محتويات المقال
إجراءات التحقيق
مباشرة بعد إيداع المقال الإفتتاحي أو التقدم بتصريح أمام كتابة الضبط، يقوم رئيس محكمة الدرجة الأولى بإحالة الملف على إحدى هيئاتها، ويقوم رئيس هذه الأخيرة بتعيين القاضي المقرر إذا تمت إحالة الملف على هيئة جماعية، أما إذا تمت إحالته على قاض فردي فإن هذا الأخير إلى جانب الدور المنوط به کهيئة حكم يعين أيضا قاض مكلف بالقضية، ويكمن الدور الذي يضطلع به کلا القاضيين معا في الإشراف على تحقيق الدعوى ومباشرة كافة الإجراءات الضرورية قصد تهيئة القضية للحكم.
ويمكن تعريف إجراءات تحقيق الدعوى بأنها تلك الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها المحكمة سواء بناء على طلب الأطراف أو من تلقاء نفسها، قصد توضيح كافة ظروف ووقائع النزاع التي يكتنفها بعض الغموض، وتمكن المستنتجات التي يتم استخلاصها عقب ذلك المحكمة من تكوين قناعتها الخاصة بخصوص الوقائع الحقيقية للنزاع وكافة عناصره، بما فيها تلك التي تكتسي طابعا تقنيا محضا، وتمكن نفس الإجراءات من جهة أخرى الأطراف من إثبات وقائع معينة أو دحض مزاعم خصومهم.
وقد حدد المشرع المغربي الإجراءات التي يمكن للمحكمة أن تأمر بها من أجل تحقيق الدعوى في إطار الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية، وتتمثل هذه الإجراءات حسب المشرع المغربي على التوالي في الخبرة، معاينة الأماكن، البحث، تحقيق الخطوط، الزور الفرعي وأداء اليمين، وهناك الكثير من المؤاخذات التي يمكن توجيهها لهذا التصنيف الذي تم اعتماده، فبقراءة بسيطة للوسائل التي تم إدراجها ضمن زمرة إجراءات التحقيق يتضح أنها تضم خليطا غير متجانس من إجراءات التحقيق الحقيقية ومن الوسائل والدفوع التي يمكن إثارتها من قبل الأطراف، بل وحتى من وسائل الإثبات التي يمكن للأطراف الإستناد عليها
وتتطلب دراسة إجراءات التحقيق أن نقوم في البداية بتحديد النظام القانوني المشترك الذي تخضع له كل هذه الإجراءات، وبعد ذلك سنقوم بتحديد القواعد الخاصة بكل إجراء من تلك الإجراءات على حدة
النظام القانوني المشترك بين كل إجراءات التحقيق:
تتطلب دراسة النظام القانوني المشترك لكل إجراءات تحقيق الدعوى تحديد ركائزه والقواعد المسطرية التي تحكم القيام بها، وبعد أن نفرغ من ذلك سنقوم بدراسة تسيير التحقيق والمسطرة المتعلقة بتنفيذ كل الإجراءات التي يمكن أن تأمر بها المحكمة في هذا الإطار.
المبحث الأول: الطابع الإختياري لإجراءات التحقيق:
لا تجبر محاكم الموضوع على تحقيق الدعاوى المرفوعة أمامها من خلال الأمر بواحد أو أكثر من إجراءات التحقيق المنصوص عليها قانونا، فبإمكان تلك المحاكم أن تبت في النزاع دون المرور بمرحلة التحقيق، كلما إلتمست في الملف وجود العناصر الكفيلة بتمكينها من إستيعاب كل عناصره والإحاطة بها.
ويتم الأمر بإجراء من إجراءات التحقيق إما تلقائيا من طرف محكمة الموضوع أو بناء على طلب يتقدم به أحد أطراف الدعوى، ويهدف المدعي الذي يتقدم بهذا الطلب إلى إثبات وجاهة ادعاءاته، أما المدعى عليه فهو يأمل تقييد تلك الإدعاءات وإثبات عدم إرتكازها على أساس، وحتى في حالة تقدم أحد أطراف الدعوى بطلب رام إلى القيام بإجراء من إجراءات التحقيق، فإن محكمة الموضوع لا تكون مجبرة على الإستجابة له، فهي تتوفر على سلطة تقديرية مطلقة في هذا الشأن.
المبحث الثاني: المقررات التي تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق:
يمكن الأمر بإنجاز إجراء من إجراءات التحقيق عن طريق أمر قضائي يصدره القاضي المقرر أو المكلف بالقضية أو عن طريق حكم تمهيدي تصدره المحكمة التي يرجع لها البت في النزاع، سواء أكانت عبارة عن هيئة جماعية أو مكونة من قاض فرد، ويصدر المقرر الأول عندما يكون الملف بين يدي القاضي المقرر أو المكلف بالقضية، أما المقرر الثاني فيتصور صدوره بعد تخلي القاضي المقرر أو المكلف بالقضية عن الملف وإحالته على الهيئة التي ستتولى الحكم فيه، كما يمكن أيضا أن يأمر ببعض من تلك الإجراءات من طرف قاضي المستعجلات أو رئيس المحكمة وهو يبت بناء على طلب في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية.
ويقبل الحكم التمهيدي والأمر الصادر عن القاضي المقرر الطعن، إلا أن هذا الأخير يجب أن يمارس في نفس الوقت الذي يتم فيه الطعن في الحكم البات في الموضوع.
المبحث الثالث: شروط صحة إجراءات التحقيق:
تتطلب صحة إجراءات التحقيق تحقق شرطين أساسيين، ويتعلق الشرط الأول بالطابع القانوني، أما الشرط الثاني فهو الذي يتطلب أن يكون الإجراء المأمور به مفيدا لفهم النزاع والبت فيه.
المطلب الأول: قانونية الإجراء:
يتعين أن يكون إجراء التحقيق المأمور به قانونيا وأن لا يخالف أي مقتضی قانوني، كما أن تنفيذ هذا الإجراء يجب أن يتم في إحترام للقانون، وتبعا لذلك فإنه لا يمكن أن يؤدي تنفيذ إجراء من إجراءات التحقيق إلى المساس بالسر المهني سواء بالحياة الخاصة أو بحق من الحقوق والحريات الفردية.
المطلب الثاني: نفعية الإجراء:
لا يمكن لمحكمة من محاكم الموضوع أن تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق إلا إذا كان ذلك ضروريا لتمكينها من فهم وقائع النزاع وتمكينها من تكوين قناعتها، أما إذا كانت المحكمة تعتبر أن بإمكانها البت في النزاع بالإستناد على الوثائق المدلى بها من قبل الأطراف فيمكنها البت دونيا الأمر بإنجاز إجراء من إجراءات التحقيق ولو طالب به الأطراف
ويمكن إشتراط أن يكون الإجراء مفيدا من بلوغ هدفين اثنين، الهدف الأول هو الخفض من تكلفة الدعوى، أما الهدف الثاني فيتمثل في ضمان سرعة البت في القضايا المعروضة على المحاكم، إذ أن كل إجراء من إجراءات التحقيق يترتب عنه مصاريف إضافية تضاف إلى تلك التي يتعين على المتقاضين تحملها، كما أن إنجاز تلك الإجراءات يحتاج إلى الكثير من الوقت مما يؤدي حتما إلى تأخير البت في النزاع.
وينعكس هذا الشرط أيضا على طبيعة الإجراء الذي يتعين الأمر بإجرائه وكذا على مجاله، إذ يتعين في حالة ما إذا قررت محكمة الموضوع تحقيق الدعوى أن تختار الإجراء الأبسط والأقل تكلفة الذي يمكنها من بلوغ نفس النتيجة من ضمن كل الإجراءات المحددة قانونا، كما أنه يتعين عليها حصر مجال الإجراء الذي وقع عليها إختياره على النقط التي هي في حاجة للإلمام بها قصد البت في النزاع دون غيرها.
المبحث الرابع: تسيير التحقيق:
ترجع مهمة تسيير التحقيق و تدبیر مختلف مراحله من حيث المبدأ للقاضي المقرر والقاضي المكلف بالقضية، وكما سبق أن وضحنا ذلك فإن الإختلاف في تسمية المؤسستين يرجع إلى طبيعة الهيئة المختصة بالنظر في النزاع، إذ أنها تكون جماعية في الحالة الأولى ومكونة من قاض فرد في الحالة الثانية، وكما تدل على ذلك تسميته فإن مهمة القاضي المقرر تتمثل في تهيئة القضية للبت وإنجاز تقرير بذلك يرفع إلى هيئة الحكم التي ينتمي إليها بعد أن يفرغ من مهمته، وهو ما يجسده إصداره للأمر بالتخلي.
ويلعب كل من القاضي المقرر والقاضي المكلف بالقضية دورين أساسيين، إذ يتعين عليها تدبير مختلف مراحل التحقيق وتحديد الإجراءات التي يتعين القيام بها، كما أنهما يقومان أيضا بتحديد المسألة أو المسائل القانونية الفاصلة في النزاع التي يتعين على هيئة الحكم البت فيها طبقا للقانون.
وبمجرد إنتهائها من التحقيق يقوم القاضيان بتحرير تقرير بهم مختلف المراحل التي مر منها التحقيق وكذا العوارض التي تخللت المراحل المسطرية التي مر منها، ويتعين عليه أيضا الإشارة إلى مختلف الشكليات القانونية التي تم القيام بها قصد مراقبة مدى مطابقتها للقانون وتحليل الوقائع والوسائل التي قام الأطراف بإثارتها، ويتم عرض التقرير الذي ينجزه القاضي المقرر على باقي أعضاء الهيئة الجماعية، کیا يتعين تلاوته خلال الجلسة ما لم يقرر رئيس الهيئة عكس ذلك.
المبحث الخامس: إنجاز إجراءات التحقيق:
263 يتم إنجاز إجراءات التحقيق المأمور بها تحت مراقبة القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية، كما أن تحديد مجالها والمسائل التي سيتم التطرق لها يخضع لسلطتهما التقديرية، ويمكن للنيابة العام، طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 55 من قانون المسطرة المدنية أن تحضر لمرحلة إنجاز كل إجراءات التحقيق التي تأمر المحكمة بإجرائها.
ويمكن عند الضرورة للقاضي المقرر أو المكلف بالقضية أن ينتقل خارج دائرة الإختصاص الترابي للمحكمة التي ينتمي إليها قصد الإشراف على سير إجراء التحقيق الذي أمر به، كما يمكنه أن يكلف محكمة أخرى بذلك بإصداره لإنابة قضائية . ويجب أن تكون المحكمة التي تم تكليفها عن طريق الإنابة إما محكمة من نفس الدرجة أو من درجة أدنى من تلك التي صدرت عنها الإنابة القضائية.
وتخضع إجراءات التحقيق بدورها على غرار الدعوى لمبدأ الحضورية، إذ يتعين قبل إنجازها إستدعاء الأطراف طبقا لمقتضيات الفصل 36 من قانون المسطرة المدنية قصد الحضور لمراحل إنجازها، ويتعرض للبطلان كل إجراء تم إنجازه دون أن يتم إستدعاء الأطراف بصفة قانونية.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات