محتويات المقال
أسباب الاستيلاء على العقارات الوقفية
تعتبر العقارات الوقفية من بين المؤسسات التي اتي بها المسلمون عبر تاريخهم، و تنافسوا في الإكثار من أنواعه، كونه من أوجه البر والإحسان والتضامن الإنساني، كما يعتبر الوقف من الأنظمة التي تستمد أساسها من الدين الإسلامي، فمشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة مصداقا لقوله تعالى: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”،
وهناك أيضا في السنة ما يثبت مشروعيته، إذ أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل الصالح العام، ويتجلى ذلك في جوابه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما سأله عن سبيل التقرب عند الله بما معناه، “حبس أرضك لا تباع ولا تتوارث و خصص ريعها للفقراء”
عرف المشرع في المادة الأولى من مدونة الأوقاف على أنه ” هو كل مال حبس أصله بصفة مؤيدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر واحسان عامة أو خاصة. ويتم إنشاؤه بعقد أو بوصية أو بقوة القانون”
أن الاستيلاء على العقارات الوقفية ليس مجرد اعتداء على حقوق الأفراد و الدولة والنيل من هيبتها، بل إنه ينال من المصلحة العامة ويدوس على حقوق الأجيال، لأن الأوقاف بمختلف أنواعها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمصلحة العامة، إما بشكل مباشر في الأوقاف المشتركة، أو بشكل غير مباشر في الأوقاف المعقبة
1- ضعف الحماية القانونية للعقارات الوقفية
إن الاستيلاء على العقارات الوقفية جاء نتيجة مجموعة من العوامل سواء قبل صدور مدونة الأوقاف أو بعدها من ذلك إصدار سلطات الحماية لمجموعة من الظهائر الشريفة كان الغرض منها هو التدخل في شؤونها و استغلالها تمهيدا للسيطرة عليها، ولذلك سجل طغيان الجانب التنظيمي على الجانب الموضوعي في هذه الظهائر
مما سبق يتضح أن الاستيلاء على العقارات الوقفية ليس وليد اليوم، بل استفحل على مر التاريخ، وقد ساعدت على ذلك النصوص القانونية التي كانت تنتظم الوقف قبل صدور مدونة الأوقاف، فهذه النصوص كانت قاصرة على حماية الرصيد الوقفي من الاعتداء والترامي عليها خاصة فيما يتعلق بموضوع الإثبات أو الحيازة أو التعجيز.
ففيما يتعلق بإثبات الأوقاف، فإن المتطاولين على الأصول الوقفية كانوا يجدون في القانون المتشدد مع الأوقاف خير سند لهم، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الأوقاف مرت في إدارتها بمرحلتين: فقبل المرحلة التي تم فيها إنشاء أجهزة رسمية عبارة عن إدارة حكومية مركزية تختص بتسيير شؤون الأوقاف، كان الوقف يدار من قبل نظار أفراد يعينون من قبل الواقفين في الغالب، وكان هؤلاء النظار يباشرون مهامهم تحت سلطة القضاء.
فقد كانت كلمة القضاء في الفيصل في محاسبة الناظر عندما تثبت لديه موجبات عزله من خيانة أو تفريط أو تقصير ، ولم يقتصر الأمر عند حدود مراقبة القضاء لنظار الأوقاف، بل ان جميع التكوينات والمعارضات وإن كانت فيها مصلحة للأوقاف، لا يمكن أن تمضي إلا بعد أن يجيزها القاضي
وعليه في القضاء كان يحصر إثبات الأملاك الوقفية في رسم التبيس فقط, أي الوثيقة الأولى المنشئة للوقف، فإثبات الأملاك الوقفية قبل صدور مدونة الأوقاف كان يعاني من فراغ تشريعي، إذ لم يقم المشرع بالإحالة على القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات و العقود و قانون المسطرة المدنية، وبالتالي كان من اللازم الرجوع إلى القواعد الفقهية بموجب الفصل 75 من ظهير 02 يونير 1915 المتعلق بالتشريع المطبقة على العقارات المحفظة قبل نسخه بمدونة الحقوق العينية
و الأكثر من ذلك فالقضاء لم يتوقف بحصره وسائل الإثبات في رسم التحبيس فقط، بل تعداه إلى ضرورة توفر هذا الرسم على كافة الأركان و الشروط التي نص عليها الفقهاء في باب الوقف
وبالتالي كلما توفر في رسم الحبس كافة الأركان و الشروط، فإن القضاء يعتمدها حجة في إثبات الوقف، وفي حالة افتقاده لها فان القضاء يرفضه في الإثبات، الشيء الذي نتج عنه ضياع الكثير من الأملاك الوقفية و الاستيلاء عليها نتيجة استحالة الإدلاء برسوم تحبيسها تامة الأركان و الشروط
الاتجاه القضائي كان يتشدد في إثبات الوقف بحصره لها في رسم التحبيس المستوفي لكافة الأركان و الشروط فقها، مما يجعله عرضة للضياع، و أيسر على ذوي النيات السيئة، خصوصا إذا استحضرنا أن العديد من الأوقاف تعود إلى مئات السنين ويصعب إن لم نقل يستحيل إيجاد الوثيقة الأولى التي أنشأتها
أما فيما يتعلق بحيازة الأوقاف، فإن القضاء لم يكن دائما إلى جانب الأوقاف، ولم يكن القضاء يأخذ بقاعدة “الوقف لا يحاز عليه،” بل كان يعتبر أن الأوقاف يحاز عليها أيضا، بل كان يشترط وجود الملك في حيازة إدارة الأوقاف، وتوفر هذه الحيازة على شروطها. بالإضافة إلى ضرورة إقامة الدعوى داخل أجل السنة الثانية الفعل الذي يخل بالحيازة،
فقد ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط في أحد قراراتها إلى القول أن وصولات الشراء من وضع الأوقاف وبالتالي لا يمكن قبولها لإثبات حيازتها لمحل النزاع، وفي هذا الإطار يرى الأستاذ عبد الرزاق أصبيحي تعليقا على هذا القرار، أنه لم يراعي خصوصية الوقف ذلك أن حيازة الأوقاف لحالتها في الغالب تكون عن طريق الكراء، ومن ثم فإن عدم الاعتداء بالحياة القائمة على الكراء الإثبات الوقف من شأنه أن يفتح المجال التطاول على الأملاك الوقفية و ادعاء ملكيتها حتى من المكثرين أنفسهم.
2 – عدم ضبط الرصيد الوقفي
تتنوع الأصول العقارية الوقفية التي تشرف علی تسیرها وتدبيرها وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، من رصيد فلاحي يتكون من أراضي فلاحية ومقالع تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 85 ألف هكتار، وأشجار مثمرة وغابوية، حقوق مائية وأراضي عارية بالإضافة إلى المقابر والمساكن التي تقام فيها الشعائر الدينية من مساحة و زوايا و أضرحة وغيرها،
ومن ثم فعدم ضبط الرصيد الوقفي يحول دون تتبع نظارة الأوقاف للممتلكات الوقفية التي تدخل ضمن مسؤولياتها، وبالتالي فقد يعتدي ويستولي على عقار وقفي نون يفطن ناظر الأوقاف إلى ضرورة تدخله بموجب دعوى استعجالية لوضع حد لهذا الاعتداء نتيجة عدم علمه بكونه عقار حبسي، وهذا ما يزيد من حالات الاستيلاء عليها
3 – اهمال العقارات الوقفية والوثائق المثبتة لها
بالإضافة إلى عدم ضبط الرصيد الحبسي، فإن إهمال ما أحصي منه و ترکه بلا صيانة ولا استغلال يغري ذوي النيات السيئة على الترامي عليه و حيازته في اتجاه ادعاء ملكيته فيما بعد، ونمتثل هذا القضية السطو والاستيلاء على عقارات الأحباس بالدار البيضاء، تبلغ مساحتها ست هكتارات وقيمتها المالية بدون تجهيز تصل إلى 5000 درهم للمتر مربع، أي حوالي 30 مليار سنتيم،
وعلى إثره قام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بفتح تحقيق من خلال إحداث لجنة وزارية، أكدت أن الأرض في ملك الأحباس، وهو ما دفع ناظر الأوقاف بالمنطقة إلى مراسلة عامل عمالة مقاطعات عين الشق، والتمس منه حماية الوعاء العقاري التابع للأحباس والعمل على عدم إدخال أي تغييرات على معالمها، مؤكدا أن ضواحي مقاطعة عين الشق تعرف عملية سطو ممنهج على مجموعة من الأراضي الوقفية
ومن جهة أخرى، فان عدم الاهتمام بالوثائق المثبتة للعقارات الرقمية يجعل وجودها مهددا دائما بادعاء الغير لملكيتها دون القدرة على رد ادعائه، وهو ما من شأنه أن يساهم في استمرار حالات الترامي والاستيلاء على هذا النوع من العقارات.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات