محتويات المقال
الصلح الجنائي
الصلح الجنائي آلية حضارية لاستبدال العقوبة ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية يعتبر مبدأ الصلح أو المصالحة من التقاليد النافذة في التراث الديني والثقافي المغربي، حيث كان رب القبيلة أو رب الآسرة يلعب دور الوسيط في حل النزاعات العائلية والمالية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الآسرة أو القبيلة. وأسوة بالعديد من التشريعات المقارنة عمد المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية إلى تبني مبدأ الصلح بالمادة 11 من ق.م.ج كآلية حديثة وحضارية لاستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع قبل تحريك الدعوى العمومية،
وتكمن إيجابيات هذه المسطرة في عدة مزايا منها تخفيف العبء على المحاكم وربح الوقت، وجعل القضاء يركز مجهوده على القضايا الآساسية، وتخفيف الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون وتحقيق نوع من التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع .
في دراسة لقسم الدراسات والتشريع بوزارة العدل عولج موضوع الصلح الجنائي من جوانب متعددة، نوجزها أسفله تعميما للفائدة :
مجالات الصلح الجنائي
يمكن القول إن المادة 11 من قانون المسطرة الجنائية المغربي خرجت من رحم المادة 11من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية لا من حيث الطابع الاختياري لمسطرة الصلح الجنائي وسلطة النيابة العامة بشأنها أو مصادقة المحكمة في النهاية على مقرر الصلح الجنائي ، باستثناء ما نص عليه المشرع الفرنس ي من منح طرف أجنبي مباشرة مسطرة الصلح وهو ما لم تأخذ به المادة 11 موضوع الدراسة .
آليات البديلة لفض النزاعات والتي ما فتئت وعموما فمسطرة الصلح الجنائي هي من وحي إحدى تأخذ لها مكانة متميزة في فض النزاعات ويتعلق الآمر بالوساطة، إذ بدأت تترسخ نظرة عالمية جديدة تتمثل في إيجاد ميكانيزمات بديلة – خارج الإطار التقليدي للقضاء والمحاماة – تساهم في حل النزاعات والتخفيف على المحاكم …
الصلح الجنائي في القوانين الجنائية: ترى الدراسة أن القوانين الجنائية كلها من النظام العام ولا يملك الآطراف صلاحية تحديد نطاقها للاضطراب الاجتماعي الذي قد تخلقه، وفي جرائم
معينة فإن المشرع، ونظرا للطابع الاجتماعي والآسري الذي يهيمن عليها، سمح للأطراف بإبرام مصالحة بشأنها يترتب عنها وضع حد للمتابعة، و من أهم هذه الجرائم الواردة في القانون الجنائي قضايا إهمال الآسرة )الفصل 181 من ق.ج(، الخيانة الزوجية )الفصل 191 من ق.ج( والسرقة بين الآقارب )الفصل 535 من ق.ج( فهذه الجرائم لا تحرك المتابعة بشأنها إلا بناء على شكوى من المجني عليه و يؤدي التنازل عن الشكاية إلى انقضاء المتابعة وسقوط الدعوى العمومية .
الصلح في القوانين المدنية
يعتبر الميدان المدني الآصيل لأعمال الصلح الجنائي ،حسب الدراسة، فهناك مقتضيات مدنية توجب اللجوء إلى الصلح، ومقتضيات مدنية أخرى تجيزه فقط.
وهكذا يمكن إيجاز المقتضيات المدنية التي توجب الصلح الجنائي في مقتضى الفصل 212 من ق.م.م المتعلق بمحاولة التصالح عند تقديم مقال التطليق لدى المحكمة أو عند تقديم مقال الطلاق من طرف الزوج لدى السيد قاض ي التوثيق )المادة 18 من م.ح.ش ) ،
وفي القضايا الاجتماعية نص الفصل 222 من ق.م.م على وجوب إجراء محاولة التصالح بين الآطراف من قبل القاض ي قبل البت في النزاع وفي قضايا الكراء المعد للاستعمال التجاري والصناعي نص الفصل 22 من ظهير 21 ماي 1955 على إجبارية الصلح الجنائي ، كما نص ظهير 2 أكتوبر 1981 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير في المادة 18 على ضرورة لجوء شركة التأمين لمحاولة المصالحة بينها وبين المطالبين بالتعويض.
إلى جانب هذه المقتضيات التي أوجبت مسطرة الصلح هناك مقتضيات قانونية أجازت اللجوء إلى الصلح، منها قانون التحفيظ العقاري ظهير 12 غشت 1913 الذي نص في الفصل 31 منه على إمكانية دعوة المحافظ لكل من المتعرضين وطالبي التحفيظ لإجراء الصلح وتحرير محضر بذلك في حالة نجاحه، وإذا فشل الصلح الجنائي وجه المحافظ الملف إلى المحكمة ..
الصلح الجنائي في المهن الحرة: نص الفصل 33 من ق.م.م على اعتماد الخبير الذي تنتدبه المحكمة للاستئناس برأيه في نقطة ذات صبغة تقنية على اعتماد الصلح قبل إنجاز المهمة المسندة إليه ويتعين عليه الإشارة في تقريره المرفوع للمحكمة على إجراء محاولة الصلح أو تعذرها .
وأخيرا نصت المادة 11 من الظهير الشريف رقم 1.11.298 الصادر بتاريخ 9 دجنبر 2111 بشأن إحداث ديوان المظالم على قيام هذا الآخير بكل المساعي الحبية للتوفيق بين المتظلمين والإدارة استنادا لقواعد القانون ومبادئ العدل والإنصاف.
دور النيابة العامة والمحكمة
أكدت المادة 11 من قانون المسطرة الجنائية الجديد على الطابع الاختياري وليس الإلزامي للصلح وجعله من اختصاص النيابة العامة علما بأن القانون الجديد حافظ لها على اختصاصاتها التقليدية في حماية المجتمع وإقامة الدعوى العمومية واستعمال حق الملائمة،
كما سمح فقط بالمصالحة في بعض القضايا للحفاظ على علاقات الاستقرار الاجتماعي. ويتوفر قاض ي النيابة العامة على سلطة تقديرية في التحري والبحث عند مباشرته لإجراء الصلح، وهو بهذه الصفة لا ينصب نفسه مكان أطراف النزاع بل يقترح ولا يلزم، كما أنه يوضح ويفسر ولا يمارس أي ضغط.
وترى الدراسة أن القانون المقارن لم يجمع على منح الاختصاص في مسطرة الصلح للقضاء الجالس لأن الغاية من اعتماد الصلح هي التخفيف على قضاة الحكم والحد من تراكم الملفات والقضايا .
وحول دور المحكمة في مسطرة الصلح، أفادت الدراسة أنه وفق المادة 11 من ق.م.ج يحيل وكيل الملك محضر الصلح على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بحضور الآطراف بغرفة المشورة بمقتض ى أمر قضائي لا يقبل أي طعن
وبعد إحاطة الدراسة على تخوفات وانتقادات تم التعبير عنها بخصوص دور رئيس المحكمة أثناء مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية، أكدت أن المحضر المنجز بالصلح أمام وكيل الملك يعد من قبيل التوثيق التعاقدي الرسمي الذي لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور …
وخلصت الدراسة إلى أن دور المحكمة يسمح بالتوفيق بين مبادئ قانونية متعددة ومتعارضة في نفس الوقت بأسلوب مرن ومحاط بجملة من الضمانات )المتابعة وحفظ المسطرة(، كما أن المصادقة على مقرر الصلح لا تعتبر حكما باتا ومبرما، بل هي تصديق قضائي من نوع خاص من أهدافه تطويق النزاعات والتخفيف على القضاء .
الجرائم المشمولة بالصلح
يمكن للمتضرر أو المشتكى به « نص المشرع المغربي في مطلع المادة 11 من ق.م.ج. على أنه من قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الآمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الآقص ى 5111 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الجنائي الحاصل بينهما بمحضر
إن أول ما يستنتج من منطوق هذه المادة أن الجرائم التي يمكن التصالح بشأنها تتميز في معظمها بطابعها البسيط وارتباطها بالجوانب الاجتماعية والعائلية، كما أن الإحصائيات تؤكد أن هذه القضايا تمثل صدارة القضايا المدرجة حاليا أمام المحاكم العادية من قبيل الإيذاء العمدي الخفيف، إهمال الآسرة، السرقة الزهيدة…إلخ
وإلى جانب حصر الصلح الجنائي في الجنح الضبطية تتسم مسطرة الصلح بالحضورية حيث يجب على الطرفين أن يحضرا أو على الآقل المشتكي به لأن المشتكي قد يتغيب خاصة في الحالة التي يدلي فيها بتنازله .
تنفيذ مقرر الصلح الجنائي
أسند المشرع للنيابة العامة مهمة السهر على تنفيذ مقرر الصلح الجنائي بعد المصادقة عليه بغرفة المشورة، ويطرح التساؤل في هذا الصدد حول جزاء الإخلال بمقرر الصلح الجنائي ، وحول ما إذا كان الآمر القضائي يسقط الدعوى العمومية .
إن الآمر القضائي يتمتع بقوة الش يء المقض ي به مادام أنه لا يقبل أي طعن فهو يصدر باسم جلالة الملك وبشكل انتهائي، ومن ثم يمكن لوكيل الملك تحريك المتابعة في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها القاضي .
أما الجواب عن التساؤل الثاني فهو أن الصلح الجنائي لا يؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية بل إلى إيقافها فقط بصريح المادة 11 من ق.م.ج. فإذا ما ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية يمكن للنيابة العامة تحريك المتابعة رغم مقرر الصلح ما لم يطل التقادم المسقط الجريمة موضوع المقرر الصادر
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات