محتويات المقال
تقدير التعويض عن الإفراغ بين التحديد القانوني والتدخل القضائي
في تقدير التعويض عن الإفراغ عمل المشرع على سن مجموعة من المقتضيات لمساعدة القضاء على تقدير التعويض عن الإفراغ ، سواء كان هذا التعويض كاملا أو جزئيا، علی خلاف ما كان عليه الحال في ظل ظهير 1955، الذي كان يعطى للقضاء سلطة تقديرية واسعة التقدير للتعويض، وذلك باستعانته بخبير
وهذا الأمر كان يترتب عنه العديد من الإشكالات الأمر الذي حاول المشرع تجنبه في ق ك ت من خلال تحديده للمشتملات التي سيتم على أساسها تقدير التعويض عن الإفراغ ، وفي هذا تقييد للسلطة التقديرية للقاضي في هذا المجال. إلا أن الواقع العملي قد يثير بعض الحالات التي ستوسع من سلطة القضاء في تقدير التعويض، وهذا ما يدفعنا لطرح التساؤلات التالية:
هل المقتضيات التي جاء بها في قانون الكراء التجاري لتقدير التعويض تغطي الضرر الذي سيلحق بالمكتري من جراء الإفراغ، أم أنها تبقى فقط لجبر الخاطر، وبالتالي لا تحقق التوازن المنشود في العلاقة؟
التحديد القانوني للتعويض
سلك المشرع في قانون الكراء التجاري في تحديد قيمة التعويض الذي يستحقه المكتري من جراء إفراغه من المحل التجاري، مسلكا مغايرا عما كان عليه الحال في ظل ظهير 24 ماي 1955 وذلك من خلال وضعه لمؤشرات و عناصر تساعد القضاء على التوصل إلى تقدير عقلانی للتعويض، سواء كان هذا التعويض الذي يستحقه المكتري تعويضا کامة (المطلب الأول)، أو تعويضا مؤقتا وجزئيا (المطلب الثاني)
المطلب الأول: تقدير التعويض الكامل
عملت المادة السابعة من ق ك ت على تحديد مشتملات التعويض، التي ستعتمدها المحكمة في تقدير التعويض الكامل، وذلك بنصها على أنه يعادل التعويض ما لحق المكتري من ضرر ناجم عن الإفراغ، ويشمل هذا التعويض قيمة الأصل التجاري التي تحدد انطلقا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى ما أنفقه المكتري من تحسينات وإصلاحات في (الفقرة الثانية)، وما فقده من عناصر الأصل التجاري ( الفترة التالتة)، كما يشمل مصاريف الانتقال من المحل ( الفقرة الرابعة)
الفقرة الأولى: التصريحات الضريبية للمكتري
تحدد قيمة الأصل التجاري، وفق ق ك ت ، انطلاقا من التصريحات الضريبية، وهذا من أبرز المستجدات التي جاء بها القانون الجديد، وهو ما اعتمده بعض القضاء في فرنسا، قبل صدور مرسوم 1953، حيث اعتمد على الأرباح التي حققها المحل من نشاطه التجاري، والمستقاة من التصريحات الضريبية إلا أن هذا الأمر يطرح مجموعة من التساؤلات:
وهي لماذا اعتمد المشرع في تقديره للتعويض على التصريحات الضريبية؟ وأي تصريحات يقصدها المشرع؟ هل تلك التي ستعتمدها إدارة الضرائب كأساس للضريبة عن تصحيح الأسس الضريبية؟ أم أن الأمر يتعلق بالتصريحات التي قام بها المكتري باعتباره ملزما ضريبيا قبل ملاحظات الإدارة عند المراجعة؟
كما أن التساؤل يطرح في الحالة التي تكون فيها مدة التصريحات اقل من أربع سنوات كما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة السابعة، كأن تكون المدة سنتين مثلا فماذا سيفعل القضاء في هذه الحالة مع المكتري الذي يطلب التعويض عن الإفراغه
ونفس السؤال يطرح في الحالة التي لا يتوفر فيها المكتري أصلا على تصريحات ضريبية، إذا ما علمنا أن العديد من التجار لا يتوفرون على هذه تصريحات, وهذا الأمر سيطرح العديد من الإشكالات على مستوى تطبيق هذا القانون.
كما أن التصريحات التي يقوم بها المكثري الملزم الضريبي عن مختلف العمليات والأنشطة التي قام بها قد تكون محلا لإعفاءات جزئية أو كلية، دائمة أو مؤقتة من طرف الإدارة الضريبية مما يجعل الأساس الضريبي يدخل مرحلة التصحيح، لذلك كان حريا بالمشرع الاعتماد على النتيجة الضريبية انطلاقا من الأرباح المحققة من الأنشطة والمستقاة من الإقرارات الضريبية بعد التصحيحات التي تطال الأسس المعتمدة من طرف المكثري لتحديد القيمة الحقيقية للأصل التجاري، ومن ثم يصير مبلغ التعويض مقدرا على أسس صحيحة
إن الغاية من اعتماد المشرع على التصريحات الضريبية لتحديد قيمة الأصل التجاري هو الرهان على الأبعاد المالية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لتحقيق مصالح اقتصادية أخرى، تتجاوز طرفي العلاقة الكرائية، وهي مصلحة الاقتصاد الوطني
فالمشرع من خلال ق ك ت وضع معادلة في تقدير التعويض مفادها أنه كلما صرح المكتري بجميع العمليات التي قام بها كلما كانت له حظوظ أوفر للحصول على تعويض اكبر عند نشوء النزاع بينه وبين المكري.
كما أن المشرع من خلال اعتماده على التصريحات الضريبية يكون قد أسس آلية جديدة لتفادي ظاهرتي الغش والتهرب الضريبي. وهو ما يجعل ملاك الأصول التجارية المكترين للمحلات والعقارات ملزمين يتصريحات ضريبية حقيقية لأنشطتهم، مما دفع البعض للقول بأن المشرع في هذا القانون كان جبائيا يعمل لصالح الإدارة الضريبية
الفقرة الثانية: التحسينات والإصلاحات
لا يشمل التعويض فقط قيمة الأصل التجاري التي تحدد انطلاقا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة، ولكن يشمل حتى ما أنفقه المكتري من تحسينات وإصلاحات وما فقده من عناصر الأصل التجاري حسب الفقرة الثالثة من المادة السابعة ،
كما يشمل مصاريف الإنتقال من المحل. فالمكثري له الحق في إدخال تحسينات وإصلاحات على المحل ليتوافق مع نوعية النشاط الممارس فيه. إلا أن التساؤل الذي يتار بهذا الخصوص، هو ما مدى أحقية المكتري في التعويض عن التحسينات والإصلاحات التي قام بها متى لم تكن ضرورية للنشاط التجاري؟
فالمشرع لم يحدد سلفا لهذه التحسينات والإصلاحات فقد تصل لدرجة المغالاة في القيام بمثل هذه التحسينات, وهذا ما دفع البعض إلى القول بأن المشرع كان عليه أن ينص على أنه لا يحق للمكتري القيام بهذه الإصلاحات والتحسينات إلا بإذن القضاء، لأن فيها إتقالا لكاهل المكري
إلا أن الرأي الأقرب للصواب هو ذلك الذي يتحدت على أن احتساب التحسينات المدخلة ضمن عناصر التعويض عن الإفراغ ليس فيه إثقالا لكاهل المكري، مادام أن تلك التحسينات التي قام بها المكتري تندرج ضمن النشاط التجاري الذي كان المكري على علم بحجم الاستثمار الذي يقتضيه هذا النشاط، بما في ذلك التحسينات المدخلة على العين المكتراة، واحتساب ذلك يعد من مستلزمات التعويض العادلة. كما أن قضاء المجلس الأعلى قضى باحتساب التحسينات ضمن التعويض، قبل صدور القانون رقم 16. 49
الفقرة الثالثة: العناصر التي فقدها الأصل التجاري
نص المشرع على أنه من مشتملات التعويض أيضا ما فقده الأصل التجاري من عناصر, وهذا ما كانت تقضي به محكمة النقض، حينما اعتبرت بأنه يحق للمكتري أن يعرض عن العناصر التي تتأثر بعملية الإفراغ ويدخل منها نقل نشاطه من جهة إلى أخرى، وفقدان الاتصال بالزبناء والسمعة التجارية،
إلا أنه لا يؤخذ بعين الاعتبار في تقدير التعويض عن الإفراغ العناصر التي لا تتأثر بعملية الإفراغ، وهو ما سيجعل المكتري مضطرا إلى الكشف عن حقيقة مختلف العمليات التي طالت الأصل التجاري، خاصة تلك المخزونة بالمستودعات، والتي تقدر بمبالغ مالية مهمة
وتجدر الإشارة إلى أنه قد يتولد لدى المكرين تخوف من مواجهة الإدارة الضريبية عن الإقرارات المتعلقة بالملكية العقارية عند ممارسة الإدارة الضريبية لحقوقها في مواجهة المكتري الملزم الضريبي ، نظرا لأعتماد المشرع على التصريحات الضريبية لتحديد قيمة الأصل التجاري، خاصة وأن الوعي الضريبي لدي هؤلاء لم يرقى إلى مستوى اعتبار الضريبة جزء من واجباتهم تجاه الوطن
الفقرة الرابعة: مصاريف الانتقال من المحل
نص المشرع أيضا على أن التعويض يشمل أيضا مصاريف الانتقال من المحل، إلا أن المشرع لم يحدد ما المقصود بذلك، هل هي مصاريف الشحن؟ أم مصاريف البحث عن محل آخر والانتقال إليه لمزاولة نشاطه التجاري به
ولكن القضاء في فرنسا اعتبر أن مصاريف الإنتقال تشمل كل ما يتعلق بالانتقال من المحل التجاري سواء تعلق الأمر بنقل تجهيزات واتات التاجر، وكذلك كل ما يتعلق بتفكيك الألات، كما يمكن أن تشمل مصروفات النقل الأشياء الشخصية للتاجر إذا كانت هذه الأماكن تابعة ومرتبطة بنشاطه التجاري
وقد كان المشرع الفرنسي أكتر حماية للمكتري بهذا الخصوص عندما نص في الفصل الثامن من مرسوم 1953 على أنه من عناصر التعويض عن عدم التجديد النفقات التي يتكبدها المكتري كإعادة الاستقرار في مكان جديد
المطلب الثاني: تقدير التعويض عن الإفراغ المؤقت والجزئي
إفراغ المكثري من المحل من أجل إعادة البناء، يحمل المكري مجموعة من التعويضات، كما يتحمل المكري تعويضا جزئيا إذا ما أراد إفراغ السكن الملحق بالمحل، وتختلف قيمة هذا التعويض، بين التعويض المؤقت (الفقرة الأولى)، والتعويض الجزئي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تحديد التعويض المؤقت
تنص المادة التاسعة من ق ك ت على أنه يحق للمكري المطالبة بالإفراغ لرغبته في هدم المحل وإعادة بنائه، شريطة إثبات تملكه إياه لمدة لا تقل عن سنة من تاريخ الإنذار وأدائه للمكتري تعويضا مؤقتا يوازي كراء ثلاث سنوات
والملاحظ في هذه المادة أن المشرع نص على أن التعويض يوازي كراء ثلاث سنوات، وسكت. فهل التعويض هنا يحتسب على أساس أخر سومة كرائية، أو أول سومة كرائية، أم متوسط معدل الوجيبة الكرائية؟ فصياغة هذه المادة بها سهو. بعكس ما كان عليه الحال في ظهير 1955، فقد كان ينص على أن التعويض يعادل تمن كراء تلات سنوات يحسب على أساس المقدار المعمول به وقت الإفراغ، أي من خلال أخر سومة كرائية. وبالتالي فإن الأمر أصبح متروكا للقضاء بما له من سلطة تقديرية في تحديد التعويض، الذي عليه في هذه الحالة أن يراعي مصلحة المكتري
إضافة إلى ذلك، فإن المكري يتحمل جزءا من مصاريف الإنتظار طوال مدة البناء إذا اثبت المكتري ذلك والقضاء لم يكن يعترف للمكتري بهذه التعويضات، فقد ذهبت محكمة النقض إلى أنه لا حق للمكتري في التعويض في إطار القواعد العامة عن الضرر اللاحق به من الإفراغ في فترة بناء المكتري للمحل، إن استعمل حق الأسبقية في الرجوع إلى المحل بعد إفراغه وتقاضيه للتعويض الجزئي. إلى أن جاء القانون رقم 16. 49 واعترف للمكتري بهذا التعويض، وسماه بمصاريف الانتظار
ويقصد مصاريف الانتظار، حسب الفقرة الثالثة من المادة التاسعة، الضرر الحاصل للمكثري دون أن يتجاوز مبلغ الأرباح التي حققها حسب التصريحات الضريبية للسنة المالية المنصرمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أجور اليد العاملة والضرائب والرسوم المستحقة خلال مدة حرمانه من المحل. وبالتالي فإن المشرع حدد الحد الأقصى لهذا التعويض في مبلغ الأرباح التي حققها حسب التصريحات الضريبية للسنة المالية المنصرمة
و عليه تظهر نية المشرع فيل الاعتماد على التصريحات الضريبية كأساس لاحتساب جل التعويضات المنصوص عليها في القانون رقم 16 / 49 ويتار التساؤل حول ما إذا كان بالإمكان خصم مبلغ التعويض المؤقت، من قيمة التعويض النهائي المحكوم به في حالة الحرمان من حق الرجوع؟
جوابا على هذا التساؤل ذهب البعض إلى أنه لا يتعين خصم مبلغ التعويض المؤقت، من قيمة التعويض النهائي المحكوم به، لكون التعويض الكامل مستقل تماما عن التعويض المؤقت الذي يوازي كراء ثلاث سنوات ومصاريف الانتظار، متى طلبها المكتري، الذي أساسه المادة التاسعة، أمر مؤقت إلى حين رجوعه إلى المحل، أما التعويض النهائي، وأساسه المادة السابعة فهو تعویض بات ونهائي عما لحق المكثري من ضرر ناجم عن الإفراغ
الفقرة الثانية: تحديد التعويض الجزئي
يستحق المكتري تعويضا عن مدة الإفراغ لتوسيع المحل أو تعليته، يساوي الضرر الحاصل له، دون أن يتجاوز مبلغ الأرباح التي يحققها، حسب التصريحات الضريبية للسنة المالية المنصرمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أجور اليد العاملة والضرائب والرسوم المستحقة خلال مدة حرمانه من المحل. وفي جميع الحالات يجب أن لا يقل التعويض الشهري من قيمة السومة الكرائية.
والملاحظ أن المشرع حاول أن يوفق بين المصالح المتعارضة بين مصلحة المكتري في التعويض عن الإفراغ، ومصلحة المكري في الإفراغ وأن لا يكون التعويض مبالغا فيه، حينما نص المشرع على أن لا يتجاوز مبلغ الأرباح التي يحققها حسب التصريحات الضريبية للسنة المالية المنصرمة إلا أن هذا المقضي هو الأخر سيصطدم بواقع عدم توفر بعض المكترين على تصريحات ضريبية
يستحق المكتري أيضا تعويضا جزئيا يوازي كراء تلات سنوات في حالة إفراغه من المسكن الملحق بالمحل، وهذا التعويض يحسب بناء على آخر سومة كرائية للمحل الملحق. بخلاف التعويض المؤقت، في حالة التعويض عن إفراغ المحل للهدم وإعادة البناء، الذي لم ينص فيه المشرع على السومة الكرائية التي سيحتسب التعويض على أساسها.
كما أن للمكتري الحق في تعويض جزئي أخر في حالة لم يعتمر الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته المحل شخصيا داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ مغادرته من طرف المكتري. ويوازي هذا التعويض كراء ثمانية عشر شهرا حسب قيمة أخر وجيبة كرائية
واعتماد المشرع لتقدير التعويض على التصريحات الضريبية، وباقي مشتملات التعويض الأخرى، جاء بهدف تقييد سلطة القاضي في تقدير التعويض عن الإفراغ . إلا أنه في حالة لم يدل المكتري بتلك التصريحات الضريبية، أو أدلى بها، ولكن لمدة تقل عن أربع سنوات، فالأمر هنا يعود للسلطة التقديرية للقاضي.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات