محتويات المقال
أولا : الحقوق والحريات في المذهب الفردي
الحقوق والحريات في المذاهب المعاصرة خاصة المذهب الفردي في أوروبا الغربية ساد كرد فعل اتجاه المظالم التي مارسها الثلاثي المتكون من الملك والكنيسة والطبقة الإقطاعية حيث ظلوا قرونا طويلة يمارسون الاستبداد والظلم والفساد حين كان الحكم فرديا ومطلقا للملك وكان الإقطاع يسن القوانين ويتحكم في الاقتصاد والأرض بينما راحت الكنيسة تضفي على ذلك صبغة دينية لإقناع الناس أنها شريعة الإلهية
وهكذا كان القوانين تنقسم إلى قسمين قوانین پسنها الإقطاع وشريعة دينية تسنها الكنيسة ، فما هي إذن المصادر الفكرية للمذهب الفردي وما تأثيرها على إعلانات حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ؟
المصادر الفكرية للمذهب الفردي
يهدف الخروج من الوضعية المتأزمة في أوروبا الغربية ظهر مفكرون وفلاسفة اهتموا بالبحث عن طرق للخروج من ظلمة الاستبداد والحكم الفردي والجهل المتفشي في الناس إلى نور الحرية والعلم وهكذا ظهر فكر الأنوار والحرية وتم تبني نظرية العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم لتقييد الحاكم وإلزامه باحترام العقد الاجتماعي بينه وبين الشعب وراجت هذه الأفكار في الشعوب الأوروبية طيلة القرن 17 و 18 و 19 فقامت الديمقراطية التقليدية التي حظيت بتقدير الشعب واستحسانه للخروج من العبودية وإطلاق الحريات،
ومن ثم فالمذهب الفردي قام على تمجيد الفرد واعتباره محور النظام السياسي والدولة ليست إلا أداة لخدمة المواطن فتتكفل يضمان حقوقه وحرياته فالمذهب الفردي يركز على حل إشكالية الصراع بين السلطة والحرية و أوجد لها آليات للخروج من هذه الأزمة ولعل الفضل الكبير يعود إلى نظرية العقد الاجتماعي التي نادى بها كل من جون لوك و جون جاك روسو والمدرسة الطبيعية في ق17 و18 تم الديانة المسيحية التي تدعو إلى احترام الإنسان وكرامته .
نظرية العقد الاجتماعي
يعد العصور الوسطى التي ساد فيها الحكم الملكي المطلق حسب نظرية ” الحق اللاهي للملوك ” جاءت نظريات العقد الاجتماعي التي تعتبر من المصادر الحقيقية لفلسفة المذهب الفردي والتي أكدت على وجود عقد بين الحاكم والمحكوم خاضع للإرادة الجماعية والعيش المشترك ومن رواد هذه المدرسة هوبز و لوك و روسو فاتفقوا على دولة خاضعة لعقد اجتماعي .
توماس هوبز
نادي بالعقد الاجتماعي وهو عبارة عن اتفاق بين الحاكم والمحكوم بمقتضاه يفرضه على السلطة والتعبير عن إرادته فالمحكوم يتخلى عن بعض حريته لصالح الحاكم مقابل أن يضمن هذا الأخير الأمن والمصالح الفردية للمحكومين وبمجرد توقيع العقد يصيح الكل مقيدا بما التزم به .
جون لوك
من واجب الحاكم احترام حقوق المحكوم وعدم المساس بها وفي حالة إخلال الحاكم بالالتزامات الملقاة على عاتقه أو جنوحه إلى الحكم المطلق يجوز للمحكومين مقاومته وطرده و عليه قرر جون لوك أن الحريات والحقوق هي الغاية من السلطة السياسية وهي تبعا لذلك تقد السلطة وتحدها فالدولة حسب لوك تكونت للدفاع عن الحقوق الطبيعية للناس وليس بوسعها أن تنتهك تلك الحقوق .
جون جاك روسو
يعتبر كتابه العقد الاجتماعي سنة 1762 إنجيل الحرية وهو من أنفس الكتب التي نشرت في عهد كثر فيه الظلم والاستبداد وتقييد الفكر والتعبير فالحالة الطبيعية عنده هي الحرية والمساواة والاستقلال عن السلطة فالإنسان بطبعه يحب الحرية والمساواة وشيء واحد يعكر هذه الحياة هو الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات ويجب عليه التعاون مع بني جنسه للتغلب عليها ، هكذا يقرر روسو أن الأفراد بمقتضى العقد الاجتماعي يتنازلون عن بعض حقوقهم للجماعة ويحصلون بالمقابل على حقوق وحريات تقررها لهم الجماعة التي أقاموها بمحض إرادتهم واختيارهم يسميه العقد الاجتماعي الذي یع طي الكيان السياسي سلطة على أعضائه لتوجيه الإرادة العامة. ويبين روسو أن لا تعارض بين سيادة الدولة و حرية الأفراد وأن الحرية الحقيقية هي سيادة القانون الذي هو إرادة الأمة وتصدره الأغلبية المطالبة بتطبيقه بعد التصويت عليه.
تجلت بوضوح مبادئ روسو في إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية وتأكدت بعد ذلك في إعلانات حقوق الإنسان الانجليزية والأمريكية .
أزمة المذهب الفردي
تعرض المذهب الفردي لهجمات لأنه سقط في فخ الربح و استغلال العمال فاتسعت الهوة بين الطبقة المالكة والطبقة العاملة فنادى العمال بتدخل الدولة من أجل حماية حقوق العمال من الاستغلال البورجوازي وتحقيق نوع من المساواة الفعلية مما هيأ المجال لظهور أفكار اشتراكية مطالبة بالعدالة الاجتماعية.
ثانيا : الحقوق والحريات في المذهب الاشتراكي
تبين أن الحريات في النظام اللبرالي زائفة وخادعة عند تطبيقها حرفيا ، فالحرية المطلقة في الاقتصاد أدت إلى فوارق اجتماعية هائلة مما جعل الحرية السياسية حبرا على ورق وتأكد عدم المساواة بين المواطنين فسلبية الدولة في النظام اللبرالي الحر نتج عنها أزمات اقتصادية وظهور احتكارات وطبقات اجتماعية فكان لا بد من ظهور أفكار اشتراكية ، كانت على مرحلتين المرحلة الأولى هي الاشتراكية المثالية أو الطوباوية وامتدت حتى القرن 19 حيث كانت قائمة على مخاطبة الناس بالأحاسيس والضمائر قصد تحقيق مجتمع مثالي خال من الظلم والطبقية لكنها لم تبين الوسائل من أجل بلوغ هذا الهدف فقد كانت عاطفية أكثر منها عملية
التمييز بين الحريات الشكلية والحريات الواقعية
میز ماركس بين الحريات الشكلية فأصبحت تدعى الحريات الكلاسيكية وحلت محلها الحريات الواقعية وهي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن أن توفرها سوى الدولة ، في ماركس يرى أن رجال المال في الحرية الشكلية يتحكمون في المال وبالتالي يتحكمون في الصحافة والإعلام والحكومات إذن هذه الحرية صورية وشكلية ومزيفة .
انتقاد إعلانات القرن 18 و 19
يرى ماركس أن إعلانات القرنين 18 و 19 ما هي إلا أدوات في يد البورجوازية استعملتها للقضاء على الإقطاعية تم استعملتها بعد الثورات القضاء على حقوق العمال وبالتالي هذه الإعلانات ما هي إلا نفاق سیاسی ، ويطرح أسئلة من قبيل ” ما فائدة حرية السكن لشخص لا يملك سكنا ؟ ما قيمة حرية الصحافة إذا كانت الصحف بيد رؤوس الأموال ؟ ما قيمة الأمن لشخص يموت جوعا ؟
وهكذا رفض مارکس مفهوم الحريات في العالم الغربي وطرح بديلا تمثل في حريات في ظل مجتمع اشتراکي تنعدم فيه الطبقات وتشرف فيه الدولة على حقوق الإنسان ، وقال ب ” أولوية الجماعة على الفرد تم التضحية بحقوق الفرد من اجل حقوق الجماعة ، الدولة هي تدخلية ترتكز على الهيمنة السياسية عن طريق الحزب الواحد أم الهيمنة الاقتصادية الممارسة من خلال المخططات الاقتصادية ،
وهكذا ظهرت حقوق جديدة لم تكن في إعلانات الحقوق الفرنسية والانجليزية والأمريكية من قبيل الحق في العمل والحق في الراحة والحق في التامين والحق في التعليم ، والحقوق والواجبات في المذهب الاشتراكی وجهان لعملة واحدة فمن يطالب بالحق في الطعام والكساء عليه واجبات العمل ومن يطالب بالحرية عليه أن يحترم حقوق الآخرين .
أزمة المذهب الاشتراكي
تركت النظرية الماركسية أثرا بالغا في تاريخ الإنسانية ولعبت دورا كبيرا في تطور الفكر والسياسة في العصر الحديث ، واستطاعت الثورة الاشتراكية في روسيا أن تطيح بالحكم الفردي المتمثل في القيصر وتؤسس دولة اشتراكية قوية وأصبحت قوة عظمی عالميا قبل أن تعصف بها رياح التغيير في 1989 أدت إلى إعادة النظر في الكثير من مبادئ الاشتراكية وتجلت أزمة المذهب الاشتراكي في حماية حقوق وحريات الفرد وثانيا من خلال ظهور مذهب التدخل الجزئي .
1 – على مستوى حماية حقوق وحريات الأفراد
حققت الاشتراكية بعض العدل في العمل وتوزيع الثورات لكن الفرد المسكين حوصر من كل جانب فالسلطة والمال والإعلام والثورة والثقافة تركزت كلها بيد الدولة وهذه الدولة يسيرها بشر فالسلطة إذن لم تتلاشى ولم تتكون المدينة الفاضلة وسيطر الحزب الواحد ولم يفسح المجال للرأي الأخر وصودر الحق في العمل السياسي الحر والمشاركة في الحكم والتداول على السلطة وساد الحرمان في حين كان الإنسان الأوروبي ينعم بكامل حقوق الإنسان وبالمشاركة السياسية الحرة وتطورت مسيرة الإنتاج والرخاء.
2 – ظهور مذهب التدخل الجزئي
مع ضغط الميادين الاشتراكية اضطرت النظم اللبرالية إلى القبول بمبدأ تدخل الدولة جزئيا بدل الدولة الحارسة وبدأت الدولة تضمن حقوق الأفراد كالتعليم والتطبيب والكفالة الاجتماعية فاقتبست النظم الغربية من الاشتراكية بعض الأفكار من قبيل تدخل الدولة لتنظيم الحفل الاقتصادي والاجتماعي و تغليب المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية و احترام الملكية الفردية تم تطور الأمر حتى تدخلت الدولة في تحديد الأجور وساعات العمل وتأمين العمال فتم إقرار في فرنسا مثلا الحق بالعمل لكل فرد ومنع الإساءة للعمال وتعويض العمال في حالات الحوادث أو البطالة وتم استصدار قانون الضمان الاجتماعي ،
هكذا نلاحظ أن الحقوق جاءت نتيجة تراكمات فلسفية وفكرية أسهمت فيها جل الحضارات فاستفاد اللاحق من السابق مؤكدة أن المزيد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات