fbpx

القائمة الرئيسية

حجیة التقییدات في الرسم العقاري تجاه الغیر

حجیة تقیید الغیر في الرسم العقاري

حجیة التقییدات في الرسم العقاري تجاه الغیر

حجیة التقیيدات بالنسبة للغیر تختلف بین ما إذا كان ھذا الغیر قد قید عن حسن نیة أو سوءھا لذلك نتساءل عن مدى حمایة الغیر المقید عن حسن نیة ، ومعاییر إثبات سوء نیة الغیر المقید ؟. واتأینا من خلال ھذا المطلب تقسیمھ إلى فقرتین: نتطرق في (الفقرة الأولى) حجیة تقیید الغیر حسن النیة ، وفي (الفقرة الثانیة) حجیة تقیید الغیر سيء النیة.

الفقرة الأولى: حجیة تقیید الغیر حسن النیة

تكتسي حجیة التقیید بالنسبة للغیر قوة قاطعة ، بمعنى أن قیود السجل العقاري التي استند علیھا الغیر، تعتبر قیودا صحیحة على الإطلاق بحیث لا یتأثر حقھ بما یمكن أن یطالھا من بطلان أو إبطال أو تغییر

وھو ما ینص علیھ المشرع المغربي بموجب الفصل 66 من ظھیر التحفیظ العقاري المعدل والمتمم بموجب القانون 14.07 ” كل حق عیني متعلق بعقار محفظ یعتبر غیر موجود بالنسبة للغیر إلا بتقییده ، وابتداء من یوم التقیید ، في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقاریة.

لا یمكن في أي حال التمسك بإبطال ھذا التقیید في مواجھة الغیر ذي النیة الحسنة” وھو ما أكده المشرع المغربي أیضا بموجب المادة الثانیة من مدونة الحقوق العینیة “إن الرسوم العقاریة وما تتضمنھ من تقییدات تابعة لإنشائھا تحفظ الحق الذي تنص علیه وتكون حجة في مواجھة الغیر على أن الشخص المعین فیھا ھو فعلا صاحب الحقوق المبینة فیھا .

إن ما یقع على التقییدات من إبطال أو تغییر أو تشطیب من الرسم العقاري لا یمكن التمسك به في مواجھة الغیر المقید عن حسن نیة ، كما لا یمكن أن یلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدلیس أو زور أو استعمالھ شریطة أن یرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاریخ التقیید المطلوب إبطاله أو تغییره أو التشطیب علیه”

ھذا وقد طرحت في الساحة القانونیة المغربیة إشكالیة ترجیح التطبیق بین المادة الثانیة أعلاه والفصل 66 وأثیرت ھذه الاشكالیة حول مسألة الترجیح حول الأولویة في التطبیق ھل مقتضیات المادة الثانیة أم الفصل 66 وقد أفرزت ھذه الاشكالیة اتجاھین:

اتجاه أول متشبث بترجیح الفصل 66 من (ظ . ت . ع) على المادة الثانیة من (م . ح . ع)، حیث اعتبر بأن نص الفقرة الثانیة من المادة 2 یھدم من أساسه نظام الشھر العیني المبني على ضمان استقرار المعاملات ، وإعمال مقتضیاتھا قد یضعف من الحمایة المقررة لحسن النیة سیما وأنھا سمحت لمن دلس علیه رفع دعوى المطالبة باسترجاع الحق ولن یبقى لحسن النیة آنذاك أي خیار سوى الرجوع أیضا بالتعویض الشخصي على مرتكبي التدلیس الأصلي

أما الاتجاه الثاني فیذھب عكس ذلك حیث یدعو لترجیح المادة الثانیة ویستند في ذلك على اعتبارین أولھما نیة المشرع ، وثانیھما قاعدة الخاص یعقل العام عند التعارض

وأمام ھذا التعارض یقول الاستاذ أحمد أدریوش. أن عدم التوافق الحاصل بین الفصل 66 والمادة الثانیة راجع إلى مناقشتھا أمام البرلمان من طرف لجنتین مختلفتین ، وأن القول بترجیح الفصل 66 على المادة الثانیة من مدونة الحقوق العینیة باعتبار أنه نص خاص ومدونة الحقوق العینیة نص عام مسألة فیھا نظر ، لأن قاعدة الخاص یقدم على العام تطرح اكثر من إشكال وتحتاج إلى توضیح ، وفي حالتنا ، فإن كلا من النصین عام في مجاله ، غیر أنه كان بالإمكان تجنب مثل ھذه الانتقادات لو تم إدراج نفس المقتضى في الفصل 66 من (ظ . ت. ع)، لكن مع مراعاة المدة الواردة في المادة الثانیة حیث یعتقد بأنھا طویلة ویجب تخفیضھا إلى سنتین كحل وسط

وھذه المسألة في غایة الأھمیة نظرا للآثار القانونیة التي تترتب عنھا. والأمر ھنا لا یتعلق بقواعد معینة مثل قاعدة الخاص یعقل العام أو شيء من ھذا القبیل وإنما نحن أمام مصالح معینة یجب أن تصان وھنا یتمثل دور القاعدة القانونیة لكن أمام عدم قطعیة القاعدة القانونیة تبقى مسؤولیة القضاء جسیمة حول مراعاة مصالح الناس وتطبیق القواعد الأصلح في إطار لا ضرر ولا ضرار.

ونسجل أیضا في ھذا الاطار إشكالا آخر حول الفقرة الثانیة من المادة الثانیة من مدونة الحقوق العینیة وھي إمكانیة رفع دعوى الابطال أو التغییر أو التشطیب بعد مرور أربع سنوات ضد الغیر المقید في الرسم العقاري الذي اكتسب الحق بزور أو تدلیس أو استعماله (یعني لم یقم بتفویت الحق إلى الغیر) وھذه المكنة غیر مضمومة بموجب ھذه المادة

وأعتقد أن المشرع بتحدیده لأجل أربع سنوات راع في ذلك التفویتتات الصحیحة التي تقع على الحق وما یترتب عنھا من تقییدات یكسب بموجبھا الغیر الحق بحسن نیة . لذلك یصح القول أن المشرع حاول من خلال ھذه المادة أن یوازن بین مصلحتین متعارضتین وأن یحافظ على القوة الثبوتیة للتقیید فالأسبق تقییدا ھو الأسبق حقا.

ولا مجال لقاعدة ما بني على باطل فھو باطل أمام ما ضمن في الرسم العقاري. وھذا منطق سلیم ینسجم وتطورات الأوضاع الاقتصادیة التي أضحت تعتمد على السرعة في إبرام التصرفات.

لكن من حقنا أن نتساءل لا عن الطرف الأجدر بالحمایة بل عن صفة الطرف الأجدر بالحمایة وھذا یخوضنا مباشرة إلى التساؤل حول من المستفید من مقتضیات ھذه المادة ، ھل رجال الأعمال الذین یضاربون برؤوس أموال ضخمة أم الأشخاص العادیین ممن یستھلكون؟

ھذا ویراد بالغیر حسن النیة كل من یجھل العیوب أو الشوائب التي تعیب أو تشوب سند أو رسم من كان تلقى الحق منه یوم تلقي ھذا الحق وتسجیله على اسمه في السجل العقاري ، وعلیه لا یتأثر حسن النیة الغیر إذا ما اتصلت العیوب أو الشوائب بعلمه بعد تسجیل الحق الذي انتقل إلیه وإنما یبقى حقا ثابتا ومعترفا به، ویمكنه الاحتجاج به ضد الجمیع

ویعرف أحد الباحثین الغیر حسن النیة بأنھ كل من لا یربطه أي اتفاق تدلیسي أو تواطؤ مع المالك المقید من أجل إلحاق الضرر بالشخص الذي یطالب بتقیید حقه ومتى ثبت ھذا التواطؤ عن طریق تدخل إرادة الطرفین معا فإن الغیر المقید یكون سيء النیة یواجه بآثار التشطیب على حقھ من السجلات العقاریة.

وفي نفس السیاق صدرت قرارات قضائیة تعتبر أن مجرد علم المشتري الثاني بالشراء الأول لا یكفي لاستخلاص سوء النیة ، بل استلزمت توفر عنصر التواطؤ والتدلیس كي یتم التشطیب على عقد البیع من الرسم العقاري على أساس أن العقار المتنازع في شأنه تم تفویته إلى شخص آخر ، وھو نفس ما أقرت بھ محكمة الاستئناف بالرباط حیث اعتبرت أن القوة المطلقة للتسجیل في السجل العقاري لا یمكن إثارتھا من طرف الغیر سيء النیة ، وإظھار الضرر المشوب بعیب التدلیس یؤدي إلى إبطال التسجیل المتخذ في البیع الثاني لصالح متصرف إلیھ سابق حسن النیة لم یستطع نتیجة الظروف أن یسجل حقه

ونظرا لصعوبة استخلاص حسن نیة الغیر المقید ، حاول القضاء إثبات سوء نیته باعتماد طریقتین مادیة وقانونیة ، فبالنسبة للإثبات المادي اعتمد شھادة الشھود للاستدلال على حصول التواطؤ بین المشتري الثاني والبائع للإضرار بمصالح المشتري الأول كما اعتمد القرائن القضائیة خاصة القرابة التي تربط بین شخصین متواطئین، وإلى جانب الإثبات المادي اعتمد القضاء الاثبات القانوني كالتقیید الاحتیاطي بالرسوم العقاریة الذي اعتبره قرینة لنفي حسن النیة و إلى جانب التقیید الاحتیاطي نجد القضاء یعتبر أیضا وجود حجز عقاري بالرسم العقاري معیارا لسوء نیة صاحب الحق المقید

وحسن النیة مفترض في صاحب الحق العیني المقید وعلى من یدعي سوء النیة ان یثبتھا بمختلف وسائل الإثبات حسب الفصل 477 من قانون الالتزامات والعقود الذي ینص على ما یلي : “حسن النیة یفترض دائما ما دام العكس لم یثبت”

لكن أمام كون حسن النیة فكرة غیر محددة یشوبھا الغموض ستبقى مسألة حمایة الغیر المقید عن حسن نیة مسألة متأرجحة بین حمایة تقییده أو التشطیب علیھ مما یتیح لنا القول أن الرسم العقاري الذي یعد أقوى حجة تجاه أي منازع أضحى لا یوفر الحمایة الضروریة ، وھذا یضرب بلا شك الأمن العقاري الذي أضحى محط اھتمام كثیر من الفاعلین والمھتمین بالمجال العقاري ولعل الرسالة الملكیة المؤرخة في12/30/2016 شاھد على ذلك وبالتالي لا یمكننا الحدیث عن حمایة كافیة للغیر المقید عن حسن نیة عكس ما یذھب إلیه البعض في كون أن المشرع المغربي أخذ بالحجیة المطلقة للتقییدات المبنیة على حسن النیة ووفر للمقید حسن النیة حمایة مطلقة.

الفقرة الثانیة:  حجیة تقیید الغیر سيء النیة

استنادا إلى الفقرة الثانیة من الفصل 66 من ظھیر التحفیظ العقاري التي تفید بأنھ لا یمكن في أي حال التمسك بإبطال التقیید في مواجھة الغیر ذي النیة الحسنة ، فبالمفھوم المعاكس نستنتج بأنھ یمكن التمسك بإبطال التقیید في مواجھة الغیر ذي النیة السیئة.

والمشرع المغربي حینما جعل من التقیید في الرسم العقاري قرینة على وجود الحق وثباتھ ربط ذلك بمبدأ حسن النیة. أما سيء النیة فلا یمكنھ الاستفادة من حجیة التقیید بالاستناد إلى التصرف الذي تم تقییده لا یمكن إبطاله ، لأن قاعدة ثبات التصرف وعدم إبطالھ مقررة لصالح حسن النیة فقط

والغیر سيء النیة ھو الذي یعلم عند تسجیل الحق العیني على اسمھ في السجل العقاري العیوب والشوائب التي تشوب سند أو رسم من تلقى الحق عنه ، فمثل ھذا الغیر لیس جدیرا بالرعایة التي أحاط بھا المشرع الغیر حسن النیة وبالتالي یجب أن لا یستفید من حجیة التسجیل ویحتمي وراء ھذه الحجیة لتفادي ما یمكن أن یقع من بطلان أو إبطال أو تغییر في الرسوم العقاریة ولكن ھل یمكن الاكتفاء فقط بالعلم البسیط حتى یعتبر الغیر سيء النیة ؟

خاصة وأن الشخص الذي یعمل على تقیید حقھ . إنما یعتمد في ذلك على البیانات المقیدة في السجل العقاري ، ولیس على بنود العقد ، حیث أنه من الصعب اعتباره سيء النیة بسبب وجود عیب في التصرف السابق ، وفي رسم من تلقى الحق عنه وإنما یجب تعلیق ھذه النتیجة لیس فقط على مجرد العلم ، وإنما على التواطؤ مع المتصرف للإضرار بمصلحة المتضرر المشتري الأول أو الشخص الموعود له بالبیع أو بالحق العیني

وھذا ما زكاه القضاء المغربي في العدید من القرارات القضائیة ، فالشخص الذي قید حقه عن سوء نیة لا یستطیع حفظ حقه ورقم تقییده ، وبذلك یكون ملزما بإرجاع الحق إلى صاحبه، ، وھو ما أكدتھ محكمة الاستئناف بالرباط في قرارھا الصادر بتاریخ 17 فبرایر 1951 حیث قررت بأنھ : “یجب الأمر بالتشطیب على تسجیل البیع حالة وجود الاتفاق التدلیسي إذا كان المشتري على علم بوعد بالبیع السابق ، وإبرام الشراء بدون أن یقع إبطال الوعد بالبیع ، وإذا سجل شراءه بسرعة استثنائیة في نفس الیوم الذي تم فیه التشطیب على العقد وتسجیل قسمة قضائیة من شأنھا أن تفتح المجال لإنجاز البیع

فكل تصرف یكون ثمرة التواطؤ لا یسري تقییده في حق الغیر. لأن تقیید الحقوق بالرسم العقاري لم یشرع لحمایة الاتفاقات المبنیة على الغش والتحایل وسوء النیة. وما دام الغش یفسد التصرفات فكل حق تم تقییده استنادا إلى الغش یكون معرضا للإبطال ، والمشرع حین وضعه لمقتضیات القانون العقاري ، وخاصة القواعد المتعلقة بتقیید الحقوق بالرسوم العقاریة لم یدر بخلده حمایة التصرفات المبنیة على الغش والتواطؤ في مجال التصرفات العقاریة

وما دام الأصل ھو حسن النیة فإن العلم بسبق التصرف أو وجود عیب فیه أمر دقیق ویصعب في كثیر من الأحیان إثباتھ خارج البیانات المقیدة في الرسم العقاري ، بخلاف التواطؤ فإن إماراتھ الخارجیة تكون كثیرة فیسھل إثباته

ولھذا یمكن القول أن مجرد العلم بسبق التصرف أو وجود عیب فیه لا یحول دون الأخذ بالأسبقیة في التقیید ، على أن العلم المفترض ھنا ھو العلم المجرد لا العلم الثابت في الرسم العقاري. لأن كل تقیید في الرسم العقاري یعد حجة على كل من یتعامل مع البائع ومحتویات الرسم العقاري تلزم الجمیع وتنھض حجة إزاء الكافة. أما الخداع والتواطؤ فیحول دون الإفادة من الأسبقیة في التقیید. ونشیر بأن التواطؤ یفترض العلم أولا بالتصرف السابق وإلحاق ضرر ثانیا بالمستفید من التصرف السابق

وما یلزم الإشارة إلیه أن نطاق سوء النیة لا یتعدى الشخص سيء النیة . فإذا عمد ھذا الشخص إلى نقل الحق العیني إلى آخر ، وكان ھذا الأخیر حسن النیة فإن تقیید حقھ یمنحه المشرع الحمایة ویعتبر حسن النیة رغم أن الحق انتقل إلیه من متعاقد سيء النیة

 تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net

لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك


موقع يعني بشعبة القانون, محاضرات, ندوات, كتب جامعية, مقالات و كل ما له علاقة بالقانون من منظور أكاديمي

آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف
تصنيفات
منوعات
آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
Open

error: Content is protected !!