محتويات المقال
تمييز المسطرة المدنية عن القوانين المماثلة
مهما كانت دقة التعريف الذي سبق وأعطيناه لقانون المسطرة المدنية فإنه من المفيد تكملته وذلك من خلال تحديد معايير تمييز هذا الفرع من القانون عن غيره من الفروع المجاورة، وسیمکننا هذا التمييز من تحديد المكانة التي تحتلها المسطرة المدنية ضمن باقي فروع القانون بصفة عامة والقوانين المسطرية على وجه الخصوص.
أ- القانون المسطري
اعتاد فقهاء القانون على التمييز ما بين نوعين من القواعد القانونية
النوع الأول هو الذي یعنی بتنظيم العلاقات بين الأفراد ويحدد حقوق كل فرد والالتزامات التي تقع على عاتقه، وتسمى القواعد القانونية التي تنتمي إلى هذا الفرع بالقواعد القانونية الموضوعية.
أما الفرع الثاني فهو يضم القواعد القانونية التي تحدد الإجراءات والشكليات التي يتعين إتباعها من طرف المتقاضين والمحاكم خلال سريان الدعوى. وتسمى القواعد التي تنتمي لهذا الصنف القواعد المسطرية والتي تكون ما يصطلح عليه في الفقه الفرنسي بالقانون المسطري
– ولقد خضع تعريف القانون المسطري لمقاربتين مختلفتين:
المقاربة الأولى تری بأن القانون المسطري هو ذلك الجزء الذي يتضمن القواعد الشكلية ذات الطبيعة العامة بالنظر لتطبيقها على كافة الدعاوى،
والمقاربة الثانية هي التي تعرف القانون المسطري بكونه ذلك الفرع من القانون الذي يضم كافة القواعد المسطرية على اختلافها
وعلى ضوء المقاربة الأولى فإن القانون المسطري يمكن تعريفه بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يضم القواعد الإجرائية التي تمثل الشريعة العامة والتي تطبق أيا كانت المحكمة التي تنظر في النزاع، ويتم تحديد هذه القواعد بالنظر لأنصار هذا التوجه على أساس الدراسة المقارنة لمختلف المساطر القضائية بهدف محاولة توحيدها أو على الأقل التقريب بينها
أما الهدف من المقاربة الثانية فهو تجميع كافة القواعد الإجرائية داخل فرع واحد من فروع القانون.
وتمثل المسطرة المدنية فرعا من فروع القانون المسطري في مفهومه الثاني، بل وتشكل أهم مكوناته على الإطلاق، وتتضمن كافة القواعد المسطرية التي يتعين احترامها في الدعاوى المدنية ما تكون أيضا ما يمكن وصفه بالشريعة العامة للمساطر التي يتعين تطبيقها أيا كانت نوعية النزاع ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
ب- القانون القضائي الخاص
و يفوق عمر هذه التسمية قرن من الزمان، ويرجع الفضل في إطلاقها إلى الفقيهين الفرنسيين سوليس وبيرو، وعلى الرغم من كثرة معارضيها إلا أنها لم تعد تشكل مصدرا لأي غموض، ويتسع مجال القانون القضائي الخاص ليشمل إلى جانب قانون المسطرة المدنية التنظيم القضائي الذي يضم كافة القواعد المتعلقة بالمبادئ القانونية المسطرية العامة وكذا بتحديد اختصاصات كل محكمة من المحاكم.
وتشكل هذه المسألة حجر الأساس في مادة التنظيم القضائي، وتبلغ ذروتها في النظام القضائي الثنائي المبني على التمييز ما بين المحاكم العادية والمحاكم الإدارية، کہا تزداد أهميتها في الأنظمة التي تبنت نظام المحاكم المتخصصة، على غرار المحاكم التجارية أو تلك المتخصصة في نزاعات الشغل.
ويتم تحديد المحكمة المختصة للبت في نزاع معين بالنظر لمعيارين اثنين:
المعيار الأول ترابي يستند على دائرة النفوذ المحلي لكل محكمة، ويمكن هذا المعيار من إسناد الإختصاص للنظر في كل نزاع للمحكمة التي يقع محله داخل دائرتها، وبصفة عامة فإن الإختصاص الترابي في المنازعات المدنية يتم منحه، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك للمحكمة التي يوجد فيها موطن المدعى عليه.
أما المعيار الثاني فهو نوعي، وبالرجوع إلى هذا المعيار فإن الإختصاص للنظر في الدعوى يعود للمحكمة التي يدخل النزاع، بالنظر لنوعه، ضمن النزاعات التي تختص بالنظر فيها، فالقانون يحدد لكل محكمة يتم إحداثها أنواع النزاعات التي يمكنها النظر فيها. مع العلم أن المحاكم الإبتدائية تبقى لها الولاية العامة للنظر في كافة النزاعات في غياب نص صریح يسند الإختصاص المحكمة غيرها، وبالنظر لطبيعة النظام القضائي المغربي الذي يتميز بغياب محكمة للتنازع، مهمتها البت في تنازع الاختصاص ما بين مختلف المحاكم، فإنه من الضروري أن يكون هذا التحديد على درجة كبيرة من الدقة.
ويمكن القول بأن القواعد التي تنظم الإختصاص النوعي للمحاكم تتسم بأهمية أكبر من تلك التي يعهد لها بتوزيع الإختصاص بين المحاكم على أساس ترابي، والدليل على هذه الأهمية هو أنه يتعين في كل الأنظمة التي تتبنى نظاما قضائيا ثنائيا أو يتم فيها إحداث محاكم متخصصة أن يتم إدخال هذه القواعد ضمن تلك التي تعتبر من النظام العام تفاديا للأوضاع غير السليمة التي يمكن أن تنتج عن جراء ذلك التعدد
علاقة المسطرة المدنية بالمسطرة الجنائية
وتشكل المسطرتين المدنية والجنائية أهم مكونات القانون المسطري، ويعتبر جانب من الفقه أن المسطرتين المذكورتين تشكلان طريقين مختلفين لا يلتقيان، وعلى الرغم من ملامستها لجانب من الصواب، إلا أن هذه الأطروحة ستندحر من تلقاء نفسها إذا ما تم تكريس القانون المسطري، الذي لا زال لم يتجاوز بعد المرحلة الجنينية، باعتباره فرعا مستقلا من فروع القانون.
وتضم المسطرة الجنائية، على غرار المسطرة المدنية، كافة القواعد القانونية التي تنظم المتابعة و الدعوى الجنائية، التي يصطلح عليها القانون والفقه الدعوى العمومية، وينطلق العمل بهذه القواعد بمجرد ارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون وينتهي بالانتهاء من تنفيذ العقوبات الصادرة في مواجهة الجاني.
وعلى عكس الدعوى المدنية، فإن ممارسة الدعوى العمومية غير موکول لإرادة أشخاص القانون الخاص، فالمشرع وضع تحريكها بين يدي النيابة العامة باعتبارها تمثل الحق العام.
وتهدف الدعوى العمومية إلى تحقيق هدف وحيد وهو إدانة المتهم بالأفعال المنسوبة إليه والحكم عليه بالعقوبات المقررة قانونا، أما الدعوى المدنية فهي تروم تحقیق أهداف كثر، فهي تقترب من الدعوى العمومية الممارسة أمام المحاكم الزجرية حينه يكون الهدف منها هو الحكم على المدعى عليه بأداء تعويض أو أي عقوبة أخرى ذات طابع مدني، لكنها تبتعد عنها حينما يكون موضوعها هو التصريح بوجود حق أو نفيه.
وعلى الرغم من تنظيمهم لدعويين مختلفين إلا أن المسطرتين المدنية والجنائية تلتقيان في مجموعة من النقط المشتركة،
فبعيدا عن القواعد والمبادئ والشكليات التي تميز كل واحدة منها، هناك عمق مشترك نجده في كل الدعاوى على اختلاف أنواعها،
وهذا العمق هو الذي يعطي لكل دعوى أيا كانت طبيعتها والمحكمة المختصة بالنظر فيها، هيكلا يمكن نعته بالكوني يستمد ملامحه من القواعد التي تؤسس للقانون المسطري.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات