محتويات المقال
التنظيم القضائي في عهد الاستقلال
ببزوغ فجر الاستقلال وضعت الدولة المغربية نصب عينيها العمل على بسط سيادتها على مرفق العدل سعيا وراء تكوين جهاز حديث وفعال ، و توحيده منعا للشتات و التعدد الذي كان يطبعه بفعل تعدد أنواع المحاكم واختلافها ، تحقيقا لمبدأ الوحدة و المساواة، بما يقطع مع الميز وعدم المساواة التي كانت تطبع التقاضي أمام مختلف المحاكم في زمن الاستعمار البائد.
كما استهدفت صبغه بالطابع الوطني، بعدما كان مجردا من كل المظاهر المنافية للسيادة الوطنية، على مستوى الموارد البشرية، وعلى مستوى لغة القضاء في المداولات والمرافعات والأحكام والمستندات، وكذا النصوص المطبقة
فانصبت الجهود على ترسيخ مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية الوضع حد للتداخل بين السلط الذي ميز عهد الحماية. و على توحيد الجهات القضائية و العمل على تقنين نصوص تشريعية تسهل مهمة القاضي والتقاضي و تحقق مبدأ الشرعية و الاستقرار القانوني، بعد أن كانت النصوص معدومة أو مبعثرة وموكولة في الكثير من الأحيان للسلطة التقديرية القاضي أو الحاكم المخزني.
ورغم المجهودات التي قامت بها الدولة في سبيل إرساء المبادئ و المقومات المذكورة، إلا أن ذلك لم يتحقق إلا بعد جهد جهيد و بعد أمد زمني عرف مراحل عديدة يمكن إرجاعها إلى:
فترة ما بعد الاستقلال إلى حين صدور قانون المغربة و التوحيد و التعريب سنة 1965؛ و فترة ما بين صدور قانون المغربة و التوحيد و التعريب، إلى حين صدور ظهير 1974؛ و فترة ما بعد صدور ظهير 1974 إلى الآن. وعلى ضوء هذا التقسيم سنعالج التنظيم القضائي لهذه المرحلة على النحو التالي:
الفقرة الأولى : فترة ما بين 1956 و 1965
إقرارا لمبدأ استقلال القضاء و عملا على ترسيخه، تم إلغاء الرقابة الإدارية على تدبير شؤون العدل، بمقتضى ظهير 19 مارس 1956 ، كما تم إلغاء الاختصاصات القضائية لخلفاء الباشاوات بمقتضى ظهير 7 مارس 1956.
وفي إطار العمل على توحيد الجهات القضائية و تحقيق مبدأ المساواة أمام القضاء، تم إلغاء المحاكم العرفية التي كانت قائمة على أساس عنصري، و بدأت الجهود لتوحيد الجهات القضائية وإدماج المحاكم و تقریب القضاء من المتقاضين من خلال العمل على تعميم المحاكم في مختلف مناطق المغرب.
و توجت هذه الجهود بإنشاء المجلس الأعلى كأعلى جهة قضائية في المملكة، تتولى السهر على حسن تطبيق القانون ، وتفسيره تفسيرا صحيحا، و توحيد التشريع المطبق على الصعيد الوطني، من خلال بسط رقابة المجلس على كل الأحكام الصادرة عن مختلف المحاكم المكونة الهيكل التنظيم القضائي المغربي
ليتم بذلك قطع الصلة القضائية نهائيا مع فرنسا و إسبانيا، بخصوص الطعن بالنقض التي كانت تبت فيه محكمتا النقض بباريس و مدريد.
كما عرفت هذه الفترة إنشاء جهة قضائية استثنائية متمثلة في محكمة العدل العسكري، و أخرى متخصصة متمثلة في محاكم الشغل التي أحدثت لتحل محل مجالس الخبراء التي كانت قد أنشئت بمقتضى ظهير 6 دجنبر 1929.
أولا : المحاكم العادية
قامت هذه المحاكم على أنقاض المحاكم المخزنية و العرفية، وذلك بعد أن أسماها ظهر 4 أبريل 1956 محاكم عادية، ونظمها لتكون أساس الجهاز القضائي، وقاعدة وحدته. وهي على ثلاث درجات:
أ- المحاكم المفوضية التي صارت تعرف باسم محكمة السدد بمقتضى ظهير 16 دجنبر1957
ب- المحاكم الإقليمية: و تتضمن أقساما إقليمية للنظر في الأحكام المستأنفة عن محاكم القضاة
ج – المحكمة العليا الشريفة: و التي ألغيت بعد حوالي سنة و نصف بمقتضى ظهير 21 شتنبر 1957 وضمت غرفها إلى محكمة الاستئناف بالرباط
ثانيا : المحاكم العصرية
هذه المحاكم التي هي التي كانت فيما قبل تشكل المحاكم الفرنسية في الجنوب والمحاكم الإسبانية في الشمال والمحكمة الدولية في طنجة
وقد أبدلت تسمية هذه المحاكم بعد الاستقلال وأطلق عليها اسم المحاكم العصرية، بعد أن ألغيت كل أنواع المحاكم الأجنبية التي كانت معروفة من قبل. و تم الاحتفاظ بها و بقضاتها الأجانب بموجب اتفاقيات بين المغرب و هذه الدول ليتم العمل بها إلى حين إدماجها في المحاكم العادية بعد استكمال بناء جهاز قضائي مغربي فعال و تأطير الموارد البشرية المغربية اللازمة لتدبيره.
وفي سياق توحيد الجهات القضائية عملت وزارة العدل على إدماج هذه المحاكم في الشمال مع المحاكم العادية بصدور ظهير 21 شتنبر 1957، بعد إعادة تنظيم محكمة الاستئناف بطنجة المحدثة بمقتضى ظهير 11 أبريل 1957، فتوحد القضاء بذلك في درجة محكمة الاستئناف.
ثم اتخذت خطوة أخرى في هذا السياق بالنسبة لتوحيد المحاكم في دائرة محكمة الاستئناف بالرباط، حيث صدر ظهير 21 شتنبر 1957 يقضي بإلغاء المحكمة العليا الشريفة وضم غرفها إلى محكمة الاستئناف كما أنشئت محكمة استئناف ثالثة بفاس بمقتضى ظهير 15 أبريل 1961. في سياق تقریب للقضاء من المواطن.
ثالثا : محاكم القضاة
تعد هذه المحاكم امتدادا للمحاكم الشرعية ، و قد أنشئت في جميع أنحاء المملكة، بما في ذلك مناطق العرف البربري سابقا، و تم تنظيمها على أسس جديدة، بمقتضى ظهير دجنبر 1956.
رابعا : المحاكم العبرية
نظمت هذه المحاكم بعد الاستقلال بمقتضى ظهير 23 فبراير 1957 تنظيما روعي فيه تعدد درجات التقاضي، فصارت على غرار المحاكم العادية تتألف من ثلاث أنواع من المحاكم هي:
أ. محاكم الحاخامات الحكام المفوضين: وهي التي حلت محل مجالس الأحبار المفوضين. وعددها اثنتا عشرة محكمة
ب- المحاكم العبرية الإقليمية: وقد حلت محل المحاكم العبرية الأولية، و عددها تسع محاكم. ج- المحكمة العبرية العليا و مقرها بالرباط
خامسا : المجلس الأعلى
أحدث المجلس الأعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 كأعلى جهة قضائية في المملكة، للقيام بعملية الرقابة على حسن تطبيق القانون ، وتفسيره تفسيرا صحيحا، من خلال بسط الرقابة على كل الأحكام الصادرة عن مختلف المحاكم المكونة لهيكل التنظيم القضائي المغربي.
وبإحداث هذه الجهة القضائية، تم إلغاء جميع الجهات التي كانت تتولى النظر في نقض الأحكام، وتم القطع و بصفة نهائية العلاقة القضائية على مستوى النقض مع فرنسا و اسبانيا.
سادسا : محاكم الشغل
بمقتضى ظهير 29 أبريل 1957 أنشئت هذه المحاكم التي كان عددها 14 محكمة، بأهم المدن المغربية. باعتبارها محاكم متخصصة، لتحل محل مجالس الخبراء التي كانت تنظر في النزاعات المتعلقة بالشغل.
سابعا : المحكمة العسكرية
أحدثت هذه المحكمة بمقتضى ظهير 10 نونبر 1956، و تعرف بمحكمة العدل العسكري. و كانت تختص بالبت في المخالفات و الجنح التي يرتكبها الجنود، و كذا في المخالفات و الجنح التي يرتكبها المدنيون باشتراك مع العسكريين ، إضافة إلى البت في قضايا الاعتداء على الأمن الداخلي و الخارجي للدولة كيفما كانت صفة مرتكبيها و تعقد هذه المحكمة جلساتها مشكلة من هيئة جماعية تتألف من قضاة مدنيين و عسکریین. و تستأنف أحكامها أما محكمة النقض.
الفقرة الثانية : فترة ما بين 1965 و 1974
في غضون شهر يونيو 1964 وافق البرلمان بغرفتيه بالإجماع على قانون توحيد المحاكم، وصدر بعد ذلك الأمر الملكي بتنفيذه بتاريخ 26 يناير 1965، الذي أقر مبادئ توحيد المحاكم وتعريبها ومغربتها.
فتوحدت جميع المحاكم التي يتشكل منها التنظيم القضائي المغربي قبل هذا القانون، و تمت مغربة أطرها و تعريب لغتها، ليصير الهيكل التنظيمي للمحاكم المغربية بعد صدور هذا القانون منحصرا في المحاكم التالية
أولا : محاكم عادية
وتتألف من الدرجات الآتية:
أ. محاكم السدد : وكانت ذات اختصاص ولائي عام يشمل القضايا الشرعية و العقارية و المدنية و الجنحية و الاجتماعية، و تعمل بنظام القضاء الفردي و تستأنف أحكامها أمام المحاكم الإقليمية
ب- المحاكم الإقليمية : وكانت تختص بالنظر في القضايا التي لا تخل في اختصاص محاکم السدد، علاوة على النظر في الطعون الموجه ضد أحكام محاكم السدد، و تعمل بنظام القضاء الجماعي.
ج – محاكم الاستئناف : و تتولى مهام الرقابة على أحكام المحاكم الإقليمية
د- المجلس الأعلى .
ثانيا : محاكم استثنائية
أ- المحكمة العسكرية.
ب- محكمة العدل الخاصة: و التي أحدثت بعد صدور قانون التوحيد، بمقتضى ظهير 20 مارس 1965، للنظر في الجرائم المالية التي يرتكبها موظفو الدولة حين يتعدى مبلغها 25000 درهم و يتعلق الأمر بالجرائم النصوص عليها في الفصول من 241 إلى 256 من القانون الجنائي، و تعقد جلساتها بهيئة جماعية و تتسم قراراتها بعدم قابليتها للطعن.
المراجع والمصادر:
عبد الكريم الطالب، التنظيم القضائي المغربي
عبد الرحمان الشرقاوي، التنظيم القضائي المغربي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو البديلة
محمد كرام، الوجيز في التنظيم القضائي المغربي
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
تحميل المقال: