محتويات المقال
تدخل النیابة العامة في قضایا التحفیظ العقاري
لقد نظم قانون المسطرة المدنیة دور النیابة العامة أمام المحاكم المدنیة في الفصول من 6 إلى 10 وحدد في الفصل التاسع مجموعة من الدعاوى تبلغ وجوبا إلى النیابة العامة , إلا أنه بالرجوع إلى ظهیر التحفیظ العقاري لا وجود لمثل هذا الفصل , بل هناك فقط الفصل 26 منه الذي منح النیابة العامة إمكانیة تدخل النیابة العامة في قضایا التحفیظ العقاري في النزاع المتعلق بالتحفیظ عن طریق التعرض باسم الأشخاص المحجورین والغائبین , الذي یطرح مدى إلزامیة تبلیغ النیابة العامة في غیر الحالات لمذكورة , كما لو تعلق الأمر بإحدى الحالات المنصوص علیها في الفصل التاسع من ق.م.م. وكذا مدى إلزامیة تقدیم النیابة العامة لمستنتجات كتابیة في الجلسة؟
وبالرجوع إلى الفصول 6 وما بعدها من ق.م.م. یلاحظ أن المشرع ألزم المحكمة بتبلیغ النیابة العامة ببعض القضایا , من بینها القضایا المتعلقة بفاقدي الأهلیة وبصفة عامة التي یكون فیها ممثل قانوني نائبا أو مؤازرا لأحد الأطراف , وكذا قضایا الأشخاص المفترضة غیبتهم والقضایا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات المحلیة والمؤسسات والهیئات والوصایا لفائدة المؤسسات الخیریة … كما نص على وجوب الإشارة في الأحكام الصادرة في هذه القضایا إلى إیداع مستنتجات النیابة العامة , أو تلاوتها بالجلسة, وإلا كانت باطلة.
والإلتزام الحرفي بمقتضیات الفصلین 37 و 26 من ظ.ت.ع. یجعلنا نقول أن تقدیم النیابة العامة لمستنتجاتها غیر إلزامي , استنادا إلى العبارة التي جاء بها الفصل 37 والتي تشیر إلى تقدیم ممثل النیابة العامة إن اقتضى الحال استنتاجاته, فعبارة إن اقتضى الحال تفید عدم إلزامیة تقدیمها وهو ما تجسد في قرار قدیم للمجلس الاعلى-محكمة النقض- جاء فیه ” إن الفصل 45 من الظهیر التأسیسي بشأن التحفیظ لا یوجب على النیابة العامة أن تقدم في قضایا التحفیظ ملتمسات كتابیة”
فهذا القرار وإن كان یتعلق بالمرحلة الإستئنافیة , فإنه من باب أولى أن یطبق أمام المحكمة الإبتدائیة , لأن الفصل 45 من ظهیر التحفیظ العقاري جاء بصیغة أكثر إلزاما من الفصل 37 من ظ.ت.ع. حیث إنه لم یشر إلى عبارة عند الإقتضاء , بل جاء فیه “… ویقدم ممثل النیابة العامة استنتاجاته”.
ویطرح من جدید التساؤل حول مدى إلزامیة تقید المحكمة بالإج ا رءات المنصوص علیها في قانون المسطرة المدنیة , ومن ضمنها المقتضیات المنظمة لإحالة الملفات على النیابة العامة , تطبیقا للفصول 6 وما بعده.
وكإجابة عن هذا التساؤل فقد دأب القضاء على تبلیغ النیابة العامة , كلما تعلق الأمر بالدعوى المنصوص علیها في الفصل التاسع من ق.م.م. وذلك بالرغم من أن ظ.ت.ع. لم یشر إلى ذلك.
فقد جاء قرار لمحكمة النقض , نقض قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالجدیدة بسبب إغفال المحكمة الإبتدائیة إحالة الملف إلى النیابة العامة , ورغم تدارك هذا الإجراء من طرف محكمة الإستئناف , فإن محكمة النقض اعتبرت هذا الإغفال بمثابة خرق للفص التاسع من ق.م.م. إذ جاء في حیثیات القرار” حیث صح ما عابته الطاعنة , على القرار , ذلك انه اعتمد في قضائه على أنه إذا كانت محكمة البدایة قد قد أغفلت إحالة الملف إلى النیابة العامة فإن المحكمة (الإستئناف) تداركت الأمر إذ إحالته على النیابة العامة فأدلت هذه الأخیرة بمستنتجاتها , وأن النیابة العامة في مرحلة الإستئناف وحدة لا تتجزأ
في حین أن إحالة الملف على النیابة العامة في مرحلة الإستئناف لا یغني عن إحالته في المرحلة الإبتدائیة سیما وأن الدولة (الملك الخاص) طرف في النزاع مما یكون معه بذلك القرار المطعون فیه قد خرق مقتضیات الفصل التاسع من ق.م.م. فتعرض بذلك للنقض والإبطال”‘
فهذا القرتر وإن كان یتعلق بقضایا التعرض على مطلب التحفیظ , والتي لا وجود فیها لنص یلزم تبلیغ النیابة العامة إذا كانت الدولة طرفا في الدعوى , فإن محكمة النقض قد استندت على الفصل 9 من قانون المسطرة المدنیة للقول بإلزامیة تبلیغها.
وقد ذهب قضاء الموضوع كذلك في نفس الإتجاه,فقد جاء في قرار لمحكمة الإستئناف ” حیث صح ما عابته الطاعنة في وسیلتها الاولى , ذلك أنه لیس بالحكم الإبتدائي ما یشیر إلى إیداع النیابة العامة لمستنتجاتها أو تلاوتها بالجلسة , علما أن نوعیة النزاع مما یستوجب تبلیغه للنیابة العامة بصر یح نص الفصل 9 من ق.م.م. والذي یترتب عن الإخلال به البطلان…”
كما سارت محكمة النقض في نفس الإتجاه متى تعلق الامر بالقضایا التي یكون أحد أطرافها قاصرا , حیث رتبت على عدم تبلیغ النیابة العامة بالدعوى , بطلان الحكم
خلاصة تدخل النيابة العامة في قضايا التحفيظ
ومن خلال ما سبق یتضح أن تدخل النیابة في قضایا التحفیظ قد یأتي على وجهین , الأول عندما تتقدم بالتعرض طبقا للفصل 26 من ظهیر التحفیظ العقاري , متى تحققت إحدى الحالات المنصوص علیها, وهو الوجه الذي یجعل النیابة العامة طرفا مدعي , على اعتبار أن المتعرض یعتبر مدعیا , وتكون بالتالي ملزمة بإثبات ما تدعیه , ولا تخول لها صفتها قلب عبئ الإثبات
كما تتدخل من جهة ثانیة وفق ما تقتضیه المقتضیات العامة المحددة في الفصل التاسع من ق.م.م. حیث یكفیها تقدیم مستنتجاتها لهیئة المحكمة التي یتوجب علیها الإشارة إلیها تحت طائلة البطلان , لكن التساؤل الذي یطرح هو مدى إلزامیة تقدیم النیابة العامة لمستنتجاتها خلال انعقاد الجلسة , أم یكفي ضمها إلى وثائق الملف؟
بالرجوع إلى مقتضیات الفقرة الأولى من الفصل 37 من ظ.ت.ع. یستشف منه أن تقدیم النیابة العامة لمستنتجاتها یكون اختیاریا وغیر إلزامي , وذلك استنادا إلى العبارة التي جاء بها نص الفصل المذكور والتي تفید ” إن اقتضى الحال” وهو الأمر الذي ذهب إلیه المجلس الأعلى في قرار له جاء في حیثیاته “المطلوب قانونا بمقتضى الفصل 37 من ظ.ت.ع , هوتقدیم ممثل النیابة العامة إن اقتضى الحال استنتاجاته ولیس حضور النیابة العامة في الجلسات التي مرت منها القضیة وجلسة الحكم.”
المراجع :
ادریس الفاخوري “قضایا المنازعات العقاریة “
ادریس الفاخوري “مدخل لدراسة مناهج العلوم القانونیة “
حسن البكري ” إشكالیات قانونیة في التبلیغ من خلال العمل القضائي “
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات