محتويات المقال
الخبرة الطبية لإثبات النسب
الخبرة الطبية أصبح الاعتماد عليها يكتسي أهمية بالغة في مدونة الأسرة الجديدة بينما لم يرد أي سند للاعتماد عليها في مدونة الأحوال الشخصية
فتطور الحياة أدى إلى خلق اختصاصات متعددة الشيء الذي يصعب معه على القاضي، مهما زاد علمه واتسعت مداركه أن يلم بكافة الحقوق والعلوم إلماما كافيا وبجميع المسائل ذات الطبيعة التقنية أو الفنية والتي يتطلب حلها إجراء خبرة فنية
لذلك أجاز المشرع للقضاء من أجل البت في النزاعات بشكل سليم ويحقق العدالة والاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص، حيت خول للقاضي السلطة التقديرية للأمر بإجراء خبرة وتعيين خبير الذي يقوم بهذه المهمة إما تلقائيا او باقتراح من أطراف النزاع واتفاقهم
المطلب الأول: تعريف الخبرة وخصائصها
أولا: تعريف الخبرة
إن المشرع المغربي في مدونة الأسرة رغم إشارته للخبرة الطبية واعتبارها ضمن وسائل الاتبات، إلا أنه لم يعطي تعريفا لها ولم يبين المقصود منها. ولعله ترك تلك المهمة إلى الفقه الذي عرفها بأنها: ” إجراء التحقيق يعهد به القاضي إلى شخص مختص ينعت بالخبير بمهمة محددة تتعلق بواقعة أو وقائع مادية يستلزم بحتها أو تقديرها أو على العموم إبداء رأي يتعلق بها، علميا أو فنيا لا يتوفر في الشخص العادي ليتقدم له بيانا أو رأيا فنيا لا يستطيع القاضي الوصول إليه وحده
ويمكن القول أن الخبرة الطبية تدخل ضمن المفهوم الواسع للخبرة القضائية التي تعتبر وسيلة من وسائل الإثبات يتم اللجوء إليها إذا اقتضى الأمر لكشف الدليل وتعزيز الأدلة القائمة. ومن المتعارف عليه أن الفرع يتبع الأصل. وهذه العلاقة نشأت من كون الخبرة القضائية لها مجالات إعمالها ومن بينها الطب فاقترانا بهذا سميت الخبرة الطبية
ثانيا: خصائص الخبرة
1- الصفة الفنية للخبرة
إن الهدف من الخبرة هو تنوير القاضي بشأن مشاكل واقعية أو مادية تحتاج إلى تحقيقات معمقة، ويتطلب تخصيص معين من قبل مهني أو فني ولذلك يقتصر مجال الخبرة القضائية على المسائل الفنية الخالصة، فالمحكمة لا تلتزم باللجوء إلى أهل الخبرة إلا في ما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة ويقصد بهذه المباحت تلك التي تتطلب معرفة أو دراية خاصة من الناحية العلمية أو التقنية
وإن الإخلال بهذه الخاصية يترتب عليه حتما بطلان الخبرة، ومن ثم فإنه لا يجوز القاضي ندب خبير لتوضيح مسائل قانونية لأن هذا العمل يعد تنازلا منه على اختصاصه الخبير، وهو ليس أهلا للفصل في هذه المسائل لأن القاضي يعد خبيرا في القانون ويفترض فيه العلم به
2- الصفة الإجرائية للخبرة
إن الخبرة القضائية هي بمثابة تسيير من تدابير التحقيق أو وسائل من وسائل التحري وأن ما تتوصل إليه يعد عنصرا من عناصر الإتبات
3- الصفة الاختيارية للخبرة
إن المحكمة هي التي تقدر مدى ضرورة الاستعانة بخبير وهي تملك السلطة المطلقة في ندب الخبراء سواء من تلقاء نفسها أو استجابة لطلب الخصوم وذلك بتقديرها للأسباب ولا معقب عليها في ذلك فقد ترى في عناصر النزاع والأوراق المقدمة ما يكفي لتكوين قناعاتها فرفض ندب خبير حتى ولو قدم الخصوم طلبا بذلك، ويجب أن يكون الحكم الصادر بندب الخبير أو برفضه مسيا من طرف القاضي
4- الصفة التبعية للخبرة
تفرض الخبرة وجود نزاع قائم، حيث تمثل هذه الخبرة وسيلة إتبات تساعد في حسم النزاع ويرفض القاضى أن تكون الخبرة مستقلة عن أي نزاع، لأن طلب الخبرة هو من إجراءات الإثبات التي يلجأ إليها الخصوم أو القاضي بصدد دعوى قائمة بالفعل، ومع ذلك فقد أجيز اللجوء إلى الخبرة بصفة أصلية كاستثناء في الدعاوى الاستعجالية التي يجب أن تتوفر بشأنها صفة الاستعجال، يجوز لقاضى الأمور المستعجلة ندب خبير للانتقال والمعاينة وسماع الشهود لإثبات حالة يخشى من ضياع معلوماتها
المطلب الثاني : اجراءات الخبرة الطبية
أولا: تعين الخبير الطبي وتحديد مهامه وأتعابه
بمجرد وصول القضية محل النزاع حول نسب طفل أو أكتر، سواء تعلق الأمر بإتبات الأبوة أو الأمومة أو نحوها أمام الجهة القضائية المختصة متبعا في تلك الإجراءات والشروط القانونية اللازمة لذلك، فإن القضاة لدي تصديهم للفصل فيها، إذا اعتبروا أنهم يحتاجون إلى من ينورهم في خصوص المسائل المرفوعة إليهم والتي ليس لهم دراية فيها يعملون تلقائيا أو نزولا عند رغبة الخصوم إلى أهل المعرفة فيكلفونهم بتقديم المعلومات الضرورية للفصل في النزاع حيت ينص الفصل 59 من قانون المسطرة المدنية: ” إذا أمر القاضي بإجراء خبرة عين الخبير الذي يقوم بهذه المهمة تلقائيا أو باقتراح الأطراف واتفاقهم”
يوجه الأمر القضائي بأخذ العينات من الأطراف المعنية ومن أي شخص يمكن أخذ هذه العينة منه من الأقارب أصولا وفروعا والحواشی کالأبناء الأخوة أو العمومة وذلك حسب دواعي القضية، إضافة إلى الطفل محل النزاع، حيث لا يمكن تصور إجراء هذه الخبرة دون حضور المعني بالأمر طبقا للفصل 63 من قانون المسطرة المدنية ويتم فحص هذه العينات تم إعطاء النتيجة النهائية سلبا أو إيجابا إلى الجهة القضائية المعنية
ويجب على المحكمة أن تصدر حكما تمهيديا يتضمن مجموعة من الأسئلة التقنية المطروحة على الخبير للجواب عليها طبقا للفصل 59 أعلاه. ويجب على الخبير أن يقوم بالمهمة الموكولة إليه من طرف القاضی داخل أجل تحدده المحكمة والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الخبرة ذاتها والصعوبات التي تنتظر الخبير
من الناحية القانونية ليس هنالك ما يمنع الخبير من طلب مهلة إضافية متى كانت تبريراته واقعية ومعقولة في هذه الحالة يجب على القاضي أن يصدر أمرا بتمديد أجل الخبرة، بعد أن يطلع على تقرير الخبير المعرفة الأسباب الشكلية والموضوعية التي دعته إلى طلب التمديد
يجب على الخبير أن يودع تقريره بكتابة الضبط التابعة للمحكمة التي عينته، وذلك في الأجل المحدد له لإنجاز مهمته لذلك فعليه بعد إنهاء عمليات تنفيذ الخبرة أن يضع تقريرا للخبرة يضمن فيه ما قام به من إجراءات وأعمال وما استخلصه من نتائج وهو بصدد تنفيذ المأمورية المنوطة به من طرف المحكمة داخل الأجل المحدد له.
أما فيما يخص أتعاب الخبير والتي هي المقابل الذي يتقاضاه من أجل إنجاز الخبرة فهي تمثل المقابل النقدي الواجب دفعه والذي يراعي فيه المجهود وقيمة العمل والعناية التي يستلزمها والزمن الذي سيقضيه في ذلك مالم يطلب الزيادة في الأتعاب بعد نهاية مهامه أو يأمر القاضي بأداء الأتعاب التكميلية والمحكمة هي التي تحدد المبلغ الجزافي الذي سيتقاضاه الخبير والطرف الملزم بأدائه
ثانيا: مناقشة تقرير الخبير
يعد التقرير الذي ينجزه الخبير القضائي بطلب من المحكمة دليلا من أدلة الإثبات في الدعوى، لكنه في المقابل ليس دائما بالدليل الحاسم، حيث يمكن أن يكون محل نقاش أو طعن بين أطراف النزاع
لذلك يمكن متلا لمن قدم التقرير له صلحته أن يستند إلى ما تضمنته من أبحات وحجج للتدليل على صحة إدعائه، أما الخصم الأخر فله الحق أيضا في مناقشة مضامين هذا التقرير وما يحتوي عليه من تناقض بين أجزاءه أو خطأ في بياناته، بل وله أيضا أن يطعن في المقدرة العلمية أو الفنية للخبير انطلاقا من الهفوات التي يشملها التقرير
تجري مناقشة تقرير الخبير عادة في جلسة علنية مخصصة لذلك عن طريق تبادل المذكرات طبقا لقواعد قانون المسطرة المدنية، وإذا كان من حق الخصوم أن يناقشوا ما جاء في تقرير الخبير فإن محكمة الموضوع حسب الفصل 64 من قانون المسطرة المدنية لها أن تطلب كافة الايضاحات من الخبير أو تأمر بإنجاز بحت إضافي، حتى يزول الغموض عن التقرير
إذن فحضور الخبير للجلسات التي تعقدها المحكمة ليس ضروريا، إلا إذا قررت المحكمة خلاف ذلك حيت تستدعيه من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أو الأطراف جميعا، هذا إذا رأت المحكمة استدعائه ضروريا لاستضاء نقطة مبهمة في التقرير، لأن ذلك يندرج ضمن السلطة التقديرية للمحكمة
وما تجدر الإشارة إليه هو أن تقرير الخبير يجب أن يكون موقعا من طرف الخبير أو الخبراء الذين أنجزوه، غير أنه ملی کانت آراءهم مختلفة بينو رأي كل واحد منهم مع التوقيع وذلك استنادا إلى نص الفقرة الثانية من الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية ويتعين أن يكون رأي الخبيير معللا، حتى تستطيع الخصوم مناقشته والقاضي من تكوين رأيه.
ثالثا: حجية تقرير الخبير من حيت الإثبات
يمكن أن يكون لتقرير الخبير المعين من طرف المحكمة في حدود الاختصاصات التي أوكلت إليه قوة الاثبات التي تكون للأوراق الرسمية، ما دام الخبير يقوم بمهمته في إطار وظيفته، حيث يعتبر تقريره بمثابة ورقة رسمية لا يمكن إتبات عکسها إلا عن طريق الطعن بالتزوير خاصة أن الخبير لا يباشر مهمته إلا بعد تأدية اليمين القانونية
وبعبارة أخرى تتبت صفة الرسمية لما أثبته الخبير في محضر أعماله وتقريره من أمور قام بها في حدود مأموريته أو وقعت من الخصوم أو العارفين أمامه كدعوته للخصوم وتاریخ اجتماعاته بهم وحضورهم أو غيابهم وأقوالهم وملاحظتهم وطلباتهم منه وكذلك أقوال الغير الذين سمعهم، فلا يجوز تكذيبه في شيء من ذلك إلابيطرق الإدعاء بالتزوير
و بالتالي من غير المنطقي قبول شهادة الشهود للتدليل على خلاف البيانات التي جاءت في تقرير الخبير، لأن هذه البيانات لها الصفة الرسمية في الإتبات
وما تجدر الإشارة إليه هو أن ما توصل إليه الخبير من نتائج مضمنة في تقريره، ليس لها قوة مطلقة، حيت يحق لأطراف النزاع دائما إتبات خطأ الخبير أو سهوه أو عدم مطابقته للواقع، ولهم أن يستعملوا في ذلك كافة وسائل الإتبات المتاحة أمامهم
ومما سبق يمكن القول أن تقرير الخبير في الأمور التي تدخل في نطاق اختصاصه تكون له القوة الرسمية، حيث لا يمكن الطعن فيه، أما الأمور التي لا تدخل في نطاق اختصاصه للقاضي كامل السلطة في الأخذ بها و عموما يمكن دائما سواء للخصوم أو قاضي الموضوع نقض تقرير الخبير بالطعن فيه
رابعا: تأثير تقرير الخبرة الطبية على الحكم
القاعدة العامة أن المحكمة غير ملزمة بإتباع ما جاء في تقرير الخبير، حيت يمكنها أن تأخذ بالتقرير أو ترفضه كله أو بعضه، إذ يمكن القول أن المحكمة تأخذ بتقرير الخبير على سبيل الاستئناس
ينتج عن هذا أن للقاضی سلطة تقديرية في هذا الشأن واسعة، إن لم نقل مطلقة في الأخذ بنتيجة الفحص الطبي، واعتمادها كليا أو جزئيا في تكوين قناعاته وبالتالى تأسيس حكمه، أو ردها جملة واحدة والسير في الدعوى دون الاسترشاد مطلقا بالخبرة، غير انه ينبغي له حين ذلك تسبيب استبعاده الخبرة، كما يستطيع إلغاء الخبرات كليا أو جزئيا، لعيب شكلي، أو لانحيازها و عدم مصداقيتها
حيث جاء في قرار المجلس الأعلى ” أن تقديرات الخبراء القضائيين المعنيين لا تلزم محام الموضوع، وللمحكمة أن تأخذ بأعمالهم أو تقصيها… “
وجاء في قرار أخر لمحكمة النقض المصرية ” …محكمة الموضوع غير مقيدة برأي الخبير لأنها لا تفضي إلا على أساس ما تطمئن إليه، ويحصيها قضائها على أسباب کافية لحمله..”
ورغم التأثير الكبير الذي تلعبه تقارير الخبرة في أحكام وقرارات القضاة، فإنها لا تفرض شيئا أبدا، لأن هؤلاء ما هم إلا مستشارون تعينهم العدالة لتسليط الضوء على بعض الجوانب من النزاعات فيجوز للقاضي الإسناد إليهم أو الاستغناء عنهم
وتلحق التقارير الطبية بالقضية ويمكن نقدها ومناقشتها، أو تبريرها بمقالات، وتبقى حقوق الدفاع كاملة للقاضي مناقشة محتوى تقرير الخبرة الطبية و الرد على الدفوع المثارة من الأطراف، وتقدير مدى ملائمته للخبرة المضادة، مادام تقدير الأدلة موكولا لقضاة الموضوع فانه إذا تعارضت أقوال خبراء البصمة الوراتية بان تعدد الخبراء أو تعديت المختبرات فإن الأمر في هذه الحالة موكول لقضاة الموضوع أيضا
وأخيرا فإن السلطة المعطاة للقاضي في مجال الخبرة، تجد أساسها في المبدأ المتمثل في ” حرية القاضي في تكوين عقيدته أو قناعته”
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات