التجريم و العقاب في القانون الجنائي
يذهب الفصل 110 من مجموعة القانون الجنائي المغربي إلى أن الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه, كما ينص الفصل الأول من ذات القانون إلى أن التشريع الجنائي يحدد أفعال الإنسان التي يعدها جرائم، بسبب ما تحته من اضطراب اجتماعي
يتضح من خلال مضمون الفصلين، وكما سبق أن ذكرنا ذلك في التقديم، أن عمليتي التجريم والعقاب إنما يتولاهما المشرع الجنائي دون غيره، لما في ذلك مساس بین بحقوق وحريات المواطنين التي يضمنها دستور 2011 وبكل امتياز بل وانطلاقا من أن الفعل أو الامتناع المحظورين جنائيا لا يترتب عنهما فقط ضررا خاصا بالضحية أو ثوبه، بل وهذا هو المعتبر ينظر القانون الجنائي، إنما تلمس جسامتهما على مستوى الضرر العام الاجتماعي الذي تخلفه الجريمة، بحيث يولد ارتكابها حقا عاما للمجتمع، تصبح بمقتضاه الدولة، وبحكم امتلاكها لحق العقاب، ملزمة بتجسيده.
ولعل الاضطراب الاجتماعي المتحدث عنه، هو الذي يقف مبدئيا وراء علة تحريم الفعل أو الامتناع فما يمس بالمصالح الأساسية للمجتمع هو المجرم وفق ضوابط يصطلح الفقه على تسميتها بتقنيات التحريم، سنحاول أن نقف عليها كلما استوجب الأمر ذلك
إذن لابد من نص تشريعي يقف وراء التحريم والعقاب، ولسنا في حاجة للتأكيد على أن خصوصية المادة الجنائية تنسجم مع هذه المنهجية الحذرة في تبني هذا النوع الخاص من القواعد القانونية، لأنها تمت عموم المجتمع، بل ترسم له نماذج السلوك السوي وفي مجالات حيوية
مع ذلك، لم تكن لتلمس هذه الخصوصيات لولا التطور النوعي الذي عرفه كل من القانون والعدالة بل بنية الدولة نفسها، نظامها وتطور أسلوبها في تدبير آليات ووسائل الحكم وحتى لا ندعي لأنفسنا معرفة خاصة يتطور القانون الجنائي، لأن ذلك يحتاج لمعرفة موسوعية تتعدى و بكثير التخصص في المادة الجنائية كمادة قانونية، يمكن القول أن انفصال القانون الجنائي عن القانون المدني إنما هو أمر تفرضه طبيعة كل مدة على حده،
مميزات قواعد القانون الجنائي
فإذا كان منطق و فلسفة القانون المدني يقينيان على وضع قواعد تنظم العقود والالتزامات المالية بين الأشخاص، وما يترتب عن ذلك من مراعاة المصالح الخاصة المتقابلة مع فتح المجال التصحيح الوضعيات القانونية المعيبة، بل إقرار نظام التعويض المالي لإصلاحها، إلى خلاف ذلك تسعى قواعد القانون الجنائي إلى ضمان الأمن والاستقرار وحماية المصالح الأساسية والتي لا قيام للمجتمع بدونها، وهي معطيات تحتاج بالبداهة إلى تحكيم منطق زجري رادع ومقوم لكل سلوك إجرامي،
بحيث لابد وأن تحظى العقوبة بمساحات معقولة في تصور القواعد حماية للمجتمع من خطر الجريمة وهو ما لا يمكن أن تحتل فيه تقنية التعويض سوى استثناء لا يمكن القياس عليه مع الأسف، ليست كل الجرائم ترتب الضرر الاجتماعي العام، بحيث ليس هناك ما يمنع المشرع الجنائي من تجريم أفعال أو صور امتناع يفترض فيها الضرر الاجتماعي اقتراضا، فتبقى حكمة المشرع و منطقه هو الكفيل بتحديد علة تجريمهما ونحن إن كنا لا نمانع مبدئيا، وفي حدود معينة، تقتضيها الوقاية أو الأهمية القصوى التي تحتلها المصلحة المحمية.
فللجريمة ثلاث أركان ركن قانوني و آخر مادي وثالث معنوي، لا قیام لها بدونها، و إن كنا قد تجد في بعض الحالات خروجا عن هذا التصور المنطقي للجريمة، إما بإدخال جهات أخرى غير المشرع، أو لتبرير الاكتفاء بالركن المادي في بعض الجرائم التي تقع تجاوزا بالتقنية ونحن من أشد المتمسكين بالبنيان المنطقي الذي ينبغي أن تكون عليه الجريمة وفق ما وضحنا أعلاه
هذا وإذا حاولنا أن نضع تعريفا تقريبيا للجريمة يمكن أن تنتهي إلى ما انتهى إليه أغلب الفقهاء من أن الجريمة هي كل فعل إيجابي أو سلبي- امتناع- يتدخل المشرع التجريم ارتكابه بإحدى نصوص التجريم، مفردا له عقوبة أو تدبيرا وقائيا بحسب ما يحدثه أو يفترض إحداثه من اضطراب اجتماعي، ويكون مرتكبا من طرف من اعتبره المشرع أو اقترضه أهلا لتحمل المسئولية الجنائية بشأنه.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات