محتويات المقال
مسطرة القاضي المقرر في قضايا التحفيظ
إن أول إجراء یتخذ بشأن نزاع التحفیظ في المرحلة الإبتدائیة على إثر إحالة المحافظ الملف علیها هو تعیین القاضي المقرر
یعمل على دراسة الملف واستعمال وسائل التحقیق وإجراء محاولة صلح بین الطرفین كما یعد تقریرا نهائیا للقضیة .
وعلى هذا الأساس سأقف في نقطة أولى على سلطات القاضي المقرر وسأفرد للأمر بالتخلي الصادر عنه وتلاوة التقریر نقطة مستقلة
1 – صلاحیات القاضي المقرر
یعین رئیس المحكمة في نزاعات التحفیظ القاضي المقرر الذي یتسلم الملف ویزاول مهامه المحددة في الفصل 34 من ظ.ت.ع
فیعمد إلى إجراء دراسة أولیة لملف التحفیظ الذي یتكون عادة من وثائق مهمة تخص طالب التحفیظ و المتعرضین
وبذلك فالقاضي المقرر يدرس الملف للوقوف عند طبیعة النزاع وما إذا تعلق بحق ملكیة أو مداه أو حدوده أو غیر ذلك
وقد ثار الخلاف حول مدى قانونیة تسلم القاضي المقرر لووثائق جدیدة من الأطراف على اعتبار أن المراكز القانونیة تتحدد أمام المحافظ
بالإضافة إلى أن المشرع رتب جزاء عن عدم تقدیم الأطراف لحججهم أمام المحافظة العقاریة
إلا أن محكمة النقض اعتبرت أنه أثناء تجهیز الملف في المرحلة الإبتدائیة , یحق لأطراف النزاع أن یتقدموا بجمیع الوثائق والرسوم المؤیدة لطلباتهم , إضافة إلى ما سبق أن مكنوا المحافظ منه , إذ جاء في حیثیات القرار :
” یتجلى من مستندات الملف ومحاضر جلسات محكمة الإستئناف … التي راجت بها القضیة , أن الطاعنین كانوا ممثلین بنائبهم … وأنهم إن التزموا أثناء المرحلة الإداریة أمام المحافظ بالإدلاء بمزید من الحجج غیر ما أدلوا به , كما التزموا في مقالهم الإستئنافي… بالإدلاء بذلك أثناء الجلسة , إلا أنهم لم یفعلوا , وحضر دفاعهم ولم یدل بشيء,فإنه نتیجة لذلك یكون القرار معللا ومرتكزا على أساس قانوني وغیر خارق للفصول المستدل بها أعلاه,ولا لحقوق الدفاع…”
وأول إجراء یقوم به القاضي المقرر هو توجیه الاستدعاء لطرفي النزاع حتى یعینوا دفاعا ینوب عنهم أو یتقدموا بمذكرتت توضیحیة أو یدلوا بالوثائق التي فاتهم الإدلاء بها في المرحلة الإداریة للملف
كما علیه أن یقوم بدراسة معمقة لملف المحافظة العقاریة والوقوف عند طلب التحفیظ , محاضر التحدید , التعرضات , الإیداعات إن وجدت , وأن یحیط بكافة جوانب الملف الإحاطة الكافیة التي تمكنه من اتخاذ القرار المناسب
ذلك أن قراراته تختلف باختلاف طبیعة الملفات المعروضة علیه , إذ في حالات ناذرة ما یقتصر دوره على تبیان النقط التي على المحكمة أن تفصل فیها دون زیادة أو نقصان
ونظرا لأهمیة الدور الذي یقوم به القاضي المقرر لتحضیر القضیة , فقد أناطه ظهیر التحفیظ العقاري بصلاحیات واسعة
حیث یمكنه استنادا إلى مقتضیات الفصل 34 منه الإستماع إلى الشهود أو أن یتلقى بمكتبه جمیع التصریحات أو جمیع الشهادات وأن یتخذ جمیع الإجراءات التي یراها مفیدة لتتمیم المسطرة بما في ذلك القیام بإجراءات التحقیق المنصوص علیها في قانون المسطرة المدنیة
كما یمكنه تلقائیا أو بطلب من الخصوم أن یقف على عین العقار موضوع النزاع لیقوم بتطبیق الرسوم علیه
والمعاینة إجراء اختیاري للمحكمة تملك سلطة الإستغناء عنه متى ثبت لها أن لا ضرورة توجبه وتحدید ذلك موكول لسلطة المحكمة, وذلك ما یستفاد من صیغة التخییر التي جاء علیها الفصل 34 من ظ.ت.ع. كما أن عدم إجرائه لا یعیب الحكم
إلا أنه غالبا ما تجد المحكمة نفسها , مجبرة على إجراء معاینة للتأكد من تنزیل الحجج على الواقع. فقد جاء في قرار لمحكمة النقض أن :
“تعلیل المحكمة رفضها طلب الوقوف على عین المكان للتاكد من الصفة الجماعیة لأرض المطلب بأن المحكمة الإبتدائیة أجرتها ولم یطعن فیها یدحضه مقال استئناف الطاعنة الذي طعنت به في المعاینة المجراة ابتدائیا وطلبت الوقوف على عین المكان والإستماع إلى الشهود للتاكد من الصفة الجماعیة لأرض المطلب یعتبر تعلیلا فاسدا یوازي انعدامه”
وإجراء المعاینة كثیرا ما یكون فاصلا في النزاع , إذ به تكون المحكمة قناعتها
فقد جاء في قرار لمحكمة النقض أن “القرار معلل بما یكفي لما رفض تعرض الطاعن بعلة أن الحجة التي أدلى بها تأییدا لتعرضه لا تنطبق على أرض المطلب كما تبث من الوقوف على عین المكان لمطابقة الرسوم “
ولا تلزم المحكمة بالإستجابة لملتمس إجراء معاینة للوقوف على عین المكان متى ظهر لها أنها لن تفید النزاع في شيء
وهذا ما اسست له محكمة النقض في قرار لها جاء في حیثیاته أنه ” لا یمكن إجراء معاینة لتطبیق رسوم شراء المتعرض , إن كانت هذه الأخیرة لا تتضمن لا إسم الملك ولا حدوده عكس حجج طالب التحفیظ , لتعذر عنصر المقارنة”
فمتى تبین للمحكمة أن عنصر المقارنة بین الحجج المدلى بها وحدود مطلب التحفیظ الواقعیة لا یمكن المطابقة بینهما فمعنى ذلك أنه لا نتیجة تنتظر من الوقوف على عین المكان , وبالتالي لیس من الضرورة الإستجابة إلى طلب إجراء المعاینة.
وفي اتجاه حدیث لمحكمة النقض , أوجب على المحكمة , متى تطلب الامر اعتماد حجج وإعطاءها أثرها القانوني , أن تجري المحكمة معاینة لعین المكان قصد تنزیل الرسوم على الواقع , وذلك ما تضمنه القرار الذي جاء في حیثیاته “…
في حین أن تطبیق الرسوم على محل النزاع هو من صمیم عمل المحكمة أو المستشار المقرر , التي لها عند الإقتضاء الإستعانة بمهندس عقاري , عملا بمقتضیات الفصل 43 من ظهیر التحفیظ العقاري المطبق في النازلة , وأن المحكمة لما لم تتقید بالمقتضى المذكور لم تجعل لما قضت به أساسا من القانون , مما عرض قرارها للنقض والإبطال.”
كما لا تكون المحكمة ملزمة بإجراء خبرة ثانیة رغم طلب الأطراف ذلك , متى وجدت في المعاینة أو الخبرة التي أمرت بها من قبل ما یوصلها إلى الحقیقة
وإجراء معاینة لعین المكان , وبمقتضى الفصلین 34 و 43 من ظهیر التحفیظ العقاري , یبیح للمستشار المقرر إجراء المعاینة بصفة تلقائیة , ودون حاجة إلى طلب الأطراف ذلك.
2 – إصدار الأمر بالتخلي وتلاوة التقریر
جاء في الفصل 35 من ظهیر التحفیظ العقاري ” عندما یرى القاضي المقرر أن القضیة قد أصبحت جاهزة یخبر الأطراف بیوم الجلسة العلنیة التي ستعرض فیها , وذلك قبل موعدها بثمانیة أیام على الأقل بعد التوصل بالإستدعاء.”
ویتضح من هذا النص أن مشرع التحفیظ العقاري لم یشر إلى إصدار القاضي المقرر الأمر بالتخلي , على خلاف ما علیه الأمر في القضایا الأخرى , التي متى رأى القاضي المقرر أنها أصبحت جاهزة للحكم , تختتم بإصدار أمر بالتخلي یسد معه باب المرافعات
ویترتب عنه عدم اعتبار أي مذكرة یدلي بها الأطراف , باستثناء تلك الرامیة إلى التنازل , أو التي توضح واقعة جدیدة من شأنها التأثیر على الحكم , إذا كان سبب عدم إثارتها راجع إلى سبب خارج عن إرادة الطرف , كما نص على ذلك الفصل 335 من ق.م.م. الذي یحیل علیه الفصل 45
وقد ثار الخلاف كذلك حول مدى إلزامیة إصدار الأمر بالتخلي , في قضایا التحفیظ , غیر أن محكمة النقض التزمت بحرفیة الفصل 35 من ظهیر التحفیظ العقاري , الذي لا یشیر إلى إصدار الأمر بالتخلي,
حیث جاء في حیثیات قرار لها, ” انه لا مجال للاستدلال بمقتضیات الفصل 355 من ق.م.م. في النازلة ما دام النزاع یتعلق بالتحفیظ العقاري , المطبقة بشأنه 1913 مسطرته الخاصة المنصوص علیها بظهیر 12/08/1913 التي لا تنص على صدور الأمر بالتخلي…”
والخلاف بین مقتضیات ظهیر التحفیظ العقاري وقانون المسطرة المدنیة لم یقتصر على إصدار الأمر بالتخلي, بل شمل أیضا , مدى إلزامیة تلاوة تقریر القاضي المقرر أثناء الجلسة , وهذه المسألة الأخیرة عرفت تضاربا على مستوى عمل محكمة النقض , حیث اعتبرتها
ثارة من حقوق الدفاع, في حین اعتب رتها في قرار اخر إجراء غیر جوهري , ولایترتب عنها البطلان إلا عند ثبوت الضرر , بل واعتبرت في أحد قراراتها أن تلاوة التقریر إجراء غیر جوهري , حتى على مستوى محاكم الإستئناف , إلا أنها في قرار أخر اعتبرته إجراء جوهري ,
وجاء في تعلیلاته أنه ” لكن , حیث إن المحكمة بمقتضى الفصل 45 من الظهیر المتعلق بالتحفیظ العقاري یتعین علیها أن تبتدئ مناقشة الدعوى بتلاوة المستشار المقرر لتقریره, وأن هذا الإجراء نظمه نص خاص , لم یترك أي خیار في ما یتعلق بتلاوة التقریر المذكور…”
وأیا كان الأمر فالملاحظ أن تلاوة التقریر في المرحلة الإبتدائیة أمر یمكن أن تستفاد عدم إلزامیته , من خلال مقتضیات الفصل 37 من ظهیر التحفیظ العقاري, ونفس الحكم یستنبط من الفصل 45 من نفس القانون متى تعلق الأمر بمحاكم الإستئناف.
وعلى هذا الأساس , فبعد أن یجهز الملف من طرف القاضي المقرر , یحیله على الجلسة لمراقبة الإجراءات أو اتخاذ ما یلزم منها , كإحالة الملف على النیابة العامة متى استلزم الأمر ذلك. أو القیام بأي إجراء أخر استعدادا لحجز الملف للمداولة دون اضطرار إلى إخراجه في ما بعد . وقد یحدث ألا تسیر المسطرة في أبسط صورها , كأن یتدخل الغیر في الدعوى مثلا وذلك ما سنتطرق إلیه بشكل مستقل.
المراجع :
ادریس الفاخوري “قضایا المنازعات العقاریة “
ادریس الفاخوري “مدخل لدراسة مناهج العلوم القانونیة “
حسن البكري ” إشكالیات قانونیة في التبلیغ من خلال العمل القضائي “
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات