محتويات المقال
مسؤولية العدول
لا تختلف مسؤولية العدول من حيث أصلها العام عن مسؤولية أي شخص آخر داخل المجتمع، وهذه المسؤولية قد تكون مسؤولية أدبية صرفة (أولا) أو مسؤولية ذات طابع قانوني ، وهي المسؤولية التي تتفرع إلى مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية (ثانيا)
أولا- مسؤولية العدول الأدبية
تتمثل المسؤولية الأدبية للعدل في إخلاله بواجب أخلاقي تفرضه عادات وأعراف المهنة، ومن هذه الواجبات مثلا التحلي ببعض الأوصاف الخاصة التي تفرضها قواعد ملكات العدالة والمروءة والنزاهة ، كالصدق والجدية في العمل ، والظهور بمظهر الوقار والاحترام ، والابتعاد عن مواطن الشبهة
والأصل في هذا الجانب من المسؤولية أنه غير منظم بأي نص قانوني، ذلك أن “المسؤولية الأدبية لا تدخل في دائرة القانون ولا يترتب عليها جزاء قانوني وأمرها موكول إلى الضمير ، أما المسؤولية القانونية فتدخل في دائرة القانون ويترتب عليها جزاء قانوني”
ويترتب على عدم دخول المسؤولية الأدبية في دائرة القانون – من حيث الأصل – أنه لا يمكن أن تكون هذه المسؤولية محلا الدعوى قضائية
وعلى الرغم من ذلك ، فإنه يكون من الصعب جدا في بعض الأحيان وضع حدود فاصلة بين الأوصاف أو الأفعال التي ترتب أثرا قانونيا صرفا وتلك التي ترتب أثرا أدبيا صرفا فقط ، وبالتالي ما يرثب مسؤولية قانونية وما يقتصر على مجرد ترتيب مسؤولية أدبية ليس إلا…
ومن المؤكد جدا أنه كلما ظل الوصف الأخلاقي مجرد صفة عالقة بسمعة الممارس المهني الحر (کالعدل)، فإننا نظل في إطار المسؤولية الأدبية ، وتتحول إلى إطار المسؤولية القانونية المدنية كلما برز ذلك الوصف في الواقع العملي فأحدث حضورا ماديا أو معنويا للزبون أو للغير، فالاتصاف بالكذب مثلا شيء ، وممارسته في واقعة معينة لها خطرها تؤدي إلى الإضرار بالزبون أو بحقوقه أو بحقوق أو مراكز قانونية الأغيار شيء آخر ، والقاعدة العامة أن كل متعاقد أضر بالمتعاقد الآخر أو بالغير، يلتزم قانونا بإزالة الضرر أو التعويض عنه ، إن كان نتيجة لفعل صادر منه
ومقتضى قانون 03 . 16 فإن مسطرة تأديب العادل يبدأ سريانها في حقه بإجراء النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بحثا أوليا في كل شكاية تتعلق بالحلالات مهنية ارتكبها عامل، مع الاستئناس برأي القاضي المكلف بالتوثيق التابع لدائرة نفوذه العدل المشتکی به ما لم يكن هو الذي أثار المخالفة، وكذا برأي المجلس الجهوي للعدول بدائرة محكمة الاستئناف التي ينتمي إليها العدل
ويتعرض العدل لمتابعة تأديبية كلما ثبت عند النيابة العامة أنه ارتكب مخالفة للقواعد المقررة أو إجلالا بالواجبات المفروضة عليه طبقا للنصوص القانونية أو التنظيمية المعمول بها، وقد تسفر هذه المتابعة عن إدانة العدل، فيعاقب تبعا لذلك بحسب درجة مخالفته إما بالإنذار أو التوبيخ أو الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز سنة أو العزل.
ولا يمكن أن يتعرض العدل إلى المتابعة التأديبية في حالات التقادم التي تتحدد مرور ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ ارتكاب المخالفة ، أو بتقادم الدعوى العمومية إذا كان الفعل المرتکب زجريا
بينما يمكن أن يتعرض العدل إلى المتابعة التأديبية عن الأفعال التي ارتكبها قبل تقديم استقالته التي تم قبولها.
ولا يحول تعرض العدل إلى المتابعة التأديبية – أولا- دون أن تتحرك في حقه الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو المتضررين، زجرا للأفعال التي تكون جشحا أو جنايات
وتتم متابعة العدل تأديبيا بان يحيل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعين العدل بدائرة نفوذها المتابعة التأديبية إلى محكمة الاستئناف التي تبت في غرفة المشورة وهي مكونة من خمسة أعضاء، بعد استدعاء الأطراف المعنية السماع ملاحظاتهم وتلقي الملتمسات الكتابية للوكيل العام للملك، وتطبق قواعد المسطرة العادية على هذه المتابعة
ويعد قرار غرفة المشورة قابلا للطعن بالنقض من طرف الوكيل العام للملك والعدل المحكوم عليه تاديها وفقا للشروط والقواعد والأجال العادية
وإذا ما صدر قرار محكمة النقض فإن العدل يتعين عليه إذا ما صدرت عليه عقوبة العزل، أو الإقصاء المؤقت، أو أوقف، أو أعفي من عمله، أو أسقط من الخطة، أن يكف عن مزاولة عمله بمجرد تبليغ المقرر إليه بقصد التنفيذ، وأن يسلم فورا مذكرة الحفظ الخاصة به إلى القاضي المكلف بالوثيق لختمها وحفظها بكتابة الضبط لديه، على أن ترد له بعد انتهاء مدة الإقصاء المؤقت أو الإيقاف، أو عند زوال سبب الإعفاء.
لكن من الناحية العملية فإن عودة العدل إلى مهنته بعد انتهاء العقوبة يصطدم في كثير من الأحيان بإجراءات ومساطر معقدة ، بالرغم من إدلائه بما يفيد القضاء عقوبته
بل إن المادة 48 من قانون التوثيق العدلي تتضمن بعض المقتضيات التي يؤدي تطبيقها إلى الحيف في حق العدول الذين لم تثبت إدانتهم جنائيا ، إذ قد يتم إيقاف العدل عن عمله من طرف الوكيل العام للملك لمدة قد تطول أو تقصر، فرد الشبهة أو مجرد فتح المتابعة الزجرية في حقه، حتى لو كان مال تلك المتابعة هو براءة العدل، وحتى لو رجع العدل إلى عمله بعد هذا الإيقاف فإن تسوية وضعيته بعد الإيقاف ليست أمرا سهلا ذلك أن طريق هذه التسوية لم يمت فيه المشرع ، مما يفتح الباب أمام تعسف الإجراءات في حق العدول ، خاصة إذا كانت التسوية نائية عن متابعة زجرية لم تؤد إلى إدانة العدل
ثانيا – المسؤولية القانونية
إذا كان الالتزام ذا صيغة قانونية – غير أخلاقية أي أنه التزام يفرضه القانون ويوفر له الحماية بواسطة قواعده الموضوعية والشكلية ، فإن المسؤولية المترتبة عليه تعد مسؤولية قانونية ، إذ تحكمها – بخلاف المسؤولية الأدبية – نصوص تشريعية محددة ويترتب على ثبوا دعوى قضائية تنظر أمام المحاكم. وهذه الدعوى إما أن تكون دعوی ذات طابع زحري تترتب عن المسؤولية الجنائية ، أو دعوی ذات طابع ماماتي تترتب عن المسؤولية المدنية
وعليه فإننا سنارس باختصار المسؤولية الجنائية للعدول ثم مسؤوليتهم المدنية
1- مسؤولية العدول الجنائية
تعد الجرائم التي يرتكبها العدول في سياق مزاولة مهنتهم مشادة العلوية بالنظر إلى اعتبارهم بهذا الخصوص – ضمن طائفة الموظفين العموميين
ومما يؤكد ذلك أن المشرع ألحق بخصوص جريمة التزوير – وهي أكثر ما يتابع العدول بسببه فيما يتعلق بمهنتهمبالموظفين العموميين وذلك في الفصلين 352 و353 من المجموعة الجنائية
وقد سبق أن ذكرنا أن المتابعة الجنائية للعدل قد تكون سببا كافيا لعرقلة نشاطه المهني إذا ما ارتای الوكيل العام إيقافه إلى حين صدور حکم نهائي يقضي ببراءته
ونضيف هنا أن المتابعات الجنائية في حق العدول بسبب جريمة التزوير غالبا ما ينشأ عنها تعرض العدول للحين والظلم ، فلا يتم مراعاة الأصل المتمثل في قرينة البراءة ، وأحيانا يحاسب العدول ولو لم يلحق بالأطراف أي ضرر ظاهر، بالرغم من أن وجود هذا الضرر عنصر من عناصر الجريمة ، كما يحاسبون بدون تحقق القصد الجنائي الخاص لدى العدول، وهذا القصد هو المعبر عنه بسوء النية ، وهو ركن من أركان هذه الجريمة ، كما أن العدول كانوا يحالون إلى ضباط الشرطة القضائية من أجل التحقيق معهم ، مع أنه وجد منشور الوزارة العدل بحث على عدم الاستماع إلى العدول من طرف ضباط الشرطة الفضائية ، بل ينبغي أن يتم ذلك الاستماع من النيابة العامة مباشرة ، وهذا المنشور لم يتم تفعيله إلا في السنوات القليلة الماضية
2- المسؤولية المدنية للعدول
لا توجد -حسب علمنا- نصوص تشريعية خاصة تحدد مسؤولية العدول المدنية ، وإنما هناك نصوص عامة مدونة في ق.ل.ع تتعلق بالمسؤولية المدنية سواء كانت تقصيرية أو عقدية
ولا توجد أيضا اجتهادات قضائية كافية تبين طبيعة المسؤولية المدنية للعدول وهل هي مسؤولية تقصيرية أم مسؤولية عقدية
وغالبا ما تنشأ المسؤولية المدنية للعدول عن المتابعة الجنائية التي تفتح مناسبة دعوى الزور ، فيطالب العدول بتعويض الطرف المتضرر في إطار ما يعرف بالدعوى المدنية التابعة التي تبت فيها غرفة الجنايات
ومعلوم أن المسؤولية التي تكون من هذا النوع هي مسؤولية تقصيرية لأنها ناتجة عن جريمة ، كما أن الضرر فيها بسبب غالبا- شخصا من غير أطراف العقد.
ولقد نشأ خلاف دار ولا يزال دائرا حول تكييف طبيعة المسؤولية المدنية لممارسي المهن الحرة ، إن كانت تقصيرية أم عقدية، وقد ارتبط هذا الاختلاف بطبيعة الالتزامات الأصلية الملقاة على عاتق هؤلاء ، إن كانت التزامات ببدل عناية أم التزامات بتحقيق نتيجة ؛ ذلك أن الالتزام الأصلي ببذل عناية ينشأ عنه في الغالب مسؤولية تقصيرية ، والالتزام بتحقيق نتيجة ينشأ عنه مسؤولية عقدية
كما أن هذا الخلاف ارتبط أيضا مسألة علاقة الممارس المهني الحر بزبونه أو موكله، ذلك أن الخطأ الذي يرتكب في إطار هذه العلاقة ينبغي أن يحتسب خطأ عقديا ، بينما الخطأ الذي يتم خارج إطار تلك العلاقة أو يضر بأحد الأغيار يعد خطا تقصيريا”
والذي يترتب على مسألة التمييز أن التعويض عن الضرر في إطار المسؤولية التقصيرية يكون أكثر قيمة من ذلك الذي يترتب في إطار المسؤولية العقدية ، ذلك أن التعويض التقصيري يغطي جميع الأضرار التي قد تصيب زبون الممارسي الحر ، بينما لا يغطي التعويض العقدي إلا الضرر المتوقع
ولعل ذلك يعد أكثر الأسباب التي تجعل شركات التأمين في المغرب تعرض عن تبني مسؤولية أخطاء الممارسين للمهن الحرة – خاصة مهنة العدول – فهي تعتبر أن مسؤوليتهم تقصيرية تؤدي إلى تعويضات كبيرة ؛ وحتى في الدول التي تتبنى هذه المسؤولية – مثل فرنسا- فإن شركات التأمين غالبا ما تحصر الضمان في عقد التأمين على الأخطاء المهنية للمنخرط فحسب ، وهو ما قد يساعدها في بعض الأحيان على التقليص من نطاق التعويض المحكوم به
وبخصوص مسؤولية العدول المدنية فهي تقصيرية في مواجهة زبائنهم ، إن نظرنا إليها من جانب أنهم ليسوا ملتزمين إلا ببدل عناية ، سواء تعلق الأمر بالالتزام الأصلي المتمثل في تحرير العقد وإنجازه ، أو تعلق بالالتزامات التبعية كإرشاد الزبون وإسداء النصح إليه والحصول على رضاه عند الإقدام على كل أمر هام يخصه ، أو القيام بدلا عنه بإجراءات التسجيل وأداء الضرائب ومعاينة الرسم العقاري وغيرها؛ إذ أن كل هذه الالتزامات سواء كانت أصلية أو تبعية يتطلب الإيفاء ما تدخل أطراف أخرى كالقاضي المكلف بالتوثيق والإدارات المعنية.
وإن نظرنا إلى الأمر من جانب أن الخطأ المهني لا يكون إلا عقديا ، باعتبار العلاقة التعاقدية – الصريحة أو الضمنية التي تربط بين ممارسي المهن الحرة وبين زبائنهم ، فإن مسؤولية العدول ينبغي أن تكون عقدية في مواجهة زبائنهم
ولذلك ندعو إلى الجمع بين المسؤوليئين بأن يتقرر من ناحية أن الخطأ مهني وأنه يستوجب مسؤولية عقدية ، لكن على أساس ألا يعتبر من الأخطاء إلا ما كان جسيما ذلك أن بذل العدل للعناية المطلوبة يفرض أن تترك له مساحة من الحرية ، حتى لا يبقى تحت رهبة الوقوع في الأخطاء العادية.
وعليه فينبغي محاكمة العدل مدنيا – في علاقته بزبائنه – باعتبار المسؤولية التقصيرية فيما يخص جسامة الخطأ ، وباعتبار المسؤولية العقدية فيما يخص مبلغ التعويض.
وإن قيل بأن الزبون قد يتضرر من خطر العدل أكثر مما يتضرر الأغيار ، لأنه يدفع الأجرة بينما هؤلاء پستفيدون دون أن يدفعوا شيئا ، فوجب لذلك أن يحصل الزبون على تعويض في إطار المسؤولية التقصيرية – مثل الأغيار- لا في إطار المسؤولية العقدية ؛ فيتم الجواب على ذلك – بحسب رأينا- بأن يقال إن ما يعاقب به العدل زجرها وما يغرمه للأغيار مدنيا إنما يترتب -عادة- على العقد الذي كتبه العدل لفائدة زبونه ، ثم إن الأجرة التي يأخذها العدل من المتعاقدين تخضع لتعريفة محددة، وفي الغالب لا يتقاضى العدول هذه الأجرة كاملة
كما أن العدلين لا يقتسمان الأجرة بالمرة ، بل ينفرد بها أحدهما ، أو يقتسمانها بطريقة غير متساوية كما أن عمل العدول يغلب عليه الشهادة أكثر مما يغلب عليه الكتابة ، وتحتاج الوثيقة المنجزة عند العدول إلى تدخل جهات أخرى حتى تصبح وثيقة تامة ، ففي هذا دلالة على أن العدول يكونون في علاقتهم بزبائنهم على طرفين متساويين أو يكون العدول أقل رتبة من موقع زبائنهم
كما أن مصير المتعاقدين لا يكون بيد العدول ، فلا من يأتي عندهم يكون متهما ينتظر براءته ، ولا من ياتي عندهم يكون مشرفا على الموت ينتظر علاجه.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات