محتويات المقال
أنواع أنظمة الشهر العقاري
لم يخلُ بلد متحضر من أنظمة الشهر العقاري، بل أن نظم الشهر العقاري قديمة إلى حدّ أن المؤرخين يرجعونها إلى عهد الحضارة المصرية القديمة
إن معظم الدول التي تبنت أنظمة الشهر العقاري سلكت في ذلك نظامين للشهر، اعتمد أولهما في شهر التصرفات القانونية الواردة على العقارات على أسماء أصحابها، حيث كانت تدوّن أسماء المتصرفين في سجلات مفهرسة وعلى صاحب المصلحة أن يطلب شهادة بالتصرفات القانونية المثقل بها العقار للتأكد من أنّ الشخص الذي يريد التعامل معه هو فعلا المالك الحقيقي للعقار ويعرف أول هذين النظامين بنظام الشهر الشخصي
أمّا النوع الثاني، فيتمّ الشهر فيه على أساس العقار عينه، حيث يخصص لكل عقار بطاقة عقارية في السجل العقاري تدون فيها التصرفات العقارية الواردة على العقار، ويكفي صاحب المصلحة أن يطلب الاطلاع على هذه البطاقة التي تب يّن حقيقة العقار من حيث مساحته وحدوده ومن حيث مالكه أو مالكوه وهو ما يعرف بنظام الشهر العيني.
المطلب الأول: نظام الشهر الشخصي كنوع من أنظمة الشهر العقاري
ظهر هذا النظام بالدول اللاتينية كفرنسا وايطاليا ومن شأنه أن ينشأ سجّل أو سجلات على مستوى المحافظة العقارية تمسك حسب الترتيب الزمني لتقديم العقود المتضمنة المعاملات العقارية، يرصد بها كل تصرف منشئ لحق عيني فيكون القيد وفقا لأسماء الأشخاص القائمين بالتصرفات وبذلك يكون العقار في المرتبة الثانية
فصاحب المصلحة لا يعرف من السجلات إلاّ الشخص الذي تصرف في العقار وبذلك يكون التسجيل في نوعين من السجلات، سجل أبجدي يضمّ أسماء الأشخاص، أما السجل الثاني يتمّ فيه قيد التصرفات طبقا للترتيب الزمني لتقديم المحررات للشهر
إضافة إلى ذلك فإنه لا يعتدّ بمواصفات العقار محل التعامل من موقع وحدود ومساحة وانما ينظر إلى الهوية الكاملة للأشخاص المالكين أو الذين تعاملوا فيه
غير أنّ الشهر العقاري وفقا لهذا النظام ليست له أيّ قوة ثبوتية فهو مجرد إجراء يهدف إلى العلانية، إذ أنّ التصرفات التي تشهر في ظله لا يتحرى عادة عن مساحتها بل تشهر كما هي فإذا كانت صحيحة تبقى صحيحة واذا كانت معيبة تبقى كذلك
فدور المحافظ العقاري هنا يكون سلبيا إذ تقتصر وظيفته على شهر التصّ رف كما هو وهذا ما يمكن اعتباره قرينة قانونية بسيطة قابلة لإثبات العكس، فيمكن لكل ذي مصلحة الاعتراض على التص رف وطلب إبطاله رغم شهره
وبذلك فإنه قد يتصرف أحد الأشخاص غير المالك الحقيقي للعقار بالبيع ويسجل هذا التصرف باسمه في السجلات المخصصة للشهر، واذا تصرف المالك الحقيقي للعقار بنفس التصرف فيسجل هذا التصرف أيضا باسمه ويكون حينئذ لنفس العقار تصرفان مختلفان أو أكثر. وفي هذا النظام يكثر بيع ملك الغير
استنادا على ما سبق، فإنّ عملية الشهر في هذا النظام ليس من شأنها تطهير عيوب التصرف، وعليه يبقى مكتتب الحق مهددا إذا كان تصرف الشخص الذي تمّ التنازل لمصلحته معيبا أو إذا بيع له ملك الغير، سواء بدعاوى الإبطال أو الفسخ أو الصورية على الرغم من شهر التصرف.
هذا ما يجعل عملية الشهر في ظل نظام الشهر الشخصي مجرد وسيلة لإعلام الغير بالتصرف لتمكين من له مصلحة في استعمال حقه في المعارضة. ولا يك ون سببا في نشوء الحقوق العينية اونتقالها وبالتالي لا تنتقل الملكية إلى المتصرف إليه إذا ما أراد الاحتجاج بها على الغير إلا بالتسجيل
أما فيما بين المتعاقدين فكانت الملكية تنتقل بمجرد إبرام العقد دون حاجة إلى تسجيل التصرف وهو ما أدى إلى تقليل أهمية التسجيل وحال دون تحقيق الهدف المرجو بالوقوف على تسلسل انتقال الملكية
يظهر مما تقدّم أن نظام الشهر الشخصي من خلال تعريفه وبيان مبادئه أن عيوبه أكثر من مزاياه.
المطلب الثاني: نظام الشهر العيني والمبادئ التي يقوم عليها هذا النظام
إنطلاقا من العيوب والنقائص التي سجّلها نظام الشهر الشخصي، كان لا بد من إيجاد نظام آخر يسدّ الفراغ وحالة اللاإستقرار في المعاملات التي تس بب فيها النظام السابق. والفضل في وضع الأسس والمبادئ الأولية للنظام الجديد يعود للسيد روبير ريتشارد تورنس من استراليا في بداية النصف الثاني من القرن 19 حيث سمّي هذا النظام فيما بعد باسمه ” نظام تورنس” أو “قواعد تورنس”.
بحكم الوظيفة التي كان يشغلها تورنس والذي كان مراقبا في إدارة الجمارك، فإنه كان مط لعا على نظام ملكية السفن البحرية وما يفرضه هذا النظام من قيد أسماء مالكي السفينة في سجل خاص في ميناء التسجيل كي تتقرر الملكية لهم
وكذلك قيد أي عقد أو تصرف جاري على السفينة من بيع أو رهن أو تأمين حتى يكون نافذا أو محتجّا به على الغير. وعليه فقد سعى تورنس إلى إقرار نظام مماثل بالنسبة للأراضي. وتمكّن تورنس من إقناع البرلمان الاسترالي بمقترحاته في هذا الشأن وأصدر قانونا استقرت تسميته على قانون تورنس. فكانت هذه الفكرة هي النواة التي بموجبها تمّ تأسيس نظام الشهر العيني المتّبع في الكثير من دول العالم ارتكز نظام تورنس على شهر التصرفات العقارية على العقار عينه أي العقار محل التصرف،
فيكون لكل عقار بطاقة خاصة به تسجّل فيها كافة ما يرد عليه من تصرفات ومن حقوق عينية مع تحديد موقعه ومساحته ورقمه ومعالم حدوده، ويسمّى العقار المعني بالوحدة العقارية وتعتبر البطاقة المخصصة له بمثابة بطاقة تعريفه.
تم يزت طريقة تورنس هذه بتسهيلها إجراءات نقل الملكية وسائر الحقوق العينية العقارية، فإذا أراد المالك أن يتفرغ عن الملكية لشخص آخر مثلا وجب عليه وعلى المتصرف له أن يملأ نموذجا مطبوعا وأن يوقّعا هذا النموذج بحضور أمين السجل العقاري الذي يقوم بعد التثبت من صحة الإمضاء وأهلية الطرفين، بتسجيل الملكية على إسم المتصرف له في الصحيفة العينية للعقار وفقا لمضمون العقد
وبالتالي فإنه من مزايا هذا النظام أنه يوفر حماية للمتعاملين معه، فمن أراد الاطلاع على حالة العقار ومعرفة الحقوق والالتزامات والارتفاقات التي تثقله بإمكانه أن يطلب هذه المعلومات من مصلحة الشهر، ومن المبادئ الأساسية التي تحكم هذا النظام أن له قوة ثبوتية مطلقة إذ يعدّ بمثابة قرينة قاطعة على الملكية بالنسبة للعقار أو الحق العيني موضوع الشهر. فالتصرفات التي تق يد في ظل نظام الشهر العيني يصبح قيدها قرينة قاطعة على ملكية الحق العيني أو العقار المتصرف فيه وأنّ هذا التصرف يصبح سليما خاليا من العيوب، ممّا يوفر الائتمان في المعاملات والثقة بها
لقد طبقت العديد من الدول هذه الطريقة من بينها فرنسا التي طبقتها عام 1885 ، وكان الهدف الرئيسي من هذا النظام تسهيل انتقال العقارات والتصرف بها عن طريق البيع والشراء وتقديمها كضمانات في عمليات الاقتراض وفتح الاعتمادات
يعتبر الشهر العيني النظام الأمثل الذي تطمح إليه الكثير من الدول من خلال تعميم تطبيقه للحفاظ على الملكية العقارية. وعليه فإنه من الواجب التعرف على المبادئ والأسس التي يقوم عليها هذا النظام والتي تتمثل أساسا في مبدأ التخصيص ومبدأ قوة الثبوت المطلقة ومبدأ الشرعية ومبدأ القيد المطلق ومبدأ حظر التقادم.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
المراجع
أحمد عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد
بوحلاسة عمر، مقال بعنوان تقنيات مراقبة العقود الخاضعة للإشهار
حسين عبد اللطيف، نظام السجل العقاري
أنور طلبة، الشهر العقاري والمفاضلة بين التصرفات
أحدث التعليقات