محتويات المقال
الشريعة الإسلامية و الفقه:
الشريعة الإسلامية : ما شرعه الله من الأحكام الثابتة بالأدلة من الكتاب والسنة، وما تفرع عنها من الإجماع والقياس والأدلة الأخرى.
والفقه هو: العلم المتعلق باستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، قال الجرجاني : وهو علم مستنبط بالرأي والاجتهاد، ويحتاج فيه إلى النظر المتأمل، ولهذا لا يجوز أن يسمي الله تعالى فقيها، لأنه لا يخفى عليه شيء
فالشريعة هي الغاية، والفقه هو الطريق.
ويطلق الفقه كذلك على مجموعة الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية.
ولهذا نقول: كتب الفقه، وموسوعة الفقه، ويراد بالفقه : مجموعة الأحكام المدونة, ونود ان نوضح هنا: أن أحكام الشريعة نوعان : ١- نوع ثابت بأدلة مباشرة من نصوص الكتاب والسنة، مما هو صريح الدلالة على الحكم. وهذا هو الجزء الأقل مساحة من الأحكام، وإن كان هو الأكبر خطرا وأهمية، لأنه يمثل الأساس المكين لبناء الشريعة كله.
ونسبة هذا النوع إلى الشريعة، واعتباره جزء منها، أمر بين ولا يختلف فيه اثنان
۲- ونوع آخر، قد عملت فيه عقول أهل الفقه اجتهادا واستنباطا من أدلة الكتاب والسنة، أو مما لا نص فيه، عن طريق القياس أو الاستصلاح أو الاستحسان، او رعاية العرف، أو الاستصحاب… إلخ.
وهذا النوع هو أكثر أحكام الشريعة، وهو مجال علم الفقه، وعمل الفقهاء
وقد اضطربت أفكار الكاتبين وكلماتهم حول علاقة الشريعة بالفقه، حتى فهم منها أنها التباين المطلق، فالشريعة شيء، والفقه شيء آخر، فالشريعة إلهية، والفقه وضعي.
وهذا ليس بصحيح، فالفقه علم شرعي بلا ريب، لأنه من العلوم المبنية على الوحي الإلهي
وعمل العقل في استنباط الأحكام ليس مطلقة من كل قيد بل هو مقيد بالأصول الشرعية في الاستدلال.
والشريعة لا توجد منفصلة أو معلقة في الهواء. إنما توجد داخل مجموع الفقه الإسلامي، إلا فيما جد من أحداث ووقائع، فإن حكم الشريعة فيه ما تستنبطه عقول الفقهاء المعاصرين في ضوء أصول الشريعة ومقاصدها، ثم يضاف بعد ذلك إلى الرصيد الفقهي .
ومن هنا لا يقبل بحال رفض الفقه الإسلامي باعتباره عملا من أعمال العقل البشري غير المعصوم، لأن هذا ينتهي إلى رفض الشريعة ذاتها.
إنما الذي يقبل هنا هو: تجديد الفقه وتطويره بعدة أشياء بعضها يتعلق بالشكل مثل: الفهرسة والتنظير، والتقنين، وبعضها يتعلق بالمضمون، وأهمها إحياء الاجتهاد، سواء أكان اجتهادا انتقائيا بترجيح أحد الآراء في فقهنا الموروث، بناء على الأدلة والاعتبارات الشرعية أم إنشائيا، بإبداء الرأي في المسائل الجديدة، في ضوء النصوص المحكمة ، والمقاصد الشرعية المعتبرة. دون تعصب لرأي قديم، ولا عبودية لفكر جديد..
الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي :
أما الشريعة فقد عرفناها وأما القانون، فهو كلمة معربة، وفي المعجم الوسيط: هو أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته التي تتعرف أحكامها منه.
وقد عرفه علماؤنا قديما بأنه : القاعدة الكلية التي تندرج تحتها احكام جزئية
وإذا ذكرت كلمة القانون، في مقابل كلمة والشريعة أو معها، إنما يراد به ما وضعه البشر من أحكام التنظيم شؤون حياتهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض افرادا وجماعات ودولا.
فإذا كانت الشريعة – اساسا – من وحي الله تعالى، فإن القانون – اساسا – من وضع الناس. ولهذا يطلق عليه بالقانون الوضعي
وقد تطلق كلمة القانون، ويراد بها: مجموعة الأحكام الوضعية في موضوع معين، أو مجال معين مثل قانون العقوبات، أو قانون عقوبة المخدرات منها .
وقد يراد بها: مجموعة الأحكام الوضعية كلها، التي يرجع إليها الناس إذا اختصموا فيما بينهم
نشأة الشريعة :
وإذا كانت هذه هي نشأة القانون، فإن الشريعة الإسلامية لم تنشأ هذه النشأة ولم تسر في هذا الطريق . لم تكن الشريعة قواعد قليلة ثم كثرت، ولا مبادی، متفرقة ثم تجمعت، ولا نظریات اولية ثم تهذبت ولم تولد الشريعة طفلة مع الجماعة الإسلامية ثم سایرت تطورها ونمت بنموها،
وإنما ولدت شابة مكتملة ونزلت من عند الله شريعة كاملة شاملة جامعة مانعة لا ترى فيها عوجا، ولا نشهد فيها نقصا، أنزلها الله تعالى من سمائه على قلب رسوله محمد في فترة قصيرة لا تجاوز المدة اللازمة لنزولها، فترة بدأت ببعثة الرسول وانتهت بوفاته أو انتهت يوم قال الله تعالی : ” اليوم أكملت لكم دينگم وأتممت علیکم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا “
ولم تأت الشريعة لجماعة دون جماعة، أو لقوم دون قوم، أو لدولة دون دولة ، وإنما جاءت للناس كافة من عرب وعجم، شرقيين وغربيين على اختلاف مشاربهم وتباین عاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم، فهي شريعة كل أسرة، وشريعة كل قبيلة، وشريعة كل جماعة، وشريعة كل دولة، بل هي الشريعة العالمية التي استطاع علماء القانون الوضعي أن يتخيلوها، ولكنهم لم يستطيعوا أن يوجدوها.
وقد جاءت الشريعة كاملة لا نقص فيها، جامعة تحكم كل حالة، مانعة لا تخرج عن حكمها حالة، شاملة الأمور الأفراد والجماعات والدول، فهي تنظم الأحوال الشخصية والمعاملات وكل ما يتعلق بالأفراد، وتنظم شئون الحكم والإدارة والسياسة وغير ذلك مما يتعلق بالجماعة، كما تنظم علاقات الدول بعضها بالبعض الأخر في الحرب والسلم.
ولم تأت الشريعة لوقت دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لزمن دون زمن، وإنما هي شريعة كل وقت، وشريعة كل عصر، وشريعة الزمن كله حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد صيغت الشريعة بحيث لا يؤثر عليها مرور الزمن، ولا يبلي جدتها، ولا يقتضي تغيير قواعدها ونظرياتها الأساسية، فجاءت نصوصها من العموم والمرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة ولو لم يكن في الإمكان توقعها، ومن ثم كانت نصوص الشريعة غير قابلة للتغير والتبديل كما تتغير نصوص القوانين الوضعية وتتبدل
وأساس الفرق بين الشريعة والقانون هو أن الشريعة من عند الله جل شأنه … وهو عالم الغيب القادر على أن يضع للناس نصوصا تبقى صالحة على مر الزمان ، أما القوانين فمن وضع البشر، وتوضع بقدر ما يسد حاجتهم الوقتية، ويقدر قصور البشر عن معرفة الغيب تأتي النصوص القانونية التي يضعونها قاصرة عن حكم ما لم يتوقعوه.
ولقد جاءت الشريعة من يوم نزولها بأحدث النظريات التي وصل إليها أخيرا القانون الوضعي مع أن القانون أقدم من الشريعة، بل جاءت الشريعة من يوم نزولها باكثر مما وصل إليه القانون الوضعي، وحسبنا أن نعرف أن كل ما يتمنى رجال القانون اليوم أن يتحقق من المبادىء موجود في الشريعة من يوم نزولها
لا مماثلة بين الشريعة والقانون:
ونستطيع بعد أن استعرضنا نشأة القانون ونشأة الشريعة أن نقول بحق : إن الشريعة لا تماثل القانون ولا تساويه، ولا يصح أن تقاس به ، وإن طبيعة الشريعة تختلف تماما عن طبيعة القانون، ولو كانت طبيعة الشريعة من طبيعة القانون الوضعي لما جاءت على الشكل الذي جاءت به، وعلى الوصف الذي أسلفنا، ولوجب أن تاتي شريعة أولية ثم تأخذ طريق القانون في التطور مع الجماعة، وما كان يمكن أن تأتي بالنظريات الحديثة التي لم تعرفها القوانين الوضعية إلأ أخيرة، بل ما كان يمكن أن تصل إلى مثل هذه النظريات إلا بعد أن تعرفها القوانين وبعد مرور ألاف من السنين .
ويستطيع القاری، من استعراض تاريخ القانون وتاريخ الشريعة أن يتبين الاختلافات المتعددة بين الشريعة والقانون والمميزات الكثيرة التي تميز الشريعة عن القانون، وللقارئ، أن يتقصى تلك الاختلافات وهذه المميزات إذا شاء، أما أنا فأكتفي بأن أبرز الاختلافات الأساسية والمميزات الجوهرية لأن في الكلام عليها ما يغني عن الكلام على غيرها.
الاختلافات الأساسية بين الشريعة الإسلامية والقانون:
تختلف الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية اختلافة أساسية من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول: أن القانون من صنع البشر، أما الشريعة فمن عند الله، وكلا الشريعة والقانون يتمثل فيه بجلاء صفات صانعه، فالقانون من صنع البشر ويتمثل فيه نقص البشر وعجزهم وضعفهم وقلة حيلتهم، ومن ثم كان القانون عرضة للتغيير والتبديل أو ما نسميه التطور كلما تطورت الجماعة إلى درجة لم تكن متوقعة أو وجدت حالات لم تكن منتظرة، فالقانون ناقص دائما ولا يمكن أن يبلغ حد الكمال ما دام صانعه لا يمكن أن يوصف بالكمال، ولا يستطيع أن يحيط بما سيكون وإن استطاع الإلمام بما كان .
أما الشريعة: فصانعها هو الله، وتتمثل فيها قدرة الخالق وكماله وعظمته وإحاطته بما كان وما هو كائن، ومن ثم صاغها العليم الخبير بحيث تحيط بكل شيء في الحال والاستقبال حيث أحاط علمه بكل شيء، وأمر جل شأنه أن لا تغيير ولا تبديل لأنها ليست في حاجة للتغيير والتبديل مهما تغيرت الأوطان والأزمان وتطور الإنسان.
الوجه الثاني : أن القانون عبارة عن قواعد مؤقتة تضعها الجماعة لتنظيم شئونها وسد حاجاتها، فهي قواعد متأخرة عن الجماعة، أو هي في مستوى الجماعة اليوم ومتخلفة عن الجماعة غدا، لأن القوانين لا تتغير بسرعة تطور الجماعة، وهي قواعد مؤقتة تتفق مع حال الجماعة المؤقتة، وتستوجب التغير كلما تغيرت حال الجماعة.
أما الشريعة لقواعد وضعها الله تعالى على سبيل الدوام لتنظيم شئون الجماعة، فالشريعة تتفق مع القانون في أن كليهما وضع لتنظيم الجماعة. ولكن الشريعة تختلف عن القانون في أن قواعدها دائمة ولا تقبل التغيير والتبديل. وهذه الميزة التي تتميز بها الشريعة تقتضي من الوجهة المنطقية :
أولا : أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من المرونة والعموم بحيث تتسع لحاجات الجماعة مهما طالت الأزمان وتطورت الجماعة، وتعددت الحاجات وتنوعت
وثانيا: أن تكون قواعد الشريعة ونصوصها من السمو والارتفاع بحيث لا يمكن أن تتأخر في وقت أو عصر ما عن مستوى الجماعة.
والواقع أن ما يقتضيه المنطق متوفر بوجهيه في الشريعة. بل هو أهم ما يميز الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع السماوية والوضعية. فقواعد الشريعة الإسلامية ونصوصها جاءت عامة ومرنة إلى آخر حدود العموم المرونة، كما أنها وصلت من السمو درجة لا يتصور بعدها سمو.
ولقد مر على الشريعة الإسلامية أكثر من ثلاثة عشر قرنا تغيرت في خلالها الأوضاع أكثر من مرة، وتطورت الأفكار والآراء تطورة كبيرة، واستحدث من العلوم والمخترعات ما لم يكن يخطر على خيال إنسان، وتغيرت قواعد القانون الوضعي ونصوصه أكثر من مرة لتلاءم مع الحالات الجديدة والظروف الجديدة، بحيث انقطعت العلاقة بين القواعد القانونية الوضعية التي تطبقها اليوم وبين القواعد القانونية الوضعية التي كانت تطبق يوم نزلت الشريعة، وبالرغم من هذا كله، ومع أن الشريعة الإسلامية لا تقبل التغيير والتبديل ظلت قواعد الشريعة ونصوصها أسمي من مستوى الجماعات، وأكفل بتنظيم وسد حاجاتهم، وأقرب إلى طبائعهم، وأحفظ الأمنهم وطمأنينتهم.
هذه هي شهادة التاريخ الرائعة يقف بها في جانب الشريعة الإسلامية، وليس ثمة ما هو أروع منها إلا شهادة النصوص ومنطق النصوص، وخد مثلا قول الله تعالى: ” وأمرهم شوری بينهم “، أو اقرأ قول الرسول: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فهذان نصان من القرآن والشنة بلغا من العموم والمرونة واليسر ما لا يمكن أن يتصور بعده عموم أو مرونة أو يسر، وهما يقرران الشورى قاعدة للحكم على الوجه الذي لا يضر بالنظام العام ولا بمصلحة الأفراد أو الجماعة، إذ عليهم أن يجعلوا أمرهم شوری بینهم بحيث لا يحدث ضرر ولا ضرار، وهيهات أن يتحقق ذلك بين الناس.
الوجه الثالث: أن الجماعة هي التي تصنع القانون وتلونه بعاداتها وتقاليدها وتاريخها – والأصل في القانون انه يوضع لتنظيم شئون الجماعة، ولا يوضع لتوجيه الجماعة، ومن ثم كان القانون متاخرا عن الجماعة وتابع لتطورها، وكان القانون من صنع الجماعة، ولم تكن الجماعة من صنع القانون. .
وإذا كان هذا هو الأصل في القانون من يوم وجوده، فإن هذا الأصل قد تعذل في القرن الحالي، وعلى وجه التحديد بعد الحرب العظمى الأولى، حيث بدات الدول التي تدعو لدعوات جديدة أو أنظمة جديدة تستخدم القانون لتوجيه الشعوب وجهات معينة، كما تستخدمه لتنفيذ أغراض معينة، وقد كان أسبق الدول إلى الأخذ بهذه الطريقة روسيا الشيوعية وتركيا الكمالية، ثم تلتهما إيطاليا الفاشيستية والمانيا النازية، ثم اقتبست بقية الدول هذه الطريقة، فأصبح الغرض اليوم من القانون تنظيم الجماعة وتوجيهها لوجهات التي يرى أولياء الأمور أنها في صالح الجماعة.
اما الشريعة الإسلامية فقد علمنا أنها ليست من صنع الجماعة، وأنها لم تكن نتيجة لتطور الجماعة وتفاعلها كما هو الحال في القانون الوضعي، وإنما هي من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه.
وإذا لم تكن الشريعة من صنع الجماعة، فإن الجماعة نفسها من صنع الشريعة، إذا الأصل في الشريعة أنها لم توضع لتنظيم شئون الجماعة فقط كما كان الغرض من القانون الوضعي، وإنما المقصود من الشريعة قبل كل شيء هو خلق الأفراد الصالحين والجماعة الصالحة، وإيجاد الدولة المثالية ، والعالم المثالي، ومن أجل هذا جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها، ولا تزال كذلك حتى اليوم
وجاء فيها من المبادىء والنظريات ما لم يتهيا العالم غير الإسلامي لمعرفته، والوصول إليه إلا بعد قرون طويلة، وما لم يتهيا هذا العالم لمعرفته أو يصل إليه حتى الآن. ومن أجل هذا تولى الله جل شأنه وضع الشريعة، وأنزلها على رسوله نموذجا من الكمال ليوجه الناس إلى الطاعات والفضائل، ويحملهم على التسامي والتكامل حتى يصلوا أو يقتربوا من مستوى الشريعة الكامل وقد حققت الشريعة ما أراده لها العليم الخبير، فأدت رسالتها أحسن الأداء، وجعلت من رعاة الإبل سادة للعالم، ومن جهال البادية معلمين وهداة للإنسانية .
ولقد أدت الشريعة وظيفتها طالما كان المسلمون متمسكين بها عاملين بأحكامها، تمسك بها المسلمون الأوائل وعملوا بها وهم قلة مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس، فإذا هم في عشرين سنة سادة العالم وقادة البشر، لا صوت إلا صوتهم، ولا كلمة تعلو كلمتهم، وما أوصلهم لهذا الذي يشبه المعجزات إلا الشريعة الإسلامية التي علمتهم وأدبتهم، ورققت نفوسهم، وهذبت مشاعرهم وأشعرتهم العزة والكرامة ، وأخذتهم بالمساواة التامة ، والعدالة المطلقة، وأوجبت عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، وحرمت عليهم الإثم والعدوان وحررت عقولهم ونفوسهم من نير الجهالات والشهوات، وجعلتهم يعتقدون انهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله.
كان ذلك حال المسلمين طالما تمسكوا بشريعتهم، فلما تركوها وأهملوا أحكامها تركهم الرقي وأخطاهم التقدم، ورجعوا القهقرى إلى الظلمات التي كانوا يعمهون فيها من قبل فعادوا مستضعفين مستعدين، لا يستطيعون دفع معتد ولا الامتناع من ظالم.
وقد خيل للمسلمين وهم في غمرتهم هذه أن تقدم الأوروبيين راجع لقوانينهم وأنظمتهم، فذهبوا ينقلونها وينسجون على منوالها، فلم تزدهم إلا ضلالا على ضلالهم، وخبالا على خبالهم، وضعفأ على ضعفهم، بل جعلتهم أحزابا وشيعة، كل حزب بما لديهم فرحون، بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.
ولو أراد الله بالمسلمين خيرة لعلموا أن الشريعة الإسلامية وقد جاءت كاملة لا يشوبها نقص حاملة في طياتها وسائل التقدم والتطور المستمر للمجتمع، هي أصلح الشرائع لعصور التقدم وعصور التاخر على السواء، لأنها في كل الأحوال ترمي إلى تكون الجماعة الصالحة وتوجيهها دائما للتقدم المستمر والتطور الصالح، ولا تقنع من ذلك بما هو دون الكمال التام.
وإن في تاريخ المسلمين لآية، وإن فيه الدليل الحاسم على أن الشريعة الإسلامية هي التي خلقت المسلمين من العدم، وجعلتهم أمة فوق الأمم، ودفعتهم إلى الأمام، وسودتهم على دول العالم، وإن فيه الدليل الحاسم على أن حياة المسلمين وتقدمهم ورقيهم متوقف على تطبيق الشريعة الإسلامية، فالمسلمون من صنع الشريعة، كيانهم تابع لكيانها ووجودهم مرتبط بوجودها، وسلطانهم تابع لسلطانها.
تحميل المقال
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
أحدث التعليقات