محتويات المقال
الإجراءات الأولية للتحقيق الإعدادي
بعد إحالة القضية على قاضي التحقيق سواء من طرف النيابة العامة، أو عن طريق الادعاء المباشر من طرف المتضرر، تبدأ سلسلة من الإجراءات الدقيقة والصارمة نظم المشرع أحكامها وآجالها وشکل وكيفية تصريفها، ورتب عليها مجموعة من الآثار والجزاءات القانونية.
المطلب الأول: إجراءات تتعلق بالأشخاص:
يقوم قاضي التحقيق بعدة إجراءات وأبحاث تنصب على المتهم باعتباره جوهر القضية، وفي سبيل ذلك يتولى قاضي التحقيق مجموعة من المهام من قبيل إجراء بحث اجتماعي وفحص طبي على المتهم، بغية تكوين فكرة على المتهم وعلاقته بالجريمة وأسباب ارتكابه لها.
الفقرة الأولى: البحث الاجتماعي:
ألزم المشرع قاضي التحقيق بموجب المادة 87 من مسطرة الجنائية بإجراء بحث اجتماعي حول المتهم للإلمام بظروفه النفسية والاقتصادية والاجتماعية، التي قد تكون أثرت في ارتكابه الجريمة بخصوص الجنايات، وجعل إجراء البحث الاجتماعي في الجنح اختياري من طرف قاضي التحقيق.
وجدير بالذكر أن المشرع بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد قد أولى أهمية خاصة للمتهمين الأحداث أو الذين يدورون في فلكهم لحداثة عهدهم بعالم الجريمة، وأن من شأن التعامل معهم وفق وسائل وكيفية خاصة قد يساهم في انتشالهم من العالم الإجرامي وإعادة إدماجهم في المجتمع.
وفي هذا الإطار أوكل القانون لقاضي التحقيق بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة لتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع، في حالة توفر الشروط التالية:
– أن تكون سن المتهم تقل عن عشرين سنة؛
– ألا تتجاوز العقوبة المقررة خمس سنوات؛
– ألا يكون قاضي التحقيق قد قرر وضع المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي.
الفقرة الثانية: الفحص الطبي:
خول المشرع لقاضي التحقيق إمكانية إصدار أمر بإجراء فحص طبي على المتهم ضمن شروط وإجراءات محددة, ويستفاد من المادة 88 من قانون المسطرة الجنائية أن المشرع سمح القاضي التحقيق بإخضاع المتهم لفحص طبي أو نفسي وفق مجموعة من الإجراءات الشكلية.
ينضاف إلى هذه الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق أنه بإمكان هذا الأخير، وبعد اخذ رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم للعلاج من التسمم الناتج عن تعاطي المخدرات، إذا ظهر أن المتهم مصاب بتسمم مزمن، ناجم عن المخدرات، أو المواد المؤثرة عقليا .
وقد حدد المشرع المؤسسات التي يمكن إجراء العلاج بها إما داخل المؤسسة السجنية إذا كان المتهم معتقلا، وإما في إحدى المؤسسات المتخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانونا.
المطلب الثاني: إجراءات تنصب على الأشياء:
على غرار الأشخاص فهناك مجموعة من الإجراءات تنصب على الأشياء بغية الوصول إلى أداة، أو دليل الجريمة، مما يحتم على قاضي التحقيق تجاوز جغرافية مكتبه، والقيام بالتنقل، وما يستتبعه من تفتیش وحجز، ناهيك عن التنصت، والتقاط المكالمات، والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد.
الفقرة الأولى: التنقل والتفتيش والحجز:
قد تفرض طبيعة الجريمة على قاضي التحقيق القيام ببعض الأبحاث خارج مكتبه بهدف الوصول إلى الحقيقة الإجرامية، وعمليات التنقل، والتفتيش، والحجز، تجري وفق إجراءات شكلية حددها المشرع ورتب عليها مجموعة من الآثار القانونية .
أولا: إجراءات التنقل:
نظم المشرع الإجراءات المتعلقة بالتنقل والتفتيش، والحجز في الباب الرابع من القسم الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي، وهي إجراءات تخضع لتقدير قاضي التحقيق الذي بوسعة القيام بكافة التحريات التي يراها مناسبة ومساعدة للكشف عن الحقيقة، فهو يقدر تبعا لسلطته التقديرية جدوى وإمكانية اللجوء إلى أحد هذه الإجراءات متى كانت مؤثرة وحاسمة في سبیل کشف خيوط الجريمة، والوصول إلى الحقيقة وذلك وفقا للقانون.
فالانتقال يقتضي تنقل قاضي التحقيق رفقة كاتب الضبط إلى أي مكان لإجراء معایناته المفيدة قصد الوصول إلى الحقيقة, فإذا قرر قاضي التحقيق الانتقال، فعليه التقيد بالإجراءات التالية:
1 – إخبار وكيل الملك إذا تعلق الأمر بجنحة أو إخبار الوكيل العام للملك إذا تعلق الأمر بجناية؛
2 – أن يصطحب معه ويستعين بكاتب الضبط؛
3 – تحرير محضر بما ينجز من أعمال يبين فيه الأسباب التي دفعته إلى التنقل ويحدد تاریخ الخروج باليوم والشهر والساعة.
وإذا كان قاضي التحقيق سيتنقل خارج دائرة نفوذ المحكمة التي يمارس فيها مهامه إذ ما تطلبت واستلزمت متطلبات التحقيق ذلك، وجب عليه أن يخبر كذلك النيابة العامة لدى المحكمة التي سيتنقل إلى دائرة نفوذها.
ثانيا: إجراءات التفتيش والحجز:
غالبا ما يترتب على الانتقال إجراء عمليات المعاينة، والتفتيش، والحجز، وكلها وسائل منحها المشرع القاضي التحقيق في سبيل بحثه عن الحقيقة، ونظرا لتعلق هذه الإجراءات بحرمات المتهم وحقوقه وحريته، فقد أحاطها المشرع بمجموعة من القواعد والأحكام، والشروط حتى يتسنى إنجازها على الوجه القانوني المطلوب.
وقد أباح المشرع إجراء التفتيش في المادة 101 من قانون المسطرة الجنائية عندما نص أنه :
يجري التفتيش في جميع الأماكن التي قد يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا الإظهار الحقيقة. ويجب في هذه الحالة على قاضي التحقيق، تحت طائلة البطلان، أن يتقيد بمقتضیات المواد 59 و 60 و 62″.
وعليه تنصب المعاينة على شيء معين بذاته لإثبات حالته من خلال مشاهدته، وفحصه بشكل مباشر، أو فحصه بشكل مباشر, أو فحص شخص معين لإثبات آثار العنف البادية عليه، في حين يرمي التفتيش إلى جمع الأدلة سواء انصب على شخص، أو محل معين.
وإذا كان بإمكان قاضي التحقيق القيام بالتفتيش في جميع الأماكن التي يمكنه العثور فيها على أدلة تسعفه في التحقيق، فإنه يتقيد بمجموعة من الضمانات المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و62 من قانون المسطرة الجنائية.
الفقرة الثانية: التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد:
الأصل أن لا تنتهك حرمة وسرية الاتصالات التي يجريها الأطراف، وأن هذا الأصل بات قاعدة دستورية نص عليها دستور 1 يوليوز 2011، إلا أن هذا الأصل ترد عليه بعض الاستثناءات كلما دعت الضرورة إلى تتبع بعض الجرائم.
نظم قانون المسطرة الجنائية أحكام التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد في المواد 108 إلى 116 من قانون المسطرة الجنائية، وتعتبر من المستجدات التي جاء بها هذا القانون واعتبرها طريقة للاستدلال ووسيلة للحصول على قرائن وأدلة.
وقد منح القانون لكل من قاضي التحقيق والوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف حق وإمكانية إجراء التنصت إذا ما ارتأيا أن ضرورة البحث تقتضى ذلك، فإذا كان قاضي التحقيق يتمتع بهامش كبير من الحرية إذا ما ارتأى اللجوء إلى التنصت، فإن سلوك الوكيل العام هذا الإجراء ترد عليه مجموعة من القيود.
فإذا كان القانون لم يقيد قاضي التحقيق بأي قيد من القيود التي ترد على سلطة الوكيل العام للملك في اللجوء لهذا الإجراء، فإنه بإمكانه اللجوء إلى هذه المسطرة كلما اقتضت ضرورة البحث ذلك وفق الإجراءات المسطرية التالية:
1 – إصدار الأمر بإجراء التنصت كتابة؛
2 – تضمين الأمر المكتوب جميع العناصر التي تعرف بالمكالمة الهاتفية أو المراسلة المواد التقاطها، وتسجيلها، أو أخذ نسخ منها، أو حجزها؛
3 – تحديد الجريمة التي تبرر اللجوء إلى هذا الإجراء، والمدة التي سيتم خلالها التنصت والالتقاط والتي ينبغي ألا تتجاوز أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة.
4 – ويمكن القاضي التحقيق، أو لضابط الشرطة القضائية الذي يتم تعيينه هذه الغاية أن يطلب من كل عون مختص تابع لمصلحة، أو لمؤسسة موضوعة تحت سلطة، أو وصاية الوزارة المكلفة بالاتصالات والمراسلات، أو من أي عون مكلف باستغلال شبكة أو مزود مسموح له بخدمات الاتصال.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات