محتويات المقال
الصورية في عقد الزواج
الصورية مؤسسة قانونية نظمها الفصل 22 من ق.ا.ع : غير أن المشرع لم يتطرق إليها في مدونة الأسرة بأي وجه من الوجوه
وقد عرضت على القضاء المغربي قضية تتعلق بصورية عقد الزواج. فماذا كان موقفه ؟
موقف القضاء المغربي عبر عنه بوضوح قرار محكمة النقض عدد 50 م.ش.ع 2013/1/2/657/ بتاريخ 10 فبراير 2015
نتوقف فيما يلي عند مضمونه، فتتوقف عند وقائعه، ثم نبرز موقف القضاء منه
الفقرة الأولى : وقائع القرار وموقف القضاء منها
أولا – الوقائع
تقدمت السيد السعدية (ر) بتاريخ 18 مارس 2011 أمام الحكمة الابتدائية بالمحمدية مقال افتتاحي للدعوى عرضت من خلاله أن المدعى عليه محمد (ع) متزوج بها وليس لها أبناء منه وأنه، ومنذ فاتح غشت 2009، توقف عن الإنفاق عليها والحال أنه میسور وله عمل قار بالديار الإسبانية. وقد التمست من المحكمة الحكم عليه بنفقتها المحددة في مبلغ 5000 درهم شهريا وتوسعة الأعياد المحددة في مبلغ 5000 درهم عن كل عيد، والكل ابتداء من فاتح غشت 2009، وهو تاريخ الإمساك، إلى حد سقوط الفرض شرعا، مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل، ومع تحميل المدعى عليه صائر الدعوى.
وأدلت المدعية لإثبات صدقها بصورة من عقد الزواج مذيل بالصيغة التنفيذية
ثانيا – المسطرة القضائية
1- موقف الحكمة الابتدائية بالمحمدية من الطلب
حكمت المحكمة وفق الطلب مع تخفيض المبالغ التي طالبت بها المدعية على الوجه الآتي:
500 درهم شهريا عن النفقة من تاريخ فاتح غشت 2009 إلى حين سقوط الفرض شرعا، و 1000 درهم سنويا عن توسعة الأعياد، مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل، وجعل صائر الدعوى على المدعى عليه.
وقد تم استئناف هذا الحكم أمام محكمة درجة ثانية
2- موقف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء من الحكم الابتدائي
استأنف المدعى عليه الحكم الابتدائي أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كما استأنفته المدعية
تمسك المستأنف ببطلان عقد الزواج لصوريته، وهو ما سبق له أن تمسك به أمام المحكمة الابتدائية، وتمسكت المستأنف عليها بهزالة التعويضات المحكوم بها لصالحها.
أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي مع تعديل مبلغ النفقة الذي رفعته إلى 600 درهم شهريا، والباقي بدون تغيير
3 – موقف محكمة النقض من قرار محكمة الاستئناف
أ – السبب المتمسك به من طرف الطاعن
جاء في السبب المتمسك به أمام محكمة النقض “حيث يعيب الطالب القرار بنقصان التعليل الموازي لانعدامه، ذلك أنه أثار في جميع مراحل الدعوى أن عقد الزواج المستدل به من طرف المطلوبة، إنما انجز بينهما لأجل حصوله على وثائق الإقامة بإسبانيا التي كان يقيم بها بطريقة غير شرعية، وأن العقد المذكور كان مقابل مبلغ مالی وأنه كان من الواجب اجراء بحث في النازلة مع الطرفين للتاكد مما اذا كان الزواج صحيحا أو معلقا على شرط، فيعتبر عقدا باطلا لا يمكن أن يرتب آثاره القانونية، ملتمسا لذلك نقض القرار المطعون فيه والصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء”.
ب – عدم اقتناع محكمة النقض بالسبب المتمسك به من جانب الطاعن
ردت محكمة النقض طلب الطعن بالنقض بناء على الحيثية الأتية :
“لكن، حيث إن الزواج الصوري لا وجود له في القانون المغربي، لأن المعمول به شرعا وفقها هو قول رسول الله صلى عليه وسلم : ” ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة”.
ثم إنه بمقتضى المادة الرابعة من مدونة الأسرة، فإن الزواج میثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان او العفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين، طبقا لأحكام مدونة الأسرة. و المحكمة المطعون في قرارها لما أعملت الزواج المذيل بالصيغة التنفيذية الرابط بين الطرفين ورتبت عليه آثاره القانونية ومنها الحكم للمطلوبة بالنفقة وتوسعة لأعياد، تكون قد طبقت مقتضيات الملاحة أعلاه تطبيقا صحيحا وعللت قرارها تعليلا كافيا وكان ما بالوسيلة على غير أساس”.
قبل الدخول في صلب موضوع التعليق، نبدي الملاحظات الثلاث التالية بشأن القرار أعلاه:
1- ركز الطاعن بالنقض طعنه على أن هناك شرطا باطلا يترتب عليه بطلان عقد الزواج غير أن محكمة النقض صححت سبب الطعن ضمنيا مباشرة بأن الأمر يتعلق بالصورية لا بالشرط، على ما يتضح من مطلع ردها :
“لكن، حيث إن الزواج الصوري لا وجود له في القانون المغربي..”
2- ردت محكمة النقض طلب النقض بناء على أسس ثلاثة :
أ – عدم تنظيم المشرع المغربي للصورية في عقد الزواج
ب – اعتماد الحديث الذي يقضي بأن الهزل في الزواج كالجد فيه
ج – اعتماد المادة الرابعة من مدونة الأسرة التي تعرف عقد الزواج.
3- عرضت على القضاء الفرنسي علة قضايا مشابهة لتلك عرضت على القضاء المغربي من خلال قرار محكمة النقض المغربية الصادر في 10 فبراير 2015، سنحاول من خلالها أن نتعرف على موقف ذلك القضاء والذي كان له موقفا مغایر
الفقرة الثانية : صورية عقد الزواج في القانون الفرنسي
نظم المشرع الفرنسي الصورية – وسماها ورقة الضد – في مادة وحيدة هي المادة 1321 من القانون المدني وقد جاء فيها:
” أوراق الضد يمكن أن ترتب آثارها بين المتعاقدين ولا أثر لها مطلقا في مواجهة الأغيار”
ونفترض الصورية وجود عقدين أحدهما ظاهر وثانيهما خفي بيرمان بين نفس الأطراف المتعاقدة وبدون أن يكون هنالك تطابق بين العقدين وهما العقد السري والعقد الظاهر الصوري.
أولا : صورية عقد الزواج أمام القضاء الفرنسي
إذا كان المشرع قد نظم الصورية في المادة 1321 من القانون المدني، فهو قد سكت عن الصورية التي تنصب على عقد الزواج.
1 – تعريف الصورية في عقد الزواج
يطلق الفقه الفرنسي على الزواج الصوري مصطلح Le mariage simula أو الزواج الأبيض Le mariage blanc أو زواج المجاملة Le mariage de complaisance أو زواج الحيلة Le Ilariage fictif
يعرف جمهور الفقه الفرنسي الزواج الصوري أو الأبيض كالآتي : عقد الزواج الصوري، ويطلق عليه عادة الزواج الأبيض، هو زواج يكون فيه أحد الزوجين على الأقل قد أبرم هذا العقد للحصول على امتياز يمنحه مركز الزوج, وليس تحقیق آثار الزواج كما حددها المشرع من خلال المادة 203 من القانون المدني.
وهكذا، فأحد الزوجين أو هما معا في زواج صوري، لا يستهدفان زواجا صحيحا، وإنما يستهدفان على الأقل الحصول على امتياز أو امتیازات لا تخولها عادة إلا صفة الزوج، ومن ذلك الحصول على جنسية دولة أجنبية كفرنسا مثلا (المادة 21 – 1 من القانون المدني) أو الحصول على بطاقة الإقامة على سبيل المثال.
ومن الواضح أن مجمل التعاريف التي يقدمها الفقه الفرنسي عادة مستمدة من قضاء محكمة النقض، وبالخصوص من قرار ابیطو Apietto الصادر في 20 نونبر 1963 (قرار الغرفة المدنية الأولى).
2 – القضاء الفرنسي يكرس فكرة بطلان الزواج الصوري
انطلق القضاء الفرنسي لتقرير ملی صورية عقد الزواج من المادة 146 من القانون المدني ومفادها أنه لا زواج بدون تراض صحيح بين الزوجين
أ- وأول قرار أصدرته محكمة النقض الفرنسية في الموضوع هو قرار أبيطو Aprieto، وكان ذلك في 20 نونبر 1963 وقد جاء فيه ما يلي:
يعتبر الزواج الصوري باطلا لغياب التراضي إذا كان الزوجان لن يقبلا على إبرام العقد إلا للحصول على نتيجة أجنبية على العلاقة الزوجية”
وخلافا لذلك يكون العقد صحيحا بين الزوجين من كانت النتيجة المتوخاة من الزواج المبرم، لها ارتباط بالعلاقة الزوجية ومن ذلك منح ابنهما صفة الابن الشرعي
وفي نظرنا أن هذا القضاء كان رحيما بالزوجين، خلافا للمواقف المتشددة التي سوف تأتي على ذكرها لاحقا
وقد انتقد بعض الفقه موقف محكمة على اعتبار أنه من الصعب جدا التمييز بين الآثار المرتبطة بعقد الزواج وتلك الأجنبية عنه .
ب – ثاني قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية كان بتاريخ 28 أكتوبر 2003 :
أبرم عقد زواج بين شخصين من جنسية فرنسية، وبعد مدة، طالب الزوج من القضاء الحكم ببطلان عقد الزواج الذي كان صوريا، حيث لم يكن الهدف الأساسي من إبرامه لذلك العقد، إلا إبعاد أمواله عن الورثة يجعلها تندرج في إطار العلاقة المالية بين الزوجين والمترتبة عن عقد الزواج راجع حول الموضوع المواد 1387 وما يليها من القانون المدني الفرنسي).
ورفض قضية الموضوع الحكم ببطلان عقد الزواج وهو ما كان محلا للنقض من جانب حكمة النقض الفرنسية والتي أكدت من جديد الموقف الذي تبنته سنة 1963، والقاضي ببطلان الزواج الصوري إذا كان يرمي إلى الحصول عن نتيجة اجنبية عن علاقة الزواج
وفي قرار آخر صادر عن محكمة النقض الفرنسية، فإن الزوج الذي يدعى بطلان العقد بسبب الصورية والتخلف عنصر التراضي الذي تعبر عنه المادة 146 السالفة الذكر، عليه هو أن يثبت ما يدعيه، والمقصود إثبات غياب نصد استهداف الحياة الزوجية المشتركة. مع العلم أن مجرد المساكنة الشرعية وحدها لا تكفي
ج – ثالث قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية : قرار 6 يناير 2011
إن دعوى بطلان عقد الزواج الصوري المبنية على خرق مقتضيات المادة 146 من القانون المدني الفرنسي، أي لغياب التراضي بشأن الحياة الزوجية المشتركة، هي دعوى بطلان مطلق، مفتوحة في وجه كل من له مصلحة أكيدة في ذلك، وبما في ذلك النيابة العامة بطبيعة الحال.
د- رابع قرار صادر عن محكمة النقض بتاریخ فاتح يونيو 2011
هذا القرار هو عبارة عن تأكيد للاتجاه الذي تنهجه محكمة النقض الفرنسية منذ سنة 1963 والمبني أساس على الإخلال بعنصر التراضي في عقد الزواج، حيث يكون المقصود تحقيق نتيجة لا علاقة لها بالحية المشتركة المنبثقة عن عقد الزواج، إذ الأمر يتعلق فقط بحصول الزوج على بطاقة إقامة بالديار الفرنسية ، لا غير،
وعندما تسعى إرادة الزوجين إلى تحقيق نتيجة غير الحياة الزوجية المشتركة بينهما والخضوع لآثارها، فإن بطلان ذلك العقد يكون هو المصير، على أن القرارات القضائية المشار إليها أعلاه هي مجرد أمثلة لا غير، إذ هناك قرارات أخرى لم نستطع لضيق المجال الرجوع إليها
3 – نحو التصدي للزواج الصوري
حاول المشرع الفرنسي التصدي لظاهرة الزواج الصوري المنتشر في فرنسا بعدة وسائل على وجه الخصوص :
أ- من حيث التصدي لظاهرة الزواج الصوري في فرنسا والذي يمس بالكيان السياسي والاجتماعي للدولة، تقرر أن تعطى لضابط الحالة المدنية وهو يتلقى الإيجاب والقبول من الخطيبين بخصوص إبرام عقد الزواج، ألا یبقی دوره سلبيا يقتصر على سماع التراضي على الزواج بينهما، إنما عليه أن ينتبه إلى كل ما يثير شكوكه، فينبه بذلك وكيل الجمهورية التي له أن يتخذ ما يراه مناسبا في مثل هذا الوضع.
ب – من حيث العقوبة الجنائية : إن القانون الفرنسي المتعلق بالهجرة وبحق طلب اللجوء السياسي يعاقب خمس سنوات حبسا و 150 أورو كغرامة كل من ابرم عقد زواج بقصد تمكين الزوج الآخر من الحصول على بطاقة الإقامة أو الحصول على الجنسية الفرنسية أو توقی الابعاد من الأراضي الفرنسية. وتطبق هذه العقوبة كذلك بالنسبة للطرف الأجنی الذي أخفى مقصوده عن الطرف الآخر
الفقرة الثالثة : هل يمكن الأخذ بصورية عقد الزواج في القانون المغربي :
أولا – معنى الصورية ومجالها
جاء في مطلع تقريرات الفقيه المصري عبد الرزاق احمد السنهوري، وهو بصدد تحليل أحكام دعوى الصورية، باعتبارها مکن الوسائل المتاحة للدائنين الإيطال التصرفات القانون الضارة بهم والصادرة عن مدينتهم، إذ هو يقول :
” يلجأ المتعاقدان عادة إلى الصورية عندما يريدان إخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه لسبب قام عندهما ومن هنا وجد:
1- العقد الظاهر (Acte apparent)، وهو العقد الصوري (Acte simule fictif)
2- العقد المستتر (Acte secret)، وهو العقد الحقيقي (Acte reel) وتسميه الحاكم المصرية عادة بورقة الضد ( Contre- letre )
والصورية قسمان : صورية مطلقة وصورية نسبية والصورية النسبية إما أن تكون بطريق التستر وإما أن تكون بطريق المضادة وإما أن تكون بطريق التسخير
نظم المشرع المصري الصورية من خلال مادتين ضمنتا بالقانون المدني وهما المادتان 244 و245
ونهج المشرع المغربي نهج المشرع الفرنسي من خلال وضع مادة وحيده تحدد آثار الصورية بالخصوص بالنسبة للمتعاقدين وخلفهما العام – أي الورثة – وبالنسبة للغير، وهكذا فقد نص الفصل 22 من قاع على أنه :
“الاتفاقات السرية المعارضة أو غيرها من التصريحات المكتوبة لا يكون لها أثر، إلا فيما بين المتعاقدين ومن يرثهما، فلا يحتج بها على الغير إذا لم يكن له علم بها. ويعتبر الخلف الخاص غيرا بالنسبة لأحكام هذا الفصل”
والظاهر أن المشرع الفرنسي ونظيره المصري والمغربي قد اقتصروا على تنظيم الصورية في مجال العقود المالية من بيع وشراء وهبة وكراء، على بيل المثال ، لا غير.
ولم يتطرق هؤلاء المشرعون إلى الصورية بخصوص علاقة الزواج، وهي مبدئيا علاقة غير مالية من حيث الأصل
على أن القضاء الفرنسي وقد عرضت عليه حالات كثيرة تتعلق بصورية عقد الزواج، قد وجد لهذه الحالات حلولا بالاعتماد على المادة 146 من القانون المدني المتعلقة بالتراضي بين الزوجين على الزواج، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
ثانيا – موقف القضاء المغربي من صورية عقد الزواج
سبقت الإشارة إلى أن القضاء المغربي – وفي مقدمته محكمة النقض – لم يأخذ بفكرة صورية عقد الزوج – خلافا لنظيره الفرنسي، بالاعتماد على الأسانيد الآتية:
1-عدم تنظيم المشرع المغربي للزواج الصوري
الزواج الصوري مسألة غائبة عن مدونة الأسرة.
وقد نسي القضاء المغربي أو تناسى أنه مشرع احتياطي عليه أن يبحث عن الحلول التي لم يضعها المشرع، بالاعتماد على مصادر القانون التقليدية وفي مقدمتها أحكام الشريعة الإسلامية، مع الاستعانة بأحكام المذهب المالكي السائد عندنا، وهو ما تفرضه مقتضيات المادة 400 من مدونة الأسرة.
ومن جانبنا، نحبذ لو أن القضاء المغربي استأنس بالفصل 22 من ق, ا، ع ، التي يندرج ضمن القواعد العامة، وإن كان المشرع المغربي من خلال ذلك المقتضی لم يميز بين صورية مشروعة وأخرى غير مشروعة.
وعلى كل حال فإنني أرى أن موقف محكمة النقض المغربية فيه جانب من إنكار للعدالة.
2 – اعتماد حديث ثلاث جدهن جد وهزلهن جد
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة”
ودون الدخول في مفهوم هذا الحديث وفي ملى صحته نكتفي بالقول إن المشرع المغربي قد بين أركان وشروط عقد الزواج، وكيفية انحلاله بكيفية اتقصى الحديث أعلاه، وإلا قمنا بالاجتهاد في مورد نص، حیادا عن مقتضیات المادة 400 من مدونة الأسرة وقد جاء فيها: “كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي”
وعليه، فما حسمه المشرع بنص أو بنصوص صريحة، فإنه لا يمكن مطلقا الاجتهاد في إطاره. وبالإضافة إلى ما سبق بيانه، فالحديث أعلاه ينصرف إلى الزواج حقيقة لا إلى الزواج الصوري الذي لا وجود له في الواقع.
3 – بالاعتماد على المادة 4 من مدونة الأسرة
تعرف المادة 4 من مدونة الأسرة الزواج على الوجه الآتي :
“الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين، طبقا الأحكام هذه المدونة “.
وللزواج اركان وشروط، هي المحلية بالمواد من 10 إلى 13 من مدونة الاسرة
ومن أهم آثاره :
” المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية وعدل وتسوية عند التعدد واحصان كل منهما وإخلاصه للآخر، بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل…”(
وحسب المادة 57 من مدونة الأسرة، يكون الزواج باطلا إذا اختل فيه أحد الأركان المنصوص عليها في المادة 10، والمقصود الإيجاب والقبول المكونين معا لركن التراضي
والتراضي في عقد الزواج يجب أن ينصرف إلى تحقيق مضمون المادة 4 من مدونة الأسرة، وإلا كان محتلا لا يعتد به
والإيجاب والقبول يجب أن يتحرى بشأنهما العدلان المنتصبان للإشهاد وأن يضمناهما بعقد الزواج (المادة 67 من مدونة الأسرة).
والزواج الصوري الذي لا يهدف إلى تحقيق شيء مما سبق، وخاصة تأسيس أسرة والعيش في كنفها بما يحقق مضمون ومقصود المادة 4 من مدونة الأسرة، وإنما يستهدف مصلحة أخرى غالبا ما تكون إدارية كالحصول على بطاقة الإقامة أو وثيقة الجنسية أو إضفاء الشرعية على ابن غير شرعي، أو تعطيل خطر الإبعاد عن البلد الذي يقطن به الزوج المعني بالصورية
ونحبذ الاستئناس هنا بما استقر عليه القضاء الفرنسي بالاستناد على ركن التراضي في عقد الزواج، والذي يجب ألا يقتصر على مجرد تعبير شکلي “نعم أريد أن أتزوج من فلان” وإنما يجب النظر بعيدا بخصوص ما وراء هذا التراضي حتى يتحقق المقصود من الزواج.
4- في نظرنا يندرج الزواج الصوري في إطار الحيل الممنوعة شرعا
يعرف الفقيه الأصولي الشاطبي الخيل كما يلي: “…. تقدیم عمل ظاهر الجواز الإبطال حكم الجواز لابطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر…”
وهو يقول كذلك :”لا ثبت أن الأحكام شرعت المصالح العباد كان الأعمال ومعتبرة بذلك مقصود الشارع فيها كما تبين – فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية، فلا آشکال. وإن كان الظاهر موافقا والمصلحة مخالفة. فالفعل غير صحيح وغير مشروع، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخرى هي معانيها وهي المصالح التي شرعت لأجلها، فالذي عمل في ذلك على غير هذا الوضع فليس على وضع المشروعات”
ومن الأمثلة التي ضربها الفقه في هذا الصدد :
“… وكذلك عقد النكاح قصد الشارع منه تكوين الأسر، وإنجاب الولد والسكن والمودة والرحمة. فإذا عقد المحلل زواجا بعد التحليل للزوج الأول وليس في نيته أن يكون أسرة ولا أن بتعاون مع زوجه على تربية الولد، فإن قصده يعد مناقضا لقصد الشارع، إذ مقاصد الشارع من الزواج تقتضي العشرة الدائمة والتعاون بين الزوجين على أعباء الحياة وهو لم يقصد بعقد الزواج شيئا من هذه المصالح
وفي هذا الاتجاه صارت العديد من الفتاوى الفقهية المنشورة على شبكة الأنترنيت والخاصة بالزواج الصوري
وقاعدة تحريم الحيل الشرعية هي التي نهجها الفقيه الحنبلي الكبير ابن قيم الجوزية، مثله في ذلك مثل باقي جمهور الفقهاء.
الخاتمة
الزواج مؤسسة قانونية ينشؤها عقد مدتي يبرم بين رجل وامرأة لمحرمية بينهما، يصطلح عادة على تسميته بعقد الزواج. تؤطره من الناحية الموضوعية انصوص تشريعية تجد أساسها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي تقریرات فقهاء الشريعة الإسلامية من كل المذاهب
ولعقد الزواج مفهوم محدد هو الذي عبر عنه المشرع المغربي من خلال المادة الرابعة من مدونة الأسرة، ولها أركان و شروط محددة يغلب عليها الطابع الأمر ومن ثمة لا يمكن مطلقا أن يكون محلا لا للتلاعب والغش ولا للصورية.
وينبني الزواج من حيث منطلقه على الرضا به. والرضى يتحلل عادة إلى إيجاب و قبول مطابق له، ومعناه أن ينصرف هذا الرضى إلى تحقيق ما تم النص عليه في المادة الرابعة من مدونة الأسرة، أي الزواج على ” وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف و إنشاء أسرة برعاية الزوجين”.
ومن آثار الزواج أن تتم المساكنة الشرعية بين الزوجين، تماما كما هو الحال في القانون الفرنسي الذي يرفض كل زواج يهدف إلى الحصول على شيء آخر غير المساكنة والاعتناء بشؤون الأسرة والأولاد
وهنا نتفق مع القضاء الفرنسي الذي قرر أن الرضا في عقد الزواج، ليس مجرد شعار شكلي تترجمه عبارة “نعم آخذ فلانا زوجا” و إنما هو هدف سامي يحقق قصد المشرع المعبر عنه في المادة الرابعة من مدونة الأسرة.
وهكذا، فعندما طرح على القضاء المغربي مشکل صورية عقد الزواج كان عليه أن يبحث ويجتهد، لا أن يقتصر على ردود بعيدة عن القانون، فيتخلص من طلب الطعن بالنقض بأسهل وسيلة.
- تعدد الشركاء في الشفعة
- أنواع الحيازة وخصائصها
- شكليات مطلب التحفیظ
- مكان تسليم المبيع وزمانه
- إنهاء عقد العمل
- بطلان عقد العمل
- عمل النيابة العامة في إطار البحث التمهيدي
- عمل النيابة العامة من خلال التقاط المكالمات والمراسلات عن بعد
- ضمان العيب الخفي في القوانين المقارنة
- دور النيابة العامة في قضايا الحالة المدنية
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات