للأملاك الجماعية، سواء كان مطلب التحفيظ مقدما من طرف الجماعة فيتعرض عليه أحد الأشخاص أو العكس، ففي الحالة الأولى تعتبر الجماعة بمثابة مدعى عليه، ومن ثم فلا يجب عليها الإدلاء بحجة حتى يدعم المعترض تعرضه بحجة قوية ، أما في الحالة الثانية فإن الجماعة تعتبر مدعية يجب أن تثبت أن الأرض جماعية بكافة وسائل الإثبات، و على قضاة الموضوع أن يبينوا العناصر التي استنتجوا منها الطابع الجماعي للأرض المتنازع في شأنها

دعاوى الحيازة: المنصوص عليها في ق م م في الفصول 166 إلى  170  سواء كان الأمر يتعلق بدعوى منع التعرض، وهي تحمي الحائز الشرعي وتمنع غيره من الاعتداء والتعرض له ، وكذا دعوى وقف الأعمال الجديدة، وهي الدعوى التي يتم رفعها لوقف أعمال لو تمت لشكلت تعرضا للحائز، ويختص بها قاضي المستعجلات، متى توفرت شروطها طبقا للفصل 166 ق م م، كذلك يمكن رفع دعوى استرداد الحيازة المنتزعة بالعنف والإكراه إذا كانت للمدعي وقت استعمال العنف والإكراه حيازة مادية هادئة وعلنية.

1 – حالة نشوب نزاع بين دوارين حول الحيازة لعقار مشاع.

2 – المنازعات حول حق الانتفاع بالزينة الذي خول للأشخاص المنتمين للجماعة

لكن ما هي حدود اختصاص القضاء الجنائي في نزاعات أراضي الجموع؟.

باختصاص القضاء الجنائي

إضافة إلى الاختصاص المدني للقضاء العادي، نجد بعض الاختصاصات الجنائية، خصوصا جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير ، وجريمة تفويت أملاك عقارية غير قابلة للتفويت.

1 – جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير ( دعوى الترامي )

تنص الفقرة الأولى من الفصل 570 من القانون الجنائي على أنه “يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين وعشرون إلى خمسمائة درهم من انتزع عقار غيره خلسة أو باستعمال التدليس…” ، ويعتبر بعض الفقه أن هذا المقتضي يعتبر تدبيرا حمائيا مهما لكافة العقارات وتدخل ضمنها بطبيعة الحال أراضي الجموع، ومن ثم فمتى توفرت عناصر جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير طبقا لهذا الفصل أمكن معاقبة الجاني بعد متابعته،

غير أن محمكة النقض بعدما اعتبر في قرار له انه لا مجال لتطبيق مقتضيات الفصل 570 وان مقتضيات ظهير  1919  هي التي تطبق بهذا الشأن على الأراضي الجماعية ، عاد في قرار لاحق له وذهب إلى أن المنتفع من الأرض الجماعية الصادر لصالحه قرار نيابي بإفراغ غيره، يحق له أن يحمي حيازته بمقتضى الفصل 570 من القانون الجنائي ويطالب بمعاقبة من صدر في حقه القرار النيابي المذكور ولم يمتثل له

وعليه أرى أن ما ذهب إليه المجلس الأعلى في القرار الأخير يعد صائبا لأنه لا معنى لإقصاء القانون الجنائي من التطبيق بهذا الشأن، خصوصا أنه مقتضى حمائي عام يدخل ضمنه كافة العقارات، ثم إن إعمال مقتضيات ظهير  1919 بما يتضمن من كثرة التعقيدات قد لا يساعد على حماية الملكية الجماعية.

2 – دعاوى تفويت أملاك عقارية غير قابلة لذلك

إضافة إلى ما سبق يختص القضاء الجنائي في دعاوى تفويت أملاك عقارية غير قابلة للتفويت، والغريب هو أن المجلس الأعلى كما أشار إلى ذلك الأستاذ سمير آيت رجدال ذهب في اتجاه مخالف لما سبق حيث سمح بتطبيق الفصل 542 من القانون الجنائي

كذلك يمكن رفع دعوى تحويل الحدود وإتلافها طبقا للفصل 606 من القانون الجنائي

هكذا إذن توقفنا عند الاختصاص العادي في نزاعات أراضي الجموع، فهل يستطيع القضاء الإداري أن ينتزع بعض الاختصاصات في ظل طموح دولة الحق والقانون؟

ثانيا: الرقابة القضائية على مقررات مجلس الوصاية

لقد نص المشرع المغربي في الظهير الشريف بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط وتدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها في الفقرة الثالثة من الفصل 12 على أنه “ويجري بحث الأوراق والتحقق في كل قضية من غير إشهار، وتحرر المقررات من طرف الكاتب ويوقع عليها جميع أعضاء المجلس وتكون هذه المقررات غير مدعمة بأسباب وغير قابلة لأي طعن…”

وباستقرائنا لهذه المقتضيات القانونية، نلفي النظر أن المشرع قد حصر الطعن في مقررات مجلس الوصاية، لكن وبما أن هذا النص قد جاء عاما وليس هنالك ما يقيده، وبالتالي نتساءل عن مدى التسليم بذلك على إطلاقه وبعبارة أوضح هل يمكن الطعن في هذه المقررات باعتبارها مقررات إدارية أم لا ؟.

في هذا الإطار نجد أن هنالك اتجاهان مختلفان بخصوص مدى قبول الطعن في قرارات مجلس الوصاية، الأول ينفي إمكانية الطعن في هذه المقررات والثاني يجيز ذلك، بحيث أن القضاء المغربي المتجلي في أعلى هيئاته، أي المجلس الأعلى، وبالتحديد الغرفة الإدارية، قد ذهب إلى انه لا يمكن الطعن في قرارات مجلس الوصاية لعمومية الفقرة الثالثة من الفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919 إذ أن المتتبع لقرارات محكمة النقض بهذا الشأن يلاحظ أن هذا الأخير في شخص الغرفة الإدارية ظل وفيا لمقتضيات الفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919 والتي تقضي بكون مقررات مجلس الوصاية غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن

وإذا كانت قرارات مجلس الوصاية قرارات إدارية، فالطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة ممكن إذا ما لم يصدر نص صريح بخلاف ذلك.

وعليه يجب أن تخضع قرارات مجلس الوصاية للرقابة القضائية التي من شأنها أن تكفل احترام المبدأ الذي يقتضي أن تكون جميع قرارات الإدارة مطابقة للقواعد القانونية الأعلى منها، غير أن هذا المبدأ لا يمكن تطبيقه إلا إذا كان محميا ببعض الضمانات، أو كانت هناك وسيلة لحمل الإدارة على احترامه، ويمثل الطعن من أجل الشطط في استعمال السلطة التي تساعد القاضي على مراقبة عمل الإدارة، وهذه هي الطريقة القضائية التي تهدف إلى إلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة

وقد أيد جانب من الفقه الطعن بالإلغاء ضد مقررات مجلس الوصاية، واعتبر أن القرارات الصادرة عن مجلس الوصاية هي قرارات إدارية ، وبالتالي يجب أن تخضع هذه المقررات للرقابة القضائية، بالرغم من أن الفصل 12 من الظهير قد نص على أنها لا تقبل أي طعن، فإنها مع ذلك تبقى قرارات إدارية تعرض على القضاء الإداري، حسبما أثبتته الاجتهادات القضائية

وعليه لا يسعنا إلا أن نؤيد ما ذهب إليه قضاء الموضوع والفقه المؤيد له، خلاف ما ذهب إليه المجلس الأعلى الممثل في الغرفة الإدارية، حتى لا تكون هذه المقررات متسمة بالتعسف باستعمال السلطة من جهة، ومن جهة ثانية احترام مبدأ المشروعية مراعاة لما من أجله تم إحداث هذا المجلس، وهو رعاية استغلال هذه الأراضي أحسن استغلال المؤسس على التناسب بين مصالح الجماعة والمصلحة العامة.

 تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net

لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك


موقع يعني بشعبة القانون, محاضرات, ندوات, كتب جامعية, مقالات و كل ما له علاقة بالقانون من منظور أكاديمي

آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف
تصنيفات
منوعات
آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
Open

error: Content is protected !!