محتويات المقال
المسؤولیة الجنائیة للمحافظ على الأملاك العقاریة
المسؤولیة الجنائیة للمحافظ هي مسؤولية قائمة فالمحافظ على الأملاك العقاریة كسائر الموظفین العمومیین، فھو یعتبر مسؤولا عن خرق مقتضیات القانون الجنائي أثناء مزاولته لمھامه خاصة الجرائم المتعلقة بالإخلال بالثقة العامة ، التي تعرض لھا المشرع الجنائي إبتداءا من الفصل 233 إلى الفصل 262 في الباب الثالت من القانون الجنائي ، ومن بین ھاته الجرائم جریمة الرشوة وكذلك جرائم التزییف والتزویر والإنتحال
ودراستنا المسؤولیة الجنائیة للمحافظ على الاملاك العقاریة ستقتصر فقط على جریمة التزویر في المحررات باعتبار الفصل 104 من ظ.ت.ع أحال على مقتضیات الفصلین 354 و 356 من القانون الجنائي ، وھو الفصل الوحید الذي یتعلق بالمسؤولیة الجنائیة للمحافظ على الأملاك العقاریة داخل ظھیر التحفیظ العقاري ،
ومن ناحیة اخرى أن الأثار السلبیة التي تتركھا ھذه الجریمة في نفوس الافراد المتعاملین مع الوكالة الوطنیة للمحافظة العقاریة ، الأمر الذي یجعلھم یفقدون الثقة في مرافق الدولة مما یؤدي لا محالة إلى فقدان الثقة كذلك في نزاھة المحافظین العقاریین
بالرجوع إلى الفصل 351 من القانون الجنائي نجد المشرع قد عرف التزویر في المحررات بالتعریف التالي :
” تزویر الأوراق ھو تغییر الحقیقة فیھا بسوء نیة تغییرا من شأنه أن یسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص علیھا في القانون ”
ولقیام جریمة التزویر لابد من وجود ركنین ھما الركن المادي والركن المعنوي
كما أن المشرع المغربي رتب عقوبات على مرتكب ھذه الجریمة في إطار قانون التحفیظ العقاري
ومن أجل الإلمام بھذ الجریمة التي یمكن أن یؤاخذ المحافظ طبقا لمقتضیاتھا ، ینبغي الحدیث على أركانھا (أولا) والعقوبات التي وضعھا المشرع المغربي لھا (ثانیا)
أولا: أركان جریمة التزویر في الأوراق الرسمیة والعرفیة
إنطلاقا من الفصل 351 من القانون الجنائي المغربي یتضح بأن عناصر جریمة التزویر یمكن حصرھا في فعل مادي یتخد بإحدى الطرق المنصوص علیھا في الفصل 352 من نفس القانون (أ) ، وأن یكون التزویر منصبا على محرر بالإضافة إلى وجود نیة سیئة لدى الفاعل (ب)
أ : الركن المادي لقیام جریمة التزویر في المحررات
إن أول عناصر جریمة التزویر ھو أن یتم تغییر الحقیقة في محرر ، ویكون ذلك بطبیعة الحال باستبدال واقعة صحیحة بأخرى كاذبة
كتغییر الحقیقة في محرر قائم فعلا وذلك عن طریق حذف بعض البنود منھ بالمحو أو الكشط مثلا ، أو تعدیل بعض ھذه البنود منه كأن یضاف حرف الألف (للواو) لیصبح الحكم في تصرف ما على سبیل الخیار بعد أن كان على سبیل البت ، ونحو ذلك أن ینقلب حرف العطف ( واو ) إلى حرف العطف ( أو ) ، أو اقتراف زور وتلاعب في المحررات والوثائق والمستندات المقدمة للمحافظ على الأملاك العقاریة ، أو تغییر وتحریف في الكتابات المحررة ضمن المحررات والمستندات ، أو تغییر وتحریف في التوقیعات التي تنسب إلى صاحب الحق ، أو إضافة أسماء أشخاص وھمیین أو استبدالھم بأخرین صوریا وذھنیا لیس لھم وجود في واقع الأمر
وبالتالي یتضح أن عمل المحافظ على الأملاك العقاریة له صلة وثیقة بمجال المحررات والوثائق
غیر أنه بالرجوع إلى الفصل 104 من ظھیر التحفیظ العقاري نجده یحیلنا على مقتضیات القانون الجنائي ، لذلك فالمحافظ قد یعمد إلى توقیع مزور لطالب تحفیظ غیر موجود واستبدال توقیع متعارض مع توقیع ، شخص أخر ، أو إضافة إسم شخص أخر عند تأسیس الرسم العقاري إلى جانب صاحب الأرض غیر أنه لا یعتبر كل تغییر للحقیقة تزویرا في القانون ، وإنما یتعین أن یكون ھذا التغییر للحقیقة واقعا في محرر من المحررات سواء كانت ھاته المحررات رسمیة أو عرفیة ، وھذا ما أكده المشرع المغربي في الفصل 351 من القانون الجنائي عندما عرف ماھیة التزویر.
والمقصود بالمحرر ھو كل شئ مادي یتضمن كتابة تفید معنى عند قارئھا مھما كانت اللغة التي صدرت بھا ھذه الكتابة ، ومھما كانت الطریقة التي أنجز بھا المحرر
أما المحرر الرسمي نجد ان المشرع الجنائي لم یحدد المقصود به رغم أن عنوان الفرع الثالت من الباب السادس من الكتاب الثالت من القانون الجنائي معنون ب ” في تزویر الأوراق الرسمیة والعمومیة ” ، لكن عرفه بعض الفقه أنه ” كل محرر یعود الإختصاص في تحریره إلى الموثق او العدل او القاضي أو الموظف العام.” .
أما بالنسبة للمحرر العرفي ھو الاخر لم یعرفھ المشرع الجنائي رغم أن عنوان الفرع الرابع من الباب السادس معنون بعبارة “في تزویر الاوراق العرفیة” إلا أنھ یمكن القول بأن المحرر العرفي في القانون الجنائي المغربي ” ھو كل محرر لا یعود الإختصاص في تحریره إلى طوائف الاشخاص المذكورین في الفصلین 352 و 353 من القانون الجنائي” .
فالمشرع الجنائي لم یسلك نفس الإتجاه الذي سار فیھ المشرع المدني ، الذي عرف كل من الورقة الرسمیة ، والورقة العرفیة. وباعتبار المحافظ مكلف بمسك السجلات والسھر على كافة الرسوم العقاریة وتحریر نسخ مطابقة لھا وتسلیم الشھادات العقاریة ، فإذا وقع تزویر في أي محرر من المحررات السابقة بإحدى صور التزویر نتج عنھ ضرر للغیر ،إلا وتحققت جریمة التزویر في المحررات إذا كانت مرتبطة بسوء نیة الجاني المحافظ على الأملاك العقاریة
ب: الركن المعنوي لجریمة التزویر في المحررات
جریمة التزویر من الجرائم العمدیة التي تتطلب سوء النیة لدى الجاني واتجاه إرادته إلى تنفیذ الواقعة الإجرامیة ، أي أن یتوفر لدى الجاني عند ارتكابھ للجریمة القصد الجنائي ، لذلك نجد أن المشرع قد اشترط أن یكون التزویر قد حصل بسوء النیة ، وبالتالي فإنھ إذا اتجھت نیة المحافظ إلى القیام بتغییر الحقیقة الموجودة إما في الشھادات العقاریة أو بالرسم العقاري أو في مطلب التحفیظ بإحدى الوسائل المنصوص علیھا في الفصل 352 من القانون الجنائي بسوء نیة قصد تحقیق ھدف معین .
ثانیا: العقوبات المخصصة لجریمة التزویر في المحررات الرسمیة
المشرع الجنائي المغربي تطرق في الفصلین 352 و 353 من القانون الجنائي لعقوبة جریمة التزویر حیث جاء في الفصل 352 على أنھ” یعاقب بالسجن المؤبد كل قاضي أو موظف عمومي وكل موثق أو عدل ارتكب أثناء قیامھ بوظیفتھ تزویرا بإحدى الوسائل الآتیة:
– وضع توقیعات مزورة
– تغییر المحرر أو الكتابة أو التوقیع
– وضع أشخاص موھومین واستبدال أشخاص بأخرین
– كتابة إضافیة أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومیة ، بعد تمام تحریرھا أو اختتامھا.”
وبالتالي فارتكاب أي تزویر بإحدى الوسائل المكونة للعنصر المادي لھذه الجریمة والذي یرتكب من طرف القضاة والموظفین العمومیین ،من خلال قیامھم بوظائفھم ،ومن ھنا فالمحافظ على الأملاك العقاریة كغیره من الموظفین العمومین یمكن أن یسأل عن التزویر الحاصل منھ خلال عملھ سواء من خلال إشرافھ على مسطرة التحفیظ أو مسطرة التسجیل وما یرافق ھاتین العملیتین من مخاطر قد تعصف بحریة المحافظ .
أما بالنسبة للفصل 353 من القانون الجنائي نجده ینص على أنھ ” یعاقب بالسجن الؤبد كل واحد من رجال القضاء أو الموظفین العمومیین أو الموثقین أو العدول ارتكب بسوء نیة ، أثناء تحریره ورقة متعلقة بوظیفتھ، تغییرا في جوھرھا أو في ظروف تحریرھا، وذلك إما بكتابة اتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف المعنیون ، وإما بإثبات صحة وقائع على أنھا اعتراف بھا لدیھ، أو حدثت أمامه بالرغم من عدم حصول ذلك ، وإما بحذف أو تغییر عمدي في التصریحات التي یتلقاھا.”
ومن خلال ھذا النص یتبین أن العقوبة أو الجزاء المضمن فیه ، مقررة بالطرق والوسائل التي تستعمل في التزویر المعنوي
وبناء على ما سبق یتضح من خلال الفصلین السابقین أن المشرع الجنائي المغربي حاول التشدد والصرامة في الجزاء المترتب على جریمة التزویر في محرر رسمي ، وھذا راجع بالأساس لانتشار استعمال المحررات والمستندات الرسمیة خاصة بعد أن أصبحت ھذه الأخیرة من أھم وسائل الإثبات وحجة قاطعة في الإحتجاج بھا في مواجھة الكافة ، كما ھو الشأن بالنسبة للشھادات العقاریة والتسجیلات التي یقوم بھا المحافظ بناء على تصرفات الأطراف بخصوص العقار
المراجع
عبدالواحد العلمي ” شرح القانون الجنائي المغربي القسم الخاص”
عبدالكریم شھبون ” الشافي في شرح قانون التحفیظ العقاري الجدید رقم 14-07 “
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك