محتويات المقال
استقلالية التحقيق الإعدادي
نظرا للمهام التي يضطلع بها قاضي التحقيق والأدوار والوظائف التي أناطها به المشرع بغية الوصول إلى توجيه الاتهام للمتهم من عدمه، فقد مكنه من ممارسة مجموعة من الإجراءات وإصدار العديد من الأوامر، ناهيك عن تمتيعه باستقلالية تامة عن جميع الأطراف المتدخلة في الدعوى العمومية من أطراف، ونيابة عامة، ومحكمة.
الفقرة الأولى: استقلال السلطة القضائية
نص دستور المملكة المغربية (1 يوليوز 2011) على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ودور القضاء المستقل في ضمان حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وتوفير الأمن القضائي لهم، في بابه السابع (الفصول من 107 إلى 116) منه .
أولا : مبادئ استقلال القضاء:
ينص الفصل 107 من الدستور أن: “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية . والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية .” كما نص دستور 1 يوليوز 2011 بشأن دسترة حقوق التقاضي وممارسة السلطة القضائية في سبيل إرساء دعائم قضاء مستقل وقوي، ومن أجل ضمان وحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ، على مجموعة من المقتضيات تهم استقلال القضاء من جهة (الفصول من 107 إلى 116 من الدستور)، وحقوق المتقاضين وسير العدالة (الفصول من 117 إلى 128 من الدستور) .
مظاهر استقلالية السلطة القضائية في القواعد الدستورية التالية:
1 – دسترة والتنصيص على مفهوم الإستقلالية في الفصل 107 من الدستور.
2 – منع التدخل في شؤون القضاء بحيث لا يتلقى القاضي التعليمات أو الأوامر ولا يخضع لأي ضغط كيفما كان نوعه أو جهته.
3 – يجب على القاضي أن يتمسك باستقلاليته وأن يعطيها بعدها الممارسات من حياده وتجرده عن الأطراف والخصوم، وعن كل ما من شأنه أن يتدخل في وظيفته القضائية
4 – حماية استقلالية القاضي: كلا أحس القاضي أن استقلاليته مهددة وجب عليه الحال الأمر على المجلس الأعلى للسلطة القضائية لاتخاذ المتعين
5 – مسؤولية القاضي : تظهر من خلال عدم الالتزام بواجب الإستقلالية والتجرد الذي يعتبر خطأ مهنيا جسيها بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.
ثانيا : أبعاد استقلالية السلطة القضائية:
تم اختزال أبعاد وأهداف السلطة القضائية في الخطاب الملكي ل 8 اکتوبر 2010 بشأن المفهوم الجديد لإصلاح القضاء في :”القضاء في خدمة المواطن”.
فالخطاب الملكي أعطى تصورا جديدا للمواطن, المتقاضي الذي أصبح زبونا للمحاكم وأضحت هذه الأخيرة مطالبة بتقديم خدمات للوافدين عليها بجودة خدماتها القضائية التي يجب أن تطبعها المؤشرات التالية :
1 – السرعة: نقصد بذلك أن تكون مدد وإجراءات الدعوى بشكل عام تحكمها آجال قانونية قصيرة ومعقولة، لأن إطالة أمد النزاع أحيانا يفقد ثقة الأطراف في القضاء؛
2 – النجاعة: أي أن الأحكام التي تصدرها مختلف المحاكم يجب أن تنسجم مع روح القانون وتطبيقاته وأن يسعى القاضي إلى تطبيق القانون کما ابتغاه المشرع وأن لا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون؛
3 – الإلزامية: ومفادها أن الأحكام والقرارات التي يتخذها القضاء ملزمة لجميع الأطراف وجميع الأشخاص ذاتيين كانوا أو معنويين؛
4 – التنفيذ: بمعنی جعل التنفيذ هو غاية التقاضي، ولأن عدم تنفيذ الأحكام يمس بقدسيتها وبالوظيفة القضائية ككل، ولأنه “لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له “کما قال عمر بن الخطاب لقاضيه أبي موسى الأشعري وهو يحثه بالحرص على حقوق العباد.
5 – الأمن القضائي: الذي يعتبر نتيجة لما سبق ، فتواجد مؤسسة قضائية مستقلة ناجعة وفعالة تؤدي إلى ترسيخ ثقافة الثقة بين المواطن والسلطة القضائية، ومن خلالها النظام السياسي الذي يحكم الجميع، حيث يطمئن المواطنون أن حقوقهم الفردية والجماعية وحرياتهم محفوظة ومحمية كلما تم المساس بها من طرف حصن منيع اسمه القضاء.
الفقرة الثانية: استقلال قاضي التحقيق:
قاضي التحقيق ومن خلال المهام والأدوار المنوطة به لا ينفك عما قلناه بخصوص استقلال السلطة القضائية، فهو كذالك معني بتوخي الحذر والحرص على التام والتزام التجرد والحياد والاستقلالية عن جميع المتدخلين في الدعوى العمومية, وقد كرس المشرع هذه الإستقلالية على مجموعة من المستويات، تتمثل في استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العامة؛ واستقلال قاضي التحقيق عن المحكمة؛ و استقلال قاضي التحقيق عن الأطراف.
أولا: استقلال قاضي التحقيق عن النيابة العامة:
تتجلى هذه الاستقلالية في كون النيابة العامة سلطة خصها المشرع بحق المتابعة وإعمال سلطة الملاءمة، في حين أوكل مهمة التحقيق لجهة ثانية، وبمجرد إحالة القضية على قاضی التحقيق بواسطة ملتمس النيابة العامة أو مباشرة من طرف المطالب بالحق المدني، فإن القاضي المكلف بالتحقيق ينهض بأعباء التحقيق في حدود الأفعال المسطرة بملتمس النيابة العامة أو الواردة بشكاية المتضرر دون تحريك الدعوى العمومية.
ثانيا : استقلال قاضي التحقيق عن هيئة الحكم:
إذا كان قاضي التحقيق يقوم بجمع الأدلة وتمحيصها، فإنه يبحث عن الدليل الذي يجعل الشبهة قائمة في تقديره ولا يهم إن كان قاطعا وحاسما في إدانة المتهم أم لا.
وبالتالي يختلف مفهوم الدليل بين قضاء الحكم وقضاء التحقيق، فإذا كان هذا الأخير يلتمس أي دليل يؤسس عليه اتهامه ولو كان مجرد شبهة في تقديره، بحيث لا يملك سلطة الترجيح بين أدلة الإثبات وأدلة النفي، ولا يمكن رد أي دليل بحجة عدم اقتناعه به، فإن قضاء الحكم يملك سلطة الترجيح بين الأدلة ولا يأخذ منها إلا ما كان قاطعا واقتنع بحجيته، ويرد ما لم يقنعه منها.
ولتكريس هذه الاستقلالية منع المشرع على قضاة التحقيق، تحت طائلة البطلان أن يشاركوا في إصدار حكم في القضايا الزجرية التي سبق أن أحيلت إليهم بصفتهم قضاة مكلفين بالتحقيق.
ثالثا: استقلال قاضي التحقيق عن الأطراف:
إن قاضي التحقيق يمارس مهامه ويباشر الصلاحيات المخولة له بتجرد وحياد واستقلالية تامة عن الأطراف والخصوم، وجميع الإجراءات التي يقوم باتخاذها تكون وفق أحكام وقواعد القانون تحت إشراف النيابة العامة ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الإستئناف.
فقاضي التحقيق يلتزم بأحكام القانون وقواعده دون انحيازه إلى طرف على حساب آخر، وإذا كان يملك سلطات واسعة للتقرير في حرية المواطنين وفي ممتلكاتهم، فإنها مقيدة ومؤطرة بمجموعة من النصوص القانونية، إضافة إلى الأخلاقيات المهنية وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الحقيقية.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات