محتويات المقال
عقد الوعد بالتعاقد
قد تسبق مرحلة التعاقد النهائي مرحلة تمهيدية يمكن من خلالها أن يدفع أحد الأطراف الطرف الآخر إلى الالتزام بالتعاقد معه في زمن معين، ويتوسل هذا المتعاقد – الحريص- إلى ذلك بالحصول على وعد بالتعاقد يلزم الطرف الآخر بالتعاقد النهائي مع الموعود له إذا ما أظهر الرغبة في ذلك خلال الأجل المعين. وللحديث عن الوعد بالتعاقد يستدعي الأمر منا أن نطلع على أصله القانوني والشرعي (أولا) وأن نعرف بأنواعه (ثانيا)
أولا– تأصيل الوعد بالتعاقد
الوعد بالتعاقد هو اتفاق بمقتضاه يفقد أحد الطرفين التعبير نهائيا عن إرادته في إبرام العقد الموعود به، بحيث ينبغي من أجل إنشاء العقد الموعود به (النهائي) أن يعلن الموعود له عن رغبته في ذلك خلال المدة المحددة وبنفس الشروط المتفق عليها في عقد الوعد
وهو وعد ينشأ بإرادتين ولا تلتزم فيه سوى إرادة واحدة هي إرادة الواعد ، والإرادة الثانية تبقى بالخيار بين طلب إتمام البيع أو العدول عنه، لكن هذا الخيار ينبغي أن يتم داخل مدة معينة تحدد في عقد الوعد بالتعاقد بكيفية صريحة أو ضمنية
وبالرغم من أهمية الوعد بالتعاقد في الحياة العملية، فإن المشرع المغربي لم ينظم مقتضياته 3 بصورة واضحة ، إلا أن الإشارة إليه تستفاد من مقتضيات الفصول 1 و 18 و 14 من ق.ل.ع ، ومن القواعد العامة المتضمنة في الفصلين 230 و 231 من ق.ل.ع إلى جانب تطبيقاته الصريحة الواردة في الفصلين 788 و 834 من ق.ل.ع
مما يجعلنا نقول بأن تلك النصوص تعتبر أصلا في نظرية الوعد بالتعاقد ، وبالإضافة إلى ذلك فقد منع المشرع الوعد بالهبة بكيفية صريحة في المادة 277 من م.ح.ع ؛وهذا المنع يستفاد منه بمفهوم المخالفة أن الوعد بالتعاقد مباح في الصور الأخرى.
وللاطلاع على هذا الموقف التشريعي فإننا سنقوم – في ما يلي- باستقراء بعض النصوص القانونية المعبرة بصراحة عن تقنية الوعد بالتعاقد ؛ فالفصل 14 – مثلا- من ق.ل.ع 4 يتحدث عن الوعد ارد الذي لا ينشئ أي التزام لأنه يعد محض كلام ، وهذا الفصل يستفاد منه بمفهوم المخالفة أن الوعد الذي ينتقل من طور التجريد إلى طور التحقيق بالالتزام هو وعد ملزم لا محالة.
وهي قاعدة نجد لها أصلا فقهيا في المذهب المالكي، إذ في هذا المذهب لا يعتد بالوعد المجرد وإنما بالوعد المقرون بسبب مع شروع الموعود له في تنفيذ السبب ، واكتفى أصبغ من المالكية بذكر السبب فقط دخل الموعود له في تنفيذه أو لم يدخل؛ أما الوعد المجرد فلا يلزم الوفاء به إلا في إطار الحرص على مكارم الأخلاق
والفصلان 788 و 834 من ق.ل.ع يعتبران من التطبيقات العملية لنظرية الوعد بالتعاقد، وهما يتحدثان عن حالتي الوعد بتسلم وديعة والوعد بالإعارة.
أما المادة 277 من م.ح.ع فقد نصت بكيفية صريحة على منع الوعد بالهبة.
وإذا قلنا بأن هذا النص يتحدث عن الهبة بالمعنى الخاص الذي يميزها عن الصدقة والوقف وسائر التبرعات، وجب أن يقال بأن منع الوعد بالهبة لا يشمل إلا الهبة بالمعنى الخاص، فلا يمتد إلى سائر التبرعات. لكن ذلك أمر لا ينبغي التسليم به إذا نظرنا إلى علة المنع التي قد تجعل الإنسان محرجا عند عدم الوفاء بوعده ، ويتأكد ذلك في حالة الصدقة أكثر من حالة الهبة نظرا لعدم جواز الرجوع في الصدقة مطلقا، هذا بالإضافة إلى أن جل أحكام الهبة تسري على الصدقة بمنطوق المادة 291 من م.ح.ع
وعليه فإننا نرى أن منع الوعد بالهبة يشمل جميع التبرعات التي ذكرها الفقهاء وهي ستة عشر ، ما لم يرد نص خاص يبيح تلك الوعود كما هو الحال بالنسبة للوعد بالعارية، وتأسيسا عليه لا يجوز للعدول أن يتلقوا عقودا نهائية بناء على وعود بالعطية أو الهبة أو التبرع ، أما العقود النهائية التي تبنى على الوعود بالوديعة أو العارية أو بجائزة، فهي عقود غير ممنوعة ، لكنها ليست من صميم بحثنا لأنها لا تتعلق بالتصرفات العقارية إلا في سياق الإطلاق المجازي
ثانيا: أنواع الوعد بالتعاقد
تندرج معظم أنواع الوعد بالتعاقد–التي سندرسها-في إطار الوعد بالبيع بمعناه العام، ذلك أن بعض الفقهاء يقسم الوعد بالبيع (بالمعنى العام) إلى وعد بالبيع من جانب واحد promesse de vente وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بالوعد بالبيع بالمعنى الخاص ومن صوره الخاصة الوعد بالتفضيل pacte de préférence ، وإلى وعد بالبيع بالشراء من جانب واحد، promesse d’achat وإلى وعد وبالشراء promesse de vente et d’achat ويجعل تحت هذا النوع حالة الوعد بالبيع وبالشراء من جانب واحد وحالة الوعد بالبيع وبالشراء الملزم لجانبين ، وهي الحالة التي تندرج في نطاق ما يتم الاصطلاح على تسميته بالاتفاقات أو العقود الابتدائية لأنها تتميز بأحكام مستقلة تماما عن الحالات الأخرى للوعد بالتعاقد ، ولذلك سنفرد لها مطلبا خاصا.
وسنتحدث تباعا عن الوعد بالبيع وعن الوعد بالشراء ثم الوعد بالتفضيل.
1 – الوعد بالبيع
الوعد بالبيع التزام بالبيع دون الشراء ، يتقيد فيه الواعد بالبيع ولا يتقيد فيه الموعود له بالشراء، فهو عقد ينشأ بإرادتين اثنتين، إرادة البائع وإرادة المشتري، غير أنه لا يلزم سوى إرادة البائع فيما وعد به. والمشتري لا يلزمه في شيء
والوعد بالبيع… ليس –حتما- بيعا نهائيا إنما هو مقدمات للبيع النهائي. فمتى حصلت الشروط المتفق عليها بين الواعد والموعود تم تحرير عقد البيع النهائي 2، ومتى حل الأجل ولم تتحقق هذه الشروط فيكون الطرفان أو أحدهما في حل من أمره إن شاء أمضاه وإن شاء نقضه. وهو عقد يخضع في جميع شروطه لإرادة الطرفين إلا إذا نصت مقتضيات قانونية خاصة على خلاف ذلك
ويتم التساؤل في الوعد بالبيع عن مدى إلزام الوعد للبائع، هل هو إلزام مطلق على مر الأيام طالما لم يعبر الموعود له عن رغبته في الشراء أو العدول، أو إلزام مقيد بأجل أو شرط ؟ نسارع إلى القول -مع بعض الفقه- بأن العقد شريعة المتعاقدين ؛
إلا أن العمل يجري عادة على تقييد الوعود بالبيع بالآجال أو الشروط الواقفة تبعا لنوع المعاملة وطبيعتها وظروفها.ويجوز – في نظرنا – أن يتضمن عقد الوعد بالبيع شرطا جزائيا أو ما يسمى بالتعويض الاتفاقي حسب ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 264 من ق.ل.ع
ويمكن أيضا – في نظرنا- أن يتفق الأطراف في عقد الوعد بالبيع على اعتبار هذا العقد قيدا مانعا من التصرف ، حتى يتسنى تقييده تقييدا احتياطيا بالرسم العقاري ، إذا ما انصب هذا الوعد على عقار محفظ ، أو تقييده بكناش التعرضات إذا ما انصب على عقار في طور التحفيظ
2 – الوعد بالشراء
نعرف الوعد بالشراء بأنه عقد يلتزم بمقتضاه الواعد خلال المدة التي حددها، بأن يشتري من شخص معين ملكا له إذا ما رغب هذا الشخص في بيعه خلال الأجل المحدد من طرف المشتري .
وعليه، فإن الوعد بالشراء التزام بالشراء دون البيع، يلتزم فيه المشتري بالشراء ولا يلتزم فيه البائع بشيء ، وهو ينشأ كذلك بإرادتين ولا تلتزم فيه سوى إرادة واحدة
ويترتب على ذلك أنه إذا رفض المشتري الشراء خلال المدة المحددة في العقد كان من حق البائع أن يلجأ إلى القضاء لإرغامه على إبرام البيع إن كانت أركان العقد الأخرى كلها تامة وإلا فيطلب الحكم له بتعويض عما لحقه من ضرر بسبب فوات فرصة البيع
والمثال عليه…في المعاملات العقارية أن يرغب شخص في بيع مسكنه إن هو عثر على مسكن آخر يناسبه، وحتى لا يضيع منه مسكنه بالبيع يعمل على الحصول على وعد بالشراء ثم يسعى جاهدا في العثور على مسكن آخر يشتريه، وإذا توصل إلى مراده تقدم إلى المشتري ليطالبه بالوفاء بالوعد وإتمام البيع.
ففي الوعد بالشراء…يلتزم المشتري بالشراء ، والتزامه بالشراء التزام قطعي عليه أن يفي به وإلا حق للبائع أن يطالبه قضائيا بإتمام البيع ولو تحت طائلة غرامة تهديدية
وأما البائع فلا التزام عليه،إلا أنه إذا ما قرن الوعد بالشراء بالعربون فإن البائع يصير ملتزما تبعا لأحكام العربون، والعقد عندها يصير عقدا ابتدائيا يلزم الجميع بإتمامه ، ما لم يشترط البائع مع ذلك عدم التزامه بالبيع وأنه بالخيار، فالعربون عند ذاك يكون مجرد ضمان لإتمام البيع على المشتري، إذا تم البيع خصم وإلا رد ما لم يثبت خطأ من المشتري يبرر الاحتفاظ بالعربون إلى أن تحكم المحكمة بالتعويض عند الاقتضاء. وهو مثل الوعد بالبيع في الأحكام، وبدل التزام البائع هناك التزام المشتري ، فنحيل على تلك الأحكام في موضعها من هذا البحث.
3 – الوعد بالتفضيل
إن عقد الوعد بالتفضيل (أو الوعد بأفضلية) البيع ليس وعدا بالبيع ولا بيعا ابتدائيا وإنما هو التزام من المالك ببيع ملكه للطرف الثاني إن أراد المالك بيعه خلال مدة معينة
وعليه فإن الوعد بالتفضيل التزام من الراغب في البيع بعدم تفضيل الغير على المشتري الموع ود له ، فهو التزام ينشأ بإرادتين ولا تلتزم فيه سوى إرادة واحدة، هي إرادة الراغب في البيع.وأما المشتري الموعود له فإنه بالخيار إن شاء تقدم ليطالب بإتمام البيع وإن شاء عدل. والوعد بالتفضيل شبيه بالوعد بالبيع ، والفارق بينهما يرجع إلى أنه في الوعد بالبيع ينشأ الالتزام بالوعد منذ التوقيع على العقد ، وأما في الوعد بالتفضيل فلا ينشأ إلا عند الرغبة في البيع، وأما قبلها فلا شيء على الواعد.
والذي نستنتجه مما سبق أنه حينما تحصل الرغبة في البيع ينشأ الوعد بالتفضيل وبنشأته ينشأ معه الوعد بالبيع بالطبع في جميع أحكامه وتعليقاته وقيوده
المراجع:
محمد الكويط : موقع التصرفات العقارية في الوثائق العدلية
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
تحميل المقال: