محتويات المقال
حدود مبدأ سلطان الإرادة
تبنى المشرع مبدأ سلطان الإرادة بشكل مطلق في قانون الالتزامات والعقود، لكن نظرا للتطورات التي عرفتها بعض المجالات الاقتصادية والاجتماعية، أصبحت الحاجة ملحة للتدخل التشريعي لتنظيم العلاقات التعاقدية بين الأطراف، وذلك بقصد حماية الطرف الضعيف في العقد، وهذا ما دفع المشرع للجوء الى تقييد حرية الأطراف للحد من مبدأ سلطان الإرادة، وسنستعرض بعض مظاهر هذه التقييدات بالوقوف عند كل من قانون الاستهلاك )الفقرة الأولى ( ثم عقد الكراء وعقد الشغل) الفقرة الثاني(.
الفقرة الأولى: تأثير قانون الاستهلاك على مبدأ سلطان الإرادة
شكل القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ثورة حقيقة على سلطان الإرادة، وذلك من خلال فرضه العديد من الالتزامات على عاتق الطرف المهني الذي يبعت بالمحترف في مواجهة الطرف الضعيف الذي يسمى المستهلك في معظم الأنظمة القانونية المعاصرة.
ولقد كان الدافع الأساسي وراء تبني هذا القانون هو هاجس حماية المستهلك، ويظهر ذلك سواء على مستوى تكوين العقد )أولا(، أو أثناء تنفيذه )ثانيا(.
أولا: في مرحلة تكوين العقد
يمكن الوقوف على العديد من المقتضيات التي تجاوزت سلطان الإرادة، من ضمنها رفض التعاقد من قبل المهني في العقد الاستهلاكي، وهو ما يشكل أحد المظاهر الأساسية لتأثر مبدأ الرضائية بقانون المنافسة الذي اعتمدته أغلب التشريعات الحديثة.
وبالرجوع للتشريع المغربي نجده قد منع المهنيين من رفض التعاقد الذي يطلبه المستهلك دون سبب معقول يجيز له ذلك وذلك في المادة 49 من القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وقد تم نسخها بموجب المادة 22 من القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، حيث جاء فيها ما يلي:
” يمنع ما يلي:
– الامتناع عن بيع منتوج أو سلعة أو تقديم خدمة إلى المستهلك دون سبب مقبول؛
– تعليق بيع منتوج أو سلعة على شراء كمية مفروضة أو على شراء منتوج أو سلعة أخرى أو تقديم خدمة أخرى في آن واحد؛
– تعليق تقديم خدمة على تقديم خدمة أخرى أو على شراء منتوج أو سلعة ”.
نستشف من هذه المادة بأنه لا يمكن باي حال من الأحوال للمهني أن يمتنع عن إبرام العقد مع زبون دون سبب مشروع ومعقول كخطأ الزبون مثلا.
ومن المظاهر الحمائية الأخرى التي جاء بها قانون الاستهلاك، نشير إلى الالتزام الواقع على عاتق المهني والمتعلق بالإعلام العام، ومنع الإشهار الكاذب، ومنح المستهلك مهلة التفكير والرجوع أو الندم.
فبخصوص الالتزام بالإعلام خصص له المشرع قسما كاملا وذلك من المواد 3 إلى 14 من القسم الثاني من القانون رقم 31.08
وبالرجوع للمادة 3 من نفس القانون نجدها تنص على ما يلي ” يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال، وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانياته.
ولهذه الغاية، يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات وطريقة الاستخدام أو دليل الاستعمال ومدة الضمان وشروطه والشروط الخاصة بالبيع أو تقديم الخدمة، وعند الاقتضاء، القيود المحتملة للمسؤولية التعاقدية. تحدد إجراءات الإعلام بنص تنظيمي”.
ومن النصوص الخاصة الهادفة إلى حماية المتعاقد المستهلك نستحضر المادة 42 من القانون رقم 32.09 المتعلق بمهنة التوثيق التي تنص على وجوب تحرير العقود والمحررات باللغة العربية إلا إذا اختار الأطراف تحريرها بلغة أخرى.
عموما، فإن الالتزام العام بالإعلام والتبصير لا يعد التزاما مكملا، وإنما هو التزام آمر رتب المشرع على مخالفته جزاء جنائيا متمثلا في غرامة مالية تراوح بين ألفي درهم إلى خمسة آلاف درهم طبقا للمادة 173 من القانون رقم 31.08
ولم يقف المشرع عند هذا الحد، بل وضع التزامات أخرى على عاتق المهني الهادفة إلى تعزيز وتكميل الالتزام بالإعلام، ومن ضمنها منع الإشهار الكاذب )المادة 21)، ومنح المستهلك مهلة التفكير طبقا للمادة 74 المتعلقة بالقرض الاستهلاكي، والمادة 120 الخاصة بالقرض العقاري. إضافة إلى تمكين المستهلك من مهلة الرجوع أو الندم في بعض أنواع العقود؛ وهي العقود المبرمة عن بعد، والبيع خارج المحلات التجارية.
ثانيا: في مرحلة تنفيذ العقد
يمكن للمستهلك المتعاقد اعتماد العديد من الأسس التقليدية أثناء تنفيذ العقد كقواعد ضمان العيوب الخفية المنصوص عليها في ق ل ع، إضافة إلى اعتماد قواعد القانون المتعلق بسلامة المنتجات المعيبة هذا الأخير الذي تبنى المسؤولية الموضوعية، أي تلك القائمة على ركن الضرر دون الحاجة إلى إثبات الخطأ.
عموما، يمكن أن نستشف مظاهر اضطراب سلطان الإرادة أثناء تنفيذ العقد من خلال السماح للقاضي بتعديل الشروط التعسفية؛ إضافة إلى أن الشك يفسر لفائدة الطرف المستهلك.
1 – تخويل القاضي سلطة تعديل الشروط التعسفية
بخلاف الفصل 230 من ق ل ع الذي ينص على أن الالتزامات القانونية المقامة على وجه صحيح تعتبر بمثابة القانون ولا يجوز تعديلها أو إلغائها إلى برضى المتعاقدين أو في الحالات المنصوص عليها في القانون
فإن التدخل في مضمون الرابطة العقدية حتى في مرحلة التنفيذ أصبح ضرورة ملحة أمام انتشار ظاهرة الشرط التعسفية. وهذا ما حدث بالفعل بموجب قانون الاستهلاك الذي بالإضافة إلى أنه عدد الشروط التعسفية في المادة 18 من القانون المذكر؛ فإنه خول للقاضي سلطة مهمة لتعديل الشروط التعسفية، وهي سلطة واسعة نظرا لأن الشروط التي تعتبر تعسفية والتي جاءت بها المادة 18 شروط عديدة، وتزداد هذه السلطة اتساعا إذا علمنا أن تلك الشروط الواردة في المادة السالفة لا تقع تحت حصر، وإنما هي على سبيل المثال فقط
وبالتالي يمكن لقاضي الموضوع أن يتدخل لتعديل كل شرط يراه تعسفيا استنادا إلى ظروف التعاقد وحالة المستهلك الشخصية والاجتماعية، ولا يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض إلا من حيث التعليل.
2 – وجوب تفسير الشك لمصلحة المستهلك
نص المشرع المغربي على هذه القاعدة في المادة 9 من القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك التي جاء فيها: ” فيما يتعلق بالعقود التي يحرر جميع أو بعض شروطها المقترحة على المستهلك كتابة، يجب تقديم هذه الشروط وتحريرها بصورة واضحة ومفهومة. وفي حالة الشك حول مدلول أحد الشروط، يرجح التأويل الأكثر فائدة بالنسبة إلى المستهلك ”.
وبالتالي يكون المشرع المغربي قد اعتبر عقود الاستهلاك بمثابة عقود إذعان مادام أنها تبرم بين مستهلك يتعاقد لتلبية حاجياته غير المهنية من منتوجات أو سلع أو خدمات وبين مورد محترف يتصرف ضمن نشاطه المهني أو التجاري
ورغم تبني المشرع المغربي لهذا المقتضى الحمائي للمستهلك، فإن تدخل القاضي في هذا المجال لازال ضيقا، حيث يمنع عليه التدخل إذا كانت عبارات العقد واضحة ، ولا يتدخل إلا إذا كانت بنود العقد غامضة، وهو ما يستطيع الطرف القوي تداركه، مادام هو الذي يقوم بتحرير العقد في ظل تجربته القانونية والاقتصادية.
الفقرة الثانية: حدود مبدأ سيطان الإرادة في عقد الكراء وعقد الشغل
نتناول في البداية حدود سلطان الإرادة في عقود الكراء )أولا( مرور الى الحديث عن حدود سلطان الإرادة في عقد الشغل )ثانيا(.
أولا: حدود مبدأ سلطان الإرادة في عقد الكراء
جاء قانون الالتزامات والعقود متشبعا بمبدأ سلطان الإرادة المنصوص عليه في الفصل 230 ، ويملك كل من الطرفين حرية المناقشة والمفاوضة خلال ابرام العقد، إلا ان بعد صدور بعض القوانين الخاصة قيدت هذا المبدأ، كما هو الشأن للقانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، وكذلك القانون رقم 07.03 المتعلق بكيفية مراجعة أثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي، دون إغفال القانون رقم 64.99 المتعلق باستيفاء الوجيبة الكرائية والمعدل لظهير 25 دجنبر 1980
هنا نتساءل حول مدى تراجع قوة مبدأ سلطان الإرادة في العقود الكرائية خاصة في الجانب المتعلق بتحديد ومراجعة الوجيبة الكرائية؟؟
1 – تحديد الوجيبة الكرائية عند ابرام العقد
فرضت بعض العوامل المختلفة التدخل التشريعي لتنظيم علاقة الأطراف في العلاقة الكرائية في إطار القوانين الخاصة، والتي خرج من خلالها المشرع عن الأحكام المنصوص عليها في ظهير الالتزامات و العقود
ومن أبرز هذه الاستثناءات تقييد رضائية الطرفين في العلاقة التعاقدية فيما يخص تحديد الوجيبة الكرائية تخويل المكتري حق المنازعة في ثمن الكراء امام القضاء داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام العقد وذلك حالة عدم تناسب الوجيبة الكرائية مع رأسمال العقار المكرى من جهة وحالة عدم تناسبها مع مزايا العين المكراة، هذا ما نص عليه المشرع في الفصل الثاني من ظهير 25 دجنبر 1980 ، لكن مع صدور القانون رقم 07.03 المعدل لهذا الظهير والمتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، فإن المشرع كرس من خلاله مبدأ سلطان الإرادة بخصوص حرية التراضي وذلك بموجب المادة الأولى من هذا القانون
حيث نصت على أحقية الطرفين أي المكري والمكتري في تحديد الوجيبة الكرائية برضاهما دون قيود مع إلغاء المشرع لإمكانية المنازعة فيها خلال الثلاثة أشهر من ابرام العقد كما هو معمول به في ظل الظهير السالف الذكر.
وبالتالي فإن المشرع قد كرس مبدأ سلطان الإرادة في تحديد الوجيبة الكرائية عند إبرام العقد بين المكري والمكتري، بالمقابل قنن المشرع نظام المراجعة التشريعية بتحديد نسب الزيادة في الوجيبة الكرائية حالة اتفاق الأطراف على نسب مغايرة لما حدده القانون.
2 – مراجعة الوجيبة الكرائية
خلال سريان العقد يحق لطرفيه مراجعة الوجيبة الكرائية التي تدخل ضمن مراجعة العقود بصفة عامة، والمراجعة أنواع متعددة قد يتم برضى الطرفين وتسمى بالمراجعة الاتفاقية، او من طرف المشرع ويطلق عليه بالمراجعة التشريعية أو من قبل القضاء ويطلق عليه بالمراجعة القضائية.
ففيما يخص المراجعة ومن خلال المواد الأولى والثانية والثالثة من هذا القانون أعطى المشرع الأولوية لاتفاق الأطراف شريطة التقيد بمدة ثلاث سنوات كمدة فاصلة بين طلبات المراجعة، تبتدأ من تاريخ إبرام العقد أو من تاريخ آخر مراجعة قضائية أو اتفاقية،
بالإضافة الى عدم تجاوز الزيادة في النسب المقررة في هذا القانون، وهي % 8 بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى و 10 % بالنسبة لباقي المحلات .
ويتضح أن المشرع يكرس بصفة جلية مبدأ حرية التعاقد بين المكرى والمكتري، وفي المقابل قنن المشرع نظام المراجعة التشريعية بتحديده نسب الزيادة في الوجيبة الكرائية لكن لا يعمل بها في حالة اتفاق الأطراف على نسب مغايرة لكن لا يجب أن تتجاوز النسب المحددة في هذا القانون وهي 8 % للمحلات المعدة للسكنى و 10 % بالنسبة لباقي المحلات،
وقد نص المشرع على هذه المقتضيات أيضا في المواد 33 و 34 من القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقة التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني باعتباره منظم لجميع مظاهر العلاقة الكرائية بما فيها الوجيبة الكرائية
وبالتالي فإن المشرع في القوانين السالف الذكر قد احتفظ بمبدأ سلطان الإرادة لكن قيده بمجموعة من القيود كانت في البداية بيد القضاء ثم أصبحت بعد ذلك بيد المشرع، وقد حاول من خلال هذه القيود التوفيق بين مصلحتين، مصلحة المكتري وذلك بتحديد ضوابط الزيادة في الوجيبة الكرائية حتى لا يبقى تحت رحمة المكري، وكذلك حاول الحفاظ على مصلحة المكري بالسماح له للمطالبة بالزيادة كلما توفرت الضوابط المحددة من طرف المشرع.
وللإشارة فالتدخل التشريعي لتحديد هذه النسب يندرج في إطار سياسة النظام العام الحمائي الذي أصبح المشرع في القوانين الجديدة جاءت لحماية الطرف الضعيف في العقد والقضاء على الاختلال وعدم التكافؤ في الرابطات الكرائية وتحقيق التوازن في هذه العلاقات.
ثانيا: حدود الحرية التعاقدية في عقد الشغل
إن تاريخ قانون الشغل لا يختلط بتاريخ الشغل، فإذا كان الشغل يرجع لأصول تعود إلى تاريخ الإنسانية، فإن قانون الشغل لم يعرف ولم يتطور إلا في العصر الحديث وتحديداً مع منتصف القرن 18 ، خاصة مع تطور الصناعات الكبرى في إطار النظام الرأسمالي حيث ستؤدي التحولات العميقة التي عرفتها علاقات الشغل إلى عدة نتائج على المستوى القانوني لاسيما تقييد الحرية التعاقدية.
1 – سلطة المشغل في تشغيل الأجراء
إن قانون الشغل يهم الفئة العريضة في المجتمع التي يزيد عددها على عشرات الملايين إذا أخدنا الطبقة الشغيلة بمفهومها الواسع، فضلا عن امتداد أحكام هذا القانون لأسر هؤلاء الأجراء، بل إن حجم هذه الطبقة عرف وسيعرف اتساعا بفعل تصاعد وثيرة الخوصصة من جهة وتوسيع نطاق مدونة الشغل من جهة أخرى، لذلك فالتساؤل المطروح يتمثل في مدى قدرة كل مواطن أن يحصل على شغل ليكتسب صفة أجير مستفيد من مقتضيات القانون الاجتماعي؟؟
القانون الجنائي المغربي نجده ينص في الفصل 431-1 على أنه تكون تمييزاً كل تفرقة بين الأشخاص الطبيعيين بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين
وينص الفصل 2-431 من القانون الجنائي على أن التمييز يتمثل في رفض تشغيل شخص أو معاقبته أو فصله عن العمل
إلا أن فرض القيود على الحرية التعاقدية تبلور بشكل كبير في مدونة الشغل المغربية الصادرة سنة 2003 ، هكذا إذن تم منع كل تمييز بين الأجراء أيا كانت الاعتبارات المشار إليها في المادة 9 ؛ إذ سيكون من شأن ذلك التمييز المس بمبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل.
كما قضت المادة 507 من المدونة بأن المشغل إذا كان من حقه أن يشغل كل من يحتاج إليه من الأجراء فيجب أن يراعي ما يتوفر عليه طالب الشغل من مؤهلات وما لديه من خبرات وتزكيات مهنية ليس إلا دون اعتبارات أخرى.
والجدير بالذكر أن مدونة الشغل اتجهت اتجاها جديداً يتجلى في خوصصة قنوات التشغيل وأبقت على دور السلطة المحلية في مجال التشغيل إلا أنها ألغت مكاتب التشغيل العمومية وأرست تنظيما قانونيا بإحداثها لوكالات التشغيل الخصوصية لذلك يتعين على هذه الوكالات القيام بواجباتها لاسيما عدم التمييز بين طالبي الشغل.
2 – سلطة المشغل في وضع شروط التشغيل
من المعلوم جدا أن المشغل له سلطة في وضع ضوابط وتدابير لتسيير مقاولته من أجل تحقيق الأرباح، وهذا ما يسمح له بتضمين العقود مجموعة من البنود تتضمن شروطا تعاقدية بينه وبين الأجراء والتي قد تؤثر على حقوقهم الشخصية كحق الأجير في الزواج وحقه في الاسم واختيار مظهره.
فقد أصبح من الملاحظ في الواقع العملي أن بعض عقود الشغل أضحت تتضمن شروطا تمس بحقوق الشخصية كما هو الشأن بالنسبة لشرط العزوبة كأمر ضروري لولوج ميدان العمل والاستمرار فيه أو فرض بعض القيود على الأجراء في شكل لباسهم أثناء العمل أو تغيير أسماءهم، لذلك نرى من اللازم أن نتساءل عن مدى الحماية التي يمكن توفيرها لحقوق الأجراء الشخصية في قانون الشغل من خلال فرض قيود على حرية المشغل في وضع شروط التعاقد؟؟
إن الحقوق التي تهمنا في هذا المجال ليست كل الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بصفة عامة، بل فقط حقوقه الشخصية المتصلة بعلاقات الشغل، وبالضبط تلك المتعلقة بشخص الأجير الطرف الضعيف في هذه العلاقة، ذلك أن مناقشة كيفية تأدية العمل لا تتم في أغلب الحالات على قدم المساواة بين طرفي العلاقة، وإنما تتم بين مشغل في مركز اقتصادي قوي وبين أجير لا حول له سوى مجهوده البدني أو الفكري يقدمه لقاء أجر يعيش به هو وأفراد أسرته، الأمر الذي يستلزم حماية هذه الحقوق من كل مساس أو اعتداء عليها.
ولكن قبل البحث في مدى الحماية الموفرة لحقوق الشخصية في قانون الشغل، نرى من المفيد الوقوف بدقة على المقصود منها خاصة وأنها ذات مفهوم جديد ومضمون غير محدد.
هكذا ذهب بعض الفقه إلى الاعتراف بكيان مستقل لطائفة من الحقوق أطلق عليها اسم حقوق الشخصية؛ إذ يرى حسن كبيرة أن المقصود بهذه الحقوق تلك التي تعبر عما للشخص من سلطات مختلفة ترد على مقومات الشخصية.
ولقد تنبه واضح قانون الالتزامات والعقود المغربي لهذه الشروط التي قد ترد في العقود بصفة عامة، معتبرا إياها باطلة في الفصل 109 الذي ورد في فقرته الأولى ” كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان كحق الإنسان في أن يتزوج وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه”
إلا أن تطبيق مثل هذا النص في علاقة الشغل سوف يكون وبالاًعلى وضعية الأجير ذلك أن الفصل 109 السالف الذكر بالرغم من اعتباره باطلا كل شرط يحد من مباشرة الحقوق الثابتة لكل إنسان، إلا أنه استتبع ذلك ببطلان الالتزام الذي يعلق عليه، وبالتالي يمكن أن نتصور أن عدم امتثال الأجير لشروط العقد سوف يعرضه للفصل مع فقدان الحق في التعويض نظراً لبطلان الالتزام الذي يعلق عليه حسب مدلول الفصل 109 من قانون الالتزامات والعقود
إن إدماج حقوق الشخصية في مجال علاقة الشغل سيجعل هذه الحقوق خاضعة لأهداف قانون الشغل التي من بينها حماية الأجير الطرف الضعيف في علاقة الشغل وبالتالي يتعين إبطال الشرط دون العقد تحقيقا للنظام العام الاجتماعي، وهو الأمر الذي ذهب إليه المجلس الأعلى )محكمة النقض حاليا( في تعليله لبطلان شرط عدم الزواج دون بطلان الالتزام، إذ يقول القرار ما يلي:” لئن كان الفصل 109 من قانون الالتزامات
والعقود ينص على بطلان الالتزام المقترن بشرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان كحقه في أن يتزوج وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية، فإن هذا الشرط يكون باطلا ولا يؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه إذا كان من شأنه الانتقاص من حقوق الأجير..”
والجدير بالذكر أن المشرع المغربي في مدونة الشغل قد وضع حدا أدنى للأجر حماية لحقوق الاجراء، إذ لا يجوز مخالفته من طرف المشغل، وبالتالي يعد هذا المقتضى القانوني من بين القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات