محتويات المقال
الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات
إن تحديد الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات وقوتها الإلزامية، سواء من حيث حجيتها أو طرق الطعن المتعلقة بها، يقتضي ابتداء بیان خصائص هذه القرارات، وأنواعها، ليتأتي لنا بعد ذلك مناقشة إمكانية الطعن فيها،
أولا- خصائص القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات
إن قانون المسطرة الجنائية جاء خاليا من أية إشارة في هذا الشأن، غير أن ما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 640 ق م ج من أن وكيل الملك لا يأمر أعوان القوة العمومية بإلقاء القبض على المدين “إلا بعد صدور قرار بالموافقة على ذلك، عن قاضي تطبيق العقوبات”، يسعفنا على الأقل في القول بأن ما يصدر عن قاضي تطبيق العقوبات يسمى قرارا وليس حكما
كما أن الانطلاق من الكيفية المسطرية العملية التي يمارس بها قاضي تطبيق العقوبات اختصاصاته، وكذا نفوذ القرار الصادر عنه إلى أن وزارة العمل في هذا الشأن يسعف في بيان الخصائص التالية:
1- أنه قرار يصدر عن جهة قضائية
لكون قاضي تطبيق العقوبات يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية (المادة 596 ق م ج)، لذلك فإنه يخضع لبعض شكليات وبيانات الأحكام القضائية، ومن ذلك:
– صدوره باسم جلالة الملك
– يجب أن يكون معللا سواء كان يتطبيق الإكراه البدني أو يعدم تطبيقه
– يجب أن يكون موقعا من طرف القاضي والكاتب…
2- أنه قرار يصدر في مادة غير نزاعة
وبالتالي فهو لا ينشئ ولا يقرر حقا لطرف معين ولا تأثير له على المراكز القانونية الأطراف المقرر القضائي موضوع مسطرة الإكراه البدني، ويترتب على ذلك ما يلي:
– صدور قرار قاضي تطبيق العقوبات في إطار مسطره عبر تواجهية وفي عيبة الأطراف
– اقتصار ولاية قاضي تطبيق العقوبات على الوثائق المضمنة بالملف كما أحيل من طرف وكيل الملك، دون غيرها من الوثائق التي قد يدلي بها الأطراف
– أنه قرار يشكل ركنا أساسيا في تطبيق مسطرة الاكراه البدني
على الأقل بالنسبة للديون الخاضعة في استخلاصها لقانون م ج، وهذا ما پبرز بوضوح من خلال ما تنص المشرع في المادة 640 من ق م ج، ويستثنى من هذه الموافقة الحالة المنصوص عليها في المادة 641 ق م ج، وذلك عندما يكون المدين المطلوب إكراهه ما يزال معتقلا وأصبح الحكم الصادر في حقه مكتسبا القوة الشيء المقضي به
ثانيا – أنواع القرارات التي يصدرها قاضي تطبيق العقوبات
1- القرار يتطبيق الإكراه البدني
ويصدر هذا القرار بعد تأكد قاضي تطبيق العقوبات من استيفاء الملف، للأحكام الإجرائية والموضوعية للإكراه البدني، والانتقاء أي مانع من الموانع المقررة قانونا، فهذا القرار لا يشكل إضافة إجرائية نوعية في مسطرة الإكراه البدني، وإنما يقتصر فقط على التصريح بمطابقة الإجراءات المتحدة من قبل طالب الاكراه للمقتضيات المنصوص عليها قانونا
2 – القرار بتطبيق الأكراه البدني مع تحديد مدة الأكراه
ويصدر هذا القرار في نطاق المادة 644 ق م ج، التي تنص على أنه “يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالعين المطلوب تطبيق الإكراه في حقه، وفي حالة الحكم يتضامن المدينين، وتراعي في ذلك حصة المدين المعني بالأمر من الدين”. وتشار بخصوص هذا القرار ثلاث مسائل على جانب كبير من الأهمية
أ – الضوابط القانونية لتدخل قاضي تطبيق العقوبات لتحديد مدة الاكراه
إن التدقيق في مقتضيات المادة 644، يسعف في استخلاص الشروط الآتية:
– أن يكون المدين المراد تحديد مدة الأكراد في حقه موضوع طلب تطبيق مسطره الاكراه البدني أمام قاضي تطبيق العقوبات
– أن يكون التضامن مقررا بمقتضى حكم قضائي
– أن يتعلق الأمر باحد المدينين المتضامنين وليس كل المدينين المتضامنين.
ويمكن بيان هذه الشروط في المادة 644 من قيم ج من خلال الصياغة الآتية: “يحدد قاضي تطبيق العقوبات مدة الإكراه البدني المتعلقة بالمدين المطلوب تطبيق الاكراه في حقه، في حالة الحكم بتضامن المدينين، وتراعي في ذلك حصة المدين المعني الامر من الدين”
إلا أن المناقشة التي يثيرها الشرط الثالث الوارد أعلاه، وهو هل اختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني، إنما ينحصر فقط في الحالة التي يكون طلب الإكراه البدني يتعلق بأحد المديين المتضمن دون الباقي، كما قد پفهم من خلال اشتراط المشرع ضرورة مراعاة حصة “المدين المعني بالأمر؟ أم يشمل حتى الحالة التي يكون فيها طلب الأكراه البدني يهم كل المدينيين المتضامنين؟.
إن مراعاة غاية المشرع في إسناد هذه الصلاحية لقاضي تطبيق العقوبات، وتجاوزا المشاكل التي كان يطرحها الفراع التشريعي بخصوص هذه المسألة في قانون المسطره الجنائية السابق، حيث كان وكيل الملك هو الذي يقوم بهذه المهمة، لكون المحكمة المصدره للمقرر المراد تنفيذه لا تختص إلا إذا كانت مدة الاكراه البدني غير محددة، أو هناك منازعة في التحديد، وهو الأمر غير الوارد في حالة المدينين المتضامنين المحددة في حقهم جميعا مده الإكراه، وإعمالا كذلك لقاعدة أنه ” لا تضامن في الإكراه البدني”، تری آن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يتحقق حتى في الحالة التي يكون فيها طلب الإكراه البدني موجها ضد كل المدينين المتضامنين، حيث يحدد مدة الإكراه الخاصة بكل مدین اعتبارا لحصته من الدين، وهو الأمر الذي تبرز فعاليته في الديون المدنية، حيث يتعدد الكفلاء، وتختلف المبالغ موضوع الكفالة
ب – امكانية تقديم طلب مستقل الى قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني
إن الجواب بالنفي عن هذا التساؤل يفرض نفسه لعلة جوهرية واضحة، و هي تلك المنصوص عليها في المادة 644 من ق م ج، والتي تستلزم الاختصاص قاضي تطبيق العقوبات بتحديد مدة الإكراه البدني أن يكون المدين موضوع مطلب لتطبيق الإكراه البدني، وكذلك لاعتبارات أخرى نجملها فيما يلي:
– إن احالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات من طرف النيابة العامة لم يجزه المشرع إلا في حالة واحدة، وهي من أجل الموافقة على تطبيق الاكراه البدني
– المشرع حدد الطريقة التي يضع بها قاضي تطبيق العقوبات يده على القضية وهي الإحالة من طرف وكيل الملك، وبالتالي يمتنع على الأطراف تقديم طلب مباشر بتحديد المدة أمام قاضي تطبيق العقوبات، كما أن وكيل الملك لا يحيل الملف إلا من أجل المطالبة بتطبيق الإكراه البدني كما أوضحنا سابقا، مما يبقى معه الطلب مفتقرا إلى الوسيلة المسطرية الممكن سلوكها قانونا
– إنه تنتهي الفائدة العملية من تحصيل قرار بتحديد المدة – علي فرض الاستجابة للطلب، ولا يكون من شأنه إلا تضخيم الإجراءات، مادام ان المعول عليه في تطبيق مسطرة الاكراه البدني هو صدور قرار بتطبيق الاكراه البدني
3 – القرار بعدم تطبيق الإكراه البنتی
ويصدر هذا القرار في الحالة التي يتأكد فيها قاضي تطبيق العقوبات من وجود منع من موانع الإكراه، أو تخلف أحد الشروط الشكلية
ثالثا – الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات
واضح من خلال الخصائص التي بیداها أعلاه، للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات، أن الطبيعة القانونية لهذه القرارات تراوح بين الطابع القضائي الولائي (تقرار صادر عن جهة قضائية)، وبين الطابع الإجرائي (باعتبارها إجراء من إجراءات الاكراه البدني)، بحيث يبرر طابع الطابع الإجرائي أكثر في القرارين المتعلقين بتطبيق الإكراه البدني، وبتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة، في حين يعلب الطابع القضائي في القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني لتمحوره حول عنصر التعليل أكثر، وبالتالي التساؤل حول إمكانية الطعن في قرارات قاضي تطبيق العقوبات استقلال عن باقي إجراءات الإكراه البدني؟
وبهذا الخصوص و انطلاقا مما خلصنا إليه حول الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات، فإنه يتعين في اعتقادنا التمييز بين نوعي القرارين الصادرين عن قاضي تطبيق العقوبات، تطبيق الإكراه البدني أو عدم تطبيقه، و هكذا:
1/ فإذا تعلق الأمر بقرار تطبيق الإكراه البدني، أو بتطبيق الإكراه البدني مع تحديد المدة، فإنها تميل الى تأكيد عدم قابليتها لأي طعن استقلالا عن الطعن في باقي اجراءات الإكراه البدني، وذلك للاعتبارات التالية:
– مراعاة لصيغة النظام العام التي تلحق المقتضيات الجنائية الإجرائية و الموضوعية والتي من مقتضاها أنه لا طعن إلا بنص، ولا وجود لنص يجيز امكانية الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات
– إن قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق مسطرة الإكراه البدني، ما هو إلا إجراء جديد من إجراءات مسطرة الإكراه البدني وبالتالي فهو يخضع من حيث المنازعة فيه لنفس مسطرة المنازعة في باقي إجراءات مستقرة الإكراه البدني
– إن المشرع حدد الجهات التي لها صلاحية البت في المنازعات المتعلقة بمسطره الإكراه البدني، وهي رئيس المحكمة الأبتدائية لمحل اعتقال أو إلقاء القبض على المدين، إذا تعلق الأمر بمنازعة في صحة إجراءات الأكراه البدني، كعدم توجيه إنذار المدين أو لكون المقر القضائي المطعون فيه أحد طرق الطعن غير العادية، أو توفر المدين على ما يحجز (المواد 599 – 600 – 643 ق م ج )
ومن المعلوم أن المنارعة المحتملة في قرار قاضي تطبيق العقوبات بتطبيق الإكراه البدني، لن تخرج عن هذا الإطار، وبالتالي فإن الطعن يتم أمام هذه الجهات بحسب نوع المنازعة، أما إذا انصبت المنازعة على القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات نفسه، يسبب بعض الاختلالات التي تعتريه، تتضمنيه اسما غير اسم المدين المطلوب ضده الإكراه، أو لكون مدة الإكراه حددت في حق المدين المتضامن تجاوز الحد الأقصى أو لا تتناسب كليا مع حصته من الدين ، فإن اختصاص البت في هذه المنازعة يرجع لقاضي تطبيق العقوبات نفسه، باعتبار أن تلك المسائل تدخل ضمن الأخطاء المادية أو الغفلات التي يرجع للجهة المصدرة صلاحية تداركها
ومن ثم فما دام إذن باب الطعن مفتوحا على هذا النحو، فلا ضرورة تدعو لتميز القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات بمسطرة منازعات خاصة أو تقرير طرق طعن خاصة به، وما يترتب عن ذلك من تطويل في الإجراءات وتعدد في المساطر، وهكذا فإن طرق المنازعة في إجراءات الإكراه البدني التي كانت متاحة في الوضع القانوني السابق، هي نفسها التي تظل سارية في الوضع الراهن.
2/ أما إذا تعلق الأمر بقرار عدم تطبيق الإكراه البدني ففي هذه الحالة فإن طالب الإكراه:
– إما أن يقتنع بصحة المانع من تطبيق مسطرة الإكراه البدني المبين بقرار قاضي تطبيق العقوبات، وهنا يكون من حقه إعادة الطلب من جديد بعد تصحيح الإجراءات أو تدارك المانع السابق، ودون أن يحتج على ذلك بسبقية البت، اعتبارا لما أسلفناه بخصوص الطابع الإجرائي الولائي لقرارات قاضي تطبيق العقوبات لكونه يراقب ولا يبت
– وإما أن ينازع في السبب المبني عليه القرار بعدم تطبيق الإكراه البدني: وفي هذه الفرضية تتعقد المسألة، حيث يبرر الطابع القضائي القرار قاضي تطبيق العقوبات مجسدا في عنصر التعليل، فتتحول المنازعة من منازعة في إجراء من إجراءات الإكراه البدني إلى منازعة في تعديل قانوني، وهنا لا يمكن إسناد البت في هذا النزاع لا لرئيس المحكمة ولا للمحكمة المصدرة للمقرر المراد تنفيذه، لأن اختصاص هاتين الجهتين إنما يرتبط بالمنازعات المتعلقة بتنفيذ الإكراه البدني،
بدلیل اشتراط المشرع في المادة 643 م ق ج وجود المدين في وضعية اعتقال حتی يتحقق اختصاص رئيس المحكمة للبت في النزاع، كما يستشف ذلك من خلال تحويل المحكمة التي تنبت في النزاعات العارضة، صتية توقيف التنفيذ المتنازع فيه، والحال في هذه الوضعية أن مسطرة الإكراه البدني لم يبدأ في تنفيذها، كما أن الحديث عن طعن اداری بالالغاء يبقى محل نظر لكون القرار الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات، لا يعتبر قرارا إداريا بأي حال من الأحوال، ولا تتوفر فيه خصائص القرارات الادارية
كما أن اللجوء إلى الطعن بالاستئناف في القرار بعدم تطبيق الاكراه البدني، سيفتح المجال تضخم الطعون في المسطرة الواحدة، وسيجعلنا أمام أوضاع معقدة ولا يعتقد أن إرادة المشرع قد انصرفت إلى إليها، وإلا أصبحنا أمام دعوى مستقلة التنفيذ الإكراه البدني قد تستغرق مدة أطول من تلك التي استغرقها دعوی مستقلة لتنفيذ الإكراه البدني لا تستغرق مدة أطول من تلك التي استغرقتها دعوى الموضوع،
وكان الأولى بالمشرع أن يلتفت إلى هذه المسألة وأن ينص صراحة على جواز او عدم جواز الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات بخصوص مراقبة سلامة إجراءات الإكراه البدنی حفاظا على وحدة التطبيق القضائي، و ارتقاء بالعمل التشريعي الى مستوى من الضبط يتلاءم وما تتسم به القواعد القانونية من دقة وتناسق ووضوح، وذلك على غرار ما ذهب إليه المشرع الفرنسي من تحليل الدقيق لأوجه الطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات ولا أحل الطعن وجهة الطعن و غيرها من الأحكام القانونية
- ملخص القانون العقاري
- ملخص علم الإجرام
- ملخص قانون التأمين
- ملخص صعوبات المقاولة
- ملخص القانون الدولي الخاص
- ملخص العقود الخاصة – الفصل الخامس
- تعدد الشركاء في الشفعة
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات