محتويات المقال
أساس الشهادة العدلية
تعد الشهادة العدلية شهادة مكتوبة تجري وفق مقتضيات خاصة ، تعكس ماهيتها عند فقهاء المذهب المالكي (أولا)
وهي بذلك تتسم بطبيعة خاصة تنفرد بها عن الشهادة العامة التي أصبحت تعرف بشهادة الشهود في التقنين الوضعي (ثانيا)
أولا – ماهية الشهادة في الفقه المالكي
الشهادة لغة
للشهادة في اللغة عدة معان منها الحضور والاطلاع والمعاينة والإدراك والحلف والقضاء والإقرار والحكم والعلم ، وأشهده على كذا جعله شاهدا عليه ، واستشهده سأله أن يشهد ، واستشهد بفلان استعان به في أمر الشهادة،وشاهده أدركه بإحدى حواسه الظاهرة،
وتطلق المشاهدة أيضا على الإدراك بالحواس الباطنة ، وجمع الشاهد أشهاد وشهود وجمع شهيد شهداء ، وشهد فلان على فلان بحق ، فهو شاهد وشهيد فهما بمعنى واحد ؛
ويطلق الشهيد على المقتول في سبيل الله جمعه شهداء ، والاسم الشهادة ، واستشهد بالبناء للمجهول قتل شهيدا
الشهادة اصطلاحا
أما في الاصطلاح فقد تعددت تعريفات الشهادة الفقهية ويذهب الاتجاه الغالب – عند المالكية- إلى ما ذهب إليه ابن عرفة
حيث عرف الشهادة بأنها:” قول هو بحيث يوجب على الحاكم بسماعه الحكم بمقتضاه، إن عدل قائله، مع تعدده، أو حلف طالبه”
وقد عبر ابن عرفة في تعريفه للشهادة بأنها “قول هو بحيث”، ولم يعبر بأنها خبر… لأجل أن يدخل الشهادة قبل الأداء ، فهي قول لا خبر، لأنها من كلام النفس ، وكذا ليدخل الشهادة غير التامة.
وكذلك قوله:” يوجب على الحاكم الحكم بمقتضاه” يخرج به الرواية والخبر ، إذ لا يوجبان الحكم بمقتضاهما ؛
وكذا قوله:” إن عدل قائله” إشارة إلى أن ثبوت صفة العدالة شرط في إيجاب الحكم ؛
وقوله: ” مع تعدده” أخرج به إخبار القاضي بما ثبت عنده قاضيا آخر، فإنه يوجب عليه الحكم بمقتضاه، لكن لا يشترط فيه تعدد ولا حلف
هذا التعريف المشهور عند المالكية لا يقيد الشهادة بأن تكون بلفظ خاص فيجوز أن تكون بلفظ الشهادة،وبلفظ أعلم
كما أن في هذا التعريف شمولا لما علمه الشاهد ولم يؤده ،
“وعلى هذا يمكن أن نعتبر شهادة الشهود على العقود العرفية أو على العقود التي يحررها الكاتب بالعدل في بعض الدول الإسلامية ، شهادة في المذهب المالكي،
ولا تعتبر شهادة في المذاهب الأخرى لأن الشاهدين لم يؤديا شهادتهما عند الحاكم”
ثانيا – طبيعة الشهادة العدلية
إذا ما نظرنا إلى تعريف ابن عرفة السابق للشهادة يبدو لنا بحسب الظاهر أنه لا ينطبق على الشهادة العدلية،
لأن هذه الأخيرة لم تتم بمجرد قول يصرح به العدلان الشاهدان لدى القاضي، وإنما صارت عبارة عن كتاب يصاغ في شكل محدد فقها وقانونا وتوثيقا، وتؤدى لدى القاضي بطريقة مختلفة اقتضتها ظروف الزمان والمكان والأحوال؛ وهي تختلف في ذلك مع الشهادة التي تؤدى بالقول،
كما أن عدالة الشهود أصبحت تثبت بمقتضى قرار لوزير العدل ولم يبق في وسع القاضي البحث عن عدالة الشهود أو تزكيتهم.
غير أنه عند التأمل وإعادة النظر يتبين أن التعريف المذكور ينطبق في عمقه على الشهادات العدلية كما ينطبق على غيرها
فالشهادة العدلية تتلقى وتحرر في وثيقة من طرف عدلين منتصبين للإشهاد معروفين للقاضي بعدالتهما الوصفية،
وتؤدى أمامه بحضورهما عنده ودفعهما له رسوم الشهادات لمراقبتها والخطاب عليها…بالرغم من بعض الاختلافات والفوارق الشكلية بينها وبين الشهادات التي تؤدى بالقول واللسان لدى قاضي الحكم.
وكون الشهادات العدلية تأتي على خلاف أصل الشهادات وتخرج في وثيقة مكتوبة وتستقل عن شاهديها ؛ لا ينقص من شأنها ولا يقلل من قيمتها كشهادة تامة يجب الحكم بمقتضاها، ولا يخرجها ذلك من حظيرة الشهادات التي تؤدى بالقول واللسان لدى قاضي الموضوع
واعتبارا لأهمية الشهادة في الوثيقة العدلية دأب فقهاء الشريعة ومنهم علماؤنا على تسمية الوثيقة بالشهادة
التمييز بين الشهادة و الوثيقة
القانون المنظم لخطة العدالة سار في نفس الاتجاه وما فتئ يطلق اسم الشهادات على الرسوم التي ينجزها العدول
ونص على ذلك في أكثر من مادة، بل كاد ألا يسمي هذه الرسوم إلا شهادات
كما أن العدول وغيرهم من المهتمين إنما يعبرون بالشهادة ويقصدون الوثيقة وهذا الاستعمال هو السائد اليوم عرفا وعملا.
والحق أنه عند التأمل يظهر جليا أن هناك فرقا بين الشهادة العدلية والوثيقة العدلية وبينهما عموم وخصوص،
فالشهادة أخص من الوثيقة ، إذ كل وثيقة عدلية شهادة ، وليست كل شهادة عدلية وثيقة
والشهادة جزء من الوثيقة وليست كلها، أي أنه يمكن أن تقوم الشهادة العدلية بدون أن تحتاج إلى رسم أو وثيقة
بينما لا يمكن أن تقوم وثيقة عدلية بدون شهادة عدلية، وهذا بطبيعة الحال من وجهة نظر فقهية لا قانونية.
أما وجهة نظر القانون عامة فالأمر سيان بين الشهادة العدلية ووثيقتها إذ هما وجهان لعملة واحدة
ولا يتصور قيام شهادة عدلية بدون وثيقة عدلية ، كما لا يتصور قيام وثيقة عدلية بدون شهادة عدلية فهما متلازمتان مع بعضهما البعض،
فكل شهادة عدلية وثيقة عدلية والعكس صحيح . ولا بد للشهادة العدلية أن تتلقى وتحرر في رسم أو وثيقة ويخاطب عليها وفقا للقواعد الفقهية والقانونية
المراجع
محمد الكويط : موقع التصرفات العقارية في الوثائق العدلية
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك