محتويات المقال
الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية
إن قانون 95 / 53 المحدث المحاكم التجارية ، جاء بلائحة لموضوعات تحدد نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية ، فما هي الطبيعة القانونية لهذا الاختصاص ؟ وهل أوجد المشرع فيه، الوسائل الكفيلة لحل اشکالات تنازع الاختصاص؟ وما هي مظاهر الإشكالات المسطرية التي يطرحها هذا القانون فيما يتعلق بالاختصاص ؟
إن الإجابة على ما سبق ، سوف نتناولها في المحاور التالية:
1 – طبيعة قواعد الاختصاص النوعي
في قانون : 95/ 53
إن تقنية التشريعات ، في توزيع الاختصاص النوعي بين مختلف المحاكم القائمة داخل الجهة القضائية الواحدة لا تخرج عن اثنين.
أولاهما، اعتماد مبدأ المعيار العام ومؤدى هذا المبدأ ، أن المشرع يحدد للمحكمة اختصاصها بالنظر لطبيعتها، كقوله : إن المحاكم التجارية تختص في النزاعات التجارية، والمحاكم الاجتماعية، تنظر في القضايا الاجتماعية، والإدارية تختص بها المحاكم الإدارية وهكذا..
وینتج عن هذه التقنية، أن القضاء التجاري مثلا، يتولى الاحتفاظ ، بما يراه داخلا فيه صمیم اختصاصه، ويرد ما دون ذلك ، ومعنى ذلك ، أن القضاء يتولى تحديد نطاق اختصاصه توسعة وتضييقا، مستجليا ارادة واضعي التشريع وغاياتهم. إذ مرونة هذا المعيار، تتحدد في منحه للقضاء هامش كبير للاشتغال، وتحديد قواعد الاختصاص حسب ما يستجد مجتمعيا
وثاني التقنيات تكمن في أن المشرع يعتمد مبدأ التحديد التشريعي للاختصاص، ومعناه أن الشيء يحدد موضوعات اختصاص محكمة ما بلائحة حصرية يشكل نطاقها ولا تتعداه ، كما هو الشأن بالنسبة لقانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية.
ويترتب عن هذا المبدأ، أن القاضی مقید باعمال النص المحدد لمجال اختصاصه، إذ مالم تتضمنه اللائحة الحصرية خرج من نطاق المحكمة المحدد اختصاصها إلى نطاق المحاكم الأخرى.
فأي التقنيتين استعمل المشرع، فإن الاختصاص النوعي ، قواعده دائما متعلقة بالنظام العام. فإن وقع أن المشرع المغربي خرج عن هذا المبدأ ، فموقفه يأخذ حكم الاستثناء الذي لا عمل به.
وتقاسم المحكمة الابتدائية، المحاكم التجارية اختصاص النظر في القضايا التجارية مالم يوجد نص لاحق عن وضع المسطرة المدنية، يمنح الاختصاص لمحكمة أخرى، وهذا يستفاد حكمه من استعمال مفهوم المخالفة لما قرره الفصل 18 في فقرته الثانية إذ جاء فيها: “يختص أيضا بقطع النظر عن جميع المقتضيات المخالفة ولو في الحالة التي يسند فيها قانون خاص سابق النظر في بعض أنواع القضايا إلى محكمة أخرى،”
والتساؤل : هو ما التقنية التي اعتمدها مشرع قانون 95 / 53 في تحديد الاختصاص النوعي المحاكم التجارية؟ جاء في المادة 5 من قانون المحاكم التجارية مایلی: “وتختص المحاكم التجارية بالنظر :
1) في الدعاوي التي تتعلق بالعقود التجارية 2) في الدعاوي التي تنشأ بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية . 3) في الدعاوي المتعلقة بالأوراق التجارية. 4 ) في النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية . 5) في النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية.
ويستثنى من اختصاص المحاكم التجارية قضايا حوادت السير
إن تعداد المشرع لموضوعات اختصاص المحاكم التجارية في هذه المادة ، تحمل على أنه أخذ بالتحديد الحصري للاختصاص النوعي لهذا الصنف من المحاكم.
ولو سلمنا بهذا الموقف ، لقلنا أن التعداد الذي أورده المشرع في المادة الخامسة، قد أوقعه في المحظور، ذلك أن عدة موضوعات هي من صميم القضاء التجاري ، قد استبعدت من ولاية نظر هذا الأخير ، باستعمال قاعدة أن كل ما لايحتويه التحديد الحصري خرج من نطاق المحكمة هاته إلى اختصاص المحاكم الأخرى التي تشاركها هذا الاختصاص،
وأهم هذه الموضوعات مسطرة معالجة الصعوبات التي تعتري المقاولة ، حالات تدخل رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات في قانون الشركات، عند تأسيسها ، وتقييدها، ومهام وصلاحية أجهزتها، وطريقة إعلان الاكتتاب في رأس المال وتغييره وغيرها من الحالات، وتلك الحالات الأخرى المضمنة في مدونة التجارة .
فلم تكن إرادة المشرع إلا أن تخضع المعاملات التجارية والنزاعات المرتبطة بها بين أشخاص طبيعيين كانوا أو معنويين لقضاء متخصص ، سمته السرعة التي تتطلبها الحياة التجارية وبقواعد مسطرية تتلاءم وخصوصية هذا المجال.
ولقد مهد المشرع لهذه الإرادة بعدة نصوص ومقتضيات قانونية، بدأها بالاصلاح الجبائي، القانون المتعلق بالمحاسبة الواجب العمل بها، القانون الخاص بإصلاح النظام البنكي ، قانون خاص بالبورصة ، قانون شركات المساهمة ، مدونة التجارة وغيرها…
فصياغة المشرع للمادة 5 من قانون المحاكم التجارية صياغة معيبة، توحي بحصرية موضوعات اختصاص هذا الصنف من المحاكم، وهذا خلاف ما تميل إليه، ذلك أن التعداد وارد على سبيل المثال لا الحصر .
ومؤيدنا في ذلك ، أن المشرع، وهو بصدد وضعه للقواعد الموضوعية لمختلف المجالات المرتبطة بالتجارة ، أوجد قاعدة اختصاص ، يتوخى من خلالها أن يخضع تطبيق هذه القواعد لأجهزة قضائية مختصة ، ولن تكون إلا المحاكم التجارية .
ولقد جاء في المادة 736 من المدونة التجارية.
“تحدث أجهزة قضائية مختصة في النزاعات التي تحدث بين التجار، أو لتطبيق هذا القانون، وفي انتظار احداث هذه الأجهزة ، يبث في هذه النزاعات وفق النصوص التشريعية الجاري بها العمل».
ويمثل هذا النص في قانون شركات المساهمة المادة 454 وفي قانون الشركات الأخرى المادة : 131 إضافة إلى أن المشرع في المادة 9 أخذ بمعيار طبيعة العمل كمناط لاختصاص المحاكم التجارية بصرف النظر عن أطرافها إذ جاء في المادة 9 ما يلي .
“تختص المحكمة التجارية بالنظر في مجموع النزاع التجاري الذي يتضمن جانبا مدنيا.”
وما يعضد ما نميل إليه ما نصت عليه المادة 20 من قانون 95-53، إذ أنه مكن رئيس المحكمة التجارية بصفته تلك من الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الابتدائية في قانون المسطرة المدنية، وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية.
ويفهم من ذلك ، أن منح الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية بالنظر في الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية عملا بالمادة 20 فمن باب أولى أن النزاعات المرتبطة بمجال نظره تبقی موضوعا من اختصاص المحكمة التجارية ، اعمالا لقاعدة أن قاضي الفرع، يتبع قاضي الأصل في الاختصاص وجودا وعدما
ونفس المفتضي جاءت به المادة 21 وهي تنظم اختصاص رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة حيث حددت اختصاص محكمة الرئيس في نطاق اختصاص محكمته، حيث جاء في المادة 21 مایلي:
يمكن لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة وفي حدود اختصاص المحكمة أن يأمر بكل التدابير التي لا تمس أية منازعة جدية وقد يذهب البعض إلى القول ، بأن اعتمادنا المادة 736 من مدونة التجارة ، والمادة 454 من قانون شركات المساهمة، والمادة 131 من قانون بقية الشركات الأخرى لتبرير ما نميل إليه في عدم حصرية التعداد الوارد في المادة 5 يجعلنا نقر صراحة بانعقاد الاختصاص للمحاكم التجارية للنظر في الجرائم الاقتصادية والعقوبات المقررة لها، والمضمنة في النصوص الموضوعية السابق ذكرها.
إلا أن هذا الطرح لا یستقيم، ذلك أن المحاكم التجارية لاتختص بالنظر في الشق الزجري ، مادام المشرع قد حدد مسطرة عرض النزاعات على المحاكم التجارية، في المواد 13 إلى 19، وليس منها ما يحيل على قواعد المسطرة الجنائية، صراحة ولا ضمنيا.
وكان الأولى بالمشرع أن يحدث غرفة جنحية لدى المحاكم التجارية للبث في الجرائم الاقتصادية ، ولم لا مع إحداث قضاة للتحقيق متخصصين في هذا الصنف من الجرائم، التي تعقدت، مع التطورات التي تعرفها المجتمعات في الوقت الراهن.
ولكن كيف يمكن التوفيق بين اتصال الاختصاص النوعي قواعده بالنظام العام، سواء كان اعتمد مبدأ المعيار العام فيه وإمكانية اتفاق الأطراف على استاد الاختصاص للمحاكم التجارية اذ جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 5 مایلی :
” يمكن الاتفاق بين التاجر وغير التاجر، علی اسناد الاختصاص للمحكمة التجارية، فيما ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر”
وقبل هذا المقتضي أورد المشرع استثناء صريحا على المادة 5 إذ استثنی من اختصاص المحاكم التجارية قضايا حوادث السير ، ولن يكون المقصود من ذلك سوى قضايا المسؤولية التقصيرية، وإلا كيف الحديث عن قضايا حوادث السير ، وهي في أصلها متعلقة بالشق الجنحي، وهذا الصنف من القضايا الاصلاحية لها بالنظر فيها إطلاقا.
نميل إلى القول ، أن إمكانية الاتفاق على اسناد الاختصاص للمحكمة التجارية، ليس من شأنه أن يمس مبدأ اتصال قواعد الاختصاص النوعي بالنظام العام، إذ هو استثناء سمح به المشرع في حدود ضيقة، فهو استثناء من الدرجة الثانية. فنفس الاتجاه کرسة المشرع في المادة 22 وهو بصدد تحديده لاختصاص محاکم الجماعات والمقاطعات إذ جاء فيه:
“غير أنه يمكن للأطراف، ضمن الشروط المقررة في الفقرتين السابقتين وباتفاق صریح ابرم بينهم أمام الحاكم تمديد اختصاصه إلى النزاعات التي لا تتجاوز قيمتها الفي درهم”
والواقع أن الممارسة القضائية لاحقا سوف تعمل على تعميق النقاش حول هذا الموضوع، فما هي مظاهر الاشكالات التي يطرحها موضوع الاختصاص إذن ؟
إن الإجابة على هذا التساؤل يشكل محور النقطة الثانية من هذا الموضوع .
2 – أي وسائل لحل اشكالات التنازع في قانون 95/ 53
إن قراءة القانون المحدث للمحاكم التجارية ، يلاحظ على موقف المشرع فيه، وجود قصور شبه تام، في تحديد الجهة القضائية المشتركة بين مختلف المحاكم، لرفع حالات التنازع السلبي والإيجابي للاختصاص، إذ أصبحت عدة جهات قضائية يعهد إليها بذلك.
اولا : تختص محكمة الاستئناف التجارية بالنظر في الاستئنافات المرفوعة إليها ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية ، القاضية بقبول أو رفض الدفع بعدم الاختصاص طبقا للفقرة الثانية من المادة 8 من قانون 53/ 95
تانیا : تختص محكمة الاستئناف العادية بالبث في الاستئنافات المرفوعة ضد الاحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية، والقاضية في نقطة الاختصاص بحکم مستقل أو بعد ضمه إلى الموضوع، طبقا لقواعد المسطرة المدنية .
ثالثا: تختص الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى كمرجع استئنافي في الأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية في حالة إثارة الدفع بعدم الاختصاص الادارية النزاع (كما هو الشأن للنزاعات المتعلقة بعقود الكهرباء والماء والهاتف)، وذلك طبقا للمادة 13 من قانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية
وهذا التداخل بين المحاكم المختلفة المؤهلة، للنظر كلها في نقطة الاختصاص تطرح عدة اشکالا يصعب حلها أو حصرها، وقبل عرضها سوف نحاول أن نوضح بعض مظاهر من التداخل.
جاء في المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم التجارية “استثناء من أحكام الفصل 17 من قانون المسطرة المدنية يجب على المحكمة التجارية أن تبث بحکم مستقل في الدفع بعدم الاختصاص النوعي المرفوع إليها وذلك داخل أجل ثمانية أيام”
ويتعين إبداء مايلي:
1) إن المادة 8 حصرت الدفع بعدم الاختصاص النوعي، وبحكم مستقل خلافا للمادة 17 من قانون المسطرة المدنية، أمام المحكمة التجارية ، دون بقية الجهات القضائية الأخرى التي تنازعها الاختصاص أو تشاركها فيه. إذ معالجة الدفع بعدم الاختصاص النوعي ، يفترض وجود جهتين قضائيتين يتقاسمان نفس الاختصاص، وحصرية المشرع لاختصاص المحاكم التجارية مثلا بموضوعات محددة ، فإن هذا الحصر في المقابل يلزم المحكمة الابتدائية بعدم امتداد نظرها إلى هذه الموضوعات ، ولا أن تتطاول عن انتهاكها .
ويترتب عن ذلك أن المحكمة الابتدائية حالة إتارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي أمامها لانعقاد الاختصاص فيه للمحاكم التجارية، فإن موقفها سوف يأخذ إحدى الأوجه التالية :
الوجه الأول: أن تحكم المحكمة الابتدائية بحکم مستقل ، فإن استجابت للدفع وقبلته ، أحالت الملف على الجهة المختصة التي تكون عليها الإحالة، وبقوة القانون، وبدون صائر طبقا للفصل 16 من ق.م.م.
وإما أن ترد الدفع، وتعتبر نفسها مختصة للنظر في النزاع المعروض عليها وكلا الحكمان يقبلان الإستئناف أمام محكمة الاستئناف العادية.
الوجه الثاني: أن تصرع المحكمة الابتدائية بضمها الدفع بعدم الاختصاص النوعي الى الجوهر وذلك تطبيقا للاختيار الممنوح لها بمقتضى المادة 17 من ق.م.م التي تنص على مايلي:
“يجب على المحكمة التي أثير أمامها الدفع بعدم الاختصاص أن تبث فيه بحكم مستقل، وبإضافة الطلب العارض إلى الجوهر”
وموقف المحكمة الابتدائية هذا موقف سلیم، مادام قانون 95/53 قانون خاص يحدد مجال المحاكم التجارية ، ولا يلزمها باي مقتضی خاص أو مشترك. وحكم المحكمة الابتدائية في جميع أحواله يقبل الطعن أمام محكمة الاستئناف
2) إن المادة 8 في فقرتها الثالثة تستوجب استئناف الحكم بعدم الاختصاص النوعي الصادر عن المحكمة التجارية أمام محكمة الاستئناف التجارية.
ولنفترض أن منازعة بشأن عقد الاشتراك الماء والكهرباء أو الهاتف عرضت أمام المحكمة الإدارية، ودفع أحد الأطراف بتجارية النزاع ، أما اعتبارا لتجارية عقد التزويد بالخدمات والمواد أو لوجود قاعدة اسناد اتفاقية في العقد، أو أثير نفس النزاع أمام المحكمة التجارية بالاستناد إلى المبررات أعلاه ، ودفع أحد الأطراف بإدارية النزاع. فإن قضت المحكمة التجارية بحكم مستقل، واعتبرت نفسها مختصة، فإن هذا سيفتح المجال للمساطر التالية:
اولا: حالة بت المحاكم التجارية
-1- إما أن يستأنف الحكم المتعلق بالاختصاص، أمام محكمة الاستئناف التجارية طبقا للفقرة الثالثة من المادة 8 من قانون 53 / 95، ويصبح حكمها باتا في نقطة الاختصاص.
2) إما أن يستأنف الحكم المتعلق بالاختصاص أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عملا بالفقرة الثانية من المادة 13 من قانون 90-41 على اعتبار أن المحاكم التجارية جهة قضائية عادية.
وللأطراف أن يستأنفوا الحكم المتعلق بالاختصاص النوعي أيا كانت الجهة القضائية الصادر عنها، أمام المجلس الأعلى الذي يجب عليه أن يبث في الأمر داخل أجل ثلاثين يوما، تبتدئ من تسليم كتابة الضبط به الملف الاستئناف
3) أن يستأنف الحكم المتعلقة بالاختصاص في آن واحد أمام محكمة الاستئناف التجارية والمجلس الأعلى، وتدق المسالة لو أن المجلس الأعلى قضى بإدارته النزاع، وأحال الملف على المحكمة الإدارية، في وقت تكون محكمة الاستئناف قد بنت بحكم باث لا يقبل أي طعن عادي أو غير عادي، ونصبح بذلك أمام حكمين نهائيين في نزاع واحد.
ثانيا : حالة بت المحكمة الإدارية
وقد تصرح المحكمة الإدراية باختصاصها ، اعتمادا على أن المستفيد من عقد الاشتراك في الماء في الكهرباء، يكون في وضعية نظامية. كما يصطلح عليه في وضعية موضوعية المصلحة كما يقول الفقیه دیکی واعتبارا لذلك، فإن عقد الاشتراك يعد عقدا اداريا والمنازعة المتعلقة به من اختصاص المحكمة الإدارية، (قرار المحكمة الإدارية بأكادير بوعرصة ضد مكتب البريد).
فإذا عمد أحد أطراف الخصومة إلى استئناف الحكم المتعلق برفض الدفع أمام المجلس الأعلى، وقضت المحكمة الإدارية في الموضوع اعتمادا على عدم إلزامية المحكمة بانتظار مآل الحكم المستأنف ، ولم يقم أطرافه على استئنافه، ثم أحالت مؤسسة المجلس الأعلى الملف على المحكمة التجارية لانعقاد الاختصاص لها نوعيا فما قوة الحكم القضائي الحائز لقوة الشيء المقضى أمامها . وهل ستلتزم بحكم صادر من محكمة غير مختصة ؟
إن غياب محكمة يعهد لها بوظيفة حل التنازع، هي التي أفرزت هذه الإشكالات، ولها مظاهر أخرى فما هي أوجهها؟
إن قانون 95 / 53 مکن محكمة الاستئناف التجارية من التصدي للأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية في نقطة الاختصاص مع الزامها بالإحالة على المحكمة المختصة إذ جاء في الفقرة الخامسة من المادة 8 مایلی.
إذا بنت محكمة الاستئناف التجارية في الاختصاص أحالت الملف تلقائيا على المحكمة المختصة
وقانون 53 / 95 ساكت عن صلاحية المحكمة التجارية في إحالة الملف على المحكمة التي تعتبرها مختصة في حالة قبولها الدفع بعدم الاختصاص، ولكن هذه الإمكانية تظل متوفرة اعتمادا على الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية باعتباره القانون الإجرائي العام المعتمد مالم يوجد ما يخالفه في قانون المحاكم التجارية، وقد يذهب البعض خلاف هذه الوجهة للقول ، بأن اسناد صلاحية الإحالة لمحاكم الاستئناف التجارية ينزعها عمن سواها.
والتساؤل المطروح، هل محكمة الإحالة ملزمة بالبث في الموضوع احتراما لقرار الإحالة الصادر عن محكمة الاستناف التجارية أم لها صلاحية مناقشة مدى اختصاصها، وأن تصرح مرة أخرى بعدم اختصاصها إن اعتبرت نفسها غير مختصة :
أن العمل القضائي سوف يأخذ وجهتين :
الوجهة الأولى : أن تذهب محكمة الإحالة، إلى أن تعيد النظر أولا في مدي اختصاصها، فإن اعتبرت نفسها غير مختصة ، قضت بعدم اختصاصها ، ذلك لأن قواعد الاختصاص حسب هذا الاتجاه يستمد من النص التشريعي لا من قرار الإحالة، ( پراجع قرار المحكمة الإدارية بأكادير مصدق ضد المجلس البلدي لتزنيت ، منشور بمجلة المرافعة العدد6.)
الوجهة الثانية: أن محكمة الإحالة سوف تقضي في النزاع موضوعا وذلك احتراما لقرار المحكمة التجارية المحيلة، وقد تأخذ سندا لها في موقفها نهائية القرار الصادر في نقطة الاختصاص من طرف محكمة الاستناف التجارية، حيث جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 8 من قانون 53/ 95 “ولا يقبل قرار المحكمة أي طعن ، عاديا كان أو غير عادي“
والإشكال التالي المطروح: هو ما الأثر الموقف لاستئناف الحكم المتعلق بالاختصاص ردا أو قبولا على سیر نظر الدعوى؟ إن العمل القضائي سوف لن يخرج عن موقفين.
أولا : فالمحكمة قد تقضي برد الدفع بعدم الاختصاص، وتحميل الملف على المستشار أو القاضي المقرر لمواصلة الإجراءات للبث في النزاع، وهذا في غياب نص تشريعي يلزم المحكمة بإيقاف البت لممارسة الطعن في الحكم الصادر في نقطة الاختصاص.
ثانيا : إن المحكمة قد توقف البث في سير إجراءات الدعوى، بمجرد إدلاء الخصوم بما يفيد استئنافهم للحكم المتعلق بالاختصاص.
وقد يكون مبرر هذا الاتجاه، أن الضمانة الزمنية التي حددها المشرع لمحكمة الاستئناف التجارية للبت تفيد الرغبة التشريعية في تفادي حكم محكمة ما في الموضوع ويصدر بعدها حكم يقضي بعدم اختصاصها ، ولكن ما الحكم إذا لم تحترم هذه الآجالات ، وما الجزاءات المقررة لها ؟
إن قانون 53 / 95 قانون غير منسجم، وسوف يخلق تطبيقيه عدة تضاربات في المواقف ، تتعارض مع السرعة والتخصص التي تتطلبها الحياة التجارية، ولنا أن ننتظر شهورا قصد توحيد العمل القضائي في نقط كان من المفروض أن تحسم تشريعا، عن طريق إيجاد محكمة للتنازع.
إن هذه مقالة متواضعة، أتقدم بها إلى جميع المهتمين بالمشهد الحقوقی، والممارسين له على وجه الخصوص، وأتوخى من خلالها المشاركة في تفعيل النقاش القانوني، ونحن على مشارف بدء العمل بالمحاكم التجارية.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
أحدث التعليقات