محتويات المقال
الطعن في إجراءات الحجز التنفيذي العقاري
حتى يكون لدعوى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي العقاري موجب، يجب أن ترتكز لسبب جدي ولإخلال جوهري أدى إلى تضرر مصالح الطاعن، وهذه الأسباب عديدة ومتنوع ولا يمكن حصرها ولكننا سنعمل على التطرق إلى أكثرها إثارة في الواقع العملي ( الفقرة الأولى ) كما أن الإنذار العقاري بدوره قد يكون محل طعن لسبب من الأسباب إلا أن هذه الدعوى تنفرد بأسباب خاصة نظرا لخصوصية المسطرة ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى: أسباب الطعن في إجراءات الحجز التنفيذي العقاري
بقراءة لنص الفصل 484 من ق.م.م المنظم لدعوى بطلان إجراءات الحجز يتضح لنا أنه جاء بصياغة عامة لا تتبين معها الأسباب المؤدية لبطلان هذه الإجراءات.
لكن بالرجوع إلى النصوص المنظمة للتنفيذ الجبري يتضح أن المشرع قد أحاط مسطرة التنفيذ على العقارات، بمجموعة من القواعد المسطرية الشكلية الواجب إتباعها والتي من شأن مخالفتها بطلان هذه الإجراءات, وبذلك فأسباب بطلان إجراءات التنفيذ لا يمكن حصرها، إذ ستختلف باختلاف الإجراء المعيب.
أولا: حجز العقارات رغم كفاية المنقولات
بالنظر للدور الاقتصادي والاجتماعي الذي يكتسيه العقار في حياة الفرد والمجتمع وما يمكن أن يترتب عليه من أضرار مادية ومعنوية للمدين، نتيجة التنفيذ عليه من طرف الدائن فقد عمل المشرع المغربي على وضع قاعدة أساسية في مجال التنفيذ الجبري، مفادها عدم إمكانية التنفيذ على العقار إلا عند عدم كفاية المنقول، ما لم يكن هناك مانع يحول دون ذلك، كعدم وجودها بالمرة أو كان القانون يمنع التنفيذ عليها
ومن تم يمكن للمدين أو كفيله أو أصحاب الحقوق العينية أو الحائز للعقار طلب بطلان إجراءات الحجز لمخالفتها لمقتضيات الفصلين 445 و 469 ق.م.م شريطة أن تكون قيمة المنقولات كافية فعلا لسداد قيمة الدين .
وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة التجارية بمراكش في أحد قراراتها : “حيث ما دام قد ثبت من مستندات الملف أن المستأنف يتوفر على ضمانات عينية مقررة لضمان أداء الدين المطلوب، فان مطالبته بإيقاع الحجز على العقار المشار إليه أعلاه بدعوى عدم كفاية الضمان الممنوح له تكون عديمة الأساس، لأنه من المفروض أن هذا الضمان كان لتأمين أداء الدين بمجرد قبوله من قبل المستأنف عليه، وبالتالي فان عبء إثبات عدم كفايته تقع على كاهله، أي المستأنف عليه، وبذلك يكون الأمر المطعون فيه الذي حمل المستأنف عبء إثبات هذه الواقعة مجانبا للصواب مما يتعين معه الحكم بإلغائه”.
لكن القاعدة أعلاه تعرف بعض الاستثناءات التي تعطي للدائن حق التنفيذ على العقار حتى مع وجود المنقولات، كالحالة التي يتوفر فيها الدائن على ضمان عيني على العقار أو إذا ما سبق وأن تم حجز العقار تحفيظيا.
وتقع مسؤولية التأكد من مسألة وجود أو عدم وجود منقولات على عاتق عون التنفيذ، الذي يلتزم بالانتقال إلى عين المكان والبحث عن المنقولات ويحرر محضرا يثبت فيه عدم العثور على ما يحجز من منقولات.
ثانيا: عدم التوفر على سند قابل للتنفيذ
يعرف السند التنفيذي عادة بكونه العمل القانوني الذي يتخذ شكلا معنيا، ويخول لصاحبه حق التنفيذ الجبري ضد المدين.
وبذلك فهو بمثابة الأرضية التي يبني عليها المدعي جميع ادعاءاته، وبغيابه يمتنع عون التنفيذ عن البدء في إجراءات التنفيذ الجبري تحت طائلة المسؤولية المهنية من جهة، وبطلان جميع الإجراءات اللاحقة من جهة أخرى.
ويشترط في السند التنفيذي حتى يعتد به قانونا أن يكون مذيلا بالصيغة التنفيذية المنصوص عليها في الفصل 433 ق.م.م.
ومن تم يحق للمدين المنفذ عليه ولكل من له مصلحة في ذلك رفع دعوى بطلان إجراءات التنفيذ إذ لم يكن للمنفذ سند تنفيذي عند بداية التنفيذ أو كانت له مجرد نسخة عادية من حكم لازالمستأنفا أو لم يقع تبليغه أو حكم ببطلان هذا التبليغ أو بمقتضى حكم أجنبي لم يصدر الحكم بتذييلهبالصيغة التنفيذية بعد، أو بمقتضى حكم سقط تنفيذه بالتقادم لمرور ثلاثين سنة من يوم صدوره…
وفي هذا الصدد جاء في أحد أحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء: “حيث باستقراء الوثائق المتمسك بها من قبل المدعي يتجلى أن هذا الأخير لم يدل بنسخة التنفيذية من القرار الإستئنافي.
وحيث إنه في مادة تحقيق الدين فإن الأمر بحجز ما للمدين لدى الغير لا يغني عن تقديم النسخة التنفيذية للقرار المحدد لمبلغ الدين بصفة ثابتة وأكيدة، خاصة وأن المبلغ الأخير مختلف في نازلة الحال كما ورد بمحرر المدعين عن نظيرها الوارد بالسند التنفيذي… مما يتعين معه عدم قبول الطلب”
و تبقى صلاحية مراقبة مدى توفر الدائن على سند تنفيذي من عدمه ملقاة على عاتق قاضي الموضوع الذي بإمكانه إثارتها من تلقاء نفسه رغم إغفالها من قبل الأطراف.
ثالثا: عدم تحديد مقدار الدين
أوجب المشرع من خلال الفصل 438 ق.م.م بالإضافة إلى توفر الدائن على سند تنفيذي أن يكون الدين محل هذا السند مقدرا ومحددا تحديدا دقيقا، إذ لا يعقل أن تبقى قيمة الدين مبهمة.
وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض في أحد قراراتها: “يكون مقبولا ومنتجا طلب إيقاف إجراءات البيع القضائي للعقار المرهون أو المحجوز متى استند إلى وجود منازعة قضائية في المبالغ المطلوب تحصيلها عن طريق البيع.
إن المنازعة في الصفة وفي مقدار الدين، تشكل الأسباب الخطيرة والمبررة المنصوص عليها في الفصل 478 من ق.م.م”.
وعمليا فإن عون التنفيذ يبدأ بإجراءات الحجز على المدين تطبيقا للسند التنفيذي المدلى به من طرف الدائن، ويقوم بتبليغ محضر الحجز للمحجوز عليه حتى يحول ذلك دون تفويت المدين للعقارات المحجوزة ثم بعد ذلك يتوقف عن إتمام باقي الإجراءات إلى حين استصدار الحاجز لحكم يقضي بتقييم الأشياء.
وتطبيقا لما سبق إذا ما استمر عون التنفيذ في إتمام إجراءات الحجز دون معرفة لقيمة الدين المراد تحصيله، حق للمدين المحجوز عليه وكذلك لكل من له مصلحة في ذلك رفع دعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري طبقا لمقتضيات الفصل 484 من ق.م.م.
رابعا: عدم تبليغ السند التنفيذي للمدين
يعتبر تبليغ المدين بضرورة الوفاء، إجراء مسطريا ضروريا يجب على الدائن القيام به قبل ممارسة حقه في إجبار المدين على الوفاء، والغاية من ذلك حماية مصالح هذا الأخير ومنحه آخر فرصة لأداء ما بذمته طوعا قبل اللجوء إلى التنفيذ الجبري.
وبذلك يحق للمدين أو كفيله أو حائز العقار ولكل من له مصلحة مشروعة رفع دعوى بطلان إجراءات التنفيذ إذا ما تم البدء فيها دون تبليغهم بذلك أو تم تبليغهم في غير موطنهم الحقيقي أو شاب التبليغ خلل شكلي يترتب عليه البطلان كعدم ذكر مبلغ الدين أو أجل الوفاء..
الفقرة الثانية: أسباب الطعن ببطلان الإنذار العقاري
حماية لمصالح المدين الراهن فقد عملت جل التشريعات على إحاطته بنوع من الحماية من خلال إجبار الدائن المرتهن على توجيه إنذار عقاري له قبل الشروع في إجراءات التنفيذ، وذلك قصد إعطائه فرصة لأداء ما عليه طوعا قبل استيفائه منه جبرا.
لأجل ذلك فقد أوجب المشرع المغربي على الدائن المرتهن احترام مجموعة من الشكليات القانونية التي يكون من شأن الإخلال بها جعل الإنذار العقاري عرضة للطعن بالبطلان. فما هي الحالات الموجبة للطعن في الإنذار العقاري؟
أولا: عدم احترام الشكليات المتطلبة قانونا في الإنذار العقاري
اشتراط المشرع المغربي مجموعة من الشكليات القانونية التي يجب على الدائن الإشارة إليها في إنذاره العقاري تحث طائلة بطلان هذا الأخير.
وهكذا نجده في الفصل 205 من القانون المطبق على العقارات المحفظة، يشترط ضرورة الإشارة إلى اسم العقار المراد بيعه واسمه ومكانه وذلك رفعا كل لبس قد يقع فيه عون التنفيذ أثناء سريان مسطرة التنفيذ. ولهذا فإنه إذا تم إغفال تضمين أحد البيانات المنصوص عليها قانونا، فإن الإنذار يمكن أن يطعن فيه بالبطلان لهذا السبب.
وفي هذا الصدد جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء “وحيث ومن جهة أخرى فإن الشكليات الواجب توفرها في الإنذار العقاري هي تلك المنصوص عليها في الفصل 205 من التشريع المطبق على العقارات المحفظة وهي بيان اسم العقار الذي سيجري بيعه ورقم رسمه ومكانه.
وحيث بمراجعة الإنذار العقاري موضوع الدعوى نجده يتوفر على كل هذه الشكليات مما يجعل الدفع المثار بهذا الشأن هو الآخر غير مؤسس قانونا ويتعين عدم اعتباره”.
كما يمكن أن يبطل الإنذار العقاري أيضل في حالة عدم إرفاقه بشهادة التقييد الخاصة كما قرر ذلك الأمر الاستعجالي لرئيس المحكمة التجارية بوجدة “لكن حيث إن الطلب لم يدعم بالشهادة الخاصة بالرهن والتي تعتبر السند التنفيذي المعتمد في توجيه الإنذار والوثيقة الأساسية التي تتمحور حولها مسطرة تحقيق الرهن الرسمي، فهي التي تجسد الدين وتقوم مقام الحكم بالأداء وبناء عليها يفتح ملف الإنذار”.
ثانيا: عدم تبليغ الإنذار العقاري
بالإضافة إلى ضرورة أن يكون الإنذار مشتملا على كل البيانات السابق الإشارة إليها يجب أن يتم تبليغه إلى المدين حتى تتحقق الغاية المرجوة منه.
ويتم هذا التبليغ طبقا للقواعد العامة المتبعة في تبليغ الأحكام طبقا للفصول 37 و 38 و 39 و 54 من قانون المسطرة المدنية. وإذا لم تحترم إجراءات التبليغ هذه فإن الإنذار العقاري يصبح عرضة للبطلان إذا ما تم الطعن فيه.
حيث يبلغ المدين المرتهن شخصيا وفي موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص يسكن معه وفي هذا الصدد جاء في أحد قرارات محكمة النقض : “حقا لقد صح ما نعاه الطالب على القرار المطعون فيه ذلك أنه يتضح من شهادة التسليم تبليغ الإنذار وتسليم محضر الحجز التنفيذي العقاري أنه وقع تبليغهما إلى زوجة الطالب وليم ميلودة مستخدمة بالبنك المغربي للتجارة والصناعة بشارع الجامعة العربية بالجديدة وهو مقر عملها، ولذلك فالمحكمة لما اعتمدت التبليغ الواقع لزوجة الطالب بمقر عملها وهو غير موطن الطالب الحقيقي وبنت عليه قضاءها تكون قد خرقت الفصل 38 المذكور طليعته الذي ينص على أنه إذا وقع التسليم إلى الأقارب أو الخدم أو لكل شخص آخر يسكن مع من يراد التبليغ إليه، فإنه يتم ذلك التبليغ في موطن هذا الأخير وبالتالي عرضت قرارها للنقض”.
كما يجب على عون التنفيذ عند قيامه بتبليغ ذكر هوية من تسلم الإنذار وتضمينها بشهادة التسلم، وفي هذا السياق جاء قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء “وحيث انه اعتبارا لكون هوية الشخص الذي سلم له الطي ضرورية لمعرفة ما إذا سلم الاستدعاء أو التبليغ إلى الشخص نفسه أو في موطنه، وهل تم التسليم في الحالة الأخيرة إلى الشخص الذي له الصلاحية في تسلم الطي، فانه بناء على ذلك ونظرا لكون شهادة التسليم المدرجة بالملف لم تبين تحديدا هوية الكاتبة التي تعمل عند الطاعنة، فان التبليغ المنسوب لهذه الأخيرة يكون تبليغا غير قانوني لخرقه مقتضيات الفصل 39 من ق.م.م”.
لكن تجدر الإشارة إلى أنه حتى يتأت الطعن في الإنذار العقاري لعدم صحة التبليغ يجب أن يثبت الطاعن حصول ضرر له من جراء ذلك، لأن القاعدة لا بطلان بدون ضرر طبقا لمقتضيات الفصل 49 من ق.م.م. وفي هذا السياق جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء “وحيث صرح المدعي في مقاله أنه علم عن طريق الأغيار بموضوع الإنذار العقاري محل الدعوى الحالية الشيء الذي يجعل الغاية من التبليغ قد تحققت فعلا مادام المدعي قد أشعر برغبة الدائن في ممارسة إجراءات تصفية الدين المضمون بالرهن العقاري قبل سلكه مسطرة البيع الجبري.
وحيث إن الإخلالات الشكلية والمسطرية لا يقبلها القاضي إلا إذا أثبت مثيرها الضرر الذي لحقه من جرائها وذلك طبقا للفصل 49 من ق.م.م، الشيء الذي يجعل الدفع المثار من قبل المدعي غير معلل قانونا ويتعين بذلك رده”.
ثالثا: المنازعة في المديونية
من بين أهم الأسباب التي تعتمد من قبل الطاعنين في الإنذار العقاري نجد المنازعة في المديونية، حيث يكون ذلك إما في شكل إدعاء بانقضائها نهائيا أو في المبلغ المطلوب أو في الاحتجاج بالأداء الجزئي.
فبخصوص إدعاء انقضاء المديونية جاء في حكم للمحكمة التجارية بوجدة “حيث أسس المدعي طلبه على كونه أدى مجموعة من أقساط الدين، ورغم ذلك لم يتم احتسابها عند حصر المديونية خاصة أن تلك الأقساط تقارب مبلغ القرض، معززا طلبه بصورة شمسية لعقد القرض وأخرى لإنذار عقاري. وحيث إنه من جهة فإن السبب الذي أسس عليه المدعي طلبه جاء غير مؤسس إذ لم يعزز ادعاءه بأية وثيقة تفيد أداء الدين موضوع الإنذار العقاري المطلوب إبطاله”
المراجع
– إبراهيم بحماني، تنفيذ الأحكام العقارية، مكتبة دار السلام الرباط، الطبعة الثانية
– يونس الزهري، الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي، الجزء الثاني، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش،
– حسن فتوخ، التقييد الاحتياطي وعلاقته بالحجوز والإنذارات العقارية، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع
– عبد العلي حفيظ، العمل القضائي في الحجز التنفيذي العقاري، دار القلم
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات