محتويات المقال
الاستيلاء على الملك الغابوي بين تعدد الأسباب وضرورة الحماية
الاستيلاء على الملك الغابوي له مجموعة من الأسباب, فبقدر ما يشكل الملك الغابوي أعظم الموارد الطبيعية نفعا واستخداما، فهو من أكثرها عرضة للاستغلال الجائر والاستنزاف والترامي والاستيلاء عليها (أولا) وهذا ما يدفعنا إلى البحث عن سبل توفير الحماية الغابوي (ثانيا).
فيعتبر الملك الغابوي موردا ماليا واقتصاديا يساهم في التنمية الشاملة ومصدر توازن ايكولوجي ضروري للحفاظ على التربة والمياه، إلا أن عملية استغلاله وتدبيره في الوقت الراهن لا ترقى إلى المستوى المطلوب لتنمية وجعله مساهما في إنجاح المشاريع الاستثمارية،
أولا: أسباب الاستيلاء على الملك الغابوي
تمتد الغابات بالوطن على مسافة تقدر 9 ملايين هكتارات تقريبا بنسبة 12% من مجموع المساحة الإجمالية، ونظرا لأهمية الملك الغابوي فهو الآخر لم يسلم من السطو والاعتداء عليه، وذلك راجع لمجموعة من الأسباب والعوامل
1 – قدم التشريع الغابوي واتسامه بالطابع الاستعماري
تجد معظم النصوص القانونية المنظمة للمجال الغابوي مرجعيتها التاريخية في فترة ما قبل الحماية، حيث كان الانشغال السائد أنداك هو العمل على إيجاد الآليات الكفيلة بتسهيل تملك والاستغلال الجائر للثروات الطبيعية عموما، والإرث الغابوي خصوصا، ولم يتم الأخذ بعين الاعتبار مسألة حماية الملك الغابوي والمحافظة عليه من الاعتداءات اللامتناهية من لدن العنصر البشري
فبقاء ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها في حلته القديمة وعدم تحينه ونسخ بعض مقتضياته يؤدي لا محالة إلى صيرورته متجاوزا, لأنه لم يعد يساير التطورات السريعة في الجوانب المخالفة التي أضحت توثر بشكل كبير على الأنشطة البيئية الغابوية، وتستدعي من نصوص قانونية لتنظيم بعض الممارسات التي أظهرها الواقع العملي، بل أصبحت النصوص القانونية في التشريع الغابوي تشكل عائقا قانونيا لاتخاذ بعض القرارات التي من شأنها التسريع بوتيرة التنمية المحلية
وبفعل هشاشة التشريع الغابوي ونقصانه، استطاع المعمر الفرنسي استغلال الثروة الغابوية لمصلحته وجعلها فضاء خاصا به، يمارس فيه القنص وغيره من وسائل الترفيه والراحة
2 – التشريع الغابوي يتسم بالتقطيع والتشتت
وذلك عن طريق تعدد النصوص القانونية والقرارات الوزارية المنظمة لحماية وتدبير الملك الغابوي، ويرجع ذلك بالأساس إلى الطبيعة القطاعية التي يتصف بها التشريع البيئي بصفة عامة، مما يساهم في استفحال الاستيلاء والترامي على الأملاك الغابوية
3 – محدودية تطبيق ظهير 10 أكتوبر 1917
حيث حدد نطاق تطبيق هذا الظهير عند صدوره في غابات مناطق الرباط والدار البيضاء، وبعد ذلك أصبحت مقتضياته سارية المفعول على منطقة وجدة في مارس 1923، وعلى منطقة مراكش في 27 نونبر 1926، في حين ظلت المناطق الأخرى خارجة عن نطاق تطبيقه الشيء الذي نتج عنه من قوانين خاصة تدخل في صلب الظهير المذكور، كي تشمل المناطق غير الخاضعة للتشريع الغابوي، إلا أنها شهدت بدورها صعوبة في التطبيق نظرا الغياب التواصل المباشر بين السلطة السياسية وإدارة المياه والغابات
يتبين إذن أن ظهير 10 أكتوبر 1917 وإن كان بمثابة ميثاق قانوني للأملاك الغابوية، إلا أن اقتصار تطبيقه على بعض المناطق دون الأخرى في الآونة الأولى جعله مشوبا بعيب النقصان، الشيء الذي يترتب عنه عدم تلبية متطلبات الملك الغابوي من حيث توفير الحماية القانونية اللازمة لهذا النوع من الأملاك والحد من أفعال الاستيلاء والسطو عليه.
4 – ضعف الجزاءات المقررة في التشريع الغابوي
إن الجزاءات المقررة في التشريع الغابوي غالبا ما تتسم في معظمها بالليونة والمرونة، حيث يطغى عليها التغريم الهزيل إلى جانب بعض العقوبات الحبسية القصيرة المدة التي لا تتناسب والأفعال الجرمية، وما يمكن قوله هو أن الجزاء في المادة الغابوية يكاد يكون رمزيا أحيانا، وبناء عليه يبقى التساؤل مطروحا حول جدوى هذه العقوبات إن لم تصب في اتجاه حماية وصيانة الموروث الغابوي ببلادنا، لاسيما وأن الواقع العملي يكشف عن وجود فئات محترفة في النهب والنصب والاستغلال المفرط للموارد الغابوية، واتخاذها في بعض الأحيان كتجارة غير مشروعة تدر عليهم أرباحا طائلة في غياب رقابة صارمة وعقوبات رادعة من شأنها كبح جماح العابثين بالثورة الغابوية
إن أسباب الاستيلاء على الملك الغابوي متعددة لا يمكن حصرها جميعها، لدى نناشد المشرع لإعادة النظر في التشريع المطبق على الملك الغابوي ومن عقوبات رادعة لكل من سولت له نفس الاعتداء عليه.
ثانيا: كيفية القضاء على الاستيلاء على الملك الغابوي
يعتبر التحديد الإداري والتحفيظ الناتج عن المصادقة عليه أو ذلك الخاضع للمسطرة العادية لتحفيظ العقارات من بين أهم الآليات القانونية الكفيلة بحماية الملك الغابوي من الاستيلاء والاعتداء عليه.
فقد حول المشرع مصير الملك الغابوي الخيار بين اللجوء إلى مسطرة التحديد الإداري أو مسطرة التحفيظ المقررة في القانون 07. 14 المتعلق بالتحفيظ العقاري، وغالبا ما تلتجئ المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر إلى المسطرة المنصوص عليها في ظهير 3 يناير 1916 لما تمنحه هذه المسطرة من امتياز للإدارة تجاه المواطنين.
وتستند المندوبية في طلبها للعملية المذكورة إلى قرينة إثبات أن الملك غابوي، فكل مجال تشغله غابة بها أشجار أو أرض مغطاة بالخلفاء أو ضایات مجففة أو تلال رملية، دليل على طبيعة العقار بأنه ملك غابوي،
وهذا ما صارت عليه محكمة النقص في قرارا لما جاء فيه: “إذا تبث أن المدعي فيه المراد تحفيظه تكسوه أشجار طبيعية النبت، فإن ذلك يشكل قرينة على تملك الدولة عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الأول مكرر ‘ج’ من ظهير1917 / 10 / 10 ، ولا يمكن إثبات عكسها برسم شراء طالب التحفيظ وحيازته للمدعي فيه”
وإذا كانت قرينه الغطاء النباتي تدل عموما أن الملاك غابوي، فإنها تعتبر قرينة مادية قد يزول أثرها بفعل زحف ظاهرة الاجتثاث والإحراق التدريجي للغطاء النباتي أو نتيجة تعسف الأفراد في استغلال الموارد الغابوية.
لأجل ذلك فرض منظور هاجس الأمن العقاري نفسه على القائمين بالشأن الغابوي، قصد وضع حد لجميع الممارسات غير المشروعية على الملك الغابوي العقاري من خلال تفعيل مسطرة التحديد الإداري بهدف ضبط حدود ومساحته العقار و إدراجه بشكل نهائي وغير قابل للنزاع، وتأسيس رسوم عقارية لما تم تحديده
وفي هذا السياق وفي سبيل تصفية الوعاء العقاري الغابوي ومحاربة مافيا العقار التي تعتدي على الملك الغابوي، فقد وصلت نسبة الأملاك الغابوية التي تم تحديدها إلى متم 2011 إلى %56 من مجموع هذه الأملاك، كما أن عدد العقارات التي تم تحفيظها وصلت 1244000 هكتار خلال سنة 2011 مقابل 10700 هكتار سنة 2004 أي بزيادة تقدر ب 1233300 هكتار
إضافة إلى تصفية الملك الغابوي من خلال التحديد الإداري والتحفيظ وضعت المندوبية السامية والمياه والغابات ومحاربة التصحر برنامج عمل ما بين 2008و 2012 يهدف إلى فتح 850 کلومتر وإصلاح 2750 کلومتر من المسالك الغابوية.
وتمكن أهمية تنفيذ هذا البرنامج في تحسين حراسة الملك الغابوي والوقاية من الحرائق ومحاربتها عمليات السطو والتزامي، وتسهيل الاستغلال المعقلن للموارد الغابوية وتشجيع السياحة الايكولوجية.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات