محتويات المقال
إن الحديث عن أحكام العقد الباطل يقتضي منا التطرق بداية النطاق العقد الباطل، وذلك من حيث الحالات التي يتحقق فيها البطلان، وكذا الأشخاص الذين يحق لهم إثارته، قبل الإجابة عن إمكانية إجازة هذا العقد لابد من تعريف البطلان وهل يسري التقادم عليه أم لا؟
تعريف البطلان :
يمكن تعريف البطلان بأنه الجزاء الذي يرتبه المشرع إما على الإخلال بركن من أركان العقد، وإما بقتضى نص في القانون، وبتعبير مختصر جدا البطلان هو انعدام كل أثر للعقد فيما بين المتعاقدين وبالنسبة للغير, أما الإبطال فهو الجزاء الذي يرتبه المشرع، إما على الإخلال بشرط من شروط صحة العقد، وإما بموجب نص قانوني.
ويتميز البطلان والإبطال عن الفسخ في أن البطلان أو الإبطال يرجع إلى خلل في تكوين العقد، بينما الفسخ يرتب عن إخلال أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه، فيطلب المتعاقد الآخر بفسخ العقد ليتحلل هو أيضا من الالتزام المترتب عليه. فما هي أحكام العقد الباطل؟
حالات العقد الباطل:
ينص الفصل 306 من قانون الالتزامات والعقود على أن :” الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له. ويكون الالتزام باطلا بقوة القانون, إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لقيامه, و إذا قدر القانون في حالة خاصة بطلانه” من خلال مقتضيات هذا الفصل يتضح أن العقد يكون باطلا في حالتين: حالة تخلف ركن من الأركان اللازمة لانعقاده، وحالة وجود نص قانوني خاص يقرر البطلان.
أولا : حالة تخلف أحد أركان العقد :
ويتحقق ذلك عندما يتم العقد بدون تراضي الطرفين أو عندما يحصل التعاقد على شيء وهمي أو بناء على سبب غير مشروع، وإذا تعلق الأمر بعقد شكلي أو عيني، فإنه يتوجب توفر ركن الشكلية، والتسليم تحت طائلة البطلان. ويدخل ضمن هذه الحالة أيضا مختلف التصرفات التي يتم إبرامها مع فئة القاصرين عديمي التمييز، وكذا المختلين عقليا إذا وصل الخلل إلى حد الجنون ..
ثانيا : حالات البطلان بمقتضى نص خاص :
قد ينص القانون على بطلان بعض العقود إما بسبب اقترانها بشرط مخالف للنظام العام أو بشرط مخالف لمقاصد نظام التعاقد أو مخالف لمبادئ التعامل الاقتصادي، ومن أمثلة على ذلك نذكر:
1 – ما ينص عليه الفصل 61 في فقرته الثانية من قانون الالتزامات والعقود الذي أقر بطلان جميع التصرفات أيا كان نوعها التي تقع على التركات المستقبلية.
2 – ما ينص عليه الفصلين 727 و 728 من قانون الالتزامات والعقود من بطلان الاتفاق الذي يلتزم بمقتضى شخص بتأجير خدماته الأجل غير محدد أو طوال حياته أو لمدة طويلة إلى الحد الذي يظل فها ملتزما حتى وفاته.
3- ما ينص عليه الفصل 729 من قانون الالتزامات والعقود من بطلان أي اتفاق يكون موضوعه تعليم أو أداء سحر والشعوذة.
من له حق التمسك بالبطلان :
لم يتطرق المشرع المغربي للأشخاص الذين يحق لهم التمسك بالبطلان، وإنما ترك ذلك للمبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء. وقد أجمع هؤلاء على أن حق التمسك بالبطلان لا يقتصر على المتعاقد المتضرر فقط وإنما يحق إثارته من طرف الغير الذي لم يكن طرفا في العقد، كما يحق للمحكمة أن تثيره بصورة تلقائية ولو لم يطلبه الطرف المضرور، ويرجع السبب في تمديد حلقة الأشخاص الذين يحق لهم إثارة البطلان إلى كون هذا الأخير له علاقة مباشرة بالنظام العام والمصلحة العامة
العقد الباطل لا يقبل الإجازة ولا التصديق :
ينص الفصل 310 من قانون الالتزامات والعقود على أن: “إجازة الالتزام الباطل بقوة القانون أو التصديق عليه لا يكون لهما أدنى أثر”.
من خلال مقتضيات الفصل يتضح أن العقد الباطل لا يمكن أن يصحح بالإجازة أو المصادقة عليه، ويرجع السبب في ذلك إلى أن العقد الباطل يعتبر عقدا معدوما من الناحية القانونية، وبالتالي فإنه يستحيل أن يتحول الدم إلى الوجود، إلا بإنشاء عقد جديد يحل محل العقد الباطل، بشرط أن يحصل الاتفاق بين أطراف العقد على تفاديهما لسبب البطلان.
تقادم دعوى البطلان :
المنطق القانوني يقتضي أن لا يتأثر البطلان بالتقادم، لأن العقد الباطل معدوم، والمعدوم لا يصبح موجودا بمضي الزمن فلو تم تنفيذ عقد بیع باطل، ومضت على العقد مدة التقادم العادي، ثم رفع البائع دعوى بطلب استرداد المبيع استنادا إلى بطلان البيع، فإن القاعدة تقتضي بسماع دعواه، والحكم له بالاسترداد.
لكن قبول الإدعاء بالبطلان، رغم مضي مدة التقادم ينافي استقرار المعاملات، وينقض أوضاعا ثم تنفيذها واستقرت مدة طويلة، الأجل هذا السبب، ورغم عدم وجود نص صريح في الموضوع ذهب الرأي الراجح فقها” إلى تقادم دعوى البطلان بمرور خمس عشرة سنة عملا بمقتضيات الفصل 387 من قانون الالتزامات والعقود الذي يتضمن قاعدة عامة في تقادم الدعاوى الذي جاء فيه : ” كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة، فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما بعد، والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة”.
وهذا ما أكد عليه القضاء المغربي، إذ جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 13 فبراير 2002 ما يلي: “لما كان التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام. وكانت الدعوى ترمي إلى التصريح ببطلان عقدي الهبة المحررين سنتي 1951 و 1952 المنجزين من طرف الوصي، فإن دعوى بطلانها يلحقهما التقادم المسقط في نطاق القواعد العامة لعدم النص عليه في قواعد البطلان مراعاة لاستقرار الأوضاع 107
تقادم الدفع بالبطلان :
أما الدفع بالبطلان فإنه لا يتقادم أبدا ولا يكون هناك موجب للدفع بالبطلان إلا في الحالات التي لا يتم فيها تنفيذ العقد الباطل، وصورة ذلك أن يتم التعاقد على أساس باطل،
إلا أن تنفيذ العقد يتأخر لسبب من الأسباب إلى غاية سقوط دعوى البطلان بالتقادم، فإذا طولب المتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته بوجوب تنفيذ العقد فله أن يتمسك بالدفع بالبطلان باعتباره مدعى عليه حتى ولو كانت دعوی البطلان قد سقطت بالتقادم، وهذا يعني أن المشرع لأن كان يمنعه من ممارسة الهجوم عن طريق دعوى البطلان لسقوطها بالتقادم، إلا أنه بالمقابل يخول له إمكانية الدفاع عن طريق رد دعوى المدعي والاحتجاج بسقوطها
والمستند الفقهي لعدم تقادم الدفع بالبطلان، هو أن التقادم لا يبدأ إلا من وقت تمكن صاحب الحق من مباشرة حقه، والدفع لا يمكن مباشرته إلا بعد الدعوى
المصادر والمراجع:
أحمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود في القانون المدني المغربي، والفقه الإسلامي والمقارن، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
تحميل المقال: