محتويات المقال
خصائص ومبادئ النيابة العامة
نظرا للطبيعة القانونية والإدارية لجهاز النيابة العامة التي تتسم بطابع استعجالي وفوري، وطريقة تصريفها لإجراءات القضايا المعروضة عليها، كل ذلك جعل هذه المؤسسة تتسم ببعض الخصائص والسمات، منها ما يتعلق بالنيابة العامة، ومنها ما ينصرف لأعضائها، وتتمثل في:
– التسلسل الرئاسي – النيابة العامة طرف أصلي في الدعوى العمومية – وحدة قضاة النيابة العامة – استقلالية أعضاء النيابة العامة – عدم مسؤولية أعضاء النيابة العامة – عدم قابلية تجريح أعضاء النيابة العامة.
الفقرة الأولى: التسلسل الرئاسي
أول مبدأ من مبادئ النيابة العامة هو التسلسل الرئاسي، حيث يوجد على رأس الهرم الرئاسي وزير العدل والحريات مرورا بالوكيل العام لدى محكمة النقض إلى الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف وانتهاء بوكلاء المملك لدى المحاكم الابتدائية.
إلا أن هذا الخضوع الإداري يتجلى فيما تم تقديمه من ملتمسات كتابية كما أشارت إلى ذلك مقتضيات المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية, فالتعليمات الصادرة وفق المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية يجب أن تتم كتابة إذا أصدرت من وزير العدل والحريات وتتعلق بتطبيق السياسة الجنائية أو تكون عبارة عن أمر بالمتابعة أو أمر بتقديم ملتمسات معنية إلى المحكمة.
وإذا كانت هذه حدود سلطات وزير العدل والحريات على أعضاء النيابة العامة کما حددتها المادتين 38 و 51 من قانون المسطرة الجنائية، فان قضاة النيابة العامة يخضعون لسلطة رئيسهم ولم يشترط القانون أية شروط لممارسة هذه السلطة كصدور تعليمات كتابية، بل أن الممارسة تؤدي إلى أن يصدر الرئيس تعليماته لمرؤوسيه بكيفية شفوية وتشمل هذه التعليمات مختلف الإجراءات التي يضطلع بها جهاز النيابة العامة.
الفقرة الثانية : النيابة العامة طرف أصلي في الدعوى العمومية
مما لاشك فيه أن النيابة العامة مؤسسة تمثل المجتمع أمام المحاكم الزجرية ناهيك عن أدوراها الأخرى والتي حددتها الفصول 6 و7 و8 و9 و10 من قانون المسطرة المدنية والمادة 3 من مدونة الأسرة إلا أن دورها الأصيل يتمثل أساسا بإقامة الدعوى العمومية وممارسة مختلف إجراءاتها كما تشير إلى ذلك مقتضيات المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية.
بمجرد إثارة الدعوى العمومية تصبح النيابة العامة طرفا أصليا فيها مع إلزامها بتتبع جميع خطواتها ومراحلها الإجرائية كما يمنع عليها التخلي عن متابعتها حتى ولو أن المشتكي تنازل عن مطالبه المدينة إلا في حالة خاصة حددها القانون.
وصفة الطرف الأصيل التي تتمتع بها النيابة العامة تترتب عليه جملة من الآثار القانونية تجعل منها طرفا أصيلا من نوع خاص وعليه فحضورها واجب في جميع إجراءات المحاكمة باعتبارها جزءا من تشكلة المحكمة الزجرية.
ونظمت المادة 46 من قانون المسطرة الجنائية كيفية تمثيل النيابة العامة ، فإذا حدث الوكيل الملك مانع فيخلفه نائبه، وإذا تعدد النواب فيخلفه النائب المعين من قبله، و إذا تغيب جميع ممثلي النيابة العامة أو حدث لهم مانع ، فإن الوكيل العام للملك ينتدب أحد نوابه أو أحد قضاة النيابة العامة بالدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف ليقوم بجميع اختصاصات ممثل النيابة العامة مؤقتا إن اقتضت ضرورة العمل ذلك على أن يخبر وزير العدل والحريات فورا, وقد دأب العمل القضائي على ذكر اسم النيابة العامة بالأحكام الصادرة في الدعاوی الزجرية علما انه لا يشارك في المداولات ولا يوقع مع هيئة الحكم في نسخ الأحكام.
الفقرة الثالثة: مبدأ الوحدة
إن قضاة النيابة العامة يخضعون لنظام التسلسل الإداري والرئاسي والذي يفرض المرؤوس الخضوع لتعلیمات رئیسه وهذا ما يسمى بوحدة النيابة العامة أي جعلها جهازا موحدا ينوب أفراده عن بعضهم البعض.
و مفاد ذلك أن النيابة العامة هيئة واحدة لا تقبل التجزئة وان جميع أعضائها على مستوى المحكمة التي ينتمون إليها كل واحد منهم يمكنه أن يباشر أي إجراء من إجراءات الدعوى العمومية، وأن كل إجراء يتخذه أحد قضاتها يكمل الإجراءات السابقة ويكون صحيحا ومنتجا لآثاره، ولا يمكن امتناع أحد النواب عن القيام بإحدى الإجراءات بدعوی أن غيره هو الذي قام بإجراء سابق وإلا تعرض للمسائلة التأديبية، لأن قضاة النيابة العامة لیست هم شخصية مستقلة عن الهيئة التي ينتمون إليها فهم يمثلونها وأعمالهم تتم باسمها ولحسابها, ووحدة النيابة العامة مشروطة بوجوب التقييد بقواعد الاختصاص.
الفقرة الرابعة: الإستقلالية
إن خاصية الإستقلالية التي تتمتع بها مؤسسة النيابة العامة تتجسد في حيادها التام عن كل أطراف الدعوى العمومية من خصوم ومحكمة ومختلف الإدارات, فهي مستقلة عن المشتكي أو الطرف المحرك للدعوى العمومية حيث تبني سلطه ملائمتها حرصا على تحقيق العدالة وتوخيا لمصلحة المجتمع دون محاباة لأحد.
أما استقلالها عن المحكمة فيتضح من خلال إنفراد ممثل النيابة العامة خلال المحاكمة ببسط مطالبه، والدفاع عنها، وشرحها، ومحاولة إقناع المحكمة بها في حياد تام عنها ودون أي تدخل أو توجيه، ولا يمكن لهذه الأخيرة التدخل في شؤون النيابة العامة إذا ما بدا لها أن التهم الموجهة للمتهم في غير محلها أو أنه بريء منها وإن منحها حق إعادة تكييف الأفعال الإجرامية.
أما تبعيتها لوزير العدل والحريات في إطار التسلسل الرئاسي فهي ليست مطلقة بل إنها محددة ومقيدة بتطبيق القانون وفي إطار التعليمات الكتابية الخاصة بتطبيق السياسة الجنائية، أو الأمر بالمتابعة أو أمر بتقديم ملتمسات المحكمة کما حددتها مقتضيات المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية.
الفقرة الخامسة: عدم المسؤولية
يجد هذا المبدأ مبرراته في طبيعة عمل أعضاء النيابة العامة لأنهم أثناء ممارسة مهامهم في إعمال سلطة الملائمة، والمتابعة، والإحالة الفورية بالإيداع بالسجن أو على قاضي التحقيق وغيرها من الإجراءات المسطرية التي يقومون بها، فإنهم يقومون بذلك باسم المجتمع وليس الحساب شخص بعينه، أو مؤسسة بعينها، فإذا لم تتوج متابعة النيابة العامة بالإدانة مثلا وانتهت ببراءة المتهم وإخلاء سبيله بعد ما كان موضوعا رهن الاعتقال الاحتياطي بأمر منها، فإنه يمنع عليه تماما التقدم بدعوى ضدها، ويجب التنبيه إلى أن النيابة العامة ليس من مصلحتها، بل ليس لوجودها ذاته، من علة سوى التطبيق الصحيح للقانون دون أن يكون للآثار القضائية المترتبة على هذا التطبيق تأثير على تصرفاتها.
فكما قد تؤدي مطالبتها بهذا التطبيق إلى التمسك بإدانة المتهم، يجب عليها أن تتمسك أيضا ببراءته إذا ما تبت لها ذلك، وتفويض المحكمة للحكم بما تراه, فهي لا تكون في حالة نزاع مع أحد، ولا تتعارض مصالحها مع أحد حتى ولو كان المتهم، لأن مصلحتها هي على الدوام في التطبيق الصحيح لأحكام قانون المسطرة الجنائية.
والقول بغير ذلك هو فهم خاطئ لدور النيابة العامة ممثلة المجتمع، واعتبارها خصما بأي ثمن.
الفقرة السادسة: عدم القابلية للتجريح
خلافا لمسطرة تجريح القضاة والتي نظم المشرع أحكامها وكيفية سلوكها، فإنه يمنع تجريح أحد أعضاء النيابة العامة من طرف الخصوم سواء كانوا مشتكين أو مشتکی بتقديم طلبات التجريح كتابة من أجل نزع صلاحية قاضي النيابة العامة في القيام أو متابعة إجراء من الإجراءات أو بحضوره المحاكمة لأي سبب من الأسباب.
ولعل السبب في ذلك يعود من وجهة نظرنا أن قضاة النيابة العامة وبالرغم من مختلف الاختصاصات المخولة لهم ، فإنها تكتسي طابعا إجرائيا ليس إلا، لاسيما وأن قضاة الحكم هم الذين يحسمون في مصير النزاعات والدعاوى الزجرية بإصدار أحكام تكون عادة فاصلة في النزاع بالبراءة أو الإدانة، وبالتالي فإن تأثيرهم على جوهر سير الدعوى العمومية يكون حاسما .
وانسجاما مع ذلك، فإن مبدأ التجريح يلتقي مع مبدأ الإستقلالية طالما أن مؤسسة النيابة العامة طرف وخصم محايد وشريف في الدعوى العمومية هدفه الأسمى تتبع الأفعال والتروك المجرمة والضارة بالمجتمع وتطبيق مقتضيات القانون الجنائي بشأنها.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات