محتويات المقال
الأساس القانوني للرقابة القضائية على محرري العقود العقارية
الرقابة القضائية على محرري العقود العقارية تقتضي الوقوف على حدها اللغوي والاصطلاحي، مع بيان أهدافها ( المطلب الأول)، وتحديد الإطار القانوني لها (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الرقابة القضائية على محرري العقود وأهدافها
الفقرة الأولى : تعريف الرقابة القضائية
أولا : الرقابة في اللغة
جاء في القاموس المحيط : رقابة ” ر ق ب” ، مصدرها (رقیب)، أي : خضع لرقابة دقيقة، أو تفتيش دقيق في سير أعماله وشؤونه، والرقيب: الحارس والحافظ في أسماء الله تعالى الرقيب : وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء… ورقبه يرقبه رقبة ورقبانا، بالكسر فيهما، ورقوبا، وترقبه، وارتقبه : انتظره ورصده، ورقب الشيء يرقبه، وراقبه مراقبة ورقابا: حرسه… ورقيب القوم : حارسهم، وهو الذي يشرف على مرقبه ليحرسهم، والرقيب : الحارس الحافظ.
والرقابة : الرجل الوغد، الذي يرقب للقوم رحلهم إذا غابوا، والرقيب : الموكل بالضريب، ورقيب القداح : الأمين على الضريب، ورقيب نفسه : أي يتبع طريقة النقد الذاتي فينفذ أعماله بنفسه فلا يلام
ثانيا : الرقابة في الاصطلاح
استعملت كلمة الرقابة في القرآن بمعنى الحفظ والرعاية كما جاء في قوله عز وجل :” كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة “، وبمعنى الانتظار كما في قوله تعالى :” وارتقبوا إني معكم رقيب”
وبمعنى رصد الأخبار أو توقع مکروہ” كما في قوله تعالى :” فأصبح في المدينة خائفا يترقب” فمن خلال كتب التفسير يتضح بأن القرآن الكريم استعمل لفظة الرقابة بمعاني مختلفة فتارة بمعنى الحفظ والرعاية، وتارة أخرى بمعنى الانتظار.
أما في المجال القانوني فمصطلح controle مركب من كلمتين هما : “contre role” وتعني “مساءلة العمل” فالرقابة تتحدد إيتيمولوجيا کاختیار يهدف إلى مراقبة ” شخص معين أو للتحقق من شيء معين “؛ وهي تعني الضبط في أوسع معانيه، ففي المفهوم الإداري يقصد بها التأكد من مدى تحقيق النشاط الإداري للأهداف المقررة، أي التحقق من أن ما يتم إنجازه مطابق لما تقرر في الخطة الموضوعية ، والمرادف لكلمة الرقابة في علم الإدارة هو التوجيه
وفي المجال المالي عرف علماء المالية المعاصرون الرقابة بأنها: ” منهج علمي يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم القانونية والاقتصادية، والمحاسبة، والإدارية، يهدف إلى التأكد من المحافظة على الأموال العامة، ورفع كفاءة استخدامها، وتحقيق الفعالية في النتائج المحققة”
وفي المجال القضائي تعني الرقابة وجود هيئة قضائية تتولى الرقابة على الأشخاص المعنوية والطبيعية ضمن الإقليم الواحد للدولة، والرقابة القضائية بهذا المعنى تندرج ضمن نطاق شمول ولاية القضاء على الجميع، ففي المجال الدستوري تعني الرقابة القضائية :
” التحقق من مطابقة القانون الدستور وينظم الدستور هذا النوع من الرقابة..واختصاص القضاء في هذا المجال بطبيعته يدخل في صميم الوظيفة القضائية والمحكمة الدستورية.. إنها تفاضل في المنازعة المعروضة عليها بين نصين تعارضا أحدهما دستوري والآخر تشريعي فتقدم الأول وتستبعد الثاني من نطاق التطبيق”
وفي مجال تنزيل القاعدة القانونية فإن الرقابة القضائية على محرري العقود تعني ضمان النفاذ العملي للقانون بما يكفل حماية حقوق مقررة أو تنفيذ واجبات مفروضة أو التدخل لإزالة عوارض النظام القانوني ، وبذلك تشمل الرقابة القضائية مؤسسات الدولة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والأفراد والمهن القانونية والقضائية، لهذا نجد القضاة ضمن عدة مؤسسات رقابية مثل اللجنة الوطنية للضرائب والمجلس الأعلى للحسابات، والمحكمة الدستورية، والأمانة العامة للحكومة واللجنة الوطنية المشرفة على الانتخابات..
وهذا التمدد مرده إلى أن الرقابة القضائية تخضع لإجراءات قضائية تمتاز بكثير من الضمانات مثل الحياد والنزاهة والاستقلالية في إصدار الأحكام
الفقرة الثانية : أهداف الرقابة القضائية على محرري العقود
إن المشرع فرض الرقابة على المهن الفضائية بجهاز إداري وقضائي يتمتع بالاستقلال عنها، وذلك قصد المساهمة المباشرة في تخليق الحياة العامة من خلال ترسيخ قيم الشفافية والنزاهة والمساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد وغيرها من القيم النبيلة
وتتمثل أهداف الرقابة القضائية على محرري العقود بصفة خاصة في:
أولا: حث العدول والموظفين والمحامين على التقيد بالضوابط القانونية المتعلقة بمجال التوثيق رعاية المصلحة الأفراد والمجتمع
ثانيا: تخليق هذه المهن وتكريس ثقافة الممارسة السليمة، والانضباط القواعد الأخلاق المهنية وتدعيم الشفافية والإخلاص في أداء الخدمات والحرص على جودتها، وغيرها من القيم التي تجلب ثقة المواطنين في الخدمات المقدمة لهم، وتساهم في جلب الاستثمار
المطلب الثاني : الإطار القانوني للرقابة القضائية على محرري العقود العقارية
إن المشرع حدد في السنين الأخيرة الفئات المخول لیا تحریر العقود العقارية في القوانين المنظمة للعقار، كالقانون رقم 39 . 08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتاريخ 22 نونبر 2011 وخاصة المادة 4 التي تنص على أنه :” يجب أن تحرر تحت طائلة البطلان جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”،
والقانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية الذي تم تعديله بموجب القانون 106. 12 الصادر بتاريخ 27 أبريل 2016 ، وخاصة المادة 12 التي تنص على أنه :” يجب أن تحرر جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية المشتركة أو إنشاء حقوق عينية أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة خولها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان.
أكدت جميع هذه القوانين على وجوب تحریر العقود العقارية في محرر رسمي أو ثابت التاريخ من طرف مهني منتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخولها قانونها تحریر العقود تحت طائلة البطلان، والمهنيون المنظمون بمقتضى القانون والمخول لهم حق تحرير العقود العقارية هم العدول والموثقون والمحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض،
وكانت غاية المشرع من فرض رسمية العقود المتعلقة بالتصرفات الواردة على العقار هي الحفاظ على استقرار المعاملات والحد من النزاعات، وحماية طرفي المعاملة في حالة الخطأ المهني، بالإضافة إلى تمكين المصالح الضريبية من مداخيل مهمة .
إن الرقابة القضائية على محرري العقود العقارية تتأسس على مجموعة من النصوص القانونية ويمكن حصرها في :
1- العدول بمقتضي القانون رقم 03 . 16 المتعلق بخطة العدالة خاصة المواد: 40 و41 و47 و 48؛ والمرسوم التطبيقي له خاصة المواد 38و 37و39.
2- الموثقون بمقتضى القانون رقم 09 . 32 التعلق بمهنة التوثيق المواد: 65 و 67 و68 و70 و71.
3- المحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض بمقتضى القانون رقم 08. 28 المتعلق بمهنة المحاماة خاصة المواد: 61 و67 و68 و69.
الفقرة الأولى : الرقابة القضائية على العدول
أولا: وزير العدل
نصت المادة 40 من قانون 03 . 16 المتعلق بخطة العدالة على أنه :” يخضع العدل في مزاولة عمله لمراقبة وزير العدل”، ونصت المادة 39 من المرسوم التطبيق للقانون المذكور على أنه : يسوغ لوزير العدل أن يعين قاضيا أو عدة قضاة من محاكم الاستئناف أو ممن يزاولون عملهم بالإدارة المركزية للقيام بتفتيش المكاتب العدلية تفتيشا عاما أو خاصا للبحث في وقائع معينة.
يتمتع المفتش بسلطة عامة للتحري والتحقيق والمراقبة، ويمكنه بوجه خاص استدعاء العدول والعاملين مکاتبهم للاستماع إليهم، والاطلاع على جميع الوثائق المفيدة.
ترسل تقارير التفتيش حالا إلى وزير العدل مع مستنتجات المفتش واقتراحاته”
من خلال هذين النصين يمكن القول بأن رقابة وزير العدل التي تساهم في تحقيق الأمن التعاقدي تنصب على العدول الممارسين، عن طريق قاض أو عدة قضاة من محاكم الاستئناف أو من الإدارة المركزية للقيام بعمليات تفتيش المكاتب العدلية ، ومن خلال الواقع العملي بوزارة العدل والحريات،
فإن أغلب الزيارات التفتيشية التي بأذن بها وزير العدل تكون مبينة على تقارير رئاسة المحكمة أو النيابة العامة تأكد فيها وجود خلل ما يجب تدارکه، أو بناء على تعدد الشكايات وتعدد الجهات المقدمة لها (أشخاص ذاتيين أو معنويين أو جهات رسمية) تستدعي التحرك الميداني للوقوف على مكامن الخلل ورفع تقارير بشأنها، ومن تم اقتراح الحلول لمعالجتها، إما مقتضی فتح متابعات في حق العدل المخل أو بتوجيه منشور في الموضوع إن اقتضى الأمر ذلك
ثانيا: القاضي المكلف بالتوثيق
نصت المادة 10 من القانون المذكور على أنه :” يخضع العدل في مزاولة عمله لمراقبة والقاضي المكلف بالتوثيق، ونصت المادة 23 من المرسوم التطبيقي القانون خطة العدالة على أنه يتسلم القاضي المكلف بالتوثيق من العدل في حالة إسقاطه أو إيقافه أو إقصائه مؤقتا عن العمل أو عزله أو إعفائه أو استقالته أو نقله جميع كنانيش الجيب ومذكرات الحفظ، وفي حالة وفاته من رئيس المجلس الجهوي للعدول، لحفظها بكتابة الضبط”،
ونصت المادة 38 من المرسوم المذكور على أنه : ” يخاطب القاضي المكلف بالتوثيق على الشهادة المنجزة طبقا للقانون..”
يطلع على كنانیش الجيب ومذكرات الحفظ والوثائق التي تحت عهدة العدل پراقب تصرفات العدول التابعين لدائرته باستمرار يفتش مکاتبهم مرة في السنة على الأقل من خلال هذه النصوص يتبين أن رقابة قاضي التوثيق الولائية لها أهميتها:
1: إذا كان في الغالب أن جل العدول المشار إليهم في المادة 23 من المرسوم المذكور يبادرون إلى تسليم مذکرات الحفظ، فإن البعض منهم يمتنع عن تسليمها، فيبادر القاضي المكلف بالتوثيق إلى رفع تقرير إلى وزارة العدل والنيابة العامة لاتخاذ ما يلزم قانونا منعا لإهدار حقوق المتعاقدين.
2 – عدم مخاطبته على كل وثيقة عدلية تبين له مخالفتها للقانون، بالتالي حماية المتعاقدين من كل الإشكالات التي قد تثار بعد ذلك، ومن الأمثلة الشائعة في بعض مناطق المغرب رفض القاضي المكلف بالتوثيق الخطاب على رسوم نفطي بتفويت أراضي الجموع لغير المستفيدين بواسطة وكالات أو تنازل عن الاستغلال
3 – تفتيش مكاتب العدول مرة في السنة ورفعه لتقارير في هذا الشأن إلى وزارة العدل، وإخبار النيابة العامة بوجود إخلالات مهنية توجب فتح متابعة تأديبية أو جنحية.
4 – مراقبة تصرفات العدول في علاقتهم مع محيطهم المهني
ثالثا: الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف
نصت المادة 41 من قانون 03 . 16 المتعلق بخطة العدالة على أنه :” تجري النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بحثا أوليا في كل شكاية ضد عدل تتعلق بإخلالات مهنية، ونصت المادة 18 من القانون المذكور على أنه :”يمكن للوكيل العام للملك كلما فتحتة متابعة تأديبية، أو جنحية، أو جنائية ضد عدل، أن يوقفه مؤقتا عن عمله بإذن من وزير العدل؟”
من خلال هذين النصين وارتباطا بما سبق ذكره بخصوص رقابة القاضي المكلف بالتوثيق والمفتش ينضح أن رقابة النيابة العامة النصب على كل إخلال ارتكبه العدل وهو يزاول مهنته، سواء تعلق الأمر بارتكابه أخطاء بسيطة في تلقي الشهادات أو تحريرها والتي يترتب عنها متابعة تأديبية تنظر فيها غرفة المشورة، أو بارتكابه أخطاء خطيرة تنتج عنها متابعة جنائية تنظر فيها الغرفة الجنائية
وتبدأ مراقبة النيابة العامة للعدول ؛
1- بمجرد تقدم مشتكي بشكاية ضد عدل تتعلق بإخلالات مهنية.
2- إحالة القاضي المكلف بالتوثيق على النيابة العامة كتابا يفيد فيه بأن العدل قد قام بإخلالات مهنية
3- إحالة وزير العدل على النيابة العامة كتابا يتضمن الاخلالات المهنية التي تضمنها تقرير المفتشين
4- ارتكاب العدل لجنحة أو جناية لا علاقة لها بالمهنة
الفقرة الثانية : الرقابة القضائية على الموثقين
يعد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المخول له قانونا مراقبة الموثقين أثناء ممارستهم لمهامهم. حيث نصت المادة 65 من القانون 09 , 12 المتعلق بمهنة التوثيق على أنه:” يخضع الموثقون سواء فيما يخص عملياتهم الحسابية أو الأموال والقيم المودعة لديهم أو التي يتولون حساباتها أو فيما يخص صحة عقودهم وعملياتهم واحترامهم للقانون المنظم للمهنة لمراقبة مزدوجة يتولاها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من ينوب عنه التي يوجد بدائرة نفوذها مكتب الموثق وتتم هذه المراقبة بحضور رئيس المجلس الجهوي للموثقين أو من ينوب عنه”.
ونصت المادة 67 من القانون المذكور على أن :” للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو من ينوب عنه على مراقبة المحفوظات والسجلات النظامية وسجلات المحاسبة والتأشير عليها، مع بيان تاريخ إجراء المراقبة”
كما نصت المادة 68 منه على أنه :” يراجع الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف مرة في السنة على الأقل صناديق الموثقين وحالة الإيداعات لديهم، ويضع تأشيرته على السجلات الخاصة بذلك مع الإشارة إلى التاريخ الذي قام فيه بالمراجعة”
ونصت المادة 69 منه على أنه :” يمكن للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أن يقوم بمراقبة أي مکتب للتوثيق بكيفية مفاجئة، وله أن يختار من يساعده في ذلك.
يمكن للوكيل العام للملك وممثلي الوزارة المكلفة بالمالية حق البحث والتفتيش والاطلاع الواسع على أصول العقود والسجلات والسندات والقيم والمبالغ النقدية والحسابات البنكية والبريدية ووثائق المحاسبة وكافة الوثائق التي يكون تقديمها مفيدا لمهمتهم.
يلزم الموثق بالرد على الأسئلة الموجهة له، والاستجابة لما يقتضيه التفتيش”.
ونصت المادة 71 منه على أنه :” يجب عند نهاية كل عملية، رفع تقرير إلى الوكيل العام للملك ما لم يكن هو الذي قام بالعملية، يشار فيه إلى كل المخالفات المضبوطة إن وجدت.
إذا تبين أثناء التفتيش وجود مخالفات خطيرة أو وضعيات من شأنها المس بأمن المحفوظات والودائع وجب على الفور إشعار الوكيل العام للملك ورئيس المجلس الجهوي وعند الاقتضاء رئيس المجلس الوطني”.
من خلال هذه النصوص يتضح أن الموثق يخضع أثناء مزاولته لنشاطه المهني لرقابة قضائية يباشرها الوكلاء العامون للملك لدى محاكم الاستئناف أو من ينوب عنهم ونهم على الخصوص :
أولا : مراقبة صحة العقود التي يحررها الموثقون وعملياتهم ومدى احترامهم للقانون المنظم للمهنة.
ثانيا : مراقبة كل المحفوظات والسجلات النظامية وسجلات المحاسبة والتأشير عليها، مع بيان تاريخ إجراء المراقبة
ثالثا : مراقبة صناديق الموثقين وحالة الإيداع لديهم مرة واحدة على الأقل في السنة، مع الإشارة إلى تاريخ إجراء المراجعة
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات