محتويات المقال
الحيازة
تباين موقف فقه حول تعريف الحيازة الأمر الذي نتج عنه إختلاف لمحاولة ضبط مفهومها حيث يرى الإتجاه الأول أن : ” الحيازة سيطرة فعلية على الشيء “
بينما يرى الإتجاه الثاني أنها : “وجه ظاهر لممارسة حق معين “
الحيازة هي السيطرة الفعلية التي تتجسد في قيام شخص بالأعمال المادية و القانونية على شيء تجوز حيازته بنية تملكه أو ممارسة حق عيني عليه سواء كان هذا الشخص مالكا للشيء أو غير مالك
و بناءا عليه تقوم الحيازة علی رکنین لا يعتد بهما إلا إذا إستوفيا شروط صحتهما حتى تنتج آثارها القانونية ويمكن حمايتها بدعاوى الحيازة ، و تكون كذلك سببا لكسب الملكية العقارية ، سواءا بنفسها أو عن طريق التقادم المكسب، وكان العقار المحاز مما يجوز وضع اليد عليه.
وفيما يلي نتناول العنصر المادي للحيازة في ( الفرع الأول ) و العنصر المعنوي للحيازة في ( الفرع الثاني)
الفرع الأول : العنصر المادي في الحيازة
يتضح من مفهوم الحيازة أن لها ركنين لا بد من توافرهما معا حتى تنشأ و يعترف بها القانون ، الركن المادي والركن المعنوي ، هذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها أن : «أن كسب الحقوق العينية غير المنقولة بالتقادم وفق أجله الطويل أو القصير يتم إذا كانت الحيازة: هادئة ، مستمرة بعنصريها المادي والمعنوي ، وغير غامضة ، خالية من العيوب و مستندة إلى سبب صحیح »
وما يكون العنصر المادي هو مجموع الأعمال المادية و التي تتباين صورها تبعا للطبيعة المادية للعقار
كما أن المشرع ، يعد بتلك الممارسات الفعلية و لو باشرها الحائز إبتداءا أو إنتفلت إليه من الغير شريطة أن تكون صحيحة
و فيما يلي نتناول ماهية الأعمال المادية ضمن (الفقرة الأولى) ، و طرق إكتساب و انتقال السيطرة المادية ضمن (الفقرة الثانية ) على التوالي:
الفقرة الأولى : ماهية الأعمال المادية
استخدم المشرع في القانون المدني تعبير ” السيطرة الفعلية ” للدلالة علی الركن المادي سواء بالنسبة الإنتقال الحيازة أو زوالها
ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك حين إعتبر إستمرار المانع الذي يعيق الحائز من مباشرة السيطرة الفعلية و لمدة سنة كاملة زوال الحيازة الأولى وقيام حيازة جديدة .
و أخذ القضاء في تحديد ماهية الركن المادي بضرورة توافر الأعمال المادية للدلالة على وجوده لدى الحائزة، وهو كذلك ما ذهبت إليه محكمة النقض التي إعتبرت أن « وضع اليد لا إعتبار له قانونا إلا بالنسبة لمن أراد حيازة المال لنفسه وحازه بنية تملكه ، و الأصل في الحيازة أنها دخول المال في مكنة الحائز وتصرفه فيه التصرفات القابل لها »
وتختلف الأعمال المادية باختلاف طبيعة العقار وباختلاف الحقوق العينية ذاتها كما لو كان العقار أرضا فلاحة و كان المدعي يعتبر نفسه حائزا لها فعليه أن يباشر الأعمال التي يباشرها عادة مالك العقار، کالحرث، البذر، الزرع ، التسميد ، حصد الحصول أو جنبه عند نضجه
أما لو إعتبر نفسه صاحب حق إرتفاق بالمرور على الأرض فإن الركن المادي للحيازة يتوافر إذا كان يمر خلال موضع معين من هذه الأرض متي إحتاج إلى ذلك هذه الصورة لا يتطلب فيها توافر الركن المادي إحراز العقار إحرازا ماديا ، لأن الحق محل الحيازة يخول صاحبه الحصول على كل منافع العقار، فمالك العقار المخدوم لا يحتاج في مباشرة حقه إلى إحراز العقار الخادم، لأن حقه لا يخول له الحصول على كل منافع هذا العقار .
وتثور المسألة حول توافر الأعمال القانونية دون الأعمال المادية ، وفي هذا الخصوص اختلف الفقه و إنقسم إلى فريقين :
الفريق الأول : يرى أنها لا تصلح لقيام الركن المادي على أساس أن الحيازة هي الإستعمال الظاهر للملكية والأعمال القانونية لا تعتبر كذلك ولا تفترض حتى ممارسة السيطرة الفعلية على العقار.
الفريق الثاني : يرى أن الأعمال القانونية كافية لقيام الركن المادي
إلا أن أنصار الفريق تارة يستوجب ضرورة إقران الأعمال المادية بها لأن مجرد التصرف في العقار بالبيع و خلافه غير كاف للدلالة على توافر وضع اليد الفعلي ، وتارة أخرى يكتفي بتوافر الأعمال القانونية بمفردها لقيام الركن المادي ، فالإيجار مثلا بشكل عمل بنطابق مع مكنات الحلي المحاز، لأنه من أعمال الإدارة و الإستغلال ، فالركن المادي موجود هنا و لكن بأسلوب غير مباشر عن طريق المستأجر
أما القضاء المصري فقد استقر الرأي فيه على أن الأعمال القانونية غير كافية لتوافر الركن المادي للحيازة
وفي غياب نص تشريعي و موقف المحكمة العليا لهذا الإشكال نرى أن هناك جدوى للتصرفات القانونية لأنها قد تفيد أحيانا في المحافظة على حيازة اكتسبت من قبل ، لكن هذا لا يعني أن توافر التصرفات القانوني يغني عن الأعمال المادية لأن الأصل في الحيازة ممارسات فعلية من واضع اليد على الحق العيني الذي يحوزه هذه الممارسات المادية التي تكون العنصر المادي للحيازة إما يكتسبها الحائز إبتداءا أو تتنقل إليه من الغير.
وعن إكتساب و إنتقال السيطرة المادية توضح ذلك في فقرة ثانية كما يلي :
الفقرة الثانية : طرق إكتساب و إنتقال السيطرة المادية
هناك صورتان لإكتساب الركن المادي للحيازة إما إبتداءا أو إنتقالا من الغير
فالحائز إما يستحوذ على العقار مباشرة أو تنتقل إليه السيطرة من الغير، كما أن هذه الأخيرة لا تتصف بالجمود بل يجوز إنتقالها و يتحقق ذلك إما تطبيقا لنص القانون أو عن طريق الإتفاق
وعليه نتناول كيفية إكتساب الركن المادي إبتداءا أولا ثم إنتقال السيطرة المادية ثانيا تبعا
أولا : إكتساب الركن المادي إبتداءا
تتحقق السيطرة المادية إبتداءا كأن يحوز الشخص ويمارس سلطته على العقار دون أن تنتقل إليه من شخص آخر ، كما لو حاز مسكنا حيازة مادية مباشرة و يباشر فيه من الأعمال المادية ما يباشره المالك عادة في ملكه ، ولا بد في هذا المقام من عمل مادي إيجابي يحرز به الحائز العقار إحرازا فعليا
ثانيا: إنتقال السيطرة المادية
تنتقل السيطرة المادية من الغير إما أن يكون خلقا عاما أو خاصا ، كما تنتقل بواسطة الغير، حيث يباشر الحائز کنائب عن الأصيل نظرا لوجود ظروف تمنعه أو تعيقه من مباشرة الأعمال المادية بنفسه ؛ و يتم إكتساب الركن المادي إما إنتقالا من الغير أو بواسطة الغير أو معه وهي صور تنتقل بها الممارسة العادية نوردها تبعا
الصورة الأولى: تحقق السيطرة المادية إنتقالا من الغير
تتحقق هذه الصورة إذا إنتقلت السيطرة من شخص إلى آخر كانت له السيطرة المادية ثم نقلها إليه ، وهي إستثناء من الأصل حيث تنتقل الحيازة من حائز لاخر شريطة أن تكون عند هذا الإنتقال متصلة أي لا تنقطع اللاحقة منها عن السابقة ، و تجدر الإشارة أن الحيازة اللاحقة في هذه الحالة لا تعتبر حيازة مبتدأة وأنه يشترط في الإنتقال الهدوء و إلا كانت إغتصاب وإن تمت كذلك فمنتزع الحيازة يبتدئ حيازة جديدة لا تتصل بالقديمة
و نقل الحيازة من حائز لأخر بالمعنى الذي أسلفناه باحدى الطريقتين إما بنص القانون أو عن طريق الإتفاق
الصورة الثانية: تحقق السيطرة المادية بواسطة الغير
يعهد حائز العقار، العقار إلى غيره كي يحوزه مجرد حيازة مادية حيث تجمعه بالحائز علاقة التابع بالمتبوع ، كما هو الحال بين الخادم والمستخدم فيحوز الخادم العين لحساب المستخدم فتنتج الحيازة بواسطة الغير أثارا قانونية في شخص الحائز القانوني وحده، ولا تتعدى الوسيط لأنه يباشر السيطرة المادية بإسم الحائز الأصلي و لحسابه أما عنصر القصد فلا ينوب عنه فيه أحد.
وقضي بأن حيازة النائب تعتبر حيازة الأصيل و يباشر الحائز السيطرة المادية بالوساطة إذا كان ناقص أو عديم الأهلية حيث يباشرها عنه نائبه القانوني باسمه و لحسابه ، كما هو الحال للصبي غير المميز بواسطة الولي أو الوصي
هذا ويلاحظ أن المشرع لم يتناول سوى الوسيط الذي يكون تابعا للحائز و لكن الثابت فقها و قضاءا أن الوسيط الذي يحوز لحساب الحائز يمكن أن يكون ممن لا يصدق عليهم وصف التابع كالمستأجر و المستعير
ففي هذه الأحوال يكون الوسيط حائزا عرضيا يعمل لحساب الجائز الحقيقي و هو هنا المؤجر أو المعبر
ويشار التساؤل عما إذا كان الذي يظهر بظهر الحائز ينوي أن يكسب الحق لنفسه أو أنه يجوز لحساب غيره ؟
يجيب عن هذا الأخير السند أو العقد الذي يربط الحائز الحقيقي بالجائز العرضي بموجبه تنحدد الشروط التي إنتقل بمقتضاها وضع اليد إلى الجائز الظاهر، كما بين الحدود التي يجب أن لا يخرج عنها الجائز الظاهر في انتفاعه بالعقار
أما لو قام الشك حول وصف الحيازة عندها يفترض أن الحيازة الظاهرة قرينة علی الحياة الحقيقية حتى يثبت العكس
بقوله : « وعند الشك يفترض أن مباشر الحيازة إنما يجوز لنفسه فان كانت الحيازة إستمرارا لحيازة سابقة إفترض أن هذا الإستمرار هو لحساب البادئ بها »
وقضت محكمة النقض :« بأن حيازة الوكيل العقارات موكله التي تحت يده بسبب عقد الوكالة تعتبر حيازة لحساب الأصيل طالما أن الوكيل لم يدع بأنه غير صفة حيازته مما تتغير به قانونا »
الفرع الثاني : العنصر المعنوي في الحيازة
سبق و أسلفنا أن الحيازة سلطة فعالية يباشرها شخص على شيء ويجب أن تكون بقصد مزاولة الحق موضوع الحيازة، وعليه إلى جانب توافر العنصر المادي يجب توافر العنصر المعنوي و تواجد العنصر المعنوي لا يختلط مع حسن أو سوء النية الذي لا يعتبر مكون للحيازة لكن يمثل ففط خاصية فيها، لأنه حتى إن مورست بسوء النية تترتب عنها آثار قانونية
ويقصد بالعنصر المعنوي للحيازة نية التملك و ظهور الحائز أمام الناس بمظهر صاحب الحق محل الحيازة ، يباشر الأعمال المادية خالصة لحسابه و إلا نكون بصدد حيازة عرضية أين يباشر الحائز السيطرة المادية بمقتضی سند ينطوي على الإعتراف بالحق العيني الشخص آخر.
هذا و قد تردد بشأن عنصر القصد نظريتين متباينتين : النظرية الشخصية و النظرية المادية
إن ضرورة توافر عنصر القصد لدى الحائز مبدأ كان محل نقاش بين الفقهاء بين مؤيد ومعارض، و القصد يفترض وجود عنصرين: الإرادة و النية فعلى الجائز أن تكون له إرادة حوز العفار، ليمارس عليه الأعمال المادية ، لكن حتى يكتسب الحق و يصبح مالكا له کي يستعمله ويستغله ، لابد من وجود نية محددة و واضحة حتى يتصرف به کمالك له، كما أن ضرورة وجود الإرادة تتطلب من الجائز أن يكون واع و أهل و عالما بالأسباب حتى ينصرف دون قيد،
فالصبي غير المميز أو من أصابه عارض من عوارض الأهلية لا يمكنه أن يحوز المال عقارا كان أو منقولا له فقط الإستلاء المادي، في حين الإرادة البسيطة لممارسة حق من الحقوق لا تتطلب مجرد الإستلاء المادي، بيد أن الحيازة تفترض نية الظهور و التصرف كصاحب حق الملكية، أو صاحب حق عيني أخر.
أولا : النظرية الشخصية
يرى أنصار النظرية أنه لا يكفي توافر وضع اليد على العقار لتحقق السيطرة المادية للحيازة وإنما لا بد من وجود إرادة معينة تضاف إلى وضع اليد
أشد أنصار النظرية : الففيه ( سافيني ) ، حيث يعتبر الإرادة الشخصية للحائز هي العنصر الأساسي للحيازة الحقيقية ، ولما كان وضع اليد واقعة مادية تتطابق والواقعة القانونية للملكية فإن القصد في الحيازة لبس شيئا آخر سوى قصد ممارسة للملكية
فالقصد أمر شخصي لا يتصور توافره في غير الحائز ، فإذا كان الحق حق ملكية وجب أن يتوافر عند الحائز قصد إستعمال حق الملكية لحسابه
فيستعمله و يستغله ، أما لو كان حتى إرتفاق أو إنتفاع وجب أن يتصرف كما لو كان صاحب الحق وقد توافرت عنده نية إستعماله لحسابه ؛ ولما كانت النية تتعلق بالشخص سمیت النظرية ” بالنظرية الشخصية “
ثانيا : النظرية المادية
تنسب النظرية المادية للفقيه ” إهرنج ” و يرى أن عنصر القصد ليس مستقلا عن السيطرة المادية ، لأن الركن المادي في الحيازة يتضمن في حد ذاته الركن المعنوي لأن القصد ينصب على واقعة وضع اليد و يضيف :
« القصد هو إرادة إستخدام الشيء و تحقيق السيطرة عليه ، في حين أن الركن المادي هو المظهر الخارجي لهذه الإرادة نفسها و يجب أن يمارس بارادة واعية و الذي من دونه لا تتوافر سوى رابطة جوار محلي»
وعليه خلص ” إهرنج ” تبعا لذلك أن معیار تمییز الحيازة عن مجرد الإحراز، لا يتمثل في قصد الحائز أن يحوز لحسابه كما جاء في النظرية الشخصية إذ وجود هذا القصد ليس ضروريا لقيام الحيازة و قد يحوز الشخص لحساب غيره و مع ذلك يعتبر حائزا بالمعنى الصحيح
إلا أن أهم نتيجة عملية خلص إليها – إهرنج تتمثل في جواز حماية الحائز حساب غيره بدعاوى الحيازة ، حيث لا تحميه النظرية الشخصية ؛ تطبيقا لهذه النتيجة قرر المشرع حماية حيازة المستأجر ، لأنه لا يجوز لحسابه بل لحساب المؤجر و حينئذ تحميه النظرية المادية بجميع دعاوى الحيازة .
و يمتد الاختلاف بين موقف التشريعات من النظريتين حيث يأخذ التشريع الألماني و النمساوي بالنظرية المادية، و التشريع الفرنسي و المصري بالنظرية الشخصية
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
المراجع
منصور محمد حسين – الحقوق العينية الأصلية
أحدث التعليقات