محتويات المقال
خضوع المقاولة في فترة إعداد الحل
فترة إعداد الحل تعد محطة مهمة وحاسمة في مسطرة الإنقاذ، نظرا للدور المحوري الذي تضطلع به المحكمة وأجهزة المسطره؛ فالمحكمة تملك سلطات واسعة لاتخاذ التدابير التي من شانها الحفاظ على استمرارية المقاولة وتشخيص وضعيتها تشخيصا دقيقا، بينما يتولى السنديك إعداد تقرير يبين فيه المرارية المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة ويعرضه على القاضي المنتدب
وبالرجوع إلى القواعد المنظمة لفترة إعداد الحل خلال مسطرة الإنقاذ نجد أن المشرع لم يعمد إلى وضع ضوابط تحكم هذه الفترة، وإنما اكتفى بالإحالة على إجراءات التسوية القضائية مما يحتم علينا تحديدها (المطلب الأول)، مع إبراز مختلف الوسائل والآليات التي تأتي من خلالها حماية المقاولة أثناء هذه المرحلة – فترة إعداد الحل۔ (المطلب الثاني)
المطلب الأول: الضوابط التي تحكم فترة إعداد الحل
لأجل حماية المقاولة التي تعتبر نواة الاقتصاد الوطني، عمل المشرع على إقرار فترة الإعداد الحل بعد الحكم بفتح مسطرة الإنقاذ، كفترة لتدبير وتشخيص وضعية المقاولة ورصد كل اختلالاتها المالية والاقتصادية والاجتماعية، فما المقصود بفترة إعداد الحل؟ وماهي مدتها؟ وماهي الإجراءات والتدابير المتخذه خلال هذه المرحلة لتوفير الحماية اللازمة للمقاولة؟
وعليه فستتناول هذا المطلب في فقرتين أساسيتين: نخصص الأولى لتحديد فترة إعداد الحل وذلك بتحديد المقصود بها وكذا مدتها (الفقرة الأولى)، على أن التطرق في الثانية لآليات ووسائل حماية المقاولة أثناء هذه الفترة (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: تحديد فترة إعداد الحل
إن تحديد فترة إعداد الحل يقتضي منا التطرق لمفهومها وأهميتها (أولا)، وكذا تحديد مدتها ومدى إمكانية تمديدها وجزاء عدم احترامها (ثانيا).
أولا: مفهومها وأهميتها
يقصد بفترة إعداد الحل أو الفترة الانتقالية الفترة الزمنية الممتدة ما بين تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة الإنقاذ، وما بين تاريخ عرض السنديك لمقترح مخطط الإنقاذ، وهي فرصة لدراسة جميع السبل والخيارات الممكنة والمتاحة لتجنب وقوع المقاولة في حالة التوقف عن الدفع
وقد عرفها البعض بأنها آلية تشريعية تمكن المقاولة من التقاط أنفاسها والتصدي لدائنيها، وتمكن أجهزة المسطرة من اتخاذ القرار الصحيح في حقها، وذلك استنادا إلى مؤشرات مالية واقتصادية ذاتية تتعلق بالمقاولة خاصة، وموضوعية تتعلق بمناخ الأعمال وبوضعية المقاولة عامة
كما عرفها البعض بأنها مرحلة التشخيص الوضعية الحقيقية للمقاولة، من خلالها تستطيع أجهزة المسطرة تحديد مدى إمكانية إنقاذ المقاولة أو استمراريتها أو تقويتها أو تصفيتها
أما بخصوص أهمية هذه المرحلة فتكمن أساسا في تمكين أجهزة المسطرة المعينة في الحكم القاضي بفتحها سيما السنديك، من إعداد تقرير حول الوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، ووضع الاقتراحات الرامية إلى اعتماد مخطط الإنقاذ أو تعديله، أو تسويتها أو تصفيتها قضائيا۔
ثانيا: مدة فترة إعداد الحل وجزاء عدم احترامها
حدد المشرع فترة إعداد الحل في أربعة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة بطلب من السنديك، وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 595 من القانون رقم 17 . 73 التي جاء فيها:” يجب أن تعرض هذه الاقتراحات على القاضي المنتدب داخل أجل أربعة أشهر تلي صدور حكم فتح المسطرة ويمكن تجديد الأجل المذكور مرة واحدة من طرف المحكمة بناء على طلب من السنديك “
فمن خلال مقتضيات هذه المادة يتبين أن المشرع جعل مبدئيا مدة إعداد الحل المناسب للمقاولة هو أربعة أشهر، واستثناء جعل إمكانية تمديدها محصورة في يد السنديك وحده مره واحده ولنفس المدة، وذلك بموجب طلب يتقدم به إلى محكمة الموضوع، وبالتالي فالحد الأقصى للفترة السابقة لإعداد الحل يجب أن لا تتعدى في جميع الأحوال ثمانية أشهر.
وفيما يخص جراء عدم احترام فترة إعداد الحل، فإنه بالرجوع إلى المقتضيات المنظمة لهذه المرحلة، نجد أن المشرع لم يرتب أي جزاء على إخلال السنديك أو المتصرف القضائي بالمدة المحددة له لرفع التقرير المواري للقاضي المنتدب ، وهذا ما جعل الفقه والقضاء يجمعان على أن تجاوز هذه المدة لا يبطل المسطرة ولا يؤدي إلى عدم قبول مخطط الإنقاذ.
وفي نفس السياق ذهب بعض الفقه إلى القول بأن موقف المشرع من عدم ترتيب اي جزاء على عدم احترام مدة إعداد الحل يعد موققا سليما، لأن الأمر المهم والأساسي يكمن في إنقاذ المقاولة وتسوية وضعيتها، لا في تجاور أو عدم تجاور المدة المحدد لهذه الفترة، خاصة وأن أجل أربعة أشهر التي وضعها المشرع هي مدة عرض السنديك لمقترحاته على القاضي المنتدب لا على المحكمة.
الفقرة الثانية: حماية المقاولة خلال فترة إعداد الحل
إن المقاولة التي تعاني من صعوبات مالية أو اقتصادية دون أن تصل بها إلى درجة التوقف عن الأداء، تحتاج إلى الحفاظ قدر الإمكان على أصولها الذاتية وتوفير الحماية اللازمة لها، وهذا لن يتاتي لها إلا إذا كانت هناك اليات من شانها تحصين وتمنيع هذه الأصول (أولا)، وبالمقابل لابد من إيجاد قنوات للحصول على تمويلات تساعدها على إرجاع الحالة إلى ما كانت عليها (ثانيا)
أولا: تحصين أصول المقاولة
يترتب عن الحكم القاضي بفتح مسطرة الإنقاذ عدة آثار قانونية يرمي المشرع من خلالها إلى الحفاظ على كيان المقاولة وضمان استمراريتها، وذلك بوضع العديد من القيود على بعض الحقوق التي تتمتع بها الأطراف المرتبطة بالمقاولة بما في ذلك الدائنين والمدين نفسه،
وتكمن هذه القيود في منع أو وقف كل المتابعات الفردية وإجراءات التنفيذ التي قد يباشرها الداتين تجاه منقولات أو عقارات المقاولة، وأيضا وقف كل الأجل الممنوحة لهم تحت طائلة السقوط او الفسخ
ويدخل كذلك ضمن الآليات الكفيلة بتحصين أصول المقاولة منع أداء الديون الناشئة قبل صدور الحكم القاضي يفتح المسطره، وهذا الإجراء وإن كان من شأنه الإضرار بالدائنين، فإنه يهدف إلى احترم قاعدة المساواة بينهم ومعرفة حجم الديون التي على المقاولة،
ويضاف إلى هذه القاعدة إجراء أخر من شأنه تحصين مالية المقاولة يكمن في وقف سريان الفوائد، سواء نشأت هذه الأخيرة بقوة القانون او بناء على اتفاق الأطراف
كما الزم المشرع رئيس المقاولة باتخاذ مجموعة من الإجراءات التحفظية والاحترازية لحماية أصول مقاولته والمصالح المتواجدة داخلها، إذ يتعين عليه بمجرد فتح مسطرة الإنقاذ إعداد جرد الأموال مقاولته والضمانات التي عليها، ويتضمن هذا الجرد الذي يوضع رهن إشارة كل من السنديك والقاضي المنتدب، الإشارة إلى الأموال التي من شأنها أن تكون موضوع حق استرداد من قبل الغير
وفي نفس السياق أوجب المشرع على السنديك القيام بعدة إجراءات تحفظية لضمان تحصين أصول المقاولة، وهي في مجملها إجراءات ترمي أساسا إلى تحسين وضعيتها المالية والاقتصادية، ومن هذه الإجراءات نجد مثلا التوقيع على العقود وأداء أجور العمال، تقييد الرهون الرسمية أو الحيازية والامتيارات التي يكون رئيس المقاولة قد أهمل تقييدها. الخ،
ويمكن للسنديك كذلك طبقا لمقتضيات المادة 568 من القانون رقم 17 . 73 مطالبة الغير الحائر الوثائق او دفاتر محاسبية مرتبطة بالمقاولة تقديمها إليه للاطلاع عليها ودراستها.
ثانيا: البحث عن قنوات التمويل
يقتضي تحسين وضعية المقاولة بعد إعلان فتح مسطرة الإنقاذ إيجاد اليات لضمان تمويلها بشكل عادي أثناء فترة إعداد الحل، باعتبارها مرحلة حاسمة في تحديد مصيرها، لذلك عمل المشرع من خلال القانون رقم 73.17 على توفير كل الضمانات والآليات التي من شأنها تحقيق هذه الأهداف
فقد منح المشرع للمقرضين في سبيل تشجيعهم على التعامل مع المقاولة امتيار الأسبقية في استيفاء ديونهم، كآلية كفيلة بضمان تمويل هذه الأخيرة وتمكين هؤلاء المقرضين من الائتمان الكافي لتسلم ديونهم عن حلول أجال استحقاقها، كما أنه سمح للمقاولة وكذا لأجهره المسطرة تقديم بعض الرهون للحصول على تمويلات معينة وأحيانا إمكانية إبرام صلح بشأن بعض الديون
وللإشارة فإن إمكانية تقديم الرهن تعد من الضمانات القوية للدائن، بحيث يمكنه في حالة عدم وفاء المقاولة المدينة بالدين عند حلول الأجل المحدد في عقد الرهن، ممارسة طرق التنفيذ المسموح بها قانونا ضد الشيء المرهون
كما أن المشرع سمح للقاضي المنتدب بالترخيص لرئيس المقاولة باداء الديون السابقة عن الحكم القاضي بفتح المسطرة، لأجل فك رهن معين أو لاسترجاع مال محبوس، إذا كان استمرار مقاولته وتوفير الأموال الترمة تستلزم ذلك
المطلب الثاني: وضعية المقاولة الموازية لفترة إعداد الحل
إذا كان الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية قد يؤثر نسبيا على تسيير المدين لمقاولته، فإن الحكم بفتح مسطرة الإنقاذ يجعل رئيس المقاولة هو الذي يسهر على إدارتها وتسييرها وتمثيلها أمام الإدارات العمومية وامام القضاء، وذلك إلى حين تقرير مصير المقاولة على ضوء العمل الذي يقوم به السنديك بمناسبة إعداد الحل (الفقرة الأولى)، وهذا العمل يتمثل في إعداد الموازنة المالية والاقتصادية لهذه المقاولة (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: تسيير المقاولة خلال فترة إعداد الحل
إن قاعدة استمرارية رئيس المقاولة في تسيير وإدارة مقاولته تطبق بشكل واسع في مسطرة الإنقاذ، حيث يبقى هو من يسير مقاولته وممثلا قانونيا لها، ولا يخضع المراقبة أجهزة المسطره – السنديك – إلا فيما يخص أعمال التصرف وتنفيذ مخطط الإنقاذ، وذلك وفق ما نصت عليه المادة 566 من القانون رقم 17. 73 التي جاء فيها:” يختص رئيس المقاولة بعمليات التسيير ويبقى خاضعا بخصوص أعمال التصرف وتنفيذ مخطط الإنقاذ لمراقبة السنديك الذي يرفع تقريرا بذلك للقاضي المنتدب”
فاحتفاظ رئيس المقاولة بكامل صلاحياته ومهامه خلال هذه المسطرة يعتبر أمرا بديهيا وضروريا، وذلك لتقوية مركزه في التفاوض مع الدائنين وإقناعهم، ومن ثم فتعيين السنديك لا يمكن أن يفسر على أنه يقوم مقام رئيس المقاولة في التسيير والإدارة ولو بصفة جزئية او مؤقتة
وفي اعتقادنا وكما يرى بعض الباحثين، فإيقاء رئيس المقاولة على رأس إدارة و تسيير مقاولته توجه سليم من شأنه حث رؤساء المقاولات على سلوك إجراءات مسطرة الإنقاذ، والعمل على تفادي توقفها عن الدفع مادام ذلك لن يحرمهم من سلطاتهم وصلاحياتهم، لأن ذلك سيشجعهم على الاجتهاد وبذل الجهد لإنقاذ مقاولاتهم وتجنبيها إجراءات التسوية أو التصفية القضائية
الفقرة الثانية: إعداد الموازنة المالية والاقتصادية للمقاولة
يعد تقرير الموازنة المالية والاقتصاية والاجتماعية أحد أهم التدابير والإجراءات الدقيقة التي يرتكز ويتأسس عليها مستقبل المقاولة، وطبيعة الحلول المحكمة لمواجهة الصعوبات التي تعترضها، وبناء على ذلك خول المشرع السنديك سلطات واسعة تمكنه من الإحاطة بالوضع المالي والاقتصادي للمقاولة، وتشخيص وضعها الاجتماعي تمهيدا لتحديد الحل المناسب لإنقاذها
وبهذا يقع على عاتق السنديك اعتقاد إلى مقتضيات المادة 569 من القانون 17 . 73 وهو بصدد إعداد الحل بعد الحكم بفتح مسطرة الإنقاذ، إنجار تقرير تفصیلی يبين فيه الموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة بمشاركة من رئيسها وعلى ضوء هذا التقرير يقترح على المحكمة أحد الحلول التالية: إما المصادقة على مشروع مخطط الإنقاذ أو إدخال بعض التعديلات عليه، وإما تسوية المقاولة او تصفيتها قضائيا
ولم يحدد المشرع المقصود بالموازنة المالية والاقتصادية والاجتماعية، مما جعل بعض الفقه يعرفها بكونها “مستند ترکیبی پرتكز إلى الماضي بتطلعات المستقبل، يكون منذ بداية فترة الملاحظة، يحدد ويحلل مجموع الرسائل المادية والبشرية المشكلة للمقاولة في مرحلة التسوية القضائية، من أجل معرفة مصدر واهمية وسبب الصعوبات، وبواسطته يمكن تشخيص وضعية المقاولة وتحديد فيما إذا كان إنقاذها ممكنا.”
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات