محتويات المقال
حرمان الدائن من مسطرة تحقيق الرهن الرسمي
إشكالية حرمان الدائن من مسطرة تحقيق الرهن الرسمي تبقى من أهم الإشكاليات التي ترد على الرهن الرسمي للعقار في طور التحفيظ, بحيث تتجلى أهمية الضمانات العينية في الحفاظ على حقوق المستفيدين منها، فالرهن الرسمي الوارد على العقار المحفظ إذا تم تقييده بالرسم العقاري، يعتبر ضمانة قوية للدائن المرتهن، تجعله في مركز فوي تجاه الدائنين الاخرين،
وفي حالة ما رفض المدين الوفاء بالتزامه أو عجزه عن ذلك، يكون من حق الدائن المرتهن سلوك مسطرة تحقيق الرهن الرسمي واستفاء دينه من ثمن البيع بالأولوية على باقي الدائنين،
ونتساءل هل يمكن للرهن المنصب على العقار في طور التحفيظ، أن يوفر نفس الامتيازات التي يوفرها الرهن الرسمي المنصب على العقار المحفظ؟ وهل تبقى الحقوق الرهنية للدائن المرتهن في مأمن مما قد تعرفه مسطرة التحفيظ من تغيرات وتحولات؟
المطلب الأول: أثار مسطرة التحفيظ على حقوق الدائن المرتهن
ينص الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميمه بموجب القانون رقم 07. 14 ” بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84 من هذا القانون، مكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الإقرار به أثناء مسطرة التحفيظ أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية”،
وبذلك يكون المشرع قد أوجد لكل من يدعي حقا على العقار موضوع مسطرة التحفيظ امكانية اشهاره بمطلب التحفيظ من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير، لكن هذا الإبداع لا يمكن أن يرقى إلى مرتبة التقيد بالرسم العقاري كما هو الأمر بالنسبة للعقار المحفظ، بمعنى أن حقوق الدائن المرتهن تبقى معلقة على مال مطلب التحفيظ، وأنها ستتأثر بمقتضیات مسطرة التحفيظ
هذا ما سنعمل على ملامسته من خلال التطرق بداية لإشهار الرهن الرسمي بمطلب التحفيظ (الفقرة الأولى)، ثم الوقوف على بعض أثار مسطرة التحفيظ على الحقوق الرهنية للدائن (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: اشهار الرهن الرسمي بمطلب التحفيظ
لقد خول المشروع العقاري لكل من اكتسب حقا عينيا على العقار موضوع مسطرة التحفيظ الخيار بين إجرائين لإثبات الحق المذكور قانونا منصوص عليها في الفصلين 83 و 84 من ظهير التحفيظ العقاري كما تم تتميمه وتغيره، وهما الإيداع طبقا للفصل 84 ونشر الخلاصة الإصلاحية طبقا للفصل 83
وبما أن عبارة “حق” لم تحصر الحقوق التي يمكن إشهارها في مطلب التحفيظ فإنه بذلك تتبدد أول غرابة حول إمكانية ورود الرهن الرسمي على عقار في طور التحفيظ، وذلك بناء على ما جاء في الفصلين المذكورين
وعليه فإن الدائن الذي يرغب في إشهار حقوقه الرهنية إما أن يسلك مسطرة الفصل 83 فيكتسب بذلك صفة طالب التحفيظ في حدود ذلك الحق، وإما أن يودع عقد الرهن طبقا للفصل 84 وهذه الصيغة لا تمكن الدائن نهائيا من اتخاذ أي إجراء بشأن مسطرة التحفيظ لانعدام الصفة لديه.
ويبقى الإشكال المطروح هو أنه بالرغم من ايداع عقد الرهن بالمحافظة العقارية لا يمكن اعتباره رهنا رسميا إلا بعد تأسيس الرسم العقاري، ويعني ذلك أن تقييد الرهن سيبقى معلقا على نتيجة التحفيط وعليه فإن حقوق الدائن المرتهن تظل عموما متسمة بعدم الاستقرار خلال مسطرة التحفيظ
فإذا كان العقار موضوع تعرضات فمن المؤكد أن الرهن سيتأثر بنتيجة دعوى التعرض، وإذا حصل أن تراخي طالب التحفيظ في اتباع إجراءات التحفيظ، أو لم يحضر عمليات التحديد رغم استدعائه وإنذاره، فإن المحافظ سيكون مضطرا لتوقيف إجراءات التحفيظ، بل ربما إلغاء المطلب بكامله ويمكن أن يفقد صاحب الرهن نتيجة لذلك الحقوق المقررة له في عقد الرهن
الفقرة الثانية: أثار إجراءات التحفيظ على الحقوق الرهنية للدائن المرتهن
تتخلل مسطرة التحفيظ العقاري مجموعة من الأحكام الانتقالية مند إيداع مطلب التحفيظ بالمحافظة العقارية إلى غاية تأسيس الرسم العقاري، وهذه الأحكام المتعلقة بمقتضیات مسطرة التحفيظ يمكن أن تتعارض مع خصائص الرهن الرسمي وأحكامه (أولا)، كما أن ضمان الرهن الرسمي قد ينتهي نتيجة استحقاق المال المضمون من قبل الغير أو حالة الغاء مطلب التحفيظ أو رفضه (ثانيا).
أولا: تعارض خصائص الرهن الرسمي بمقتضيات مسطرة التحفيظ
من أوجه تعارض خصائص الرهن الرسمي بمقتضيات التحفيظ العقاري عدم قابلية الرهن الرسمي للتجزئة، وكما أشرنا سابقا فإن خاصية عدم تجزئة الرهن أن العقار يبقى بأكمله ضمانا لأداء جميع الدين بحيث أن كل جزء منه يبقى مرهونا ولا يتحلل من هذا التحمل إلا بالوفاء بمجموع المبلغ الذي يضمنه حق الرهن،
وهذا الالتزام يمنع على المدين الراهن التصرف بما يضر بحقوق الدائن المرتهن إذ لا يمكن الانتقاص من الضمان، ولو تم أداء الجزء الأكبر من الدين.
أحيانا يتوجب على طالب التحفيظ من أجل متابعة مسطرة التحفيظ وتتويجها بتأسيس الرسم العقاري أن يتخذ كل الإجراءات التي تقتضيا المسطرة، ومن ذلك قد يكون مطالبا بتقليص مساحة مطلب التحفيظ تحت طائلة إلغاء مطلبه،
كما هو الامر في حالة وجود فرق في المساحة دون أن يتوفر على ما يثبت به ملكية المساحة الزائدة، في هذه الحالة تصطدم رغبة طالب التحفيظ بالتحمل الذي يشمل كل العقار والذي لا يقبل التجزئة كما سلف،
وإن افترضنا أن الجزء المستخرج يبقى مشمولا بالتحمل فإن عدم إمكانية تصور رهن رسمي على عقار أصبح غير محفظ هو ما يجعل هذ الوضعية الشائكة معقدة
ويطرح الاشكال كذلك في حالة لجوء طالب التحفيظ إلى إبرام الصلح مع المتعرض بجزء من العقار موضوع التحفيظ، قصد التشطيب على التعرض الكلي ضد مسطرة التحفيظ، في هذه الحالة يتضرر الدائن من هذا الاجراء الذي تتوقف عليه متابعة مسطرة التحفيظ،
ذلك أنه يفترض من المدين رد التعرض الصادر من الغير، وليس المصالحة عليه، كما أنه لا يمكن تتبع الجزء المتصالح به الذي انتقل إلى المتعرض بالاتفاق، لأن حق التتبع يقع على الحائز المقيد بالرسم العقاري والحال أن المتعرض أضحى يحوز حقا غير محفظ، وبالتالي لا يمكن أن تطبق عليه احکام الرهن الرسمي
وبناء على ما سبق فإن مقتضيات مسطرة التحفيظ تتعارض مع بعض خصائص الرهن الرسمي مما قد يضر بحقوق الدائن المرتهن خصوصا في الحالات التي تنقص فيه إجراءات التحفيظ من قيمة الضمان، فالرهن لا يمكن أن يوقف أي اجراء من إجراءات التحفيظ مالم تصبح بياناته نهائية بتأسيس الرسم العقاري
ثانيا: انتهاء ضمان الرهن الرسمي
يعد استحقاق المال المضمون من طرف الغير أكبر خطر يهدد حقوق الدائن المرتهن ذلك أن الحكم بصحة التعرض الكلي بعدم ضمان الدين ولا يبقي له محل، ومما يزيد في إضعاف حقوق الدائن المرتهن هو أن الدائن المرتهن ليس باستطاعته الدفاع عن حقوقه أثناء جريان دعوى التحفيظ أمام محكمة التحفيظ العقاري إذا كانت حقوقه مودعة أما إذا كانت معلنة عن طريق الاشهار فله الدفاع عنها أمام المحكمة
وينتهي ضمان الرهن الرسمي كذلك في حالة إلغاء أو رفض مطلب التحفيظ لأي سبب من الأسباب، حيث يجد الدائن نفسه أمام دین بدون ضمان خاص، ورغم أن حقوق الدائن تتأثر مباشرة بمثل هذه القرارات، إلا أنه ليس باستطاعته الطعن فيها إذا كانت حقوقه مودعة، اعتبار لنظام مسطرة التحفيظ الذي لا يتيح ذلك
وعليه فإن الدائن لا يبقى له أمام هذه الحالات امتیاز ولا رتبة يستفيد منها بموجب الرهن لأنه أصبح بدون موضوع ولم يعد له احتمال الاستفادة من الأفضلية في استحقاق الدين على العقار المرهونة بحيث يصبح في وضع يتساوى فيه مع كافة الدائنين الذين يرجعون مجتمعين على الضمان العام لأموال المدين بعد أداء الديون الممتازة
المطلب الثاني: حرمان الدائن المرتهن من تحقيق الرهن الرسمي وآثاره على مستقبل الائتمان العقاري
تتجلى أهمية الرهن الرسمي في كونه ألية قانونية تخول للدائن إمكانية سلوك مسطرة تحقيق الرهن الرسمي على العقار المرهون في حالة عدم وفاء المدين الراهن عن التزامه. لكن ذلك يتوقف على الحصول على شهادة خاصة بالرهن،
وبما أن الأمر يتعلق بعقار لازال في طور التحفيظ، فإن ذلك يحرم الدائن من الاستفادة من هذه المسطرة (الفقرة الأولى)، وعليه فإن ذلك سيجعل مؤسسات الائتمان ترفض العقار في طور التحفيظ كضمان عقاري للوفاء بالدين، مما سيؤثر على مستقبل الائتمان العقاري ببلادنا (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: حرمان الدائن من مسطرة تحقيق الرهن الرسمي
إذا كان تحقيق الرهن الرسمي لا يثير اشکال إذا تعلق الأمر بالنسبة للعقار المحفظ بحيث يمكن للدائن استصدار شهادة خاصة بالرهن من طرف المحافظ العقاري تمكنه من مباشرة مسطرة التنفيذ، فإنه بالنسبة للعقار في طور التحفيظ يثير اشكال على اعتبار أن المحافظ العقاري لا يسلم الشهادة الخاصة بالرهن إلا إذا كان ذلك الرهن مقيد بالرسم العقاري كما أشرنا سابقا،
وعليه فإنه لا مجال للحديث عن وجود شهادة خاصة دون وجود رهن رسمي مقيد، ولا مجال للحديث عن هذا الأخير دون وجود رسم عقاري، أي أن كلا من الشهادة الخاصة والرهن الرسمي پرتبطان وجودا وعدما يكون العقار المرهون محفضا
وأما فيما يخص الشهادة التي يسلمها المحافظ العقاري إلى الدائن المرتهن عندما يتعلق الامر برهن وارد على عفار في طور التحفيظ فهي ليست سوى شهادة عادية تفيد بان العقار مطلب للتحفيظ وأنه تم إيداع عقد رهن عليه، ولا يمكن اعتبارها سند للتنفيذ، وهذا ما درج عليه العمل القضائي بحيث إنه يأخذ بعين الاعتبار وضعية العقار قبل مباشرة إجراءات التنفيذ
إن الرهن الوارد على العقار في طور التحفيظ لا يرقى إلى درجة الرهن الرسمي لأن مصيره يكون مرتبطا بمصير مطلب التحفيظ، وبالتالي حرمان الدائن من مسطرة تحقيق الرهن الرسمي على العقار المرهون في حالة عدم وفاء المدين بالتزامه.
والضاهر ان هذا المنطق لم يحترمه المشرع العقاري عندما أقر استثناء فريدا لفائدة القرض العقاري والسياحي، يسمح بموجبه بإمكانية تسليم الشهادة الخاصة بالرهن على عقار في طور التحفيظ وهذه الحالة منصوص عليها في الفصل 11 من مرسوم 17 دجنبر 1968 الذي ينص على ما يلي:
“خلافا المقتضيات الفصل 58 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ فإن المحافظ يعمل على تسليم شهادة خاصة بالرهن حتى ولو تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ وفي جميع الحالات فإن هذه الشهادة تعتبر سندا تنفيذيا ويجب أن تحمل عبارة شهادة مسلمة طبق الأصل ويقصد التنفيذ”
ونعتقد أن المشرع يهدف من خلال هذا الاستثناء إلى تشجيع مؤسسات تدعم المجال القروي بغابة مواكبة التقدم الحضري والاندماج الاقتصادي والاجتماعي والسياحي وتشجيع القروض المتعلقة بالسكن،
لكن ما يلاحظ على هذا الاستثناء أنه يشكل تميزا بين الدائنين وعدم تسويتهم بنفس الاحکام ويضرب بقواعد المنافسة الشريفة ولا يوجد بين القواعد المطبقة على الرهن الرسي الوارد على العقار في طور التحفيظ، ذلك أنه مهما كانت الأسباب والمؤيدات التي أدت بالمشرع لربط تحقيق الرهن الرسمي بالعقار المحفظ دون سواه لا يمكنها أبدا أن تكون موضوعية ومقنعة مادامت هناك إمكانية التحقيق الرهن على العقار في طور التحفيظ لفائدة مؤسسة دائنة بعينها
الفقرة الثانية: أثار حرمان الدائن من تحقيق الرهن الرسمي على مستقبل الائتمان العقاري
نظرا لضعف الضمانات التي يوفرها العقار في طور التحفيظ فإن مؤسسات الائتمان غالبا ما تتوانى عن منح قروض مضمونة بهذه العقارات وحتى إن فعلت فإنها لا تبدأ في منح المدين تسبيقات عن مبالغ القروض إلا إذا تأكدت من أن مسطرة التحفيظ أوشكت على نهايتها وان أجل التعرضات قد مر
وقد كان لتواتر الاجتهاد القضائي الرافض لتحقيق الرهن الرسمي على هذا النوع من العقارات وقع مباشر على تطور بعض العمليات البنكية، فقد قل عدد الرهون بنسبة 42.2 في المائة في الأربع سنوات المتوالية ما بين سنة 2009 إلى سنة 2012،
وهذا لا يخدم تطلعات الدولة خصوصا في القطاع الفلاحي وكذا القطاعات الأخرى التي تعتمد على الاقتراض لغرض تطوير مشاريعها وترجع الأسباب في ذلك إلى حرمان الدائن من مسطرة تحقيق الرهن الرسمي إذا تعلق الأمر بالعقار في طور التحفيظ”، مما يعدم ثقة البنوك، ويؤثر سلبا على تشجيع الائتمان العقاري وإنماء عمليات القروض والسلفات، بما يخدم التنمية الفلاحية والعمرانية وتشجيع الاستثمار ببلادنا
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات