محتويات المقال
الاستيلاء على العقارات الوقفية بين الحماية القانونية والنجاعة القضائية
أسباب الاستيلاء على العقارات الوقفية (أولا)۔ ثم سنتحدث عن الحماية القانونية والقضائية للأملاك الوقفية (ثانيا)
فصيانة الرصيد العقاري للأحباس وحمايته من الترامي والتطاول عليه، فرض على المشرع و كذا القضاء وضع مجموعة من الآليات والإسراع في ضبط الأصول الوقفية قانونيا ، والتعرف على حدودها ومشتملاتها، وذلك لجعلها وسيلة ناجعة للتنمية، بما يسمح للجهات المشرفة باستغلالها على أكمل وجه
أولا: أسباب الاستيلاء على العقارات الوقفية
يعتبر الموقف من بين المؤسسات التي اعتنى بها المسلمون عبر تاريخهم، و تنافسوا في الإكثار من أنواعه، كونه من أوجه البر والإحسان والتضامن الإنسانية، كما يعتبر الوقف من الأنظمة التي تستمد أساسها من الدين الإسلامي، فمشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة مصداقا لقوله تعالى :” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” ،
وهناك أيضا في السنة ما يثبت مشروعيته، إذ أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل الصالح العام، ويتجلى ذلك في جوابه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما سأله عن سبيل التقرب عند الله بما معناه، “حبس أرضك لا تباع ولا تتوارث و خصص ريعها للفقراء”
عرفه المشرع في المادة الأولى من مدونة الأوقاف على أنه ‘ هو كل مال حبس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة. ويتم إنشاؤه بعقد أو بوصية أو بقوة القانون.”
إن الاستيلاء على العقارات الوقفية ليس مجرد اعتداء على حقوق الأفراد و الدولة والنيل من هيبتها، بل إنه ينال من المصلحة العامة ويدوس على حقوق الأجيال، لأن الأوقاف بمختلف أنواعها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمصلحة العامة، إما بشكل مباشر في الأوقاف المشتركة، أو بشكل غير مباشر في الأوقاف المعقبة ، أو بشكل مباشر أو غير مباشر في الأوقاف المشتركة
1- ضعف الحماية القانونية للعقارات الوقفية
إن الاستيلاء على العقارات الوقفية جاء نتيجة مجموعة من العوامل سواء قبل صدور مدونة الأوقاف أو بعدها، من ذلك إصدار سلطات الحماية لمجموعة من الظهائر الشريفة، كان الغرض منها هو التدخل في شؤونها و استغلالها تمهيدا للسيطرة عليها، ولذلك سجل طغيان الجانب التنظيمي على الجانب الموضوعي في هذه الظهائر ، فتم سن إجراءات للكراء والمعارضة أقرب إلى أذهان الفرنسيين منها إلى فكر المغاربة بغرض الاستحواذ على أحباس المغاربة بطرق ملتوية يختلط فيها الوهم بالحقيقة
مما سبق يتضح أن الاستيلاء على العقارات الوقفية ليس وليد اليوم، بل استفحل على مر التاريخ، وقد ساعدت على ذلك النصوص القانونية التي كانت تنتظم الوقف قبل صدور مدونة الأوقاف، فهذه النصوص كانت قاصرة على حماية الرصيد الوقفي من الاعتداء والترامي عليها خاصة فيما يتعلق بموضوع الإثبات أو الحيازة أو التعجيز.
فيما يتعلق بإثبات الأوقاف، فإن المتطاولين على الأصول الوقفية كانوا يجدون في القانون المتشدد مع الأوقاف خير سند لهم ، ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الأوقاف مرت في إدارتها بمرحلتين؛ فقبل المرحلة التي تم فيها إنشاء أجهزة رسمية عبارة عن إدارة حكومية مركزية تختص بتسيير شؤون الأوقاف، كان الوقف يدار من قبل نظار أفراد يعينون من قبل الواقفين في الغالب، وكان هؤلاء النظار يباشرون مهامهم تحت سلطة القضاء.
فقد كانت كلمة القضاء هي الفيصل في محاسبة الناظر عندما تثبت لديه موجبات عزله من خيانة أو تفريط أو تقصير، ولم يقتصر الأمر عند حلود مراقبة القضاء لنظار الأوقاف، بل إن جميع التفويتات والمعاوضات وإن كانت فيها مصلحة للأوقاف، لا يمكن أن تمضى إلا بعد أن يجيزها القاضي
وعليه فالقضاء كان يحصر إثبات الأملاك الوقفية في رسم التحبيس فقط أي الوثيقة الأولى المنشئة للوقف، فإثبات الأملاك الوقفية قبل صدور مدونة الأوقاف كان يعاني من فراغ تشريعي، إذ لم يقم المشرع بالإحالة على القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات و العقود و قانون المسطرة المدنية، وبالتالي كان من اللازم الرجوع إلى القواعد الفقهية بموجب الفصل 75 من ظهير 02 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبقة على العقارات المحفظة قبل نسخه بمدونة الحقوق العينية.
و الأكثر من ذلك فالقضاء لم يتوقف بحصره وسائل الإثبات في رسم التحبيس فقط، بل تعداه إلى ضرورة توفر هذا الرسم على كافة الأركان و الشروط التي نص عليها الفقهاء في باب الوقفة
وبالتالي كلما توفر في رسم التحبيس كافة الأركان و الشروط، فإن القضاء يعتمدها حجة في إثبات الوقف، وفي حالة افتقاده لها فان القضاء يرفضه في الإثبات، الشيء الذي نتج عنه ضياع الكثير من الأملاك الوقفية و الاستيلاء عليها نتيجة استحالة الإدلاء برسوم تحبيسها تامة الأركان و الشروط
أما فيما يتعلق بحيازة الأوقاف، فإن القضاء لم يكن دائما إلى جانب الأوقاف، ولم يكن القضاء يأخذ بقاعدة “الوقف لا يحاز عليه”، بل كان يعتبر أن الأوقاف يحاز عليها أيضا, بل كان يشترط وجود الملك في حيازة إدارة الأوقاف، وتوفر هذه الحيازة على شروطها. بالإضافة إلى ضرورة إقامة الدعوى داخل أجل السنة التالية للفعل الذي يخل بالحيازة،
وفي هذا الإطار يرى الأستاذ عبد الرزاق اصبيحي تعليقا على هذا القرار، أنه لم يراعي خصوصية الوقف ذلك أن حيازة الأوقاف لحالتها في الغالب تكون عن طريق الكراء، ومن ثم فإن عدم الاعتداء بالحيازة القائمة على الكراء الإثبات الوقف من شأنه أن يفتح المجال التطاول على الأملاك الوقفية و ادعاء ملكيتها حتى من المكثرين أنفسهم
2- عدم ضبط الرصيد الوقفي
تتنوع الأصول العقارية الوقفية التي تشرف على تسييرها وتدبيرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، من رصيد فلاحي يتكون من أراضي فلاحية ومقالع تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 85 ألف هكتار، وأشجار مثمرة وغابوية، حقوق مائية وأراضي عارية بالإضافة إلى المقابر والمساكن التي تقام فيها الشعائر الدينية من مساجد و زوايا و أضرحة وغيرها،
ومن تم فعدم ضبط الرصيد الوقفي يحول دون تتبع نظارة الأوقاف للممتلكات الوقفية التي تدخل ضمن مسؤولياتها، وبالتالي فقد يعتدي ويستولي على عقار وقفي دون يفطن ناظر الأوقاف إلى ضرورة تدخله بموجب دعوى استعجالية لوضع حد لهذا الاعتداء نتيجة عدم علمه بكونه عقار حبسي، وهذا ما يزيد من حالات الاستيلاء عليها.
3- إهمال العقارات الوقفية والوثائق المثبتة لها
بالإضافة إلى عدم ضبط الرصيد الحبسي، فإن إهمال ما أحصي منه و ترکه بلا صيانة ولا استغلال يغري ذوي النيات السيئة على الترامي عليه و حيازته في اتجاه ادعاء ملكيته فيما بعد، ونمتثل هنا لقضية السطو والاستيلاء على عقارات الأحباس بالدار البيضاء، تبلغ مساحتها ست هكتارات وقيمتها المالية بدون تجهيز تصل إلى 5000 درهم للمتر مربع، أي حوالي 30 مليار سنتيم،
وعلى إثره قام وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية بفتح تحقيق من خلال إحداث الجنة وزارية، أكدت أن الأرض في ملك الأحباس، وهو ما دفع ناظر الأوقاف بالمنطقة إلى مراسلة عامل عمالة مقاطعات عين الشق، والتمس منه حماية الوعاء العقاري التابع للأحباس،
والعمل على عدم إدخال أي تغييرات على معالمها، مؤكدا أن ضواحي مقاطعة عين الشق تعرف عملية سطو ممنهج على مجموعة من الأراضي الوقفية
ومن جهة أخرى، فإن عدم الاهتمام بالوثائق المثبتة للعقارات الوقفية يجعل وجودها مهددا دائما بادعاء الغير لملكيتها دون القدرة على رد ادعائه، وهو ما من شأنه أن يساهم في استمرار حالات الترامي والاستيلاء على هذا النوع من العقارات
ثانيا: حماية الأملاك الوقفية من الاستيلاء
إن الحديث عن حماية الأملاك الوقفية من ظاهرة الاستيلاء يقتضي منا تناول مسألة الحماية القانونية على ضوء مدونة الأوقاف، ثم الحماية القضائية من خلال بيان التوجه الحديث للقضاء في القضايا الوقفية.
1- الحماية القانونية للأملاك الوقفية من ظاهرة الاستيلاء عليها
من خلال الفقرة الأولى أعلاه اتضح لنا أن المقتضات القانونية التي كانت تنظم الوقف قبل صدور مدونة الأوقاف كانت تساهم بشكل كبير في تسهيل الاستيلاء على العقارات الوقفية، من خلال استغلال مجموعة من الثغرات القانونية سواء فيما يتعلق بالإثبات أو الحيازة أو التعجيز، وبصدور مدونة الأوقاف عملت على وضع حد للتضارب الذي كان سائد بخصوص هذه المسائل.
فمن حيث الإثبات فقد تبنت مدونة الأوقاف الاتجاه الأيسر لإثبات الوقف، حيث يمكن إثباته بجميع وسائل الإثبات، فقد جاء في المادة 8 من مدونة الأوقاف أنه يمكن إثبات الوقف بجميع وسائل الإثبات، وتعتبر الحوالات الحبسية حجة على أن الأملاك المضمنة بها موقوفة إلى حين أن يثبت العكس. لا ينتج الإقرار على الوقف أي اثر في مواجهته.”
من خلال هذه المادة يتضح أن مدونة الأوقاف سمحت بإثبات الوقف بمختلف وسائل الإثبات، وذلك حماية للوقف و إرادة الواقفين من كل اعتداء أو ترامي، بما في ذلك الحوز, الشهادة الليفية، الحوالات الحبسية ، شهادة السماع او غيرها عملا بالقاعدة الفقهية “لا تعجيز في الحبس”.
أما حيث الحيازة فقد أكدت مدونة الأوقاف أن الأوقاف العامة لا يحاز عليها، استناد المقتضيات المادة 51 من مدونة الأوقاف التي جاء فيها ” يترتب عن اكتساب المال لصفة الوقف العام عدم جواز التصرف فيه إلا وفق المقتضيات المنصوص عليها في هذه المدونة”.
وهنا يرى الأستاذ عبد الرزاق اصبيحي أنه وإن كان الأمر يقتصر على الأوقاف العامة، فإن ذلك يعتبر مكسبا كبيرا، علما أن الأوقاف المحقة غالبا ما يتولى النظر فيها المستفيدين منها، وهم معنيون مباشرة بأي تطاول على أوقافهم، مما يشكل ضمانة لعدم سکوتهم وضع اليد عليها للمدة المعتبرة شرعا وقانونا في الحيازة، و هذا بخلاف الأوقاف العامة التي يتولى النظر فيها نظار من غير المستفيدين .
1 – عدم جواز اكتساب الوقف العام بالحيازة أو التقادم
تعتبر الحيازة سببا من أسباب كسب الملكية متي توفرت شروطها المنصوص عليها في المادة 240 من مدونة الحقوق العينية، غير أن المشرع جاء باستثناء لهذه القاعدة في المادة 51 من مدونة الأوقاف التي جاء فيها يترتب على اكتساب المال لصفة الوقف العام عدم جواز حجزه أو کسبه بالحيازة أو بالتقادم، وعدم جواز التصرف فيها إلا وفق المقتضيات المنصوص عليها في هذه المدونة.
إن هذا المقتضى يعد بمثابة حماية قبلية للعقارات الحبسية ضد الاستيلاء، حيث أن كل من ينوي السطو عليها يكون على علم مسبق بأن حيازته لهذا العقارات لن تفيده في مواجهة الأحباس مهما طال أمدها، عملا بالقاعدة الفقهية التي تقرر أن ” الحبس يحوز ولا يحوز عليه.”
2- حماية القضاء للعقارات الحبسية من الاستيلاء
مما لاشك فيه أن أي حماية قانونية لا تؤتي ثمارها إذا لم تقترن بذور ايجابي وفعال للأجهزة القضائية التي تضطلع بتنزيل هذه الحماية على أرض الواقع.
إن العمل القضائي المعاصر أصبح يأخذ مبدأ التيسير في إثبات الحبس وعدم تعجيزه، من ذلك قرار محكمة الاستئناف بطنجة و الذي جاء فيه طبقا للقواعد الفقهية المنظمة للوقف فإنه يمكن إثبات الوقف بجميع وسائل الإثبات لما تقتضي به مدونة الأوقاف
إذا كان الإقرار يعتبر حجة لإثبات الوقف، فإن الأمر على خلاف ذلك كلما تمت مواجهة الأوقاف بالإقرار فإنه لا يعتد به تطبيقا للقاعدة الفقهية “عدم جواز الإقرار على الوقف”، وهذا ما أكدته مدونة الأوقاف بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 48 الا ينتج الإقرار على الوقف أي أثر في مواجهته، وهذه القاعدة هي نابعة من خصوصية الوقف التي تجعله حسب الأستاذ أشرف جلوي مشابها لمال القاصر، فيكون ناظر الأوقاف بمثابة الوصي على مال القاصر يديره وفق ضوابط خاصة لا يستطيع أن يحيد عنها
وفي هذا الإطار نورد قرارا صادرا عن محكمة الاستئناف بمكناس والذي جاء فيه “…إن إقرار ناظر الوقف لا يلزم ولا يعتبر لأن الحبس كمصلحة المحاجير، فكما لا يجوز إقرار المقدم على محجوره لا يجوز إقرار ناظر الحبس على الحبس، وهي قاعدة شرعية مقررة ومنصوص عليها في دواوين الفقه والأحباس تتعلق بحق الله تعالى فلا يجوز اعتماد الإقرار ضدها.”
وللحد من الاستيلاء على العقارات الوقفية يتعين على إدارة الأوقاف الحفاظ عليها وصيانتها وتسييرها، وتبني رقابة صارمة عليها، وحسنا فعل المشرع حينما لم يكتفي بالرقابة المركزية بل أعتمد رقابة محلية على صعيد النظارات يتعين تفعيلها حتى تتحقق الغاية المرجوة منها
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك اضغط هنا
أحدث التعليقات