محتويات المقال
أولا: مشروعية الوصية
استدل العلماء على مشروعية الوصية الاختيارية من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والمعقول، فمن القرآن قوله تعالى: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” وقول الله تعالى : “من بعد وصية توصون بها أو دين”
وقد جزم الإمام القرطبي، أن ليس في القرآن ذكر للوصية، إلا في الآية 179 من سورة البقرة، وفي سورة النساء، وفي المائدة ” والتي في البقرة أتمها، وأكملها، ونزلت قبل الفرائض والمواريث”.
ومن السنة، قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” ماحق امرئ مسلم له شيء، يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده”.
وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن أبي وقاص من مرض شفي منه في حجة الوداع، فقال سعد للرسول صلى الله عليه وسلم : بلغني ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي، قال: لا، قال، قلت: أفأتصدق بشطره، قال: لا، الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس .
وما روي عنه أيضا: “إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم”.
وانعقد إجماع علماء المسلمين من غير نكير على مشروعية الوصية الاختيارية ، كما أن المعقول يستوجب مشروعيتها، لما يترتب عليها من آثار جليلة، منها ترسيخ قيم التكافل بين أفراد المجتمع الإسلامي، وحث ذوي الفضل على البذل والعطاء ابتغاء مرضاة الله.
ثانيا: حكم الوصية الاختيارية
فذهب فريق منهم إلى أن الوصية الاختيارية كانت واجبة للوالدين والأقربين ” في بدء الإسلام، فنسخت بآية المواريث، وبقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله أعطي كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث، وبتلقى الأمة اياه بالقبول، حتى لحق بالمتواتر، وإن كان من الآحاد، لأنهم لا يتلقون بالقبول، إلا الثبت الذي صحت روايته”.*
ووجوب الوصية هذا كان مخصوصا بالوالدين، والأقربين قبل نسخه، لأن الموصين ” كانوا يوصون للأبعدين طلبا للفخر والشرف، ويتركون الأقارب في الفقر، والمسكنة، فأوجب الله تعالى في أول الإسلام الوصية لهؤلاء، منعا للقوم عما كانوا اعتادوه… ولذلك لما نزلت آية المواريث قال عليه الصلاة والسلام: إن الله قد أعطي كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، فبين أن ما تقدم كان واصلا إليهم بعطية الموصی، فأما الآن، فالله تعالى قدر لكل ذي حق حقه، وأن عطية الله أولى من عطية الموصى، وإذا كانت كذلك، فلا وصية لوارث البتة، فعلى هذا الوجه، كانت الوصية من قبل واجبة للوالدين، والأقربين” .
وقيل: إن آية الوصية في سورة البقرة، ليست منسوخة بأية المواريث، لأن معنى الآية هو ” كتب عليكم ما أوصى به الله من توريث الوالدين، والأقربين…. أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين، والأقربين …. أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين، والأقربين، بتوفير ما أوصى به الله لهم عليهم، وأن لا ينقص من أنصبائهم بالمعروف، والعدل، وهو أن لا يوصي للغني، ويدع الفقير، ولا يتجاوز الثلث”.
وذهب فريق آخر إلى أن الوصية واجبة للوالدين والأقربين غير الوارثين، ودليلهم أن آية الوصية في سورة البقرة غير منسوخة، بل هي محكمة “ظاهرها العموم، ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين لا يرثان كالكافرين، والعبدين، وفي القرابة غير الورثة، قاله الضحاك، وطاووس، والحسن، واختاره الطبري”
ولذلك قال طاووس:” إذا أوصى لغير قرابة ردت الوصية إلى قرابته، ونقض فعله… وقال الحسن، وجابر بن زيد أيضا، وعبد الملك بن يعلى: يبقى ثلث الوصية حيث جعلها، ويرد ثلثاها إلى قرابته.
كما استدلوا على رأيهم أيضا بأمرين :
1- إن آية الوصية في سورة البقرة دالة على وجوب الوصية للقريب، وترك العمل به في حق الوارث القريب، إما بآية المواريث، وإما بقوله عليه الصلاة والسلام: لا وصية لوارث، أو بالإجماع على أنه لا وصية لوارث، وهاهنا الإجماع غير موجود، مع ظهور الخلاف فيه قديما، وحديثا، فوجب أن تبقى الأية دالة على وجوب الوصية للقريب الذي لا يكون وارثا.
2- إن الوصية لغير الأقارب غير واجبة، ومن ثم وجب أن تكون هذه الوصية الواجبة في سورة البقرة مختصة بالأقارب، لأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ما حق امرئ مسلم له مال، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده، مؤكد للقرآن في وجوبها.
وقد رد أصحاب الفريق الأول، على ما ذهب إليه أصحاب الفريق الثاني القائل بوجوب الوصية للوالدين، والأقربين غير الوارثين، وذلك بما يأتي:
1- لو كانت الوصية واجبة لهؤلاء ما جعلها الله تعالى إلى إرادة الموصى، والحال أن الإيصاء متروك للموصي، فدل ذلك على عدم وجوبها.
2- لو تم التسليم بوجوبها لهؤلاء ” فالقول بالموجب پرده، وذلك فيمن كانت عليه حقوق للناس، يخاف ضياعها عليهم، كما قال أبو ثور، وكذلك إن كانت له حقوق عند الناس، يخاف تلفها على الورثة، فهذا يجب عليه الوصية، ولا يختلف فيه”.
3- إن معنى قول الله تعالى: ” كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت”، ليس فرض عليكم، وإنما المعنى هو إذا أردتم الوصية.
4- لو كانت الوصية واجبة، لكان الرسول عليه الصلاة والسلام، أول مستجيب، وملب لأمر الخالق، فقد انعقد إجماع المسلمين على أن الرسول عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام لم يوص لحد، ومستند إجماعهم أن صحابيا سئل: هل النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا، فقيل له: كيف كتب على الناس الوصية، أو أمروا بالوصية، قال: أوصى بكتاب الله.
ما روي عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم دال على عدم وجوبها:
واختلف القائلون بعدم وجوب الوصية، فيمن أوصى لغير قرابته، وترك قرابته الذين لا يرثون، فقيل لا حرج عليه، في الإيصاء لغير القرابة، لما روي أن أبا العالية، أعتقته امرأة، فأوصى بماله لغيرها، ولذلك قال: “الناس، حين مات أبو العالية: عجبا له، أعتقته امرأة رياح، وأوصى بماله لبني هاشم”.
وقال: “مالك، والشافعي، وأبو حنيفة وأصحابهم، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل: من أوصى لغير قرابته، وترك قرابته محتاجين، فبئس ما صنع، وفعله مع ذلك ماض جائز، لكل من أوصی له من غني، وفقير، وقريب وبعيد، ومسلم وكافر” .
ثالثا: مقدار ما يوصی به
النص الحديثي صريح في أن الوصية لغير الوارث يجب أن لا تتجاوز الثلث، والله تعالى لم يحدد مقدار ما يوصی به من المال، وإنما قال: ” إن ترك خيرا”، ولذلك اختلف في مقدارها.
فقد روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، أوصى بالخمس، وروي عن عمر بن الخطاب أنه أوصى بالربع، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال “لأن أوصى بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث”.
فيتبين من المروي عن الصحابة الكرام، أن الأمر في مقدار الوصية الاختيارية متروك للموصی، “ويختلف ذلك باختلاف حال الرجال، لأن بمقدار من المال يوصف المرء بأنه غني، وبذلك القدر لا يوصف غيره بالغنی، لأجل كثرة العيال، وكثرة النفقة”.
وذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الإيصاء بأكثر من الثلث، إلا أبا حنيفة، وأصحابه، الذين قالوا: “إن لم يترك الموصي ورثة، جاز له أن يوصي بماله كله، وقالوا: إن الاقتصار على الثلث في الوصية، إنما كان من أجل أن يدع ورثته أغنياء، ومن لا وارث له، فليس ممن عني بالحديث، وروي هذا القول عن ابن عباس وبه قال: عبيدة و مسروق، وإليه ذهب إسحاق، ومالك في أحد قوليه وروي عن علي”.
وعدم جواز الإيصاء بأكثر من الثلث، عند جمهور العلماء، ليس على إطلاقه، فقد قال جمهور الفقهاء بالعراق، والحجاز والمغرب والشام: لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، إلا أن يجيزها الورثة” وشذت طائفة منهم، وقالوا: ليس لهم أن يجيزوا للموصي ذلك، ولهم أن يعطوا الموصى له من فرائضهم، وسائر أموالهم ما شاءوا”.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات