fbpx

القائمة الرئيسية

التنظيم القضائي المغربي في عهد الحماية

التنظيم القضائي المغربي في عهد الحماية

مرحلة التنظيم القضائي المغربي في عهد الحماية تميزت بسعي السلطات الاستعمارية إلى إدخال تغييرات جذرية على النظام القضائي المغربي، بهدف إرساء سياساتها و خدمة مصالحها الاستعمارية. مما نتج عنه ازدياد أنواع المحاكم وتعدد و اختلاف التشريعات المطبقة أمامها.

ولعل أبرز ما ميز هذه التغييرات، إضافة إلى إحداث المحاكم العصرية، هو تقليص مجال اختصاص المحاكم الشرعية في شمال المغرب و جنوبه، و إحداث محاكم عرفية في مناطق الاستعمار الفرنسي في محاولة من هذا الأخير إحداث شرخ في المجتمع المغربي تماشيا مع سياسة الظهير البربري التي انتهجها المقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي.

وسنحاول أن نلقي نظرة وجيزة على التنظيم القضائي الذي كان يعرف تنوعا من منطقة مغربية إلى أخرى باختلاف السلطات الاستعمارية الباسطة لنفوذها عليه. من خلا فقرتين نخصص الأول للتنظيم القضائي في مناطق الاستعمار الفرنسي، و الثانية للتنظيم القضائي في مناطق الاستعمار الإسباني و منطقة طنجة الدولية.

الفقرة الأولى : التنظيم القضائي في مناطق الاستعمار الفرنسي

تميز التنظيم القضائي في مناطق الاستعمار الفرنسي بوجود خمس محاكم أساسية، هي على التوالي : المحاكم الشرعية، والمحاكم العبرية، والمحاكم العرفية، والمحاكم المخزنية، والمحاكم العصرية.

أولا: المحاكم الشرعية

عمل المستعمر بمقتضى ظهير 7 يوليوز 1914، على تقليص صلاحيات محكمة القاضي الشرعي التي كانت صاحبة الاختصاص الولائي العام، لينحصر دورها في نظر قضايا الأحوال الشخصية و الميراث و العقار غير المحفظ.

وتم تصنيف القضاة الشرعيين على درجتين: الأولى تخص قضاة البادية، و الثانية قضاة المدن.

فكانت محاکم قضاة المدن بمثابة درجة ثانية من درجات التقاضي، تستأنف لديها أحكام قضاة البادية. في حين تستأنف أحكام قضاة المدن أمام وزير العدل، الذي يصدر حكمه في القضية المرفوعة إليه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للعلماء الذي أحدث سنة 1914 ليكون بمثابة هيئة استشارية لوزير العدل.

وفي سنة 1921 ألغي المجلس الأعلى للعلماء و أحدث مكانه مجلس الاستئناف الشرعي ، الذي أصبح درجة ثانية تستأنف إليها أحكام المحاكم الشرعية، وتم إلغاء التمييز بين قضاة البادية وقضاة المدن، فصارت أحكام كل منهما تستأنف لدى مجلس الاستئناف الشرعي.

وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الاستئناف الشرعي يتألف من رئيس ونائب للرئيس وأربعة قضاة وأربعة نواب للقضاة، كما أن هذا المجلس يضم أربع غرف تنعقد كل غرفة بحضور ثلاثة أعضاء. وفي سنة 1944 صدر ظهیر بإعادة تنظيم سير عمل هذه المحاكم و قواعدها المسطرية.

ثانيا: المحاكم العبرية

بصدور ظهير 12 مايو 1918 المنظم للقضاء و التوثيق العبري، تم تنظيم المحاكم العبرية صارت تنظر في قضاياها على درجتين، على مستوى المحاكم العبرية ابتدائية والمحكمة العبرية العليا التي يوجد مقرها بالرباط:

أ: المحاكم العربرية الإبتدائية

بموجب الظهير المذكور أحدثت بكل دائرة من الدوائر الإدارية للمملكة محكمة عبرية ابتدائية تختص بالنظر في جميع المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية والإرث لليهود المغاربة, كما أحدثت ” مجالس الأحبار المفوضين”، في المدن التي لا توجد بها دائرة إدارية أسندت إليها مهمة الفصل على وجه التحكيم في المنازعات التي يكون أطرافها يهودا والمتعلقة بالأحوال الشخصية والميراث.

ب: المحكمة العبرية العليا

أحدثت المحكمة العبرية العليا و التي يوجد مقرها بالرباط، لتكون درجة ثانية من درجات التقاضي تستأنف أمامها الأحكام التي تصدر عن المحاكم العبرية ابتدائية

ثالثا: المحاكم العصرية

حلت هذه المحاكم محل المحاكم القنصلية، بعد أن تنازلت أغلب الدول الأجنبية عن الامتيازات القضائية التي كانت تستفيد منه قبل الحماية، وتعرف بالمحاكم الفرنسية، وقد أحدثها المستعمر الفرنسي سنة 1913، لحماية مصالحه وتطبيق قوانينه الخاصة على رعاياه الفرنسيين و من في حكمهم، و كانت تتشكل من قضاة فرنسيين و تتكون من ثلاث درجات:

محاكم صلح، و محاکم ابتدائية، و محكمة استئناف بالرباط. و تنقض أحكامها أمام محكمة النقض الفرنسية بباريس.

و تختص هذه المحاكم مدنيا بالبت في جميع النزاعات التي يكون بين الرعايا الفرنسيين و الأجانب في ما بينهم أو بينهم و بين أطراف مغاربة، وفي قضايا الأملاك العقارية المحفظة و في الدعاوى ذات الطابع الإداري. و تختص زجريا متى كان الأطراف فرنسيين، أو تعلق الأمر بقضية بين فرنسيين و أجانب. كما تختص في مطلق الجرائم التي ترتكب أثناء انعقاد جلسات المحاكم و في مكان انعقادها أيا كانت جنسية مرتكبيها.

رابعا: المحاكم العرفية

أحدث المستعمر الفرنسي هذه المحاكم بمقتضى ظهير 11 شتنبر 1914، الذي نص على أن القبائل المسماة بقبائل العرف البربري تبقى خاضعة لقوانينها وأعرافها الخاصة تحت رقابة السلطات.

وتختص هذه المحاكم بالبت على وجه التحكيم بمقتضى الأعراف المحلية، في جميع الدعاوی التجارية والمدنية، وكذا في مسائل الأحوال الشخصية والمواريث والعقارات و شؤون التوثيق. ما عدا القضايا الزجرية التي بقيت صلاحية البت فيها من اختصاص محاكم الباشاوات و القياد.

وبمقتضى ظهير 18 أبريل 1934، أصحبت هذه المحاكم تبت في النزاعات على درجتين: محاكم عرفية ابتدائية محاکم عرفية استئنافية :

أ : المحاكم العرفية الإبتدائية

كان اختصاص هذه المحاكم قبل إحداث المحاكم العرفية الاستئنافية، ابتدائيا و انتهائيا، بحيث لا تقبل أحكامها أي طعن. و كانت تنعقد كلما دعت الحاجة إلى ذلك، و تتألف من حکم تعينه الأطراف المتنازعة لفض نزاعهم، أو تتولى الجماعة تعيينه متى لم يحصل الاتفاق بين الأطراف على تعيينه، بالإضافة إلى كاتب ترجمان تعينه السلطات الاستعمارية في كل جماعة يقوم بمهمة توثيق جميع الأحكام الصادرة عن المحكمين وعن الجماعة نفسها.

ب : المحاكم العرفية الإستئنافية

بحلول سنة 1934، أصحبت المحاكم العرفية تبت في النزاعات على درجتين: ابتدائية واستئنافية، فصارت الأحكام الابتدائية تنظر أمام المحاكم العرفية الاستئنافية كما أحدث بذات السنة قسم بالمحكمة العليا الشريفة يعرف باسم ” القسم الجنائي العرفي”، أنيطت به مهمة النظر في الجنايات و الجنح التي ترتكب في مناطق قبائل العرف البربري و لا تدخل اختصاص الباشاوات والقواد، علاوة على النظر في المخالفات التي يرتكبها بعض رجال السلطة بهذه المناطق.

خامسا : المحاكم المخزنية

كانت هذه المحاكم عبارة عن مجالس يعقدها الباشاوات و القياد و خلفاؤهم، في مقرات السلطة المخزنية للبت في المنازعات و زجر الجرائم، بأمر و تحت رقابة المندوب المخزني الفرنسي. ولم تكن تعتمد سوى على الاجتهادات الشخصية و السلطة التقديرية لرجال السلطة المشكلين لها.

وبحلول سنة 1944 تم تنظيمها و توسيع اختصاصاتها بمقتضى ظهير 28 نونبر 1944. بإحداث محاكم الحكام المفوضين الذين عهد إليهم بنظر القضايا المدنية، وبإحداث المحاكم المخزنية الإقليمية سنة 1954، فصارت تتألف من ثلاث درجات:محاكم مخزنية ابتدائية، ومحاكم مخزنية إقليمية، إضافة إلى المحكمة العليا الشريفة.

أ: محاكم الحكام المفوضين

طبقا لظهير 28 نونبر 1944 أطلق على هذه المحاكم اسم : “محاكم الحاكم المفوض”. التي كانت تتألف من حاكم ومن نائب حاكم أو عدة نواب.

وتختص في القضايا المدنية و التجارية باستثناء القضايا الجنائية، التي بقيت من اختصاص محكمة الباشا أو القائد، و بعد إحداث المحاكم الإقليمية، صار اختصاصها كالآتي: – البت ابتدائيا ونهائيا في الدعاوى التي لا تزيد قيمتها على “10.000 فرنك”؛ – البت ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف. كما كانت تختص في دعاوى الأكرية مهما كانت قیمتها.

ب : المحاكم المخزنية الإقليمية

أحدثت هذه المحاكم طبقا للقرار الوزاري الصادر بتاريخ 24 أبريل 1954، بأهم المدن المغربية، و تتألف من غرفة واحدة أو عدة غرف، ويتحدد اختصاص هذه المحاكم على النحو الآتي: – البت ابتدائيا في جميع القضايا المدنية و التجارية التي تزيد قيمتها على (50.000فرنك)، وفي القضايا الزجرية التي تزيد العقوبة فيها على سنتين. مع حفظ حق استئناف أحكامها أمام المحكمة العليا الشريفة – البت استئنافيا في الطعون الموجهة ضد الأحكام الصادرة في الدعاوى التي تتراوح قيمتها بين 10.000 و 50.000 فرنك عن محاكم الحكام المفوضين، والبت في الطعون الموجهة ضد الأحكام الصادرة عن محاكم الباشاوات والقواد.

ج : المحكمة العليا الشريفة

تم إحداث هذه المحكمة المتواجد مقرها بالرباط، للنظر في النزاعات التي لا تدخل ضمن اختصاصات غيرها من المحاكم، علاوة على كونها مرجعا للطعن في الأحكام التي تصدر عن المحاكم الأدنى منها درجة. فكان اختصاص هذه المحكمة على النحو التالي:

– النظر ابتدائيا وانتهائيا في الجنايات،

– النظر ابتدائيا وانتهائيا في الدعاوى المقامة على كبار الموظفين والقضاة والباشاوات والقواد.

– النظر على وجه الاستئناف في الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الإقليمية

– النظر وجه الاستئناف في الأحكام الصادرة ابتدائيا في الدعاوى الجنحية عن المحاكم المخزنية الإقليمية

وكانت هذه المحكمة تتألف من الغرف التالية: – الغرفة الجنائية – الغرفة الجنائية العرفية. – غرفة استئناف القضايا المدنية. – غرفة استئناف القضايا الجنحية – غرفة التعقيب و النقض و الإبرام، و كانت بمثابة محكمة نقض يطعن أمامها في الأحكام الصادرة بصفة نهائية عن المحاكم المخزنية، و كانت تعقد جلساتها وهي مشكلة من خمسة قضاة

الفقرة الثانية: التنظيم القضائي في المنطقة الخليفية و منطقة طنجة الدولية

يقصد بالمنطقة الخليفية، المناطق التي شملها الاستعمار الاسباني في شمال المغرب و صحرائه. وسميت مدينة طنجة بالمنطقة الدولية لكونها تخضع لنفوذ عدة دول بحكم موقعها الاستراتيجي، دون أن يختص بها أي من الاستعمارين الفرنسي أو الاسباني.

أولا : المنطقة الخليفية

كما هو الشأن في مناطق الاستعمار الفرنسي، أدخلت السلطات الاستعمارية الغاشمة بمناطق نفوذها بالمغرب، تغييرات على النظام القضائي المغربي القائم قبل الحماية فضلا عن إحداث محاكم على النمط الإسباني. غير أنها لم تعمل على إحداث محاكم عرفية على غرار ما عليه الأمر في الجنوب المغربي الخاضع للسيطرة الاستعمارية الفرنسية. فصار النظام القضائي المغربي في المناطق الخليفية على النحو الآتي:

المحاكم الشرعية

عمل الاستعمار الاسباني على تقليص مهام المحاكم الشرعية التي كانت ذات اختصاص ولاني عام، كما عمل على تنظيم التقاضي أمامها على درجتين، فصارت بعد التنظيم تتشكل من محاكم ابتدائية، و محاکم استئناف شرعية ذات طابع إقليمي، و محكمة عليا مقرها في تطوان.

المحاكم العبرية

بمقتضى ظهير 02 مارس 1928 تم تنظيم المحاكم العبرية بشمال المملكة باعتماد نظام الدرجتين، فصارت تتشكل من محاكم عبرية أولية تنظر في النزاعات المعروضة عليها بقاض منفرد، و محكمة عبرية عليا بتطوان تستأنف أمامها الأحكام الصادرة عن المحاكم الأولية

المحاكم المخزنية

حافظت السلطات الاستعمارية الاسبانية على الاختصاصات التي كانت منعقدة للمحاكم المخزنية في الميدان الجنائي، و عملت على إخضاع الأحكام الصادرة عنها لرقابة المحكمة العليا ، فصارت هذه المحاكم على درجتين: محاكم مخزنية أولية، ومحكمة عليا مخزنية يوجد مقرها بمدينة تطوان.

المحاكم العصرية

حلت هذه المحاكم محل المحاكم القنصلية، وتعرف بالمحاكم الاسبانية، و قد أحدثها المستعمر الاسباني لحماية مصالحه وتطبيق قوانينه الخاصة على رعاياه الاسبانيين و من في حكمهم، و كانت تتشكل من قضاة إسبانيين و تتكون من ثلاث درجات:

1- محاكم صلح: تختص في المخالفات و تستأنف أحكامها أمام المحاكم الابتدائية؛

2 -المحاكم الابتدائية ذات اختصاص ولائي عام مع التحقيق في الجنايات؛

3 – في محكمة الاستئناف : وتختص بالبت في الجنايات؛ و كذا الاستئنافات الموجهة ضد الأحكام الابتدائية.

ثانيا : منطقة طنجة الدولية

اعتبارا للوضعية الإستراتيجية التي تتمتع بها مدينة طنجة المغربية، و ما نتج عنه من تكالب دولي، انتهى إلى إخضاعها لنفوذ دولي. أحدثت بها محكمة دولية مختلطة في بداية الاستعمار للنظر  في نزاعات المحميين والأجانب، و تم العمل على تنظيمها سنة 1924 فصارت تتألف من:

محكمة صلح، و محكمة ابتدائية تضم غرفة استئنافات، قبل أن يتم إحداث محكمة استئناف مستقلة

وبحلول سنة 1953 عوضت هذه المحاكم بما سمي بالقضاء الدولي، أو المحكمة الدولية، و تتشكل من:

محكمة للصلح و المخالفات، و محكمة ابتدائية للقضاء المدني و الجنح، و محكمة الجنايات و محكمة استئناف.

المراجع والمصادر:

عبد الكريم الطالب، التنظيم القضائي المغربي

عبد الرحمان الشرقاوي، التنظيم القضائي المغربي بين العدالة المؤسساتية والعدالة المكملة أو البديلة

محمد كرام، الوجيز في التنظيم القضائي المغربي

 

 تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net

لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك

تحميل المقال:









اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

موقع يعني بشعبة القانون, محاضرات, ندوات, كتب جامعية, مقالات و كل ما له علاقة بالقانون من منظور أكاديمي

آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
الأرشيف
تصنيفات
منوعات
آخر المنشورات
أحدث المقالات
أحدث التعليقات
Open

error: Content is protected !!