محتويات المقال
القتل الخطأ
جرائم القتل الخطأ من الجرائم القليلة التي يعاقب المشرع الجنائي مرتكبيها وإن انعدم في نفوسهم القصد ولم يكونوا يريدون إحداث ما حصل من نتائج سلبية.
ويؤسس المشرع العقاب في مثل هذه الحالات على ارتكاب الفاعل الخطأ مما سبب في حصول النتيجة الإجرامية.
فحكمة العقاب هي في الحرص على أرواح الناس، والرغبة في حماية سلامتهم وصحتهم، فلا ينالهم سوء ولا أذى ولو كان هذا الأذى ناجما عن خطأ لا عن قصد،
فبالرجوع إلى الفصل 432 من ق ج م نجده يحدد لنا جريمة القتل الخطأ التي تعتبر جريمة غير عمدية قوامها الخطأ الجنائي بحيث نص الفصل المذكور على أن ” : من ارتكب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم والقوانين قتلا غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من250 إلى 1000 درهم “.
وبناءا على هذا الفصل فإن جريمة القتل غير العمدي وكما تدل عليه تسميته فعل يرتكبه الجاني بغير أن يقصد الموت ، ولكنه يكون في وسعه تجنبه إذا تصرف باحتياط وحذر، فالفرق بينه وبين القتل العمد ينحصر في أن القاتل عمد يستخدم إرادته في إحداث الوفاة أما القاتل خطأ فينعدم عنده القصد الجنائي أي الركن المعنوي بحيث نكون أمام خطأ جنائي.
وتعتبر جريمة القتل الخطأ من الجرائم المادية لا الشكلية حيث تمثل النتيجة الإجرامية ورابطة السببية أهمية كبيرة في البناء القانوني للجريمة
فما لم تحدث الوفاة فلا قيام للمسؤولية الجنائية عن القتل غير العمدي إذا لا تتصور المحاولة في نطاق هذه الجريمة
إذن من خلال ما سبق يتضح أن أركان القتل الغير العمد اثنان وهما قتل الجاني المجني عليه وهو الركن المادي ( المطلب أول) وأن يكون هذا القتل عن غير قصد أي نتيجة خطأ وهو الركن المعنوي ( مطلب ثاني )
المطلب الأول: الركن المادي في القتل الخطأ
بما أن جريمة القتل الخطأ من جرائم النتيجة فإن قوام الركن المادي فيها هو فعل الاعتداء الصادر عن الجاني (أولا) يكون هو السبب في النتيجة الإجرامية ( ثانيا) التي هي الوفاة أي وفاة المجني عليه الإنسان . وقيام علاقة سببية بين الفعل والنتيجة ( ثالثا)
أولا : فعل الجاني ( النشاط الإجرامي)
لا قيام لأي جريمة بدون نشاط خارجي يصدر من الجاني وتدركه الحواس والذي يكون العنصر الأول في الركن المادي للقتل الخطأ ينسحب إلى كل نشاط إرادي يؤدي إلى وفاة الضحية لكن دون قصد إحداث النتيجة
ويستتبع هذا القول بأن النشاط الذي يأتيه الشخص غير إرادة لا يمكن معه المساءلة ولوادي إلى إزهاق روح إنسان
وعموما فكل ما يشترط في النشاط المفضي إلى الموت هو أن يكون إراديا هذا ويستوي أن يكون الفعل الإرادي الصادر عن الفاعل إيجابيا أي نتيجة القيام بفعل أو أن يكون سلبيا وهو الامتناع عن القيام بفعل . ومثاله أن يهمل صاحب عقار حائط متداع فيسقط على ساكنيه ويؤدي إلى وفاتهم وهو ما يستفاد من الفصل الذي عدد صور نشاط الجاني المؤدي إلى المسؤولية الجنائية والتي منها الإيجابي ، كعدم مراعاة القوانين والأنظمة ومنها السلبي كالإهمال ،
ثانيا : النتيجة الإجرامية( الوفاة)
إن الغاية من التجريم هو حماية الحقوق التي تضمن سلامة كيان المجتمع واستمرار التعايش الاجتماعي المرغوب فيه لذلك فإن من البديهي أن يكون الاعتداء على أي حق من هذه الحقوق يعتبر جريمة.
والنتيجة الإجرامية التي تكون أحد عناصر الركن المادي ما هي إلا ما يشخصه ذلك الاعتداء من تغيير في العالم الخارجي وما يمثله من انتهاك لأحد حقوق الجماعة .
فجريمة القتل غير العمدية لا تتحقق أبدا ما لم يمت المجني عليه بسبب نشاط المتابع مهما كان الخطأ الذي ارتكبه هذا الأخير من الفداحة والجسامة
هذا وإن اعتبار النتيجة الإجرامية أحد عناصر الركن المادي لا تتحقق الجريمة بدونه قائم على مبدأ أن التجريم لا يتعلق إلا بالاعتداء الفعلي على أحد حقوق الجماعة تطبيقا لمنطق العدالة وصيانة الحقوق الفردية. فهي العامل الأساسي المؤثر والصغير في العالم الخارجي الذي يشمل الواقع المادي والواقع النفسي المعنوي.
فجريمة القتل الخطأ تحدث تغييرا في العالم أو الواقع المادي يتمثل في نشاط الجاني وتحدث تغييرا في العالم النفسي بما يترتب عليها من تأثير في نفسية الجماعة.
ثالثا : العلاقة السببية بين النشاط والنتيجة
لكي يقوم الركن المادي في جريمة القتل الخطأ لا بد وأن تتوافر رابطة السببية بين نشاط القاتل والنتيجة الإجرامية التي هي الوفاة ، بمعنى أن يكون هذا النشاط هو السبب المباشر لحصول النتيجة ، وإن انتفت هذه العلاقة انتفت الجريمة .
وغني عن القول أن العلاقة السببية كعنصر في الركن المادي خاصة بجرائم النتيجة أما الجرائم الشكلية فلا وجود فيها لهذه العلاقة لأن النتيجة نفسها غير ضرورية بالنسبة إليها،
حيث أن المعيار الذي تقاس به رابطة السببية في هذه الجريمة هو نفس المعيار الذي يلجأ إليه للبحث في وجود هذه العلاقة أو انعدامها في جميع الجرائم ذات النتيجة عمدية . أو غير عمدية
وإذا كانت العلاقة السببية بين نشاط الجاني وبين النتيجة الإجرامية تبدو واضحة أحيانا فإنه في الكثير من الأحيان تتطلب من القاضي مجهودا غير يسير في البحث والاستقصاء لاكتشافها ولإبراز التسلسل الطبيعي بين الفعل والنتيجة، وخاصة في جرائم القتل الخطأ
المطلب الثاني : الركن المعنوي في القتل الخطأ
إن قوام الركن المعنوي في جريمة القتل الخطأ هو الخطأ الجنائي وتكتسي دراسة هذا العنصر أهمية قصوى خصوصا مع اتساع نطاق الجرائم غير العمدية في العصر الحاضر نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي المتزايد .
ومن التطبيقات العملية الشائعة للخطأ الذي تترتب عنه الوفاة نجده في عدة ميادين منها حوادث الشغل حوادث البناء والأشغال العمومية والخطأ الطبي والصيدلة وحراسة الحيوانات,
ومجال النقل الذي يستحوذ على النصيب الأكبر في نطاق حوادث السير عن طريق الإهمال وعدم الاحتياط وعدم مراعاة النظم القوانين.
فالمادة 432 سردت الحالات أو الصور التي تتحقق بها الجريمة غير العمدية والمختصرة في الخروج منه سلوك الشخص المتبصر اليقظ
إذن سنقوم بتحديد تعريف الخطأ الجنائي ( أولا) ثم عناصره ومختلف صوره ( ثانيا) وبعد ذلك سنتطرق إلى إشكالية تحقق الخطأ في مخالفة النظم والقوانين (ثالثا)
الفقرة الاولى : تعريف الخطأ الجنائي
عرفه الفقه المصري بأنه ” إخلال المتهم بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وعدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يفضي تصرف إلى حدوث النتيجة الإجرامية في حين كان ذلك في استطاعته ومن واجبه ” .
أما الفقه السوري فقد عرف الخطأ ” بأن لا يتخذ الفاعل في سلوكه الاحتياط الكافي الذي يجب على الشخص الحريص المتبصر اتخاذه لمنع ما عسى أن يترتب على سلوكه هذا من نتائج ضارة بالغير ” .
أما عن الفقه المغربي فقد عرفه الدكتور الخمليشي بأنه ” كل عمل أو امتناع إرادي لم يقصد به الفاعل قتل إنسان ومع ذلك ترتبت عنه الموت نتيجة عدم تبصره أو عدم احتياطه أو إهماله ”
وعموما يمكن جمع هذه التعاريف في تفسير الخطأ بأنه الانحراف من سلوك الرجل العادي المتبصر الموجود في نفس ظروف مرتكب الخطأ فالفاعل عندما يقوم بالعمل الإيجابي أو الامتناع يكون من جهة لا يتوقع نهائيا حدوث الموت بسبب تصرفه أو كان يتوقعه على وجه الاحتمال ويقصد به مجرد الاحتمال البسيط أو الضعيف . ويمضي في تنفيذ الفعل عن تهور طيش أو بناءا على اعتقاده بأنه قادر على تفادي النتيجة المحتملة
ومن جهة ثانية يجب أن يكون قيامه بالفعل في كلا الحالتين متسما بعدم التبصر أو عدم الاحتياط أوعدم الانتباه أو الإهمال ففي حالة التوقع إمكانية حدوث النتيجة يكون عدم الاحتياط أو التبصر ظاهرا بإقدامه على تنفيذ الفعل وهو يتوقع عن إمكانية حدوث الموت ، وفي حالة عدم توقعه النتيجة يجب أن يثبت اتصاف تصرف الفاعل بالإهمال أو عدم التبصر . وتتحقق هذه الصفة في التصرف إذا كان الرجل العادي المتبصر اليقظ الموجود في نفس ظروف الفاعل لا يقوم به .
الفقرة الثانية: عناصر القتل الخطأ وصوره
أولا : عناصر الخطأ
لقيام ركن الخطأ في جريمة القتل غير العمدي ينبغي توافر شرطان :
أولهما هو عدم مراعاة الجاني لمقتضيات الحيطة والحذر في سلوكه الذي تسبب في وقوع الجريمة، بان يكون قد أتى السلوك على غير ما كان يجب عليه ان يأتيه به.
أما الشرط الثاني وهو العلاقة النفسية التي تربط بين الفاعل وحدوث النتيجة هذه العلاقة النفسية تأخذ أحد الصورتين، إما أن الجاني لم يتوقع النتيجة مطلقا حينما أتى فعله، وبالتالي لم يبذل الجهد الكافي للحيلولة دونها أما الصورة الثانية فتتجلى في أن يتوقع الجاني حدوث النتيجة ولكنه لا يرغب في حدوثها ويعتمد على مهاراته أو قدراته في تلافي حدوثها
ثانيا : صور الخطأ
عدد الفصل 432 صور الخطأ التي تقوم بها المسؤولية الجنائية عن القتل الخطأ، هذه الصور جاءت متداخلة الدلالة مع بعضها إلى حد كبير يتعذر الفصل بين مفاهيمها حيث يقال أن الإنسان لم يحتط لأنه لم يتبصر، ولو تبصر فلم يحتط فهو مهمل ولكن مقدار الخطأ على أي حال لا أثر له في تقرير المسؤولية حيث يكفي ثبوت الخطأ في أي صورة من الصور الخمس لكي تقوم مسؤولية الجاني مادامت العلاقة السببية بين الخطأ والنتيجة متوافرة .
وقد تجتمع هذه الأخطاء مع بعضها أو حتى أن تندمج في بعضها، وليس ضروريا أن يكون الخطأ الذي يدخل في تكوين الجنحة إراديا أو حتى مرتكبا عن وعي فحتى لو لم يكن الفاعل قد توقع نتائج خطاه فإن المسؤولية تكون قائمة بسبب عدم تقديره وتوقعه لعواقب فعله ، بحيث تنم في مجملها عن استخفاف الفاعل إزاء قواعد الفطرة السليمة والحيطة اللازمة .
من خلال ذلك سنعرض أبرز صور الخطأ بالتي يبدو أنها مذكورة على سبيل المثال لا على الحصر.
1 – عدم التبصر
2 – عدم الاحتياط وعدم الانتباه
3 – الإهمال
4 – عدم مراعاة النظم والقوانين
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
المراجع
رؤوف عبيد – السببية الجنائية
حومد عبد الوهاب القانون الجنائي المغربي
نجيب حسني – القسم الخاص
أبو المعا طي أبو الفتوح – القانون الجنائي المغربي
أحمد الخمليشي – شرح القانون الجنائي الخاص
أدولف ريولط – القانون الجنائي في شروح
أحدث التعليقات