fbpx

القائمة الرئيسية

مفهوم القانون الجنائي الدولي

مفهوم القانون الجنائي الدولي

مفهوم القانون الجنائي الدولي

ظهرت أهمية القانون الجنائي الدولي على اعتبار أنه قانون يوقع العقوبة على منتهكي النظام العام الدولي في أشد صور الانتهاك من حيث الجسامة ، حيث أن القانون لا يحاسب فقط على قتل إنسان أو إصابته بل هو قانون يعمل على محاسبة الجرائم التي تتمثل في الحرب وما يحدث فيها من فظائع ضد الإنسائية مثل إبادة جنس بشری معین ، أو تدمير البيئة الطبيعية أو تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد مواقع لا تشكل أهداف عسكرية أو قتل المقاتل الذي يسلم سلاحه ويستسلم مختار أو استخدام الأسلحة السامة الضارة

إذا السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو القانون الجنائي الدولى ؟ أي ما تعريفه ومفهومه ؟

اجتهد العديد من فقهاء القانون على وضع تعاريف عديدة يوضحون من خلالها المقصود بالقانون الجنائي الدولي ، فاتفقت مجموعة منهم على أن القانون الجنائي الدولي هو ( القواعد القانونية الناشئة عن المعاهدات الخاصة بالمساعدات الدولية في شان تطبيق النصوص الجنائية الوطنية ، مثال القواعد الخاصة بتسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام الأجنبية والإنابات القضائية کاستجواب متهم أو شاهد أو ضابط هارب )

إلا أننا نرى أن مثل هذا التعريف يعتبر تعريفا ضيقا للمفهوم الحقيقي للقانون الجنائي الدولي وذلك يعود إلى أن التعريف السابق يركز على المجرمين العاديين أي الذين يقومون بجرائم تسري عليها من حيث الأصل قواعد القانون الداخلى (قانون الدولة) ويدخل فيها اختصاص القانون الدولي عند هروب المتهم أو فراره فيتم إعمال المعاهدة التي دخلت بها الدولة التي تسعي الإمساك بالمتهم وكما أسلفنا سابقا أن حاجة للقانون الجنائي الدولي ظهرت للحد من الانتهاكات التي تحصل في الحروب كقتل المقاتل المستسلم اختیارا أو استعمال الأسلحة السامة أو إبادة جنس معين من البشر أو بمعنى أصح أن هذا التعريف لا يتعرض للانتهاكات الجسيمة أو الخطيرة على الجنس البشري بل على مجرم فار من العدالة

وبالتالي فإن انتقادنا لهذا التعريف هو أنه تعريف يركز على إتاحة الفرصة لتطبيق القانون الوطني تطبيقا فاعلا ومنتجا لا يتناول تنظيم الجرائم الدولية

هذا التعريف دفع فريقا من الفقهاء إلى وضع تعريف آخر وهو ( القواعد القانونية التي قررتها بعض المعاهدات في شأن الجرائم ذات الخطورة التي لا تقتصر على دولة واحدة، وإنما تمتد إلى عدد من الدول بالنظر إلى كون مرتكبيها أعضاء في عصابات دولية تباشر نشاطها في أقاليم دول مختلفة ، مثال ذلك جرائم الاتجار في الرقيق وتهريب المخدرات ، وجرائم تزييف العملة والمسكوكات وجرائم الاتجار في النساء والأطفال من أجل الفجور والدعارة )

يتناول هذا التعريف الجرائم التي ترد عادة في نصوص القانون الجنائي الدولي أي القانون الوطني الداخلي للدولة فهو يعالج جرائم ينص عليها القانون والتعريف يحاول أن يسهل من إعمال قواعد القانون الوطني وبالتالي فانه لا يعد صحيحا إطلاق صفة القانون الجنائي الدولي على هذه الطائفة من الجرائم  بالمعنى الذي تسعى إليه في هذه الدراسة نعم يمكن أن تصبح هذه الجرائم جرائم دولية عند توافر شروط معينة مثال ان يحدث فعل ضار لدولة اخرى كمسألة من مسائل القانون الدولي الخاص ولكن ذلك لا يعني أنه تعریف موضح لمفهوم القانون الجنائي الدولي

إلا أن التعريف الأقرب للصحة هو تعريف الفقيه (Graven) حين قال: (هو مجموعة من القواعد القانونية المعترف بها في الع لاقات الدولية والتي يكون الغرض منها حماية النظام الاجتماعي الدولي بالمعاقبة على الأفعال التي تتضمن اعتداء عليه)

إذا يمكن لنا تعريف القانون الجنائي الدولي على انه:

القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائما دولية و الموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية.

من التعريف تستطيع أن نستشف أن القاعدة القانونية حتی نتعرف عليها ونصنفها على أنها قاعدة تنظم مسالة من مسائل القانون الجنائي الدولي فإنها لابد وان تتمتع بخاصتين هما:

1. الخاصية الجنائية

2. الخاصية الدولية

خصائص القانون الجنائي الدولي

1 – الخاصية الجنائية

لا يغيب عن ذهن أي فقيه أو باحث في الحقل الجنائي المبدأ الأساسي لأي تشريع جنائي وهو مبدأ المشروعية القاضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني أي أن الفعل لا يدخل تحت طائلة التجريم إلا إن كان مجرما فعلا والأمر سيان في العقوبة حيث أنه لا يجوز أن توقع أية عقوبة من غير أن يكون لها سند من نص القانون

وعليه فإن القاعدة يجب وأن تحمل خاصية تحديد الجريمة والنص على جزاء من يرتكب الجريمة .

وبمعنى أصح فانه يقصد بمبدأ المشروعية وجوب النص على الجريمة وعلى عقابها في القانون ، فالقانون يتولى مهمة ایضاح السلوكيات التي تعتبر جرائم وهو الذي يحدد العقوبات التي توقع على مرتكبيها.

ومن مسؤوليتنا أن نوضح أن الشريعة الاسلامية الغراء قد سبقت القوانين الوضعية في تقرير هذا المبدأ منذ مايقارب الأربعة عشر قرنا من الزمان ، قال سبحانه وتعالى في سورة القصص الآية 59 : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم اياتنا )

 وفي سورة الاسراء الآية 15 قال تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) و قال سبحانه : (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )

هذه الآيات العظيمة التي وردت في مواطن مختلفة من سور القرآن الكريم تبين لنا حال الناس قبل ارسال الرسل وحالهم بعد ارسال الرسل فالله سبحانه وتعالى يوضح للناس رحمته على عدم محاسبة الناس في الأعمال التي لا يعرفون أن كانت آثمة أم جائزة حتى يرسل اليهم رسله ويبين لهم الصواب وعند العلم تتم المحاسبة والحال نفسه عندنا في القوانين والتشريعات الحديثة أن لا جريمة ولا عقوبة الا بنص القانون عليها ، وهذه الآيات الكريمة قد تفرع منها قواعد أصولية عديدة تؤكد مبدأ الشرعية مثل القاعدة الشرعية ( لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود النص ) وتعني أن افعال المكلف لا يمكن وصفها بأنها محرمة ما لم يرد نص يقضي بتحريمها .

2- الخاصية الدولية

ينبغي لمعرفة هذه الخصيصة الإلمام بأمر هام وهو عدم الخلط بين القواعد الخاصة بالقانون الجنائي الدولي وقواعد القانون الدولي الخاص حيث أن الأخيرة تتناول مواضيع تنازع القوانين الوطنية للدول ولا تركز في نصوصها على تجريم الأفعال بل مهمتها قاصرة على تنظيم الاجراءات حسب موضوع كل نزاع، الا انه في حال ما إذا نشأت مشكلة حول جريمة دولية فإن مسألة تنظيم الإجراءات التالية لوقوع الجريمة الدولية يندرج تحت نطاق قواعد القانون الجنائي الدولي فهي قواعد لها جوانب شكلية وأخرى موضوعية أي بمعنى أوضح أن الجريمة الدولية هي أساس الموضوع في القانون الجنائي الدولي

وكذلك ينبغي عدم الخلط بين القانون الدولي العام والقانون الجنائي الدولي وذلك لان الدولية في الأول تنحصر في العلاقات الدولية بينما الدولية في الثاني تتجاوز الحد الذي يتوقف عنده القانون الدولي العام ليكون هناك الفرد الذي أما يكون جانيا أو مجنيا عليه

بعد أن عرفنا القانون الجنائي الدولي بأنه القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائما دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية، وأن القاعدة القانونية حتى تكون منظمة للقانون الجنائي الدولې يجب ان تتسم بخاصتين الجنائية والدولية فإنه يلزم علينا التعرف على أهداف هذا القانون

أهداف القانون الجنائي الدولی

 المصالح المشتركة لأعضاء المجتمع الدولى كانت ولا تزال محط اهتمام من قبل حماة المجتمع الدولي ، هذه المصالح جاء ذكرها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مثل تجريم الإبادة الجماعية التي تهدف إلى إنهاء نسل طائفة معينة مثال ذلك ما قام به الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك من عمليات أطلقوا عليها عمليات التطهير العرقي أو ما قام به هتلر النازية من وضع الطائفة اليهودية بأفران حرارية وتركهم للموت

فهذه المصلحة ( تحريم الإبادة الجماعية) تعني أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه هلاكا كليا أو جزئيا

1) قتل أفراد الجماعة 

2) إلحاق ضرر جسدي أو عقلی جسيم بأفراد الجماعة 

3) إخضاع الجماعة عمدة الأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلى كليا أو جزئيا

4) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة 

5) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى

وكذلك عد من قبيل مصالح المجتمع الدولى احترام قواعد الحرب المتعارف عليها وعدم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثل ما يحدث من إبعاد السكان القرى والمناطق الفلسطينية الأصليين وإخراجهم قسرا وبالقوة من قبل القوات الإسرائيلية ، وكذلك ما قام به النظام العراقي البائد من إخراج عدد من المواطنين الكويتيين من منازلهم وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وسط الأحياء المدنية ( مخالفة البند (د) من المادة (7) النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) ، ويدخل في إطار الجرائم ضد الإ نسائية ما تقوم به القوات الأمريكية لمعتقلي جوانتانامو من حرمان شديد الحرية البدنية كتكبيل اليدين والأرجل وتغطية الأعين ووضعهم في سجون تحت نوع خاص من الأشعة ( مخالفة البند (م) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)

بهذه الانتهاكات والجرائم يأتي القانون الجنائي الدولي الوضع جزاء عادل يتناسب مع جسامة الفعل المرتكب حتى يحقق الهدف الأساسي من القانون وهو تعزيز مفهوم العدالة في المجتمع الدولی

يتضح جليا أن القانون الجنائي الدولي يهدف إلى الوقاية من الجرائم، والوقاية تتوفر عن طريق نصوص المحكمة الجنائية الدولية التي تدفع أعضاء المجتمع الدولي إلى الابتعاد عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها والتي يهدف القانون إلى تجريمها ، في تحقيق هذا الدور الوقائي

المراجع

حازم مختار الحارونی – ماهية القانون الجنائي الدولي

محمد محمود خلف – حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي

 تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net

لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك

 


موقع يعني بشعبة القانون, محاضرات, ندوات, كتب جامعية, مقالات و كل ما له علاقة بالقانون من منظور أكاديمي

آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف
تصنيفات
منوعات
آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
Open

error: Content is protected !!