محتويات المقال
المبحث الأول: الإطار العام لأراضي الجماعات السلالیة
نظام أراضي الجماعات السلالیة لیس حدیث العهد بل له جذور تمتد إلى عصور قدیمة جدا منذ أن كانت الجماعات ملزمة باستغلال هذه الأراضي بشكل جماعي نظرا لظروف الأمن وطبیعة الاقتصاد المغلق التي تلزم القبائل وفصائلها بتكوین وحدات إنتاج واستهلاك تضمن لها اكتفاءا ذاتیا
إن أبرز ما یمیز البنیة العقاریة لأراضي الجماعات السلالیة في المغرب هي أنها غیر قابلة للتفویت أو الحجز أو الاكتساب بالتقادم، فرغبة من المشرع في حمایة الأراضي الجماعیة وحصر منفعتها في الجماعة التي لها الحق فیها فإنه رغم إخضاعها للقانون الوضعي إلا أنه كرس هذه الخصائص التي كانت تستغل بها هذه الأراضي التي ظلت تستغل وتسیر وینتفع بها طبقا للأعراف والتقالید التي اعتاد علیها المالكین لهذه الأراضي عبر التاریخ.
وإ ذا كان هذا التنو ع في الخصائص قد انعكس على مصادر القواعد القانونیة الموضوعیة والشكلیة المطبقة عل نظام أراضي الجماعات السلالیة فإن هذه الأخیرة قد تأثرت بمجموعة من المتغیرات التاریخیة والقانونیة وخضعت لنوع من المد والجزر بفعل الوظائف الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة التي قامت بها وتبعا للمستجدات والظروف التي یعرفها المغرب
وبمقتضى هذا التصور ارتأینا أن نعالج هذا المبحث في مطلبین حیث سنتناول التطور التاریخي والقانوني لأراضي الجماعات السلالیة ثم الحدیث عن طبیعة ملكیة أراضي الجماعات السلالیة
المطلب الأول: التطور التاریخي والقانوني لأراضي الجماعات السلالیة
تعتبر أراضي الجماعات السلالیة شكلا من أشكال النظام العقاري المغربي وهي أراضي یصعب تحدید نظامها بدقة بسبب تعدد وقدم مصدرها الذي یرجع إلى قرون قدیمة جدا مضت من جهة والتطور التاریخي المعقد الذي جعلها تخضع للأنظمة القانونیة المختلفة وللأعراف والتقالید السائدة من جهة أخرى.
إن اهتمام معظم الدراسات بأراضي الملكیات الفردیة جعلت من أراضي الجماعات السلالیة ذات وضعیة قانونیة استثنائیة ومؤسسة ذات اهتمام ثانوي، إذ بالرغم من صدور ظهیر 27 أبریل 1919 الذي یعد بمثابة میثاق أساسي یسعى إلى تننظیم وتقنین هذا النوع من الأراضي
فإنه یمكن القول إجمالا أن مشكل أراضي الجموع لم یحظى بالأهمیة اللازمة من طرف الإدارة الحامیة التي لم یكن تدخلها ینصب من أجل خدمة هذا النوع من الأراضي أو من أجل تحسین ظروف عیش أصحابها وإنما عاملین أساسیین هما اللذین تحكما في كل التصورات التي نتجت عنها صیاغة الظهیر المذكور والمنظم للوصایة الإداریة على الجماعات السلالیة وضبط تدبیر شؤون الأملاك الجماعیة وتفویتها.
فأول هذین العاملین هو الرغبة في التحكم في أراضي الجماعات السلالیة التي اكتسبت بالمناسبة مرتبة نظام عقاري وذلك من خلال إخضاع هذه الأراضي للقانون العام وفرض الوصایة علیها حتى یسهل التصرف فیها وفي هذا الإطار كانت سلطة الحمایة تغض الطرف عن المضاربات والتجاوزات الهادفة إلى تحویل أراضي الجماعات السلالیة بأي شكل من الأشكال إلى أراضي الملكیة الفردیة.
أما الثاني فهو ضبط العنصر البشري من خلال إعطاء الأفراد المالكین الحقیقیین في الواقع صفة “ذي حق” لربطهم بهذه الأراضي التي لا یملكون فوقها بمقتضى هذه التغییرات المستحدثة سوى حق انتفاع یفقدونه بمجرد نزوحهم عنها، وقد كان هدف المستعمر من وراء تحدید ذوي الحقوق بالشكل المذكور هو منع المغاربة من الهجرة من القرى والبوادي إلى المدن
إن فهم أي نظام عقاري سواء كان یرتبط بأراضي الجموع أو غیرها لا یمكن أن یتم ما لم تتبلور في الدهن صورة واضحة عن المراحل التي مر منها والأوضاع التي كانت تسود كل مجتمع حیث لم یأخذ أي نظام عقاري شكله الكامل دفعة واحدة بل نشأ وتطور بالتدریج وعلیه سنحاول التطرق لوضعیة الأراضي السلالیة قبل فترة الحمایة ووضعیتها في مرحلة الحمایة ثم بعد الاستقلال وذلك في فقرات متتالیة.
الفقرة الأولى: أراضي الجماعات السلالیة قبل فترة الحمایة
إن البحث في أي نظام عقاري سواء كان یرتبط بأراضي الجموع أو غیرها لا یمكن أن یتم مالم یتبلور في الذهن صورة واضحة عن المراحل التي مر بها حیث لم یأخذ أي نظام عقاري شكله دفعة واحدة بل نشأ وتطور بالتدرج. وعلیه فإن الجذور التاریخیة للملكیة، الجماعیة بالمغرب حسب بعض الباحثین والمؤرخین تعود إلى فترة ما قبل ظهور الإسلام أي أن الملكیة الجماعیة للأراضي وجدت قرون عدیدة قبل مجيء الاستعمار الفرنسي إلا أن هذه الملكیة آنذاك وكما هو الأمر بالنسبة لجل المجتمعات التي تمر عبر مراحل أولیة من مراحل التطور تمثل رد فعل فرضته الظروف المناخیة الصعبة ووسائل الانتاج المختلفة.
فأراضي الجماعات السلالیة وجدت في المغرب منذ القدیم وكان أساسها هو العرف والعادة وهي في أساسها أراضي فلاحیة قرویة تملكها جماعات إثنیة في شكل قبائل أو فخدات وفي هذا الصدد تطرق الأستاذ الذهبي إلى أن قبائل الأودایة كانت تستفید من حق الانتفاع والاستغلال من الأراضي المخزنیة في مقابل تقدیم المحاربین للمخزن وأن هذه الاستفادة ما لبثت إلى أن تحولت إلى أراضي جماعیة تملكها هذه الجماعة ومن ثم یمكن القول أن الأصل في النظام العقاري للأراضي السلالیة هو العرف والعادات وأن نظام الملكیة الجماعیة شكل مرحلة من المراحل التي أدت إلى ظهور نظام الملكیة الفردیة وانتشارها بشكل سریع
الفقرة الثانیة: أراضي الجماعات السلالیة في فترة الحمایة
إن فرض الحمایة على المغرب سنة 1912 ، أدى إلى جعل البوادي، والقبائل، والقرى المغربیة تحج بالفوضى والاضطراب، حیث سارع سكان القبائل المستوطنة في السهول إلى إقامة رسوم الملكیة للأراضي الجماعیة التي ینتفعون بها في إطار القبیلة، نظرا لما كان علیه سكان البادیة من جهل وغفلة، وبدافع المصلحة الشخصیة من جهة، وبسبب عدم تواجد من یدافع عن هذه الأراضي، وینازع فیها من جهة أخرى، إذ كان كل منهم یحمل في دائرة مصلحته الخاصة، بقدر ما یتوفر علیه من جرأة وإ قدام ونفوذ وجاه، بل واتجه أعیان وشیوخ القبائل إلى إقامة رسوم الملكیة حتى للأراضي الجماعیة التي لا یتصرف فیها أي أحد من أفراد القبیلة، وخاصة تلك الأراضي الجماعیة التي كانت تتواجد في السهول.
وقد كانت السلطات المركزیة عاجزة عن إحباط هذه المؤمرات، أو إیقاف أعمال الغضب والتفویت وكان ل زاما علیها اتخاذ الإجراءات الكفیلة لوضع حد لهذه المضاربات وما ینشأ عنها من مضاعفات، ولذلك وخصوصا بعد انتهاء الحرب العالمیة الأولى، حیث أخد المعمرون الوافدون على المغرب یتهافتون على شراء الأراضي الفلاحیة الخصبة، وقد ساعدهم في ذلك سلطات الحمایة عندما عمدت إلى تسهیل عملیة الشراء هذه، الأمر الذي حدا بهذه السلطات المذكورة إلى إصدار ترسانة قانونیة بغرض الحفاظ على ثروة هذه الأراضي من الضیاع، أهمها بطبیعة الحال ظهیر 27 أبریل 1919 المتعلق بتدبیر الوصایة على الأراضي الجماعیة حیث تغیرت بموجبه الأسس القانونیة لهذه الأراضي من الأعراف القدیمة إلى مجموعة من القواعد القانونیة.
الفقرة الثالثة: أراضي الجماعات السلالیة بعد الاستقلال
بعد حصول المغرب على الاستقلال بادرت السلطات المغربیة إلى إدخال عدة تعدیلات على ظهیر 27 أبریل 1919
كان أول إجراء قامت به السلطات المغربیة هو إصدار ظهیر 28 یولیوز 1996والذي أدخل تغییرات جوهریة تتلاءم وظروف المغرب الحدیثة والجدید وبالأخص على مستوى تشكیل مجلس الوصایة.
وفي مجال الإجراءات الرامیة إلى حمایة وصیانة الثروة الجماعیة صدرت نصوص على جانب كبیر من الأهمیة وهذه النصوص هي حسب التسلسل الكرونولوجي الآتي:
الظهیر المؤرخ في 9 ماي 1959 والذي بموجبه تم فسخ العقود الممنوح بموجبها حقوق الانتفاع الدائم للأراضي الجماعیة ومراجعة أكریتها لأمد طویل؛
الظهیر المؤرخ في 28 یولیوز 1959 الذي عهد بالوصایة إلى وزیر الداخلیة على الجماعات؛
الصادر في 17 نونبر 1959 الذي قضى بعدم قابلیة قرار مجلس الوصایة لأي طعن؛
الظهیر الصادر في 30 یونیو 1960 الذي فسخ التفویتات بشأن الأراضي الجماعیة ؛ اعتمادا على ظهیر 19 مارس 1951
الظهیر المؤرخ في 06 فبرایر 1963 الذي صرح بعدم قابلیة الأراضي الجماعیة للتقادم ولا للتفویت والحجز؛
ظهیر 26 شتنبر 1963 الذي نص على استرجاع الأراضي التي كانت ملك المعمرین من طرف الدولة لكن هذه الأراضي لم یتم استرجاعها من طرف الجماعات السلالیة؛
ظهیر 25 یولیوز 1996 المنظم لوضعیة الأراضي الفلاحیة الواقعة في مناطق الري أو الدوائر السقویة؛
انطلاقا من هذا المعطى و من خلال الجرد التعدیلي للظهیر الأم یتضح تشتت النصوص المنظمة لأراضي الجماعات السلالیة.
عموما هذه مختلف المحطات التي مرت منها أراضي الجماعات السلالیة بالمغرب ما یدفعنا للتساؤل عن طبیعة هذه الأراضي في الوقت الراهن، هذا ما سنعالجه في المطلب الثاني من هذا المبحث.
المطلب الثاني: طبیعة ملكیة أراضي الجماعات السلالیة
إن تحدید الطبیعة القانونیة لأملاك الجماعات السلالیة یطرح تساؤلات عدیدة تتعلق أساسا بملكیة هذه الأراضي هل تعود للجماعات السلالیة؟ أم تعد ملكا من أملاك الدولة؟ وما هو نطاق هذه الملكیة في ظل وصایة الدولة على هذه الممتلكات؟
یذهب بعض الفقه في هذا الصدد إلى أن الرأي الواقعي والمعقول هو الرأي القائل بأن نظام ملكیة أراضي الجموع، یتوزع بین حق الرقبة المعترف به لفائدة الدولة، وبین حق الانتفاع المخول إلى الجماعة السلالیة، یشكل مرحلة أولیة من الرأي التي أدت إلى ظهور الملكیة الفردیة
في حین ذهب البعض الآخر إلى أن الأراضي الجماعیة، تعتبر في الأصل ملكا . للجماعة السلالیة ولا تعتبر ملكا للدولة رغم خضوعها لمراقبتها والوصایة علیها
والملاحظ أن الرأي القائل بملكیة الدولة لحق الرقبة ولئن كان یجد مبررا له في هیمنة سلطة الوصایة على تدبیر هذه الممتلكات، فإن صوابیة الرأي الثاني تتجلى في أن تحفیظ الأملاك الجماعیة یتم في اسم الجماعة السلالیة المالكة ولیس في اسم الملك الخاص للدولة، ولكون عملیة التفویت تتوقف على موافقة الجماعات السلالیة وتخصص عائدات التفویت لما یعود بالنفع على الجماعة
وبالرجوع إلى ظهیر 26 أبریل 1919 المنظم للوصایة الإداریة على الجماعات السلالیة، نجده ینص بشكل صریح على أنه یعهد بالوصایة على الجماعات السلالیة إلى وزیر العدل الذي یسوغ له دائما أن یستشیر مجلس الوصایة، هذا الأخیر الذي یتكون من وزیر الفلاحة أو نائبه، مدیر الشؤون السیاسیة بوزارة الداخلیة أو نائبه، مدیر الشؤون الإداریة بوزارة الداخلیة أو نائبه، ثم عضوین اثنین یعینهما وزیر الداخلیة. وتتجلى رقابة الدولة على أملاك الجماعات السلالیة في شخص وزیر الداخلیة ومجلس الوصایة، وذلك على عدة مستویات:
1 – في مجال المعاملات: یتمتع مجلس الوصایة بسلطة التقریر في شأن المعاملات التي تبر مها الجماعات السلالیة مع الغیر (الأكریة عقود الاشتراك الفلاحي، التفویتات) فهذه المعاملات حسب الفصل السادس من ظهیر 26 أبریل 1919 لا یمكن أن تبرم إلا بموافقة السلطة الوصیة؛
2 – مراقبة قرارات جمعیة المذوبین: یعتبر مجلس الوصایة درجة استئنافیة ترفع إلیه الطعون المقدمة ضد قرارت جمعیة المندوبین بخصوص تقسیم الانتفاع والصعوبات؛ المتعلقة بالتقسیم حسب الفصل 4 من ظهر 26 أبریل 1919
3 – منح الإذن بالتعاطي في المیدان العقاري: حسب الفصل 5 من ظهیر 1919 لا یمكن للجماعة السلالیة أن تقیم أو تؤید في المیدان العقاري أیة دعوة قصد المحافظة على مصالحها الجماعیة ولا أن تطلب التحفیظ إلا بإذن من الوصي.
من خلال ما تقدم یمكن القول أن الأراضيال سلالیة وإ ن كانت في ملكیة الجماعات السلالیة، إلا أنها ملكیة مقیدة ولا تنطبق علیها عناصر حق الملكیة المنصوص علیها في المادة 14 من مدونة الحقوق العینیة، والتي تتألف من سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف.
فهذا النوع من الأراضي یمكن استعمالها واستغلالها، لكن تبقى غیر قابلة للتصرف كقاعدة عامة، ولا للحجز ولا للتملك عن طریق التقادم.
ولعل الغایة الأساسیة التي توخاها المشرع من خلال جعل هذه الأراضي غیر قابلة للتفویت هو المحافظة على طبیعتها الجماعیة والحفاظ على تماسك الجماعة السلالیة.
المبحث الثاني: تنمیة أراضي الجماعات السلالیة ومعیقاتھا
یحتل العقار مكانة مهمة في مجال الاستثمار، ذلك أن المشاریع الاستثماریة تحتاج إلى وعاء عقاري لتنفیذها، وبالنظر إلى محدودیة ما تملك الدولة من عقار، فإن واقع الحال ینم على المراهنة على أرضي الجماعات السلالیة لتوفیر الوعاء العقاري للاستثمار من أجل الدفع بعجلة التنمیة إلى الأمام، غیر أن إدماج هذه الأراضي في مسلسل التنمیة لا تزال تعترضه مجموعة من العوائق
المطلب الأول: دور الأراضي السلالیة في التنمیة
تحتل الأراضي السلالیة نسبة مهمة من إجمالي مساحةا لأر اضي في المغرب، فنسبتها تفوق 15 ملیون هكتار، ومما لا شك فیه أن العقار یعتبر المادة الخام لجمیع المشاریع التنمویة، إذ لا بد من وعاء عقاري لتنفیذ هذه المخططات الاستثماریة، وأمام عجز عن توفیر هذا الوعاء العقاري، یبقى اللجوء إلى أراضي الجماعات السلالیة هو الحل.
إن استثمار هذه الأراضي من شأنه تحقیق التنمیة على عدة مستویات، سواء منها الفلاحي، أو الصناعي، أو الاجتماعي أو السیاحي.
فعلى المستوى الفلاحي فإن تنفیذ مخطط المغرب الأخضر الذي اعتمده المغرب لجعل الفلاحة رافعة للتنمیة الاقتصادیة في 15 سنة المقبلة، یحتاج إلى و عاء عقاري لتنفیذ هذا المخطط حیث حددت في 700 ألف هكتار.
وتتجلى أهمیة الأراضي السلالیة في نطاق الانتاج الفلاحي من خلال نسبة مساهمتها الهامة في إنتاج بعض المنتوجات الفلاحیة على الصعید الوطني، فعلى سبیل المثال فان هذه الأراضي توفر ما مجموعه 9500 إلى 10000 طن كل سنة من الحوامض، بالإضافة إلى مساهمتها في إنتاج بعض المنتوجات الفلاحیة الأخرى المختلفة والمتباینة حسب المناطق الطبیعیة والمناخی
أما على المستوى الصناعي، فإن العقار یعتبر عنصرا استراتیجي في هذا المجال وركیزة أساسیة في إعداد المناطق الصناعیة لبناء المصانع والمعامل وتتوقف علیه كل تطلعات المخططات التنمویة والسیاسیة العامة، والخاصة بالاستثمار في المجال الصناعي
وأمام عدم اعتماد استراتیجیة من طرف السلطات العمومیة والتي من المفروض أن تجعل الأرض الحضریة أداة لتفعیل التنمیة، إذ یعاني المنعشون والمستثمرون من مشاكل متعددة للحصول على الأرض القابلة للاستثمار، الصناعي منه على الخصوص الأمر الذي یدفع المسؤولین إلى البحث عن بدائل وهذا البدیل لن یكون سوى الأراضي السلالیة نظرا لشساعة مساحتها من جهة، وسهولة الحصول علیها إن وجدت من جهة أخرى، سواء عن طریق الاقتناء بالمراضاة مع الجماعات السلالیة أو عن طریق نزع ملكیتها، وكمثال على مساهمة هذه الأراضي في التنمیة، نذكر مشروع الطاقة نور إلى جانب مجموعة من المشاریع التي یتم إنجازها على أراضي الجماعات السلالیة.
أما على المستوى الاجتماعین فتبرز دور أراضي الجماعات السلالیة في حل أزمة السكن وإنجاز المشاریع التنمویة من خلال مساهمتها بمساحة شاسعة من أراضیها بغرض إنشاء التجزئات السكنیة والتجهیزات الأساسیة والمرافق الضروریة لتنظیم نشاط المجتمع.
لقد استطاعت الجماعات السلالیة بفضل تنشیط وتفعیل أرصدتها العقاریة من أراضیها التي قامت بكرائها للمستثمرین الخواص أو تلك التي قامت بتفویتها إلى الدولة أو السلطات العمومیة لتستثمرها في مجال الإسكان عن طریق محاربة السكن غیر اللائق
وأحیاء الصفیح والسكن العشوائي وكذا المساكن المتداعیة للسقوط، واستثمار مدخراتها العقاریة في مشاریع ساهمت في حل أزمة السكن الخانقة، غیر أنه ما توفره الجماعات السلالیة من أراضي رهن إشارة تشجیع الاستثمار قصد تنمیة الاقتصاد الوطني فإن أراضي الجماعات لازالت من مشاكل وإ كراهات من شأنها أن تعرقل هذا الاستثمار وهو ما سنتناوله في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: معیقات الاستثمار في أراضي الجماعات السلالیة
إن الوضعیة التي تعرفها أراضي الجماعات السلالیة سواء من حیث نظامها القانوني أو طریقة تسییرها أو كیفیة استغلالها یجعل هذا الرصید العقاري الهام یعرف جمودا یحول دون التنمیة المنشودة ویشكل معیقات للاستثمار في هذه الأراضي.
ویمكن رد هذه المعیقات إلى مجموعتین تتعلق الأولى بالتقنین المنظم لهذه الأراضي بینما تهم الثانیة مجال تدبیر هذه الأراضي واستغلالها
الفقرة الأولى: المعیقات القانونیة لاستثمار أراضي الجماعات السلالیة
هناك مجموعة من الثغرات القانونیة والتي تحول والتنمیة في أراضي الجماعات السلالیة وتتمثل هذه الثغرات فیما یلي:
أولا : بالنسبة لظهیر 27 أبریل 1919 في تنظیم ولایة الدولة على الجماعات الأهلیة في ضبط تدبیر الأملاك المشتركة بینها وتفویتها:
– إشكالیة تحدید المفاهیم بخصوص الملك الجماعي المخصص للرعي وكیفیة الحفاظ علیه وتدبیره، أو استغلاله، كما أنه لا یوجد أي تعریف للجماعة السلالیة وحقوقها وكیفیة إنشائها.
– غموض مسطرة اكتساب صفة ذي حق بالجماعة السلالیة؛
– غیاب مسطرة قانونیة لتعیین نائب الجماعة؛
– حصر مسطرة كراء الأراضي الجماعیة طبقا للفصل 6 من ظهیر 1919 لا تساعد على إنجاز مشاریع استثماریة كبرى.
ثانیا : عدم تناسق فلسفة ظهیر 25 یولیوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعیة الواقعة داخل دوائر الري مع مقتضیات ظهیر 27 أبریل 1919 بخصوص صفة المستفیدین.
یعتبر هذا القانون أهم نص قانوني شبه عصري ینظم أراضي الجماعات السلالیة بحیث تحو ل العضو الجماعي من مجرد ذي حق انتفاع على القطعة الأرضیة السلالیة التي في حوزته إلى مالك لها على الشیاع.
وتنبني فلسفة المشرع في هذا النص على الركائز التالیة:
– تطبق مقتضیات هذا الظهیر على أراضي الجماعات السلالیة المتواجدة كلا أو جزءا داخل دوائر الري، مما خلق ارتباكا بالنسبة للجزء المتواجد خارج دوائر الري الذي یفهم؛ من النص انه یبقى خاضعا للقیود القانونیة الواردة في ظهیر 1969
– وضع سیاسة عصریة في الكیفیة المتبعة في تعیین ذوي الحقوق تلافیا لتقنین استغلال أراضي الجماعات السلالیة؛
– إلزام جمعیة المندوبین بوضع لائحة ذوي الحقوق بمجرد نشر الظهیر ولا یدرج فیها أعضاء الجماعات الذین فقدوا حقوقهم في العقار الجماعي على إثر منحهم قطعة في ملك الدولة طبقا لمقتضیات المرسوم الملكي بتاریخ 4 یولیو 1966 بمثابة قانون یتعلق بمنح بعض الفلاحین أراضي فلاحیة أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص.
– عدم قابلیة الطعن في لائحة ذوي الحقوق إلا أمام مجلس الوصایة بمبادرة من المعنیین بالأمر أو من السلطة المحلیة؛
– تتم المصادقة على لائحة الملاكین على الشیاع بقرار لوزیر الداخلیة ینشر بالجریدة الرسمیة؛
– لا یمكن التخلي عن الحصص المشاعة إلا لفائدة الملاك على الشیاع؛
– الخروج عن القواعد العامة للإرث؛
– فتح المجال للدولة من أجل إعادة توزیع الأراضي الفلاحیة التي سبق للمالك على الشیاع إن استفاد منها في إطار قانون الإصلاح الزراعي.
ثالثا : عدم تطابق ظهیر 18 فبرایر 1924 المتعلق بحدید الأراضي الجماعیة كما وقع تعدیله مع ظهیر 3 ینایر 1916 بخصوص مسطرة التحدید الإداري لأملاك الدولة الخاصة:
– تخضع العقارات التي لها شبهة جماعیة لمسطرة التحدید الإداري بطلب ممن له حق الوصایة بناء على استشارة الجماعة السلالیة المعنیة.وتباشر هذه العملیة لجنة إداریة تتكون من مصالح وزارة الداخلیة والمحافظة العقاریة ووزارة التجهیز بالإضافة على عدل ومترجم عند الاقتضاء. تنطلق المسطرة بمرسوم وتنتهي بصدوره ونشره في الجریدة الرسمیة
– كل تعرض یقدم على التحدید الإداري یجب أن یتم على أقصى تقدیر خلال 6 أشهر من انتهاء التحدید ویجب أن یعزز بمطلب تأكیدي تحت طائلة سقوط التعرض.
– المصادقة على التحدید الإداري تؤدي إلى تطهیر العقار المعني من كل الحقوق العینیة التي لم تقدم بشأنها تعرضات.
– استثناء من هذه القاعدة فإن المصادقة لا تمنع مناطق الحلفاء الخاضعة لنظام الغابات والموجودة داخل دائرة العقار المصادق على تحدیدها أن تكون موضوع تحدید إداري جدید طبقا لظهیر 3 ینایر 1916 كما أن التطهیر لا یمس الأوقاف العامة والملك العمومي.
الفقرة الثانیة: تعدد الفاعلین المؤسساتیین في مجال تدبیر الأراضي السلالیة
هناك مجموعة من المتدخلین في تدبیر أراضي الجماعات السلالیة فبدایة هناك ذوي الحقوق أي سكان الجماعات السلالیة ویعتبر هذا المستوى الحلقة الأدنى في تدبیر أراضي الجماعات السلالیة بحیث تنحصر مهمته في تنفیذ قرارات من طرف من یمثله.
وهناك المندوبون ومجلس جماعة النواب أو جمعیة المندوبین والذي یعهد له تدبیر شؤون الجماعة السلالیة ولا سیما ما یتعلق بالتقاضي واستیفاء الدیون المترتبة لفائدة الجماعة السلالیة في ذمة الغیر.
وهناك رجل السلطة الإداریة والذي یشرف على إعداد لوائح ذوي الحقوق كما یشرف على سیر عملیة التحدید الإداري لأراضي الجماعات السلالیة وحمایة الأراضي الجماعیة بصفة ضابط شرطة قضائیة.
وهناك مجلس الوصایة والذي یعتبر أعلى سلطة تقریریة وتحكیمیة في مجال تسییر أراضي الجماعات السلالیة ویدخل في اختصاصه كل ما یتعلق بالجانب الاقتصادي والمالي كالمصادقة على التصرفات العقاریة المنصبة على الأراضي السلالیة وكیفیة صرف عائداتها المالیة، وما یتعلق بالجانب القانوني والقضائي حیث یعتبر مجلس الوصایة مرجعا استئنافیا تقدیم دعاوى الاستحقاق أو الحیازة، دفاعا عن أراضي الجماعات السلالیة.
وهناك مدیریة الشؤون القرویة بوزارة الداخلیة والتي تمارس الوصایة على الجماعات السلالیة باسم وزیر الداخلیة.
وهناك وزیر الداخلیة والذي یتولى مهمة السهر على الحفاظ على الأمن العام ویزود الحكومة بالمعلومات العامة.
وأخیرا هناك الدولة حیث أن كل تصرفات الجماعات السلالیة یجب أن تتم تحت ولایة الدولة.
عموما فتعدد المتدخلین في تدبیر أراضي الجماعات السلالیة یطرح مشكل التنسیق والالتقائیة بین هذه الجماعات و بین هذه الجهات المدبرة وعدم توحید الرؤیة بخصوص تدبیر هذا الرصید العقاري الهام. فواقع من هذا القبیل یجعل جزءا كبیرا من الوعاء العقاري خارج الدورة الاقتصادیة مما یستدعي التفكیر في تأهیل هذا النظام العقاري وتسخیره لخدمة التنمیة.
تذكر أنك حملت هذا المقال من موقع Universitylifestyle.net
لمناقشة المقال فى صفحة الفايسبوك
أحدث التعليقات