محتويات المقال
التدخل القضائي اللاحق لصدور حكم التحكيم
لا يقتصر التدخل القضائي في العملية التحكيمية على المرحلة السابقة فقط لصدور الحكم التحكيمي وإنما يتجاوز ذلك الى التدخل القضائي اللاحق لما بعد صدور المقررات التحكيمية، حيث تعد هذه المرحلة من أهم الأطوار التي تقطعها مسطرة التحكيم والتي تفضي إلى إصدار حكم التحكيم المنهي للنزاع التحكيمي
وبالتالي فمن الضروري مواجهة هذه المرحلة بقدر لا يقل أهمية عن كل مراحل الدعوى التحكيمية، وإحاطتها بسياج من الضمانات وإتاحة الفرصة للأطراف باللجوء إلى القضاء من أجل تجاوز كل صعوبة تثار بعد صدور الحكم التحكيمي حتى يمكن للتحكيم تحقيق الهدف والغاية المنشودة من اختيارها كحل خلافهم،
هذا بالإضافة إلى أن هذه المرحلة تعد أيضا حصيلة ونتاج مجهودات الأطراف ومن يساندهم، والهيئة التحكيمية طوال فترة النزاع التحكيمي، وهو ما يقتضي إذن توفير الحماية اللازمة لهذه المجهودات حتى لا تذهب أدراج الرياح وتضيع معها مصالح وحقوق أي من طرفي العلاقة التحكيمية، وتفقد تبعا لذلك مؤسسة التحكيم مصداقيتها.
وهكذا فالتدخل القضائي في هذه المرحلة الحاسمة يتسم بالطابع الرقابي لعمل المحكمين، ذلك أن الطابع الاتفاقي والمرونة التي تتميز بها مسطرة التحكيم في معظم مراحلها، وافتقار المحكم لسلطة الأمر، يستوجب تدخل القضاء لتكملة حكم المحكمين حتى ينتج آثاره كما لو كان صادرا عن قضاء الدولة، وهذا لا يتم إلا من خلال رقابته للتأكد من صحته ومشروعيته لإمكانية الأمر بتنفيذه
هذا وباعتبار عمل المحكم كعمل القاضي، لا يؤمن فيه من الزلل والخطأ، فإن التشريع المغربي -والمقارن- نص على جواز الطعن في أحكام المحكمين صيانة لحقوق المتضرر، لكن ومادام الدور الرقابي الذي تمارسه المحاكم المغربية بمناسبة النظر في الطعن بالاستئناف وإعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة لا يختلف في جوهره بالنسبة لخصومة التحكيم عن خصومة القضاء ، فإننا سنقتصر الحديث فقط، عن الرقابة القضائية عند النظر في الطعن بالبطلان في حكم التحكيم باعتباره طعنا استثنائيا وخاصا فقط بأحكام المحكمين
الفقرة الأولى : الرقابة القضائية عند الطعن بالبطلان في حكم التحكيم
إن التحكيم باعتباره عدالة خاصة لا يتواءم بسهولة مع طرق الطعن ذات الإجراءات البطيئة والمعقدة والتي ترمي إلى إعادة فحص النزاع وإحلال قرار القاضي محل قرار المحكم،
لذا عمدت التشريعات الوطنية، ومن بينها التشريع المغربي، في مجال الرقابة القضائية على الأحكام التحكيمية إلى إقرار طريق الطعن بالبطلان ضد هذه الأحكام، وتنظيمه بشكل يجعل منه الوسيلة الأنجع للطعن، مع تحديد الحالات التي يجوز فيها اللجوء إلى هذه الوسيلة حتى لا تتخذ ذريعة للنيل من فعالية التحكيم.
وهكذا وبالرجوع إلى الحالات الحصرية التي حددها المشرع في القانون رقم05-08 والتي يمكن التمسك بإحداها للطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي، يتضح أنها ترتبط بالشكل والإجراءات -وليس الموضوع- فهي تتعلق باتفاق التحكيم من حيث صحته وتشكيل هيئة التحكيم والتقيد بالمهمة المسندة إليها وبالمسائل القابلة للتحكيم بالإضافة إلى احترام حقوق الدفاع والنظام العام ومبدأ سلطان الإرادة بخصوص القانون الإجرائي أو الموضوعي الواجب التطبيق، وغيرها من الحالات التي لا تمت بأي صلة لموضوع النزاع التحكيمي الذي يبقى محصنا،
وهو ما يفرض إذن على محكمة الاستئناف وهي تنظر في دعوى الطعن بالبطلان التقيد بهذه الأسباب ولا ينبغي القياس عليها أو تفسيرها، لأنها واردة على سبيل، الحصر، وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 08 يوليوز 2009 حيث أكدت فيه على الطابع الحصري لأسباب البطلان، واعتبرت أن الدفع ببطلان وثيقة التحكيم حالة غير منصوص عليها في الفصل 1502 من ق م م ف
وهكذا فإذا توفرت إحدى الأسباب الموجبة للطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي، وتمسك بها أحد الأطراف وقام بالطعن في هذا الحكم داخل الأجل القانوني وأمام محكمة الاستئناف المختصة، فإن قرار هذه الأخيرة إما أن يقضي بتأييد حكم المحكمين أي رفض طلب الطعن (الحالة الأولى) أو أن تحكم ببطلان هذا الحكم وهو ما يعني قبول الطعن (الحالة الثانية)
رفض الطعن بالبطلان
الحالة الأولى والتي ترفض فيها الطعن بالبطلان وتقر بتأييد الحكم التحكيمي، فإذا تعلق الأمر بالتحكيم الداخلي فإن محكمة الاستئناف وجب عليها أن تأمر بتنفيذ هذا الحكم التحكيمي المطعون فيه ويكون قرارها نهائيا حسب ما ينص عليه الفصل 38-327 أما إذا تعلق الأمر بالحكم التحكيمي الدولي الصادر بالمغرب والذي تؤيده محكمة الاستئناف فليس هناك أي نص خاص عكس ما هو عليه الأمر في التحكيم الداخلي.
وهنا نتفق ما بعض الباحثين الذي فسروا ذلك بأن محكمة الاستئناف وهي ترفض الطعن بالبطلان في أحكام التحكيم الدولية لا يمكن لها أن تأمر بتنفيذ هذه المقررات، لأن التنفيذ يمكن أن يتم خارج نفوذ التراب المغربي، وهنا لا سلطة لها على قضاء دولة أخرى، وبالتالي فتفاديا للدخول في الشؤون السيادية لهاته الدولة سكت المشرع المغربي عن هذا المقتضى، عكس المشرع الفرنسي الذي أوجب على محكمة الاستئناف الأمر بتنفيذه ولو تعلق الأمر بالتحكيم الدولي
قبول طلب الطعن بالبطلان
الحالة الثانية والتي تتمثل في قبول محكمة الاستئناف طلب الطعن بالبطلان، وتقضي تبعا لذلك ببطلان الحكم التحكيمي سواء جزئيا أو كليا ، فإن التساؤل يطرح في هذه الحالة عن مصير النزاع العالق بين أطراف عملية التحكيم التي قضى ببطلان حكمها التحكيمي؟ فهل ترجع القضية من جديد إلى الهيئة التحكيمية التي أصدرت حكم التحكيم؟ أم إلى هيئة تحكيمية أخرى، أم أن الاختصاص ينعقد لمحكمة الاستئناف التي أبطلت الحكم التحكيمي؟ وأي الحلول أنجع فيما يخص تحقيق فعالية التحكيم والأحكام التي تصدر عنها؟
ينص الفصل 37-327 المتعلق بالتحكيم الداخلي في هذا الصدد على أنه : “إذا أبطلت محكمة الاستئناف الحكم التحكيمي تبت في جوهر النزاع في إطار المهمة المسندة إلى الهيئة التحكيمية، مالم يصدر حكم بالإبطال لغياب اتفاق التحكيم أو بطلانه،” وبالتالي فإذا كان الحكم التحكيمي المطعون فيه بالبطلان داخليا فإن محكمة الاستئناف تبت في جوهر النزاع وفي حدود المهمة التحكيمية أما إذا تعلق الأمر بحكم التحكيم الدولي الصادر في المغرب فمحكمة الاستئناف لا تملك سلطة البت في النزاع وإنما تقضي بالبطلان فقط ،
وعموما فإن محكمة الاستئناف -أي قضاء البطلان- وهي تبت في جوهر النزاع التحكيمي، يجب عليها أن تتقيد بنفس المهمة التحكيمية، وتأخذ بعين الاعتبار نفس القواعد المطبقة أمامها، وأنه في حالة اتفاق أطراف التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسيط بالتراضي، فإنها تفصل في موضوع النزاع بناء على قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بالقانون كما ينص على ذلك الفصلان 18-327 و45-327 من قانون 05-08 كما يجب عليها أن لا تفصل إلا في المسائل المعروضة أمام هيئة التحكيم وبالإجراءات المتفق عليها
وبالتالي فصلاحية المحكمة في هذا الصدد يحددها الاتفاق التحكيمي ، وعلى هذا الأساس فإن انعدام اتفاق التحكيم بغيابه أصلا أو لبطلانه يغل ويرفع يد المحكمة ويفقدها صلاحية البث في جوهر النزاع التحكيمي الذي قضت ببطلان حكمه التحكيمي، وهنا تكتفي المحكمة بإقرار البطلان فقط، دون التصدي لموضوع النزاع، وهذا ما يستفاد من نص الفصل 37-327
الفقرة الثانية : الرقابة القضائية عند طلب تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية
يعتبر تنفيذ الحكم التحكيمي المرحلة الأخيرة والهامة من مراحل الدعوى التحكيمية، ذلك أن الهدف والغاية الأسمى من اللجوء إلى التحكيم هو الحصول على حكم في وقت ملائم وبإجراءات مرنة ينهي النزاع التحكيمي، ويوصل الحق إلى المتضرر دون معاناة أو حاجة لتدخل الغير.
وإذا كان الأصل أن تنفيذ الأحكام التحكيمية يكون اختياريا وبإرادة الطرف الخاسر للدعوى التحكيمية، ويستوي في ذلك أن يكون التحكيم داخليا أو دوليا، ذلك أن الودية – وليست الندية- هي التي تحيط بالتحكيم ، و تلعب فيه الإرادة دورا رياديا وفي سائر المراحل،
وهذا ما يجعل تنفيذ المقرر التحكيمي تلقائيا يرضخ له أطراف الخصومة رضوخا إراديا طوعيا فإن الأمر ليس دائما بهذه السهولة التي يمكن تصورها نظريا، ذلك أنه في حالات كثيرة يرفض أو يتماطل الطرف الذي صدر الحكم التحكيمي ضده، تنفيذ هذا الأخير، الشئ الذي قد يفرغ الحكم التحكيمي من محتواه ويصبح معه نظام التحكيم مهدد في فعاليته وقيمة القانونية.
لهذا السبب تدخلت التشريعات الوطنية وقواعد واتفاقيات التحكيم لتقر نظاما قانونيا يسمح بتفادي كل هذه المشاكل، ويتعلق الأمر بنظام تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية ، وذلك بمقتضى أمر يصدره القضاء الرسمي للدول في هذا الصدد، والذي بمقتضاه ترفع الأحكام التحكيمية إلى مصاف الأحكام والقرارات القضائية من حيث القوة التنفيذية ، وتخولها بالتالي الحصول على الحماية القضائية بواسطة التنفيذ الجبري ، وهنا يتدخل القضاء لماله من سلطة عامة والتي يفتقر إليها المحكم لإجبار الطرف الممتنع بتنفيذ ما رتبه حكم التحكيم في حقه
لكن وما دام تذليل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية من طرف القضاء المختص يشكل اعترافا من هذا الأخير بسلامة الحكم التحكيمي من كل العيوب التي قد تفسد عدالته وتنعكس على فعاليته، ويرفعه بالتالي إلى مصاف السندات التنفيذية، مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية هامة، فإنه بذلك يمارس ويبسط– أي القضاء- رقابته على هذا الحكم التحكيمي قبل اكتساءه بالصيغة التنفيذية. و هنا يطرح التساؤل حول حدود هذه الرقابة؟ وأي سلطة للقضاء في منح أو رفض منح الصيغة التنفيذية؟ وهل استطاع التشريع المغربي والمقارن تنظيم هذه الرقابة القضائية بالطريقة التي تجعلها تساهم في تحقيق فعالية التحكيم والحفاظ على مصالح أطرافه من الضياع؟.
للإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من التفريق بين حدود الرقابة القضائية عند طلب تذييل الحكم التحكيمي في قضايا التحكيم الداخلي من جهة، وفي منازعات التحكيم الدولي من جهة ثانية.
بخصوص التحكيم الداخلي
من خلال الفصل 31-327 من قانون 05-08 الذي ينص على أنه:” لا ينفذ الحكم التحكيمي جبريا إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها “يتضح أن المشرع المغربي ضيق في القانون رقم 05-08 من الرقابة التي يمكن أن يمارسها رئيس لمحكمة المختصة وهو بصدد تذييل الحكم التحكيمية بالصيغة التنفيذية إلى حد أنه تخلى عما كان واردا في القانون الملغى من أن رئيس المحكمة الابتدائية ملزم بالتأكد من أن حكم التحكيم غير معيب ببطلان يتعلق بالنظام العام
وخاصة بخرق مقتضيات الفصل 306 ، لكن بالرغم من أن حدود الرقابة التي يخضع المقرر – المشرع المغربي لم يرسم بشكل صريح في ق 05-08 التحكيمي في هذه المرحلة إلا أن سلطة قاضي الصيغة التنفيذية لا يمكن أن تمتد إلى موضوع النزاع، بل تبقى فقط رقابة ظاهرية شكلية ، فلا سلطة له في التحقق من عدالة هذه الأحكام أو صحة قضائها في الموضوع لأنه لا يعد هيئة استئنافية
وبالتالي فالرقابة القضائية هنا تكون شكلية وخارجية وتتمثل عموما في التيقن من عدم بطلان اتفاق التحكيم بطلانا ظاهرا، أو عدم قابلية للنزاع للتحكيم أو مخالفة النظام العام أو حقوق الدفاع وغيرها من الأمور القانونية الظاهرية واللازمة لصحة اتفاق التحكيم، بالإضافة إلى التأكد من توافر العناصر الأساسية للحكم التحكيمي
لهذا وحتى يتسنى لقاضي التنفيذ ممارسة هذه السلطة الرقابية ألزم المشرع المغربي في القانون 05-08 وعلى عكس القانون الملغى – أحد الأطراف أو المحكمين، بضرورة إيداع أصل الحكم التحكيمي مصحوبا بنسخة من اتفاق التحكيم مع ترجمتها إلى اللغة العربية لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة كما ينص على ذلك الفصل 31-327 في فقرته الثانية ذلك أن رئيس المحكمة المختصة لن يستطيع مراقبة صحة الحكم التحكيمي ولا اتفاق التحكيم إلا بوضعهما أما أنظاره.
تبقى الإشارة إلى أن رئيس المحكمة المختصة بإصدار أمر التنفيذ له السلطة التقديرية إما بمنح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي حتى يمكن تنفيذه جبريا متى تأكد من صحته وبذلك بأمر غير قابل للطعن ، أو رفض طلب التذييل، وهنا يجب أن يكون الأمر الرئاسي معللا، ويمكن في هذه الحالة للطرف المتضرر أن يطعن في أمر رئيس المحكمة الرافض منح الصيغة التنفيذية كما ينص على ذلك الفصل 33-327
بخصوص التحكيم الدولي
فإنه وعلى عكس الحكم التحكيمي الداخلي الذي يكتسب حجية الشيء المقضي به، منذ صدوره دون تدخل لقضاء الدولة في هذا الصدد، حيث يطْلب من هذا الأخير فقط – أي من القضاء- إصدار الأمر بالتنفيذ والذي بموجبه يكتسب الحكم التحكيمي الداخلي قوة تنفيذية، ويمكن تنفيذه جبريا وإلزام المحكوم عليه بما آل إليه هذا الحكم، فعلى نقيض هذا، نجد الأحكام التحكيمية الدولية لا يمكن طلب تذييلها بالصيغة التنفيذية مباشرة بعد صدورها، بل لا بد من الاعتراف بها أولا من طرف قاضي دولة التنفيذ ، حتى يسنى بعد ذلك منحه الصيغة التنفيذية، وبالتالي إمكانية تنفيذه جبريا.
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 46-327 من قانون 05-08 في شقه المتعلق بالتحكيم الدولي الذي ينص على أنه: “يعترف بالأحكام التحكيمية الدولية في المملكة إذا أثبت وجودها من يتمسك بها، ولم يكن هذا الاعتراف مخالفا للنظام العام الوطني أو الدولي يخول الاعتراف والصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج”
يتضح أن الرقابة القضائية التي تخضع لها الأحكام التحكيمية الدولية لا تختلف كثيرا عن السلطة المخولة للقضاء في إطار التحكيم الداخلي، وهو ما يعني أن قاضي الاعتراف ومنح الصيغة التنفيذية لا يملك سلطة تفحص النزاع من حيث موضوعه،
وإنما تبقى رقابته ظاهرية شكلية هدفها التأكد من صحة اتفاق التحكيم ومدى توافر عناصره الأساسية من جهة والتثبت من سلامة الحكم التحكيمي ومدى استجماعه لشكلياته المتطلبة من جهة ثانية، وكل هذا من أجل منع تسلل أحكام تحكيمية دولية مخالفة للنظام العام أو فيها خرق لسيادة الدولة المغربية ، أو العكس، أي الاعتراف بها ومنحها الصيغة التنفيذية وبالتالي إطفاء طابع التنفيذ الجبري والإلزامي عليها، والارتقاء بها إلى مصاف القرارات القضائية.
وهكذا ومن أجل تمكين القضاء من ممارسته رقابته الشكلية هاته، ألزم المشرع المغربي (الفصل 47-327) ومعه اتفاقية نيويورك (المادة 04) طالب التنفيذ بإثبات وجود الحكم التحكيمي بالإدلاء بأصله مرفقا باتفاق التحكيم أو نسخ من هاتين الوثيقين تتوفر فيهما شروط الصحة المطلوبة، مع ضرورة ترجمتهما إلى اللغة العربية في حالة تحريرها بلغة أجنبية.
إلا أنه بالرغم من محاولة المشرع المغربي تنظيم الرقابة القضائية عند طلب الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي الدولي على نفس منوال التحكيم الداخلي مع الحفاظ على بعض بنود اتفاقية نيويورك، إلا أن ما يعاب عليه في هذا الصدد هو تشديده للرقابة القضائية على الاحكام التحكيمية الدولية فيما يتعلق بضرورة احترامها للنظام العام الوطني والدولي على السواء، تحت طائلة عدم الاعتراف بأي حكم تحكيمي دولي يكون مخالفا لأي مقتضى من مقتضيات النظام العام الوطني والدولي
وذلك على عكس بعض التشريعات المقارنة التي استثنت النظام العام الوطني، ونصت فقط على عدم مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام الدولي
وعليه، يجب على المشرع المغربي إعادة النظر في هذا الأمر وملاءمة التشريع الوطني المنظم للتحكيم مع التشريعات المقارنة، والاكتفاء فقط بالنظام العام الدولي في قضايا التحكيم التجاري الدولي لما في ذلك من تشجيع على اللجوء إلى مؤسسة التحكيم. كما ينبغي كذلك على القضاء الوطني وهو يبت في طلب تذييل أحكام التحكيم الدولية التفسير الضيق لمفهوم النظام العام والحد من آثاره ومجالاته والاقتداء في ذلك بالاجتهادات القضائية الأجنبية والتي تقلص من الآثار السلبية للنظام العام في مجال التحكيم التجاري الدولي
تبقى الإشارة في الأخير إلى أن التدخل القضائي في العملية التحكيمية لا ينتهي عند تذييل الحكم التحكيمي الداخلي بالصيغة التنفيذية وعند الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي الدولي، وإنما يبقى باب اللجوء إلى القضاء مفتوحا بصدد كل صعوبة قد تعترض تنفيذ الأحكام التحكيمية، وإن كانت صعوبات تنفيذ هذه الأخيرة قد يصعب حلها عن طريق القضاء خصوصا في النزاعات التجارية الدولية المتعددة الأطراف، وفي تلك التي يكون الدولة طرفا فيها
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات