محتويات المقال
أولا – تحرير المعاهدة:
إذا أفضت المفاوضات إلى اتفاق وجهات نظر الأطراف المتفاوضة، فلا بد من تحرير النتائج المتوصل إليها في قالب مكتوب وذلك عن طريق صياغة المعاهدات الدولية, فكيف يتم ذلك، و ما هي اللغة المعتمدة بهذا الخصوص ؟
1 – شكل المعاهدة:
أسفرت الممارسات الدولية على أن المعاهدة الدولية تشتمل عموما على: الديباجة، المتن، الأحكام الختامية، كما قد تشتمل على ملحق أو أكثر:
أ- الديباجة (المقدمة): تدرج فيها أسماء الدول المشاركة، أو أسماء رؤسائها أو مفاوضيها و ألقابهم ، مع الإشارة إلى أنه قد جرى التأكد من صفتهم التفاوضية، بالإضافة إلى تضمن الديباجة – ضرورة- أسباب ودوافع تبني المعاهدة، و الأهداف المرجوة منها.
ب – المتن (صلب المعاهدة): و تدرج فيه المسائل و الأحكام المتفق حولها، حيث ترد مرتبة و متسلسلة في أبواب و فصول، و فقرات مرقومة على شكل مواد أو نصوص قانونية.
ج – الأحكام الختامية: إضافة إلى ما سبق تتضمن المعاهدة عادة بعض الأحكام الإجرائية ترد في نهايتها وتتعلق بمسائل التصديق و كيفية إتمامه و الجهة المكلفة به، و شروط الانضمام للمعاهدة، و تاریخ بدء نفاذها ومدة العمل بها، و حالات إنهائها أو إيقاف العمل بها، و طرق تعديلها، و توقيعات ممثلي الأول المشتركين في إبرامها حسب الترتيب الأبجدي حسما لأي خلاف محتمل.
د – الملاحق: قد ترفق المعاهدة بملاحق تسمى تصريحات أو بروتوكولات تتضمن تفسيرا لبعض أحكام المعاهدة، أو إيضاحا لوجهة نظر بعض الدول بشأنها، أو بعض البيانات الفنية أو التقنية، أو بعض الجزئيات التفصيلية.
2 – لغة تحرير المعاهدة:
في هذا الصدد نميز بين احتمالين:
أ- إذا كانت أطراف المعاهدة تتحدث لغة واحدة، فتحرر المعاهدة بينها بداهة بهذه اللغة، مثل الدول العربية الدول الفرانكوفونية، أو دول الكومنوالث.
ب – إذا كانت أطراف المعاهدة لا تتحدث لغة واحدة، فهنا نميز بين فروض ثلاثة:
– تحرير المعاهدة بلغة ذات انتشار عالمي واسع سواء كانت لغة أحد الأطراف أو لم تكن، مثل اللغة الإنجليزية.
– تحرير المعاهدة بلغات كل الدول الأطراف أو بعضها، مع اعتبار إحدى اللغات فقط هي اللغة الرسمية للمعاهدة ذات الأولوية عند الإختلاف في تفسير أحكامها.
– تحرير المعاهدة بلغات كل الدول الأطراف على قدم التساوي، و اعتبارها جميعا لغات رسمية لها نفس القيمة القانونية، و هو الحل الأكثر شيوعا و تداولا و طبقا له حرر ميثاق الأمم المتحدة 1945 (الإسبانية، الإنجليزية و الروسية، و الصينية، و الفرنسية)، و تبنته بدورها اتفاقية “فينا” القانون المعاهدات في مادتها 1/85
ثانيا : التوقيع على المعاهدة:
تكمن أهمية التوقيع بصفة عامة على المعاهدة الدولية في مجرد تثبيت و تأكيد ما تم الإتفاق عليه بشأنها بين الأطراف المعنية. و يطرح التساؤل تبعا لذلك عن أشكال التوقيع، و القيمة القانونية له؟
1 – أشكال التوقيع:
يتخذ التوقيع ثلاثة أشكال: التوقيع النهائي، التوقيع بالأحرف الأولى، التوقيع المرهون بالاستشارة:
التوقيع النهائي:
هو الإجراء الذي يصدر من أشخاص مؤهلين و مخولين صلاحية إبرام المعاهدات الدولية نيابة عن دولتهم، كرئيس الدولة، رئيس الحكومة، وزير الخارجية، أو الأشخاص المزودين بوثائق تفويض تتيح لهم ذلك، و يعد هذا النوع من التوقيع نهائيا لأنه يعكس موقفا مبدئيا دون تردد للدولة بالموافقة على المعاهدة مؤقتا .
التوقيع بالأحرف الأولى:
هو إجراء أضعف من الأول، لأن دوره يقتصر على مجرد تسجيل حضور ممثل الدولة المعني بالأحرف الأولى من اسمه و لا يعكس أي موقف لا بقبول المعاهدة مبدئيا ولا رفضها، ويلجأ إلى هذا الشكل من التوقيع لضرورات خاصة، كأن تعقد مثلا صلاحية التوقيع النهائي على المعاهدة تبعا الأهميتها أو خطورتها إلى أشخاص أو سلطة أخرى في الدولة أعلى من سلطة الممثل الموقع بالأحرف الأولى. و بذلك يحتاج هذا الشكل من التوقيع لإنتاج أثره بالموافقة المبدئية إلى استكماله بتوقيع نهائي كقاعدة، إلا إذا اتفقت الدول المتفاوضة منذ البداية على إعطائه أثر التوقيع النهائي.
و ذلك ما بينته المادة 12/2-أ من اتفاقية “فينا لقانون المعاهدات ، حيث جاء فيها: “… يشكل إمضاء النص بالأحرف الأولى توقيعا للمعاهدة إذا ثبت أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على ذلك…
التوقيع المرهون بالاستشارة:
في هذا الشكل من التوقيع قد ترى الدولة أنها بحاجة إلى مزيد من الوقت التفكير في المعاهدة و دراستها تقديرا لمدى ملاءمتها لمصلحتها، فتلجأ إلى وضع قيد على سلطة مفاوضها في التوقيع عليها، يتمثل في ضرورة استشارتها لاحقا لاستطلاع موقفها من هذه المعاهدة، ولا يترتب لهذا التوقيع أثر التوقيع النهائي إلا إذا أجازته الدولة لاحقا.
ذلك ما وضحته المادة 12- 2- ب من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات ، حيث جاء فيها: “…يشكل توقيع الممثل للمعاهدة توقيعا مرهونا بالاستشارة إذا أجازته الدولة توقيعا كاملا للمعاهدة….
وفي هذا يختلف التوقيع بالأحرف الأولى عن التوقيع المرهون بالاستشارة، إذ يبرر الأول بعدم صلاحية ممثل الدولة للتوقيع و يحتاج تبعا لذلك إلى توقيع نهائي يباشره من هو أهل له، فيما يبرر الثاني بعدم تسرع الدولة وأخذها وقتا للتفكير، و لا يحتاج ليكون توقيعا نهائيا إلا لمجرد إجازة لاحقة منها (قبول مبدئي للمعاهدة)
2 – القيمة القانونية للتوقيع:
المبدأ العام – كما تقدم – أن التوقيع مجرد موافقة مبدئية و مؤقتة للمعاهدة الدولية لا يلزم في ذاته الدولة الموقعة في شيء، حيث يمكنها بعد مدة معينة أن ترفض المعاهدة و لا مسؤولية قانونية عليها في هذا الصدد، فحتى تلتزم الدولة حقيقة بالمعاهدة لا بد أن تستكمل توقيعها النهائي عليها بإجراء آخر هو التصديق.
و لكن استثناء من هذا المبدأ العام و خلافا له، هناك حالات تجعل التوقيع النهائي وحده و في حد ذاته ملزما للدولة التي باشرته، و تتمثل هذه الحالات طبقا للمادة 1/ 12 من اتفاقية ” فينا لقانون المعاهدات في :
أ- إذا نصت المعاهدة ذاتها على أن يكون التوقيع وحده كافيا لإلزام الدولة دون الحاجة لتصديقها.
ب – إذا اتفقت الدول المتفاوضة على أن يكون التوقيع وحده كافيا لإلزام الدولة دون الحاجة لتصديقها. ج – إذا قررت الدولة بمفردها و بإرادتها أن تلزم نفسها بالمعاهدة عن طريق التوقيع وحده، و هذا وقت المفاوضات أو في وثيقة تقويض ممثلها.
ثالثا – التحفظ على المعاهدات الدولية
إذا كان الأصل أن الدولة لدى موافقتها على المعاهدة الدولية تلتزم بكافة أحكامها، إلا أن هذه الأخيرة قد تستبعد بعض هذه الأحكام من نطاق الالتزام بها أو تعطيها معنى غير ذلك المقصود في المعاهدة ذاتها، و قد استقر الفقه و الممارسة الدوليان على إطلاق مصطلح التحفظ على هذا التصرف.
لذلك ستتناول تعريف التحفظ و مدى مشروعيته، قبوله و الاعتراض عليه، آثاره، سحبه وسحب الاعتراض عليه، إجراءات التحفظ و قبوله و سحبه و الاعتراض عليه و سحب الاعتراض عليه:
– تعريف التحفظ و مدى مشروعيته
عرفت المادة 1 / 02 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات التحفظ كما يلي :” يراد بتعبير (التحفظ) إعلان من جانب واحد أيا كانت صيغته أو تسميته تصدره دولة ما حين توقع معاهدة أو تصدقها أو تقبلها أو تقرها أو تضم إليها مستهدفة به استبعاد أو تغيير الأثر القانوني لبعض أحكام المعاهدة في تطبيقها على تلك الدولة.”
من هذا التعريف يتبين أن التحفظ يتخذ شكلين هما: التحفظ الاستعبادي، و التحفظ التفسيري:
التحفظ الاستعبادي : هو ذلك التصرف الذي تستبعد بموجبه الدولة بعض أحكام المعاهدة من التطبيق في مواجهتها، حيث توقع أو تصادق على جل أحكام المعاهدة ما عدا تلك المتحفظ عليها من قبلها.
التحفظ التفسيري: في هذا النوع من التحفظ الدولة لا تلغي أحكام المعاهدة محل تحفظها من التطبيق في مواجهتها، و إنما تكتفي بتفسيرها من وجهة نظرها الخاصة على خلاف التفسير الذي أعطته لها أطرافها مع الإبقاء على هذه الأحكام كما هي في المعاهدة ذاتها .
أما فيما يخص مشروعية التحفظ فينبغي التفرقة بصدده بين المعاهدات الثنائية و المعاهدات الجماعية :
أ- في المعاهدات الثنائية: في هذا النوع من المعاهدات لا يطرح التحفظ أي مشكلة على الإطلاق، فهو جائز سواء سمحت به المعاهدة أو لم تسمح، باعتباره إيجابا جديدا أو اقتراحا بالتعديل يتوقف مصيره و مصير المعاهدة ككل على موقف الطرف الثاني منه، ففي حال قبوله تظهر إلى الوجود معاهدة جديدة بناء عليه، و في حال رفضه تنهار المعاهدة و تنتهي.
ب – في المعاهدات الجماعية: أما في هذا النوع من المعاهدات فطبقا للرأي الاستشاري المحكمة العدل الدولية الصادر في 1950/ 11 / 06 بشأن إمكانية التحفظ على الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها لعام 1948 يعتبر التحفظ جائزا شريطة ألا يتعارض مع موضوع المعاهدة أو غرضها.
رابعا – التصديق أو المصادقة على المعاهدة الدولية
التصديق باعتباره إجراء لاحقا على التوقيع هو إقرار السلطات الداخلية المختصة في الدولة بالموافقة على الالتزام بأحكام المعاهدة بصورة نهائية، و هكذا يضفي التصديق على المعاهدة قيمة قانونية تتأكد بمقتضاها إرادة الدولة بشأنها، و تدخلها حيز النفاذ في مواجهتها .و يطرح التصديق عدة إشكالات تتعلق بطبيعته القانونية، و السلطة المختصة في الدولة بإجرائه، و الشكل الذي ينبغي أن يتم وفقه، و مدى حرية الدولة في إجرائه، و آثاره، و علم رجعيته، و نتناولها تباعا على النحو الآتي :
1 – الطبيعة القانونية للتصديق، و السلطة المختصة بإجرائه :
أ- الطبيعة القانونية للتصديق
يعود اشتراط التصديق على المعاهدة الدولية لاعتبارات مهمة تتمثل في :
– منح الدولة فرصة كافية لدراسة المعاهدة و تقدير مدى ملاءمتها لمصلحتها قبل الإقدام على الإرتباط النهائي بها، حيث لا يجوز لها بعده التحلل منها بسهولة.
– استكمال نقص أهلية ممثل الدولة المتفاوض و تصحيحها، لأن في تصديقها ما يعتبر تنازلا أو إجازة منها لتصرف مهمتها خارج حدود تقويضه.
– تمكين البرلمان في الأنظمة الديمقراطية باعتباره ممثلا للشعب، و مدافعا عن مصلحته من المشاركة في دراسة المعاهدة و تقرير ما يراه من خلالها في صالح الدولة.
و بهذا يعد التصديق على المعاهدة الدولية إجراء ضروريا لإدخالها حيز النفاذ و ترتيبها لكافة آثارها القانونية في مواجهة الدول المصدقة عليها، و قد استوجبته اتفاقيات دولية عديدة، منها بروتوكول برلین 1878، معاهدة هافانا 1928، بالإضافة إلى التحكيم و القضاء الدوليين من خلال قرار محكمة التحكيم الدائمة الصادر سنة 1905، و حكم المحكمة الدائمة العدل الدولي الصادر في 1929.
كما دعمت القيمة القانونية للتصديق بعض الممارسات الدولية، يتعلق الأمر مثلا بقرار مجلس العصبة لعام 1936 برفض المساعدة المالية التي طلبتها الحبشة (إثيوبيا حاليا) إثر اعتداء إيطاليا عليها بسبب توقيعها غير المستكمل بتصديقها على المعاهدة المتعلقة بمنح المساعدات المالية الدول المعتدى عليها المبرمة عام 1930، و رفض اليونان تسليم أحد الرعايا الأمريكيين المطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية لعدم تصديق اليونان بعد على اتفاقية تسليم المجرمين الموقعة بين الدولتين دون تصديق في مارس 1931.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات