محتويات المقال
مصادر القضاء الجنائي الدولي
قسم فقهاء القانون الدولي مصادر القضاء الدولي الجنائي إلى مصدرين: مصادر رسمية ومصادر تفسيرية ، وذلك من خلال استقرائنا للمادة 21 من نظام روما الأساسي، وعليه فإننا سنعالج مصادر القضاء الجنائي الدولي الرسمية في المطلب الأول بينما سنسلط الضوء على المصادر التفسيرية في المطلب الثاني
المطلب الأول: المصادر الرسمية من مصادر القضاء الدولي الجنائي
تتمثل المصادر الرسمية للقضاء الدولي الجنائي في نظام روما الأساسي، والمعاهدات الدولية ومبادئ القانون الدولي وقواعده المتعلقة بالحروب، وقد رتبت هذه المصادر من حيث قوتها، بحيث يلتزم القاض ي بتطبيقها، وتشمل في المقام الأول نظام روما الأساس ي، كما يشمل المعاهدات الدولية، ومبادئ القانون الدولي.
الفقرة الأولى : المصدر الرسمي الأصلي ” نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية“
إن القاضي الجنائي الدولي ملزم بتطبيق في المقام الأول النظام الأساسي من حيث القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات عند النظر في القضايا التي ترفع أمام المحكمة الجنائية الدولية والنصوص المتعلقة بإجراءات المحاكمة وإجراءات الطعن وإعادة النظر في الأحكام.
فالتشريع في نطاق القضاء الجنائي الدولي يتمثل في الإجراءات التي تتبعها المحكمة الجنائية الدولية ولذلك كان لزاما أن يكون التشريع في المرتبة الأولى بين مصادر القضاء الجنائي الدولي، سواء فيما تعلق بتحديد الأفعال المجرمة أم القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، وقبل نظام روما كانت اللوائح الخاصة بنورمبروغ وطوكيو وكذلك محكمتا يوغسلفيا ورواندا ولذلك يترتب على القاضي الجنائي الدولي أن يتقيد بالمبادئ التالية:
أ – حصر مصادر التجريم والعقاب في النصوص التشريعية
ومعنى ذلك أن القاضي الجنائي ملزم بتحديد النص المحدد للجريمة وعقوبتها فإذا لم يوجد نص كان على القاض ي أن يحكم بالبراءة لعدم وجود نص التجريم، وهذه النتيجة أرادها واضعو نظام روما الأساس ي ولذلك قلما يوجد سلوك يخل بالتزام جوهري تفرضه قواعد القانون الدولي دون أن يندرج روما أو في معاهدة دولية، ولكن المصادر الأخرى للقضاء الجنائي الدولي غير التشريع لا يعني أن هذه المصادر غير ذات قيمة، بل تعد من مصادر القضاء الجنائي الدولي طبقا للنظام الأساس ي للمحكمة الجنائية الدولية، ويعني ذلك أن مصادر القضاء الجنائي الدولي غير التشريعية لها دور في التطبيق في حالتين:
– إذا كان الأمر يتطلب استبعاد العقاب أو تخفيفه، فهنا ينحسر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فيما يخص تحديد مصادر القضاء الجنائي الدولي، ولا يوجد أي مساس بمبدأ الشرعية إذا كان مصدر استبعاد العقاب أو تخفيفه هو العرف، واهم مجال أسباب الإباحة وامتناع المسؤولية قد يكون مصدرها العرف أو مبادئ القانون الدولي العام، أو المبادئ القانون العام،
ويجب القول أن المعاهدات الدولية الثنائية والجماعية تلعب دورا في إطار قواعد القضاء الجنائي الدولي حيث إنها تساهم في إثبات قواعد قانونية عرفية كما أنها تساعد في تفسير وتطبيق القواعد القانونية المستمدة من مصادر أخرى
– إذا كان الأمر يقتض ي الرجوع إلى مصادر أخرى غير التشريع: فجريمة العدوان لم يضع نظام روما تعريفا محددا لها وهذه الجريمة يعاقب عليها القضاء الجنائي الدولي، ولتحديد عناصرها لا بد من الرجوع إلى مصادر غير التشريع ومنها أحكام ميثاق الأمم المتحدة، والقرارات الصادرة عنها بخصوص تعريف العدوان وتحديد أشكاله، وقد يكون تحديد أركان بعض الجرائم يستوجب الرجوع إلى العرف الدولي المستقر بشأنها
ب – عدم رجعية النصوص والتفسير الضيق لها
يعتبر القضاء الجنائي الدولي أن نفي الأثر الرجعي للنص الجنائي للجريمة يعد نتيجة ضرورية لعدم رجعية نصوص الجرائم والعقوبات، غير انه يورد استثناء وهو تطبيق النص الجنائي الأصلح للمتهم، كما انه لا يجوز التوسع في تفسير نصوص التجريم والعقاب في القوانين الداخلية بينما في مواثيق واتفاقيات القضاء الدولي فإننا نجد محكمة نورمبورغ قد أجازت التوسع في التفسير واللجوء إلى القياس في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية
الفقرة الثانية : مصادر القضاء الدولي الجنائي الرسمية الاحتياطية
أ- المعاهدات الدولية
تعتبر المعاهدات الدولية من أهم مصادر القانون الدولي العام، إذ أنها بمثابة التشريع في النظام الداخلي، فبالنظر إلى ما تمتاز به المعاهدات الدولية من دقة ووضوح والارتفاع ال لمتناهي في إعدادها، كان من البديهي أن توضع في المرتبة الثانية من حيث التطبيق بعد النظام الأساس ي لمحكمة روما وأركان الجرائم والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات، ومن أمثلة تلك المعاهدات، اتفاقية الأمم المتحدة لمنع إبادة الأجناس لعام 1948 ، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبرتوكولان الإضافيان لعام 1977
لقد اعتبرت المعاهدات مصدرا رسميا احتياطيا للقضاء الجنائي الدولي، كما انها تساهم في إثبات قواعد القضاء الجنائي الدولي.
والمعاهدات إن كانت مصدرا رسميا احتياطيا للقضاء الجنائي الدولي كما يقرر نص المادة 21 من نظام روما الأساسي إلا أنها لا تطبق إلا إذا خل نظام روما الأساسي من نص يتضمن حكما للقضية المعروضة على المحكمة، وبش رط أن يكون الحكم الوارد في المعاهدة لا يتعارض مع القواعد الأساسية المقررة للمحكمة
ب- مبادئ القانون الدولي وقواعده
تشكل مبادئ القانون الدولي وقواعده، مصدرا رسميا احتياطيا من مصادر القضاء الجنائي الدولي، وهي مجموعة من القواعد القانونية المشتركة بين مختلف الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم والتي تعالج قضايا القضاء الجنائي الدولي.
و تجدر الإشارة إلى أن مبادئ القانون الدولي وقواعده يستوي فيها أن تكون مدونة وغير مدونة، وهنا يظهر دور العرف بين مصادر القضاء الجنائي الدولي، كما أن العديد من المعاهدات الدولية تقوم كثيرا بإدراج القواعد الدولية العرفية
فقد نص نظام روما الأساسي على أن مبادئ القانون الدولي تشمل المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة، كما سبق بيانه ويقصد بها المبادئ التي تتضمنها قوانين الحرب واعرفها ولها أهميتها في مجال جرائم الحرب التي وردت في نظام روما.
وتحتل مبادئ القانون الدولي المرتبة الثالثة بين مصادر القضاء الجنائي الدولي، ويعني ذلك أن القاضي لا يلجأ إليها إلا في حالة خلو النظام الأساسي للمحكمة الجنائية من نص يطبق على القضية المعروضة مع عدم وجود هذا الحكم في معاهدة واجبة التطبيق.
المطلب الثاني: مصادر القضاء الدولي الجنائي التفسيرية
ورد في نظام روما الأساسي النص على المبادئ العامة للقانون وتطبيق القرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية والاستعانة بها.
الفقرة الأولى : المبادئ العامة للقانون
من المعروف أن المبدأ العام “هو كل قاعدة تبلغ من العمومية والأهمية ما يجعلها أساسا للعديد من القواعد التفصيلية المتفرعة عنها “، فهو قاعدة بلغت من العمومية درجة عالية يمكن معها استنباط العديد من القواعد المتفرعة عنها، وتكاد المبادئ العامة تقف في مركز وسط بين الفكرة العامة للوجود وبين القواعد الوضعية المعمول بها في مجتمع معين، فهي تعبر تعبيرا كليا عن الفكرة العامة ثم تأتي القواعد القانونية فتعبر تعبيرا عن جزئيا عن الأفكار التي تحدد المبادئ الأساسية المذكور، ذلك أن المبدأ العام لا يحتوي مضمونا محددا أما القاعدة فتتضمن تنظيما سلوكيا لأشخاص المجتمع، وعليه فإن المبادئ العامة ليس لها قدرة على التنفيذ الذاتي نظرا لكونها بالغة التجريد وذات مضمون مجرد أو سلبي وتحتاج بالضرورة إلى قواعد تفصيلية تخلق حقوقا والتزامات
وهنا يتضح أن المبادئ العامة تتسم بطابع العمومية المستمد من الاعتراف بها من جانب التشريعات الوطنية لمعظم الدول مهما كانت طبيعة النظام القانوني الذي تنتمي إليه، ومن ناحية أخرى تتميز بأنها مبادئ أساسية كونها تهيمن على مجموعة من القواعد التفصيلية التي تتفرع منها.
وبناء على ما سبق يقصد بالمبادئ العامة للقانون ، تلك “القواعد العامة والأساسية التي تهيمن على الأنظمة القانونية والتي تتفرع عنها قواعد أخرى تطبيقية تخرج إلى حيز التنفيذ في صورة العرف والتشريع.
وفي حقيقة الأم ر يتم اللجوء إلى هذه المبادئ عند عجز المصادر الأصلي سابقة الذكر وحول هذا المعنى جاء في ميثاق روما شروط اللجوء إلى هذه المبادئ:
– أن تكون هذه المبادئ مستخلصة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم، بما في ذلك القوانين الوطنية للدول التي تكون لها ولاية على الجريمة.
– ألا تتعارض هذه مع النظام ولا مع القانون الدولي ولا مع القواعد والمعايير المعترفة بها دوليا.
– أن تكون هذه المبادئ متسقة مع حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، وإلا ترتب على تطبيقها أي تمييز بين الأفراد.
ويمكن ذكر بعض الأمثلة للمبادئ العامة للقانون التي تصلح للتطبيق في إطار القضاء الجنائي الدولي وهي:
– مبدأ الشرعية.
– مبدأ ضرورة احترام حقوق الدفاع
-مبدأ ضرورة توفر علقة سببية بين الضرر والعمل غير المشروع لقيام المسؤولية القانونية
– مبدأ عدم جواز التعسف في استعمال الحق.
– مبدأ الالتزام بالتعويض الكامل عن الضرر الناتج عن خرق التعاهدات.
– مبدأ جواز التمسك بالقوة القاهرة للتحلل من تنفيذ بعض الالتزامات
– مبدأ حسن النية.
– مبدأ عدم جواز كون الشخص خصما وحكما في نفس الوقت.
وتطبق المبادئ العامة للقانون بوصفها مصدرا تفسيرا يلجأ إليها القاض ي الدولي عندما لا تسعفه المصادر الرسمية، كما أن تكون هذه المبادئ متماشية مع حقوق الإنسان المعترف بها دوليا.
الفقرة الثانية : قضاء المحكمة الجنائية الدولية
أشارت المادة 21 في فقرتها الثانية من النظام الأساس ي للمحكمة الجنائية الدولية على انه: “يجوز أن تطبق مبادئ وقواعد القانون كما هي مفسرة في قراراتها السابقة”، ومن تم فانه وفقا لهذا النص فإن أحكام المحكمة تعد مصدرا من مصادر القضاء الجنائي الدولي،
ويظهر من خلل مضمون النص أن التفسير الذي يطبق هو وفقا للمحكمة الجنائية الدولية، أي ما استقرت عليه المحكمة في قراراتها السابقة من مبادئ وقواعد، ومعنى أن المحكمة تطبق ما توصلت إليه في قراراتها لا ينفي عنها في رأينا أن تستعين بالاجتهاد القضائي الذي توصلت إليه المحاكم في قضايا متشابهة سواء كانت دولية أم وطنية فلا شك أن توالي وتتابع القرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية يؤدي مع مرور الوقت إلى إرساء أحكام واجتهادات قضائية ويعطي لها تفسيرا عمليا، يمكن لها تطبيقه مستقبل في القضايا المتشابهة التي تعرض عليها.
ومن المعروف في القانون الدولي العام أن أحكام المحاكم تعد من المصادر القانونية لقواعد القانون الدولي “المادة 38 ” من النظام الأساس ي لمحكمة العدل الدولية تنص على انه “يجوز لهذه المحكمة أن ترجع إلى أحكام المحاكم ومذاهب كبار فقهاء القانون الدولي في مختلف الأمم كوسائل ثانوية”، لكن نظام روما الأساس ي لم يعتبر أحكام المحاكم بصفة عامة مصدرا للقضاء الجنائي الدولي وأنا اقتصر على الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
يتبين لنا من خلل تعدد مصادر القضاء الجنائي الدولي انه لم يقتصر على النظام الأساس ي للمحكمة الجنائية الدولية، بل تضمن أيضا المعاهدات وقواعد القانون الدولي المتضمنة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا، فما دامت الغاية من القضاء الجنائي الدولي هي ضمان الاحترام الدائم لتحقيق العدالة الجنائية الدولية، وحماية أرواح الأفراد وصحتهم وكرامتهم من الانتهاكات الخطيرة التي ذهب ضحيتها أعداد هائلة من النساء والأطفال والرجال،
فان هذا الأمر لن يتحقق إلا بوجود قضاء جنائي دولي، يهدف إلى توفير حماية واسعة للفرد وتعزيز تطوره، وذلك بملحقة ومعاقبة المذنب، أما المتهم فيجب مراعاة حقوقه بإجراء محاكمة عادلة، وفقا للأصول المعترف بها في القانون الدولي.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات