محتويات المقال
سرقة المال العام في الفقه الإسلامي
لا بد من الإشارة هنا إلى أن موضوع هذا البحت رغم أهميته الكبيرة فإن المطلع على ما في كتب الفقه بما يخص هذا الموضوع فإنه لا يستطيع أن يكون نظرية متكاملة عن حكم السرقة من المال العام في الفقه الإسلامي لأنهم يتعرضون له من خلال مسائل جزئية، كالحديث عن حكم السرقة من بيت المال، أو السرقة من المسجد، أو مال الوقف العام، أو سرقة أستار الكعبة وحليها…
ولكن قبل الخوض في هذه المسألة الهامة، لا بد من توطئة لنتعرف من خلالها على معنى المال في اللغة و الأصطلاح. تم بیان مفهوم المال العام في الفقه الإسلامي والقانون.
المطلب الأول: تعريف المال لغة واصطلاحا
– المال في لغة العرب: هو كل ما يمتلكه الإنسان من الأشياء
قال الفيروز أبادي: المال هو ما ملكته من كل شيء
– و أما معنى المال في الاصطلاح الفقهاء: لقد اختلف العلماء في تحديد معنى المال إلى رأيين، وذلك بسبب اختلافهم في مالية المنافع
1 – رأي الحنفية عرفوا المال بتعريفات متقاربة، أختار منها تعريف ابن عابدين حيث يقول: المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره الوقت الحاجة منقولا كان أم غير منقول
2 – رأي جمهور العلماء: وقد عرفوه أيضا بتعاریف متقاربة
فعرفه الشاطبي فقال: المال (هو ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه)
وعرفه الحنابلة فقالوا: (هو ما يباح نفعه مطلقا – أي في كل الأحوال – أو يباح اقتناؤه بلا حاجة)
وعرفه الشافعية: بقولهم: (هو كل ماله قيمة بين الناس ويلزم متلفه بضمانه، ويباح شرعا الانتفاع به حال السعة و الاختيار )
فمفهوم العمل عند الجمهور كما هو واضح هو كل ما كان له قيمة مادية بين الناس وجاز الانتفاع به شرعا حال الاختيار
وإذا ما قارنا بين رأي الحنفية ورأي الجمهور فإننا نجد أنهم قد اختلفوا في مالية المنافع، فالحنفية لم يقولوا بمالية المنافع، ان صفة المالية إنما تتبت للأشياء بأمرين: الأول: التمول ويعني صيانة الشيء وادخاره لوقت الحاجة، والمنافع لا يتصور فيها التمول
الأمر الثاني: إمكانية الحيازة: أي أن يكون للشيء وجود مادي خارجي فتخرج بذلك الأمور المعنوية كالمنافع المجردة، فهي لا تقبل الإدخار وليس لها وجود مادي خارجي كحق الإبتكار ، وسكني الدار ، و غير ذلك
وأما جمهور العلماء: فقد ذهبوا إلى مالية المنافع وذلك لأن المنافع لا نقصد لذاتها بل لمنافعها، ولأن المنافع جعلت في مقابلة المال في عقد الإجارة فدل ذلك على ماليتها فالمالية عند الجمهور تتحقق بوجود عنصرین
الأول: أن يكون الشيء ذا قيمة بين الناس عينا او منفعة على السواء ماديا كان أم معنويا
الثاني: أن يكون مباح الاستعمال في حال السعة والاختيار
المطلب الثاني: مفهوم المال العام في الفقه الإسلامي
كان المال العام في مفهوم الفقهاء يتمثل في مال بيت المال، والمال الموقوف والمساجد، ونحو ذلك من الأموال التي لا يتعين لها مالك.
وقد وضعوا له أحكامة خاصة به فهم يتحدثون من عن حكم السرقة من بيت المال أو حكم الزكاة على بيت المال، وسرقة المال الموقوف أو سرقة مال المسجد وغير ذلك.
ولكن مفهوم المال العام في عصرنا الحاضر أوسع بكثير من المنظور الفقهی القديم. و السبب في ذلك هو اختلاف الأعراف ووسائل الحياة و الأنظمة ووسائل الإنتاج.
وإذا أردنا الوصول إلى تعريف للمال العام من وجهة نظر الفقهاء اعتمادا على ما نكروه فإننا نجد أن الفقهاء عندما تحدثوا عن شروط وجوب الزكاة فإنهم قد ذكروا من جملة الشروط (تعين المالك ) أو (الملكية التامة) وبالمقابل إذا أرادوا أن ينفوا وجوب الزكاة، فإنهم ينفونها في حال (عدم تعین المالك) أو عند الملكية الناقصة
وبناء عليه يمكننا أن نعرف المال العام بأنه: كل ما لم يتعين مالكه أو مالكوه بحيث يكونون غير معروفين على وجه الحصر أو التحديد. كالملكية المتعلقة بمال موقوف على المحتاجين، أو الملكية المتعلقة ببيت المال
ويدخل ضمن مفهوم المال العام كل ما يدخل في ميزانية الدولة وبأي طريقة كانت، ويستوي في ذلك ما يبقى منه داخلا في الميزانية العامة، وما تخصص منه بمقتضی بند لجهات أو مشروعات معينة أو محددة
وكذلك سائر الأموال التي خرجت من ملكية الأفراد وخصصت لمحتاجين أو غيرهم أو لموظفين أو حرفيين أو لنقابة ومناط الحكم في ذلك كله أنها أموال لم يتحدد مالكوها، ومن ثم لم تتحقق الملكية التامة لها
وكذلك الأشياء التي من طبيعتها أنها عامة، كالمرافق العامة المخصصة لجميع الناس، وكذلك دور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد، والحدائق العامة ودور الحكومة، والأبنية التابعة لها، ومركبات النقل العامة، وخطوط الكهرباء والمياه في الشوارع قبل إيصالها إلى المنازل وغير ذلك
المطلب الثالث : سرقة المال العام في الفقه الإسلامي
إن حرمة الأموال خاصة أم عامة مصانة في الشريعة الإسلامية وبحزم الاعتداء عليها بأي وجه من وجوه التعدي، سرقة أو اتنقاع بطريقة تخالف الأنظمة العامة، أو مجاوزة للحد المسموح بالانتفاع بها أو تقصير في أداء الواجب أو غير ذلك
اختلف العلماء حول حكم قطع يد السارق من المال العام. ومنشأ الخلاف هنا هو: هل في سرقة المال العام شبهة مسقطة لعقوبة القطع أم لا، بمقتضى القاعدة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم في درء عقوبات الحدود عامة عن وجود الشبيهة بقوله: (ادرؤوا الحدود بالشبهات ادرؤوا الحدود ما استطعتم)
ولكن وقبل عرض أقوال الفقهاء لابد من القول : ان عقوبات الحدود سواء في جريمة السرقة أو أي جريمة أخرى من جرائم الحدود، حيث سقط الحد لشبهة ما, فإن العقوبة لا تسقط عن الجاني مطلقا، بل تنتقل العقوبة من إقامة الحد إلى عقوبة التعزيز التي يرجع إلى القاضي أمر تقديرها بما يتناسب مع الجريمة وظروفها المتبعة لها. وبعد ذلك قاعدة عامة في مفهوم العقاب في الفقه الإسلامي في مجال الحدود
الفريق الأول : وهم جمهور العلماء (الحنفية والشافعية والحنابلة)
ذهبوا إلى عدم القطع لمن سرق من بيت المال أو الغنيمة، أو سرق من مال الوقف أو المسجد، أو غير ذلك من الأموال العامة. وذلك لوجود الشبهة التي تمنع من إقامة الحد وهي وجود حق للسارق في المال المسروق
لان لكل مسلم حقا في بيت المال، وكذلك لكل مسلم حق الانتفاع بالأموال العامة التي تعد مرافق للجميع، فيكون هذا الحق شبهة تدرأ عنه الحد، كما لو سرق من مال شريكه
وقد فصل الشافعية في هذه المسلة فقالوا: يجب التفريق بين حالة سرقة المال العام بعد فرزه لطائفة معينة لا يعد السارق واحدا منها فيقطع
وبين حلة سرقة المال العام قبل فرزه لطائفة معينة وله وجه حق فيه فلا يقطع ولو فرز المال لطائفة معينة وهو واحد منها فلا يقطع أيضا لشبيهة حقه
فالشافعية اعتبروا الشبهة غير موجودة في حالة السرقة من المال العام إذا خصص بطائفة معينة من الناس و السارق ليس واحد منهم
وأرى صواب نظر الشافعية في ذلك، لأن المال العام بعد فرزه وتخصيصه بطائفة معينة من الناس لا ينتمي السارق إليها لم يعد في حكم المال العام تماما
والشبهة التي لأجلها سقط الحد عن سارق المال العام لم تعد موجودة في مثل هذه الحالة، فيجب القطع
الفريق الثاني: وهو المالكية ما عدا عبد المالك بن الماجشون من أصحاب الإمام مالك
فقد ذهب المالكية إلى وجوب قطع يد السارق من بيت المال والسارق من الغنيمة بعد حوزها، أما قبل حوزها فلا قطع على السارق منها، لأن المال لم يدخل بعد في خزينة الدولة، وكذلك قالوا بالقطع في سرقة المال الموقوف
وأما عبد الملك بن الماجشون من أصحاب الإمام مالك فقد ذهب إلى أن السارق من الغنيمة ان لم يبلغ المسروق نصابا زائدا عن حق السارق الأصلي في الغنيمة فلا يقطع، أما إن لم يكن له حق فيها أو كان له وسرق فوقه نصابا فإنه يقطع
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الظاهرية وافقوا المالكية في وجوب القطع على السارق من بيت المال و المغنم، وذلك لأنهم لم يأخذوا بمبدأ درء الحدود بالشبهات، كما لم يشترطوا لوجوب القطع الأخذ من الحرز، ولأن عموم الآية: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة: 38، تشمل السرقة من بيت المال و غیره
هذا إذا لم يكن له نصيب محل و معروف، أما إذا كان له نصيب محدود و معروف، فلا يقطع بسرقته إلا إن سرق زائدا عليه ما مقداره نصابا
المراجع
أسامة بن محمد منصور الحموي : سرقة المال العام “دراسة مقارنة”
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
تحميل المقال: